وفي تنقيح الأنظار وقد روى العقيلي بسنده إلى حماد بن زيد، قال: وضعت الزنادقة على رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم أربعة عشر ألف حديث... إلى أن قال: وضرب امتحنوا بأولادهم أو وراقين لهم فوضعوا أحاديث ودسوها عليهم فحدثوا بها من غير أن يشعروا كعبد اللّه بن محمد بن ربيعة بن قدامة... إلى أن قال: وذكر الإمام أبو بكر محمد بن منصور السمعاني أن بعض الكرامية ذهب إلى جواز وضع الحديث عن النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم فيما لا يتعلق به حكم من الثواب والعقاب ترغيباً للناس في الطاعة وزجراً لهم عن المعصية... إلى أن قال فيه: وروى ابن حبان في مقدمة تاريخ الضعفاء بإسناده إلى عبد اللّه بن يزيد المعري أن رجلاً من أهل البدع رجع عن بدعته فجعل يقول: انظروا لحديث عمن تأخذونه فإنا كنا إذا رأينا رأياً جعلنا له حديثا، انتهى ولفظه في جامع الأصول ما لفظه: قال شيخ من شيوخ الخوارج بعد أن تاب: إن هذه الأحاديث دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، فإنا كنا إذا هوينا أمراً صيرنا له حديثا، انتهى.(1/6)


قال في شرح البالغ المدرك لأبي طالب عليه السلام: وروي عن بعض كبار أصحاب الحديث أنَّه قال: نصف الأحاديث كذب. وفيه أيضاً يرويه بسنده عن سليمان بن حرب، قال: دخلت على شيخ وهو يبكي فقلت له: ما يبكيك؟ فقال: وضعت أربع مائة حديث كذباً وجعلتها في تاريخ الناس فلا أدري كيف أصنع. وفيه أيضاً أنَّه صلى أحمد بن حنبل ويحيى بن معين في مسجد الرصافة فقام بين أيديهم قاص فقال: حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين قالا: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر بن قتادة عن أنس، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم: (( من قال لا إله إلاَّ اللّه خلق اللّه من كل كلمة منها طيراً منقاره من ذهب وريشه من مرجان... )) وأخذ في قصة نحواً من عشرين ورقة، فجعل أحمد ينظر إلى يحيى ويحيى بن معين ينظر إلى أحمد بن حنبل، فقال: أنت حدثته بهذا؟ فقال: واللّه ما سمعت به إلا هذه الساعة فسكتا حتى فرغ من قصصه... إلى أن قال فيه: فقال له يحيى: من حدثك بهذا؟ فقال: أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، فقال: أنا يحيى بن معين وهذا أحمد بن حنبل وما سمعنا بهذا قط من رسول اللّه صلى اللّه وعلى آله وسلم، فقال له: أنت يحيى بن معين؟ قال: نعم، قال: ما زلت أسمع أن يحيى بن معين أحمق حتى هذه الساعة، قال يحيى: وكيف علمت أني أحمق؟ قال: كأنه ليس في الدنيا يحيى بن معين وأحمد بن حنبل غيركما كتبته عن سبعة عشر رجلاً أسماؤهم أحمد بن حنبل، انتهى.
قال في الإقبال: ولقد قال شعبة: لم يفتش أحد عن الحديث تفتيشي فوجدت ثلثي ما فتشت عنه كذباً... إلى أن قال فيه: قال بعضهم: إذا كتبت فقمش، وإذا عملت ففتش. وقال فيه: قال شعبة إمام المحدثين: تسعة أعشار الحديث كذب. وقال الدار قطني: ما الحديث الصَّحيح في الحديث إلاَّ كالشعرة البيضاء في الثور الأسود، انتهى.
[إتهام بعض الصحابة بعضاً في رواية الحديث](1/7)


واعلم أنَّه قد اتهم بعض الصحابة في بعض وقد كُذِّب بعضهم، ذكر في إملاء النقيب أبي جعفر رضي اللّه عنه ما لفظه: وهذا علي عليه السلام يقول: ما حدثني أحد بحديث من رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم إلاَّ استحلفته عليه. أليس هذا اتهاماً لهم بالكذب... إلى أن قال فيها: وقد صرح غير مرة بتكذيب أبي هريرة، وقال: لا أجد أكذب من هذا الدوسي على رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم. انتهى.
وفي شرح البالغ المدرك ما لفظه: وروي عن عمر أنَّه كان ينكر على أبي هريرة كثرة الروايات عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم، وقال: لتقلن الرواية عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم أو لأنفينك إلى جبال دوس، انتهى.
ويدل على ذلك أيضاً قول أبي بكر عند تحريقه للأحاديث التي عنده: خشيت أن أموت وهي عندي فتكون فيها أحاديث من رجل قد ائتمنته ووثقت به ولم يكن كما حدثني فأكون فقد نقلت ذاك.
وأخرج الحاكم في مستدركه في جملة حديث ذكر عند عائشة أن علياً قتل ذا الثدية فقالت لي ـ يعني لمسروق ـ لأنَّه راوي الحديث: إذا أنت قدمت الكوفة فاكتب لي ناساً ممن شهد ذلك ممن تعرف من أهل البلد، فلما قدمت وجدت الناس أسباعاً فكتبت من كل سبع عشرة ممن شهد ذلك، قال: فأتيتها بشهادتهم، فقالت: لعن اللّه عمرو بن العاص فإنه زعم لي أنَّه قتله بمصر.(1/8)


قال في الاعتصام: وفي مسند علي بن أبي طالب عليه السلام رواية عمر بن حفص عن عبد اللّه بن أبي شيبة بإسناده إلى نعيم بن دجاجة، قال: كنت جالساً عند علي عليه السلام إذ جاءه أبو مسعود البدري، فقال علي: قد جاء فروح فجاء فجلس، فقال علي: إنك تفتي الناس؟ قال: نعم وأخبرهم أن الآخر ـ يعني(1) علياً عليه السلام يعرض به شر. قال: فأخبرني هل سمعت من شيء؟ قال: نعم سمعته يقول: لا يأتي على الناس سنة مائة وعلى الأرض عين تطرف، فقال علي عليه السلام: أخطأت إستك الحفرة وأخطأت في الأول فتواك إنَّما قال لكل من حضره يومئذ: هل الرخاء إلاَّ بعد المائة.
وفيه أيضاً روي أن عمر حبس ثلاثة: ابن مسعود وأبا الدرداء وأبا مسعود الأنصاري، وقال: قد أكثرتم الحديث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم. وفيه أيضاً: وأبو بكر وعمر لم يقبلا خبر عثمان في رد الحكم طريد النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم إلى المدينة، وأبو بكر أيضاً لم يقبل خبر المغيرة بن شعبة في ميراث الجدة حتى انضاف إليه غيره، وعمر لم يقبل خبر أبي موسى في الاستئذان أيضاً وحده حتى رواه غيره.
وفيه أيضاً وأخرج مسلم عن مجاهد قال: جاء بشير العدوي إلى ابن عباس فجعل يحدث ويقول: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم وجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه ولا ينظر إليه، فقال: له بشير: مالي أراك لا تسمع إليَّ حديثي أحدثك عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم ولا تسمع؟ فقال ابن عباس: إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلاً يقول قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم ابتدرته أبصارنا وأصغينا أسماعنا، فلما ركب الناس الصعبة والذلول لم نأخذ من الناس إلاَّ ما نعرف.
__________
(1) ـ لفظ يعني علياً عليه السلام، يعرض به حاشية.(1/9)


وفيه قال الحاكم وسرد إسناده إلى ربيعة بن يزيد، قال: قعدت إلى الشعبي بدمشق في خلافة عبد الملك فحدث رجل من الصحابة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أنَّه قال: (( اعبدوا ربكم ولا تشركوا به شيئاً وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الأمراء فإن كان خيراً فلكم وإن كان شراً فعليهم وأنتم منه برآء )) فقال له الشعبي: كذبت، انتهى وفي إملاء النقيب أبي جعفر رضي اللّه عنه روى بعض الصحابة عن النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم أنَّه قال: (( الشؤم في ثلاثة: المرأة والدار والفرس ))، فأنكرت عائشة ذلك وكذبت الراوي... إلى أن قال فيها: وروى بعض الصحابة عنه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم أنَّه قال: (( التاجر فاجر )) فأنكرت عائشة ذلك وأنكرت على الراوي... إلى أن قال فيها: وأنكر قوم من الأنصار رواية أبي بكر الأئمة من قريش ونسبوه إلى افتعال هذه الكلمة. وقال فيها: وطعن ابن عباس في حديث أبي هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم: (( إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخلن يده في الإناء حتى يتوضأ )) وقال: فما نصنع بالمهراس، انتهى.
[تعديل مطلق الصحابة](1/10)

2 / 12
ع
En
A+
A-