السلام بصحة أسانيدها، وأما أن أصولها من كتب العترة وأهل الحديث من غير أصحابنا فلا نسلم أن أصولها من كتب أهل الحديث إلاَّ ما صرح به عليه السلام وهو قليل نادر كيف وأكثر الأحاديث النبوية من رواية أسلافنا من أهل الحديث المعتمد على رواياتهم حتى قال الذهبي: قال البخاري: ولو ترك علي وصحابه وعد جماعة من الشيعة لغلقنا الباب وانقطع الخطاب ولماتت الآثار.
وقال في الإقبال: البحث الثاني في ذكر أسلافنا من أهل الحديث المعتمد على رواياتهم في الزمن القديم والحديث من غير أهل البيت عليهم السلام ليعرف ذلك المغربون ويظهر كذب ما يزعمه الناصبون وكتب الحديث برواياتهم مشحونة... إلى أن قال: وهم خلق كثير وسواد عظيم بالحجاز والعراق واليمن والشام وكثير من بلاد الإسلام... إلى أن قال فيه: وقد يخصهم بالذكر بعض علمائنا إذا انفردوا بقول في مسألة كالأمير الحسين فإنه يقول في بعض المسائل وهذا رأي محدثي أصحابنا، وقد روى عنهم أهل الصحاح كالبخاري ومسلم وغيرهما واعتمدوا على رواياتهم في إثبات الأحكام الشرعية في الحلال والحرام... إلى أن قال فيه: قال الذهبي في الميزان: لو تركت روايات ثقات الشيعة لذهب جملة من الآثار النبوية. انتهى. وحينئذ لا يحتاج إلى تعديل أهل الحديث؛ إذ تعديل عترة المصطفى الذين أمرنا اللّه باتباعهم والاهتداء بهديهم والإقتداء بهم أولى من تعديل غيرهم، وهو عليه السلام قد صرح في ديباجة الشفاء بأنه ثبت عنده ضبط رواتها وعدالتهم وهو عليه السلام أعرف بأصحابنا من أهل الحديث من الذهبي وغيره الذي يجرحون العدل ويعدلون المجروح.(1/46)


وأما تشكيك السيد محمد بن إبراهيم واستدلاله بحاشية، قال أنها بخط الأمير فهو لايلزم منها ما توهمه السيد إذ قول الأمير في الحاشية أنَّه قد صح له الفائق لسماعه له... الخ، إنَّما هو كقول الإمام المنصور بالله رداً على الخارقة حيث قال (المنصور بالله) في كتب العامة: إنَّه قد صح له سماعها عن الفقيه العالم أبي الحسين يحيى بن الحسن البطريق يرفعه إلى رجاله مما رواه من كتب العامة بالأسانيد الصحيحة، يعني أنها متصلة منه عليه السلام بالسماع إلى مصنفيها دون أنَّه قد ثبت له كل حديث منها على انفراده باستكماله شروط الرواية التي هي العدالة والضبط، وإنما أراد أن له فيها طريقاً موصلة إلى مصنفيها ولم يصرح بالعدالة والضبط، وأما كون الأمير صح له الفايق لأجل السماع فإنما أراد السماع له سنده إلى مصنفه، وذكر السماع له أقوى طرق الرواية فأخبر عن صحة السند بما هو أقوى الطرق إلى مصنفيها، ولكنه لم يصرح أنَّه قد ثبت له عدالة الراوي وضبطه، بخلاف ما ذكره في ديباجة الشفاء، فإنه ذكر أولاً أن الأخبار التي فيه مما صحت أسانيدها أي طرقها إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم، ثُمَّ عقبه بذكر ضبط رواته وعدالتهم، فكأنه قال عليه السلام: حدثني فلان عن فلان إلى أن يوصل السند إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم فهذه صحة السند ثُمَّ من بعد ذلك ذكر ضبطهم وعدالتهم، بل هذا دليل على أن الأمير معتمد على أقوى الطرق، وأنه لا يقول صح إلاَّ وقد سمعه، وأنه لا يقول صح له من دن أن يكون قد أسمعه، ثُمَّ لو سلمنا أنَّه صح له كتاب الفائق ـ أي أحاديثه ـ فلا يتم للسيد محمد ما رامه؛ إذ ليس فيه دلالة على أن المقصود أنَّه صح له لأجل سماعه له على شيخ ثقة فقط؛ إذ الظاهر أن المقصود أنَّه أسمعه فاتصل سنده إلى المصنف أو النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم بالسماع لا بالإجازة ونحوها.(1/47)


وأيضاً: الظاهر من قوله عليه السلام في ديباجة الشفاء: رغبت أن أجمع من عيون ما حفظته ونفيس ما رُوِّيتُه زبداً مما صحت أسانيدها... إلى أن قال: وثبت عندي ضبط رواتها وعدالتهم، أنَّه صح له سندها إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم وثبت عنده عدالة الرواة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم، والتشكيك لا يدفع الظهور وإلا لما استقام دليل غير ضروري؛ إذ ما من دليل غير ضروري إلاَّ ويمكن فيه التشكيك هذا والله أعلم.
وأما كونه عليه السلام يروى عن أبي موسى وغيره فهو عليه السلام يجوز الرواية عن كافر التأويل وفاسقه إذا كان محرم الكذب، وقد صرح بأنه ثبت له ضبطهم وعدالتهم ـ يعني العدالة في الرواية، وليس هو مخاطب عليه السلام إلاَّ بما صح له لا بما اعتقده غيره بأنهم فساق صريح أو مجوزين الكذب، مع أنَّه عليه السلام لم يرو عنهم إلاَّ فيما لا يجر إلى بدعهم ولا حامل لهم على الكذب فيه بل روى ما هو مشقة عليهم وهي الأحكام الشرعية إذ هم مكلفون بها.
وأيضاً: الغالب أنَّه ما يروى عنهم إلاَّ مع ما يقوي روايتهم من إجماع أو ظاهر آية أو حديث آخر أو قول أحد قدماء أئمتنا عليهم السلام؛ إذ هم عليهم السلام لا يعتمدون في دينهم إلاَّ على القرآن أو السنة المتواتر أو الإجماع أو ما رواه آباؤهم عليهم السلام أو من عرفوا دينه وورعه من شيعتهم أو قياس على الكتاب أو على ما ذكرنا من السنة.
قال الإمام القاسم بن محمد عليه السلام، قال المحسن بن محمد بن المختار عليه السلام لم يضع الهادي شيئاً في كتابه من نفسه إنَّما صنف ما أجمع عليه علماء أهل البيت عليهم السلام وغيرهم من علماء الإسلام؛ لأنَّه يسند إلى جميعهم ويروي عن كلهم ما أخذوه عن نبيهم صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم فتكون رواية المقدوح فيهم عند القادح من هذا القبيل والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.(1/48)


ومما يدلك على أن الأمير الحسين مقصوده في قوله في ديباجة الشفاء: مما صحت أسانيدها ومتونها وقوله: وثبت عندي ضبط رواتها وعدالتهم، غير ما توهمه السيد محمد بن إبراهيم الوزير من أن مقصود الأمير بالصحة والعدالة كونه قرأ الحديث على شيخ ثقة فقط. وذلك أنَّه قال في الشفاء خبر فإنه روى عنه ـ يعني عن علي عليه السلام ـ أنَّه كان عنده مال لأيتام بني رافع فلما بلغوا سلمه إليهم... إلى أن قال فيه: فوزنوه فنقص فقالوا: إنَّه نقص، قال: أفحسبتم الزكاة؟ قالوا: لا، قال الراوي فحسبوها فخرج المال مستوياً، فقال علي رضي اللّه عنه: أو يكون عندي مال لا أؤدي زكاته... إلى أن قال فيه: وروي أن الصادق قيل له: إنَّه يروي عن علي عليه السلام أنَّه زكى مال بني رافع فقال: كان أبي ينكر هذا، قال الأمير: وهذا يعني إنكار محمد بن علي عليهما السلام لا يعارض ما رويناه أو لا بمعنى أنَّه يسقطه وينفيه... إلى أن قال فيه: ويجوز أن يكون ذلك لم يبلغه أو بلغه على يدي غير ثقة فإنا رويناه عن العدل الضابط. انتهى.
وهذا لا يتأتى أن الأمير ما أراد بالعدل الضابط إلاَّ شيخه؛ لأنَّه لا يكون حجة على إنكار محمد بن علي عليهما السلام.(1/49)


وأيضاً قال في الشفاء ما لفظه: فأما ما احتج به مخالفونا بما رووه عن النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم أنَّه قال: (( إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ وضوء الصلاة ))، وبما رووه عن النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم أنَّه قال: (( إذا مست المرأة فرجها توضأت ))، فهذان الخبران ضعيفان واهيان مطعون على رواتهما وهما معارضان بأخبار صحيحة الإسناد كثيرة منها خبر وهو أن النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم.. الخ. انتهى. ولو كان مقصوده بصحة الإسناد كونه قرأ الحديث على شيخ ثقة فقط لما تم له الاحتجاج بقوله صحيحة الإسناد على الخصم ومما يدلك على أن الأمير عليه السلام لا يقبل المجهول في جميع الدرج قوله في الشفاء ما لفظه: وأما ما احتج به المخالفون مما يدل على أن القهقهة تنقضه ـ أي الوضوء ـ سواء كانت متعمدة أو غير متعمدة، فإنه مطعون فيها بعضها ينتهي إلى عمرو بن قيس المالكي وهو مجهول، وبعضها ينتهي إلى عبد الكريم بن عبد العزيز بن أمية وعبد الكريم مجهول وكذا عبد العزيز، وبعضها ينتهي إلى الحسن بن دينار وهو مجهول أيضاً. انتهى.(1/50)

10 / 12
ع
En
A+
A-