ومنشأ الاختلاف بينهم والتضليل مسألتان: التقديم والتفضيل، ألا ترى إلى جمهور الخصوم لما قطعوا بإمامة الثلاثة بعد النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم قبل علي عليه السلام وفضلوهم عليه وجعلوه رابعاً، قدحوا في كل من قطع بإمامته بعد النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم دونهم، ومن خطأهم في التقديم عليه وجزم بتفضيله عليهم فمعتمد جرحهم لأكثر الشيعة إنَّما هو لذلك، فمن روى خلاف مذهبهم ولو سنياً بدعوه وكذبوه وسموه رافضياً وتركوا الأخذ منه ونهوا عن الكتابة عنه وهجروه... إلى أن قال: وأعانهم على ذلك خلفاء الدولتين، ومن طالع الأخبار وعرف علوم الرجال عرف ذلك ضرورة.
قال في الإقبال: فإنك تراهم طالما يرجحون المفضول على الفاضل ويجرحون بما يعده خصومهم من إعلاء المراتب والفضائل كالقدح بالتشيع، وتجد المتكلم منهم على أحاديث مذهبه يتغاضى عمن روى حجته وإن كان مجروحاً أو ضعيفاً، ويتطلب الجرح لمن روى ما يخالفها، وإن كان مجروحاً أو ضعيفاً، ويتطلب الجرح لمن روى ما يخالفها وإن كان ثقة عفيفاً، فكم من حديث قد ضعفوه بذلك ورجحوا عليه المجروح ونالوا من أعراض قوم لا تزال أرواحهم تغدوا في جنان الخلد وتروح... إلى أن قال: إن المحدثين قد شابوا كتبهم بذكر أعداء أهل البيت عليهم السلام وادعوا للذين قاتلوا علياً عليه السلام أنهم قاتلوه على وجه التأويل وأنهم أخطأوا في الاجتهاد، وأنه خفي على من يضرب المثل بدهائه منهم كمعاوية وعمرو، انتهى.
[رجال البخاري ومسلم]
قال المقبلي: وهذان البخاري ومسلم رويا عن عتبة بن سعيد ابن العاص وهو جليس الحجاج، وعن مروان ابن الحكم، وتجنب البخاري من لا يحصى من الحفاظ العباد، كما تخبرك عنه كتب الجرح والتعديل مع أن من روى عنه متكلماً فيه بالضعف الكثير، بل في رجال الصحيحين من تكلم فيه كذلك، ومنهم من لم يعدل صريحاً ولاكثر الرواة عنه حتى يصير كالمعدل.(1/16)


قال: يعني الذهبي في ترجمة يحيى بن مالك الرمادي في رواة الصحيحين عدد كثير ما علمنا أن أحداً نص على توثيقهم، انتهى.
وذكر القاسم بن محمد عليه السلام أن المتكلم فيه عند البخاري ومسلم ممن خرجا عنه قدر ألف ومأتين، انتهى.
قال في الرسالة المنقذة: وقالوا إن البخاري نظر في كتاب مسلم بمحضر منه فَعَلَمَ على جماعة عدهم مسلم من الصحابة وهم من التابعين وجماعة عدهم من التابعين وهم من الصحابة، ورغب مسلم عن جماعة لم يرغب عنهم البخاري كما قالوا في عكرمة وعاصم بن علي وغيرهما، وحكوا أن مسلماً لما وضع كتابه الصَّحيح عرضه على أبي زرعة الرازي فأنكر عليه وتغيظ، وقال: سميته الصَّحيح فجعلت سلماً لأهل البدع وغيرهم. وقالوا: اعتمد البخاري على كثير ممن يقول بالإرجاء وغيرهم من أهل التدليس ومجاهيل ومتكلم فيهم فالذين تكلم فيهم بالجرح بحق وباطل ممن اعتمدهم ثلاث مائة وخمسة وخمسون رجلاً، والذي علق لهم من المتكلم فيهم خمسة وسبعون رجلاً، والمجاهيل المختلف فيهم وفي تعيينهم مائة وثمانية وأربعون رجلاً.. إلى أن قال فيها: عدد من أخرج له البخاري ولم يخرج له مسلم (يريد أي الحاكم لأنَّه القائل) (1) أن مسلماً استضعفهم أربع مائة وأربعة وثلاثون شيخاً، وعدد من احتج بهم مسلم ولم يحتج بهم البخاري يريد أن البخاري استضعفهم ست مائة وخمسة وعشرون شيخاً... إلى أن قال فيها: ومثله يعني مثل ما ذكر الحاكم ذكره ابن حجر.. إلى أن قال فيها: واعتمدوا من شهروهم بالنصب وتكلموا عليه كحريز بن عثمان وفليح وأمثالهما إلى أن قال: بل قال قائلهم: لو ارتد عبد الرزاق ما تركنا حديثه، انتهى.
قال السيد محمد بن إبراهيم الوزير في سنن ابن ماجة ما لفظه: وهو أضعف أهل السنة حديثاً، قال علماء هذا الفن فيه فقد روى ألف حديث من المضعفات وكثير من الباطلات، انتهى.
__________
(1) ـ ما بين القوسين حاشية. تمت(1/17)


وفي الإقبال: واعلم أن أكثر من لا يعرف الحديث معرفة محققة يعتقد أن أهل الصحاح قد حصروا الصَّحيح منه فما وجد فيها فهو الصَّحيح وما لا يوجد فيها فليس بصحيح وهذا وهم فاسد، وقد صرح أهل التحقيق من المحدثين بذلك، وأن الذي ذكر فيها هو بعض الصَّحيح عند أهلها وغيرهم.
قال السيد جمال الدين علي بن محمد بن أبي القاسم رحمه اللّه: الذي ذهب إليه علماؤنا وتجري عليه أصولهم أن في أخبار هذه الكتب الصَّحيح والمعلول والمردود والمقبول، انتهى.
قال المنصور بالله القاسم بن محمد ما لفظه: ذكر الإمام المهدي أحمد بن يحيى عليه السلام عن الهادي عليه السلام أنَّه قال في صحيح بخاري ومسلم: بينهما وبين الصحة مسافات ومراحل، انتهى.
وعند جمهور المحدثين والفقهاء أن الصحابة عدول مطلقاً وما شجر بينهم فمبناه على الاجتهاد.
وفي الإقبال: ويرد يعني الحديث بجهالة الراوي وهو إما مجهول العدالة ورده أئمتنا إلا مجهول العترة، والجمهور إلا مجهول الصحابة المنصور بالله والتابعين، وقبله المرادي وابن زيد والقاضي في العمد والحنفية وأبي فورك وغيرهم مطلقاً وهو أحد احتمالي أبي طالب وأحد قولي المنصور بالله، انتهى.
قال في الروض الباسم ورجح أبو طالب في كتابه المسمى بجوامع الأدلة قبول المجهول إلى أن قال فيه: وأما مذهب أصحابنا فلم يتعرض هو ولا غيره بحكايته إلاَّ الفقيه العلامة عبد اللّه بن زيد صاحب الإرشاد فإنه قال مذهبناً قبوله... إلى أن قال فيه: ومما يؤيد رواية عبد اللّه بن زيد أنَّه ليس للزيدية شيء من العناية بمعرفة كتب الجرح والتعديل، فلو اشترطوا معرفة العدالة لظهر أثر عقيدتهم بالبحث عن لوازمها ولورعهم، وهذا أمر مرجح فقط، والعمدة على رواية الفقيه الثقة عبد اللّه بن زيد رحمه اللّه، انتهى.
[رواية كافر التأويل وفاسقه](1/18)


وأما كافر التأويل وفاسقه، فقال في الروض الباسم ما لفظه: وأما مذهب الزيدية في هذا فمذهبهم قبول كافر التأويل وفاسق التأويل... إلى أن قال فيه: وقال المنصور بالله رضي اللّه عنه في كتاب الشهادات في كتاب المهذب ما لفظه: وقد ذكر أهل التحصيل من العلماء جواز قبول أخبار المخالفين في الاعتقادات، وروى عنهم المحققون بغير مناكرة في ذلك... إلى أن قال فيه: وقال الفقيه عبد اللّه بن زيد مذهبنا قبول كافر التأويل وفاسق التأويل.. وقال صاحب الجوهرة: يجوز رواية فاسق التأويل، ويجيئ عليه رواية كافر التأويل.. وقد نقلت كلام الأصحاب وسائر العلماء في هذه المسألة مستقصى في العواصم وعلوم الحديث وبينت دعوى الإجماع على رواية فاسق التأويل من ثمان طرق عن المنصور بالله والإمام يحيى بن حمزة والقاضي زيد والفقيه عبد اللّه بن زيد والشيخ أبي الحسين والحاكم بن سعيد المحسن بن كرامة والشيخ أبي حمد الحسن بن محمد بن الحسن الرصاص وأحمد بن محمد بن الحسن، والإجماع على قبول كافر التأويل من أربع طرق عن الإمام يحيى بن حمزة والإمام المنصور بالله والفقيه عبد اللّه بن زيد والقاضي زيد، وذكر المؤيد بالله أنَّه قول أصحابنا وظاهره حكاية إجماع أصحابنا؛ لأنَّه لم يستثن منهم أحداً حكاه عنه في اللمع... إلى أن قال فيه: إذا تقرر عندك بالنصوص الجمة من ثقات أهل المذهب وأئمتهم قبول رواية كافر التأويل لزم منه أن من كفر وفسق وخرج من الإسلام ومرق ولعن علياً عليه السلام وكفره وكفر سائر أئمة الإسلام واستحل دماءهم وسبى نساءهم وأمهاتهم واسترقاق ذرياتهم من الخوارج الموارق بنص رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم المجمع على صحته بين فرق الإسلام مقبول، فإذا أئمة الزيدية يقبلون من هذه صفته متى كان مظهراً للتأويل مدعياً له، فليت شعري ما سبب التشنيع العظيم من بعض الناس على المحدثين في قبولهم للصحابة المتأولين وعدم جرحهم لمن دخل منهم في الفتن مع(1/19)


قطعهم بخطاهم ولعنهم وبراءتهم من أفعالهم، انتهى.
[الزيدية في علم رجال الحديث]
قال المقبلي في المنار: جرت عادة الزيدية بإطراح البحث عن الرجال فليس لهم جمع في الجرح والتعديل وكثير من رواتهم لا يوجد في كتب المحدثين، وأن وجد ففي المحدثين انحراف لا يقبل معه كلامهم... إلى أن قال فيه: لكن لا طريق لنا إلى معرفتها لعدم عنايتهم بالأسانيد واعتمادهم على الإرسال وإسقاطهم وإهمالهم علم الرجال... إلى أن قال فيه: لكن جرت عادة أئمة أهل البيت عليهم السلام بهذا الإرسال ووجهه ارتفاع طبقة أوائلهم وكثرت روايتهم عن أهلهم أهل الديانة والشيم، ثُمَّ من اقتدى بهم تبعهم في ذلك، والخير يتناقص والشر يتزايد واختلط المعروف بالإنكار فلم يتميز ذا من ذاك فلم يبق لطالب الحق إلاَّ النظر في الأسانيد وأمارات الصدق حتى يظنه، ومن لم يعرف عين الرواة ولا صفاتهم فلا طريق له إلى ذلك كيف الصَّحيح من السقيم. وذكر أيضاً معناه في العلم الشامخ حيث قال: إنَّما يقتطفون (يعني أهل البيت عليهم السلام)(1) من كتب الحديث ما يثقون به لقلة الرواية في كتبهم الأصلية، وأما المتأخرون فقد أخذوا من سنن أبي داود ونحوها ووضعوا لهم كالشفاء وأصول الأحكام بغير إسناد بل مراسيل في الظاهر ولا يقدر أحدهم على إسنادها اللّهم إلاَّ إلى أصولها من كتب المحدثين، لكن الدعوة أنها متصلة بغير حاجة إلى المحدثين، والحقيقة خلاف ذلك، والمسند كما في كتابي الهادي وكتاب أحمد بن عيسى وكتاب محمد بن منصور وشرح التجريد ونحوها، ولا يقدرون على معرفة رجالهم إلاَّ من جهة المحدثين؛ لأنَّه ليس لهم وضع في الجرح والتعديل، انتهى.
__________
(1) ـ ما بين القوسين يحتمل أنَّه حاشية.(1/20)

4 / 12
ع
En
A+
A-