الكتاب : كتاب محاسن الأنظار |
كتاب محاسن الأنظار
فيما قيل في الإسنادات والأخبار
تأليف
الإمام الهادي الحسن بن يحي بن علي القاسمي
رحمه اللّه تعالى
الطبعة الأولى
1417هـ ـ 1997م
حقوق الطبع محفوظة للناشر
تم الصف والإخراج بمركز النور للدراسات والبحوث
اليمن ـ صعدة ص. ب (90238)
بسم اللّه الرحمن الرحيم
وصلى اللّه وسلم على سيدنا محمد وآله.
مقدمة هذا الكتاب
هذا الكتاب يشتمل على عدة مواضيع وكلها هامة وهي متداخلة وكل موضوع يشتمل على عدة أدلة ووقعات وفوائد ومناقشات، وقد يكون مرتبطاً بما بعده والعكس، ومواضيع الكتاب هي:
الموضوع الأول: إثبات وقوع الكذب على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من عد طرق ووقعات.
الموضوع الثاني: بعض الصحابة يتهم بعضاً بالكذب ويرد حديثه في موارد متعددة.
الموضوع الثالث: حول تعديل مطلق الصحابة وما قيل حول ذلك.
الموضوع الرابع: الخصوم يجرحون من يخالفهم في المذهب.
الموضوع الخامس: ما قيل من النقد حول رجال البخاري ومسلم.
الموضوع السادس: حول رواية كافر التأويل وفاسقه.
الموضوع السابع: اتهام الزيدية في التقصير في علم الرجال. والجواب على ذلك
الموضوع الثامن: اعتماد المخالفين على رجال الشيعة في جملة من الأحاديث واعترافهم بأنه لولا رجال الشيعة لتعطلت الأحكام.
الموضوع التاسع: الرد على منتقد كتاب شفاء الأوام وأل الأحكام وشرح التجريد وغير ذلك من المواضيع.
وهذا الكتاب من مؤلفات ذو العلوم الغزيرة والمؤلفات الكثيرة الطود الشامخ الأشم أمير المؤمنين الهادي لدين اللّذّه رب العالمين الإمام الحسن بن يحيى بن علي القاسي المؤيدي اليحيوي رضي اللّه عنه (مولده سنة 1280 هـ) ودعوته سنة (1322 هـ)، ووفاته سنة (1343 هـ) ألف أكثر من عشرين مؤلفاً في فنون العلم فجزاه اللّه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء ورضي عنه وأسكنه جنات النعيم وألحق بجده صلى اللّه عليه وآله وسلم.(1/1)
في 15 شهر رجب سنة (1417 هـ)، كتبه الفقير إلى اللّه محمد أحمد حسن الهادي وفقه اللّه.
بسم اللّه الرحمن الرحيم
وصلى اللّه وسلم على محمد وآله، رب يسر وأعن يا كريم.
[وقوع الكذب في الحديث]
اعلم أن الحديث المروي في أيدي الأمة غير مصون من إفك المنافقين، ووضع الفاسقين، ووهم الواهمين، وحشو الملاحدة؛ وأهل البدع والأهواء؛ من المارقين الخوارج، وعتاة النواصب وغلاة الروافض، وطغاة المجبرة والمشبهة، وهمج القصاص والوعاظ، والحشوية، وأغتام الظاهرية والكرامية، وغيرهم كنساك الجهلة المتعبدين والمتصوفين، وقد قال صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم: (( سيكذب عليَّ )).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: إن في أيدي الناس حقاً وباطلاً وصدقاً وكذباْ... إلى أن قال: وقد كذب على رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم على عهده حتى قام خطيباً، فقال: (( من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ))، وإنما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس: رجل منافق يظهر الإيمان متصنع بالإسلام لا يتأثم ولا يتحرج يكذب على رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم متعمداً، فلو علم الناس أنَّه منافق كاذب لم يقبلوا منه ولم يصدقوا قوله ولكنهم قالوا صاحب رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم رآه وسمع منه ولقف عنه فيأخذون بقوله، وقد أخبرك اللّه عن المنافقين بما أخبرك ووصفهم بما وصفهم به لك، ثُمَّ بقوا بعده عليه السلام فتقربوا إلى أئمة الضلال والدعاة إلى النار بالزور والبهتان، فولوهم الأعمال وجعلوهم على رقاب الناس وأكلوا بهم الدنيا، وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلاَّ من عصم اللّه فهذا أحد الأربعة. انتهى ـ أي النقل ـ.(1/2)
ونقل الحاكم بسنده إلى عائشة قالت: جمع أبي الحديث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم فكانت خمس مائة حديث فبات ليلة يتقلب كثيراً، قالت: فغمني فقلت: أتتقلب لشكوى أو لشيء بلغك؟ فلما أصبح قال: أي بنية، هلمي بالأحاديث التي عندك فجئته بها فدعا بنا فحرقها، فقلت: لم حرقتها؟ قال: خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها أحاديث من رجل قد ائتمنته ووثقت به ولم يكن كما حدثني فأكون قد نقلت ذاك، انتهى.
وقال ابن الجوزي: ذكر ابن أبي خيثمة أن غياث بن إبراهيم النخعي حدث المهدي الخليفة العباسي وهو يلعب بالحمام بحديث (( لا سبق إلاَّ في نصل أو خف ))، فزاد فيه: أو جناح، فقال المهدي: أشهد أن قفاك قفا كذاب، انتهى.
وغير ذلك كمن ألجيء إلى إقامة دليل على ما أفتى به كما نقل عن أبي الخطاب بن دحية أنَّه وضع حديثاً في قصر صلاة المغرب. وكما حكي عن عبد العزيز بن الحارث التميمي الحنبلي من رؤساء الحنابلة أنَّه سئل عن فتح مكة فقال: عنوة فطولب بالحجة فقال: حدثنا ابن الصواف حدثني أبي، قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن أنس أن الصحابة اختلفوا في فتح مكة أكان صلحاً أم عنوة، فسألوا عن ذلك رسول اللّه، فقال: كان عنوة. قال عمر بن مسلم: فلما قمنا سألته فقال: صنعته في الحال ادفع به الخصم. وروى العقيلي بإسناده إلى محمد بن سعيد أنَّه قال: لا بأس إذا كان كلام حسن أن تصنع له إسناداً. وقال أبو العباس القرطبي: استجاز بعض فقهاء العراق نسبة الحكم الذي دل عليه القياس إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم نسبة قولية وحكاية نقلية فيقول في ذلك: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم.(1/3)
قال العلامة شيعي الآل أحمد بن سعد الدين المسوري رضي اللّه عنه في الرسالة المنقذة: وهذا أبو الحسن علي بن محمد بن سيف المدائني المحدث الكبير روى في كتاب الأحداث قال: كتب معاوية ـ لعنه اللّه ـ نسخة إلى عماله بعد عام الجماعة: إن برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته... إلى أن قال فيها: وكتب إليهم أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته الذي يروون فضائله ومناقبه فادنوا مجالسهم واكتبوا إليّ بكل ما يروي كل رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته، ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والحبا والقطائع، فكثر ذلك في كل مصر فتنافسوا في الدنيا فليس يجيء أحد من الناس عاملاً من عمال معاوية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلاَّ كتب اسمه وقربه وشفعه، فلبثوا بذلك حيناً، ثُمَّ كتب (معاوية)(1) إلى عماله: أن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر وفي كل وجه وناحية، فإذا جاء كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في فضائل أبي تراب وشيعته إلاَّ واْتوني بمناقض له في الصحابة، فإن هذا أحب إليّ وأقر لعيني وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته، وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله، فقريت كتبه على الناس فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها، وحشد الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتى أشادوا بذكر ذلك، وألقي إلى معلمي الكتاب فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن وحتى علموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم... إلى أن قال فيها: ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة، وكان أعظم الناس في ذلك بلية القراء المراءون والمتصنعون الذين يظهرون الخشوع والتنسك فيفتعلون الأحاديث ليحضوا بذلك عند ولاتهم
__________
(1) ـ هذه اللفظة زيادة في بعض النسخ. تمت(1/4)
ويقربوا مجالسهم ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل، حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين الذي لا يستحلون الكذب فنقلوها ورووها وهم يظنون أنها حق ولو علموا أنها باطل لما رووها ولا يدينوا بها... إلى أن قال فيها: وولي عبد الملك بن مروان واشتد على الشيعة وولي عليهم الحجاج فتقرب إليه أهل النسك والصلاح والدين ببغض علي عليه السلام وموالاة أعدائه وموالاة من يدعي من الناس أنهم أيضاً أعداؤه، فأكثروا في الرواية في فضلهم وسوابقهم ومناقبهم... إلى أن قال فيها: وقال ابن أبي الحديد: وقد روى ابن عرفة المعروف بنفطويه وهو من أكابر المحدثين وأعلامهم في تاريخه ما يناسب هذا الخبر، وقال: إن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني أمية تقرباً إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم، انتهى.
قال المتوكل على اللّه أحمد بن سليمان عليه السلام في حقائق المعرفة: وقد روي عن بعض الملحدين أن السلطان أمر بقتله، فقال: افعلوا ما شئتم فقد حللت عليكم الحرام وحرمت عليكم الحلال ودسست في مذهبكم أربعة آلاف حديث، انتهى.(1/5)