قال السيد محمد بن إبراهيم الوزير ما لفظه: ولا يجب أن يحمل محمد بن منصور وهو مصنف أمالي أحمد بن عيسى على أنَّه لا يروي إلاَّ عن ثقة فقد نص الرجل رحمه اللّه في الأمالي على أنَّه لا يشترط ذلك، فقال في أثناء أبواب الصلاة في آخرها ما لفظه: يؤتم في الصلاة بكل تقي ومن لم تظهر ريبته جازت شهادته والصلاة خلفه، ثُمَّ قال بعد هذا باب من يؤتم به في الصلاة، فأجاز رحمه اللّه شهادة من لم تظهر ريبته، وإن لم يكن تقياً وهذا هو المجهول والشهادة آكد من الرواية لحديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم بالإجماع وبذلك يشرط فيها شاهدان اثنان فكيف برواية مذاهب العلماء والأئمة، وعلى هذا لو أرسل محمد بن منصور بصيغة الجزم لم يقبل منه من لا يقبل المجهول فكيف وقد أسند الرجل وخرج من العهدة فيأتي الأمير الحسين رحمه اللّه وغيره من المتأخرين فيختصرون إسناده وينقلون ما رواه بإسناده مرسلاً فيقطع الأصحاب بصحته وإن رواته ثقات. انتهى كلام السيد محمد.
قلت: وفي تتمة الاعتصام ما لفظه: قلت: ولا جرح إلاَّ من عدل ورواية الحافظ محمد بن منصور رحمة اللّه عليه من أعلى درجات التعديل لمن أسند إليه من مشائخه الحفاظ والله حسبي ونعم الوكيل؛ لأن المعروف من مذهبه رحمه اللّه اشتراط العدالة في المخبر والله أعلم. انتهى ما في التتمة بلفظه.(1/51)


نعم وإذا أردت أن تعرف شرط الأمير الحسين وقاعدته وتحريه في الأحاديث فانظر إلى ما نقلته من ينابيع النصيحة، واعلم أنَّه لا يناقض ما ذكره الأمير في الشفاء من قبوله في الأحكام الشرعية رواية فاسق التأويل ماذكره في الينابيع لإمكان الجمع ولا ينقض تحريه فهذا ما نقلته من الينابيع، قال الأمير الحسين في ينابيع النصيحة ما لفظه: وقد جعلت ما أوردته من الأخبار ـ يعني في ينابيع النصيحة ـ(1) وذكرته من الآثار مما سمعته بالأسانيد الصحيحة. انتهى. وقال فيها في الجواب عما روي من أنَّه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال: (( سترون ربكم.. )) الخ ما لفظه: الجواب عن ذلك من وجوه: منها أن هذا الخبر من أخبار الآحاد.. إلى أن قال فيها: ومنها أن أخبار الآحاد وهي لا توصل إلاَّ إلى الظن فقط متى تكاملت شرائطها، ومسألة الرؤية من مسائل أصول الدين فلا يجوز أن يؤخذ فيها بأخبار الآحاد.. لا يجوز الأخذ بها ولا العمل عليها إلاَّ متى تكاملت شرائطها هي ثلاثة:
أحدها: أن يكون الراوي عدلاً ضابطاً؛ لأن رواية غير العدل الضابط مردودة بلا خلاف، وهذا الخبر لم يسلم من ذلك فإنه ينتهي إلى قيس بن حازم وهو مطعون في روايته من وجوه:
__________
(1) ـ ما بين القوسين حاشية. تمت.(1/52)


أحدها أنَّه كان متولياً من بني أمية ومعيناً لهم على أمرهم ولا شبهة في كون ذلك فسقاً إن لم يبلغ الكفر؛ لأنهم عندنا كفار... إلى أن قال فيها: ومنها أنَّه كان مبغضاً لأمير المؤمنين علي عليه السلام، إلى أن قال فيها: ومن دخل بغض علي عليه السلام في قلبه فلا شبهة في فسقه إن لم يكن كافراً إلى أن قال فيها: ثُمَّ إن الخبر ينتهي إلى جرير بن عبد اللّه وجرير بن عبد اللّه هذا هو الذي لحق بمعاوية وخرج على أمير المؤمنين عليه السلام، إلى أن قال فيها: وثانيها: أن لا يعارض أدلة العقول ولا محكم الكتاب ولا السنة المعلومة، إلى أن قال فيها: وثالثها: أن لا يرد في أصول الدين ولا فيما لا يؤخذ فيه إلاَّ بالأدلة العلمية وهذا الخبر ورد في أصول الدين فوجب سقوطه، فإذا كانت هذه الشرائط تعتبر في باب العمل بأخبار الآحاد بحيث لا يجب العمل بها إلاَّ مع تكامل هذه الشرائط فكيف يصح الأخذ به مع فقد هذه الشرائط. انتهى.
وقال فيها: روينا بالإسناد الصَّحيح إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم أنَّه قال: (( أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: بعثت إلى الأحمر والأسود... الخ )) انتهى. وقال فيها بعد أن احتج على إمامة أمير المؤمنين من كتب القوم ما لفظه: واعلم أيها المسترشد أنا قد جعلنا الرواية مضافة إلى هؤلاء الرواة ونسبناها إلى كتبهم لاشتهار كتبهم عندهم، فإن الصحاح مشهورة والفقهاء عن يد يعتمدون على مافيها، فألزمنا الخصوم قبل رواية أهل مذهبهم وأئمتهم ليكون أبلغ في الاحتجاج وتنكبنا عن طريق رواية أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم الهداة الأعلام على اتساع نطاقها وثبوت ساقها. انتهى.(1/53)


وقال فيها: وذكر أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة خبر يوم الغدير وأفرد له كتاباً وطرقه من مائة طريق وخمس طرق ذكر جميع ذلك الإمام المنصور بالله عليه السلام وصحت الرواية في ذلك لنا عنه... إلى أن قال فيها بعد ما ذكر حديث الغدير من طرق القوم ما لفظه: وقد تنكبنا طريق رواية العترة عليهم السلام وشيعتهم الهداة الأعلام لهذا الخبر؛ لأنا أردنا إلزام الحجة للمخالفين بما رووا علماؤهم وشهد به كتب الصحاح وإلا فرواية العترة وشيعتهم فوق ما حكيناه عن غيرهم؛ لأنهم أهل هذا الشأن وهم أهل الجري في هذا الميدان. انتهى.
وقال فيها ما لفظه: وأما المطلب الثاني وهو في ذكر طرف يسير من فضائله ـ يعني علياً عليه السلام ـ ومناقبه فله فضائل كثيرة، ومناقب شهيرة وهي مدونة في الكتب المشهورة كالصحاح وغيرها مما رواه المخالفون من فضائله عليه السلام ونضيفه إلى كتبهم؛ لأنها كالشاهدة عليهم شهادة الخصم لخصمه من أقوى الشهادات؛ لأنها لا تحتاج إلى عدد ولا تفتقر إلى تعديل ولا ترد بجرح ولا يقدح فيها الرجوع بعد ثبوتها، وأما ما رواه آباؤنا الأئمة الأعلام عليهم الصلاة والسلام أو رواه أتباعهم من علماء أهل الإسلام فهذا باب واسع، إلى أن قال فيها: فضيلة تبليغ سورة براءة روينا بالإسناد الموثوق به أن سورة براءة لما نزلت .. الخ إلى أن قال فيها: وهذا رويناه من كتاب التهذيب في التفسير ولم يكن صاحبه زيدياً في أوله بل كان معتزلياً. انتهى.
وقال فيها بعد أن روى أحاديث في أن الحق مع علي عليه السلام ما لفظه: ولا يجوز أن تشتهر هذه الأخبار إلاَّ وفي جملتها ما هو صحيح ويجري الكلام في ذلك مجرى العلم بشجاعة عنترة وكرم حاتم، فإن ذلك اشتهر بأخبار الآحاد الكثيرة فقطعنا على أنَّه لا بد أن يكون في جملتها ما هو صحيح، والعلة الرابطة بين ذلك تطابق الأخبار من جهة الآحاد على معنى واحد فوجب كون ذلك المعنى صحيحاً ويقرب أن يكون متواتراً. انتهى.(1/54)


وقال فيها بعد أن روى أخباراً في فضائل أمير المؤمنين ما لفظه: وهذه الأخبار التي رويناها في فضل علي عليه السلام هي مجة من لجة وقطرة من مطرة من مناقبه التي رواها المخالفون وذكرها أئمتهم وعلماؤهم من جملة مناقبه التي رووها وذكروها فلما صح لنا سماعها عنهم من كتبهم التي هي صحيح مسلم وصحيح البخاري ومن كتاب الجمع بين الصحيحين لأبي عبد اللّه محمد بن نصر الحميدي ومن كتاب الجمع بين الصحاح الستة لرزين العبدري، ومن السنن لأبي داوود السجستاني وصحيح الترمذي ومن صحيح النسائي ومن جمع البدري ومن مسند بن حنبل وتفسير الثعلبي، وما رواه ابن المغازلي الواسطي فلنقتصر عليها ليكون ذلك أقوى للحجة وأبلغ في إيضاح المحجة، وتنكبنا طريق رواية الشيعة لفضائله عليه السلام لكون أهل جهتك أيها الطالب ما يلين إلى فقهاء العامة ومعتمدين على أئمتهم في الفقه فألزمناهم ما رووه أئمتهم وإلا فرواية الشيعة كثيرة ولهم في فضائله كتب جليلة خطيرة تشتمل على ألوف أحاديث ولذلك تركنا ما اختص بروايته آباؤنا الأئمة الكرام عليهم أفضل الصلاة والسلام مع اتساع نطاقها وثبوت ساقها لهذه العلة التي ذكرناها. انتهى.
وقال فيها ما لفظه: فأما ما ورد فيه ـ يعني القاسم بن إبراهيم فما هو في أفواه الناس ويروونه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم أنَّه قال لفاطمة عليها السلام: (( يا فاطمة: منك هاديها ومهديها ومستلب الرباعيتين ))، يعني القاسم بن إبراهيم، هكذا يروونه مفسراً ولم تصح لي فيه الرواية عمن أثق به إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم ونعوذ بالله أن أقول على رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم ما لم يقول، ثُمَّ روى لي من أثق به بإسناده إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم، أنَّه قال: (( يا فاطمة، منك هاديها ومهديها ومسترق الرباعيتين ولو كان بعدي نبياً لكان نبياً )) انتهى.(1/55)

11 / 12
ع
En
A+
A-