وعند الحنفية والمصنف هو :(المشروع بأصله ، الممنوع بوصفه) ، الباء الأولى ظرفية ، والثانية سببية ، كالبيع المشتمل على زيادة في أحد الطرفين في الربويات ، والمشروط بما لايقتضي العبد عدمه فإنه ليس باطلاً لانعقاده ، ولا صحيحاً لكونه غير مفيد إباحة الانتفاع ، ولو أسقط الزيادة والشرط لصح مطلقاً (1)عندهم ، فكان واسطه بين الصحيح والباطل في المعاملات بخلاف العبادات ، ولو كان شيءٌ منها مشروعاً [*] بأصله لا وصفه فلا يكون واسطه كنذر صوم يوم العيد فإنه وإن كان مشروعاً عند هم بأصله وهو الصوم (2)لأنه إمساك عن المفطرات الثلاثة نهاراً مع النية ، وهو حسن لذاته ، ومشروع وغير مشروع لوصفه ، وهو كونه اعتراضاً عن ضيافة الله تعالى ذلك اليوم ، فليس واسطة بين الصحيح والباطل ؛ بل هو صحيح عندهم (3)مسقط لقضائه . (وقيل : مرادف الباطل) في العبادات اتفاقاً في غير الحج ، وفي المعاملات عند النَّاصِر .
__________
(1) ـ وعندنا هو باطل ، ولا يصح ؛ إلا مع تجديد العقد كما قرر في مظانه ، ومستند الجميع قوله تعالى :?وحرم الربا? ، فالحنفية اعتبروا الإضمار وجعلوه أولى من النقل - أي أخذ الربا – أي الزيادة ، وغيرهم اعتبروا النقل الشرعي - أي العقد الذي هو الربا تمت منه .
(2) ـ أي مطلق الصوم تمت منه
(3) ـ أي فإذا بطل كونه باطلاً فلا أقل من دخول فاسد العبادات في الصحيح والله أعلم فيصح نذره لأن المعصية في فعل الصوم دون نذره ، ويؤمر بفطره وقضائه ليتخلص عن المعصية ويفي بالنذر ، ولو صامه خرج عن عهدته لأنه أدى الصوم كما التزمه ، ذكر معناه في شر ح الجمع تمت منه(1/41)
(والجائز يطلق على) معانٍ :[*] : على (المباح) ، وقد تقدم ، يقال :التزين بثياب الزينة جائز أي مباح (وعلى الممكن عقلاً) نحو أن يقال كون جبريل (عليه السلام) في الأرض ، جائز - أي لا يمنع منه العقل - فيشمل الواجب والراجح ، ومتساوي الطرفين ، أو شرعاً يقال هذا جائز - أي لا يمتنع من جهة الشرع - فيشمل الواجب والمندوب ، والمكروه والمباح(وعلى ما استوى فعله وتركه) عقلاً ، كفعل الصبي ، أو شرعاً كالمباح ، فهذا أعم منه .(وعلى المشكوك فيه) وهو الذي تعارضت فيه أمارتا الثبوت والانتفاء ، أمارة تقتضي ثبوته ، وأخرى تقضتي نفيه في العقل أو الشرع ، مثاله في العقلي ما يقوله المتوقفون في أصل الأشياء هل على الحظر أو على الإباحة ؟ فإن المتوقف يصفه بأنه جائز الأمرين لاستوائهما عند تعارض دليلهمها ، ومثاله في الشرعين ما يقوله المتوقف في حكم لحم الأرنب ، ووجوب صلاة العيدين لتعارض أمارتي الأمرين جميعاً ، فذلك كله صحيح ، فهذه هي المعاني التي يعبر عنها في لسان العلماء بالجائز .
(والأداء) لغة : هو الإيصال والقضاء . واصطلاحاً :(ما) موصوفة ، أو موصولة ، لا مصدرية لعود الضمير إليها ، لأنه إنما يعود على الأسماء لا الحروف أي شيء أو الذي ، فالمحدود فيه وفيما بعده (1) بمعنى المفعول الذي (فعل في وقته المقدر له أولاً شرعاً) لم يقل واجب فعل ليتناول النوافل الموقتة ، ولعله تجوز كما في القضاء فخرج بقيد وقته المقدر له القضاء ، وما لم يضرب له وقت ، وقوله :أولاً تخرج الإعادة ، وقوله :شرعاً منتصب على الظرفية من المقدر ، وهو لإخراج قضاء الدَّيْن حين المطالبة ، فإنه فعل في وقته المقدر له ، وهو ما يتسع له بعدها ، وليس ذلك التقدير إلا بالعقل .
__________
(1) ـ القضاء والإعادة تمت(1/42)
فإن قيل : إذا وقعت ركعة من الصلاة بواجبها (1)في وقتها وباقيها خارجة فهل هي أداء أو قضاء ؟ .
قلنا : بل أداء ، أما ما وقع في الوقت فظاهر ، وأما ما وقع بعده فبالتبع ، ولقوله :((من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها ، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها)) رواه في الأنوار للمهدي (عليه السلام) ، وأصول الأحكام ، وفي البخاري ، ومسلم .
قال في شرح الجمع للمحلي ما لفظه : وبعض الفقهاء حقق فوصف ما في الوقت منها بالأداء ، وما بعده بالقضاء ، ولم يبال بتبعيض العبادة في الوصف بذلك الذي فر منه غيره . انتهى .
(والقضاء) لغة : قضاء الدَّيْن ، والصنع ، والحكم ، والحتم ، وغيرها (2). واصطلاحاً :(ما فعل بعد وقت الأداء) خرج الأداء والإعادة ، (استدراكاً) (3)خرج ما ليس كذلك ، كإعادة الفرض بعد وقته (4) (لما سبق له وجوب) تخرج النوافل الموقته إذا فعلت بعد وقتها ، فإن فعلها لا يسمى قضاء إلا تجوزاً ؛ إذ لم يسبق لها وجوب .
__________
(1) ـ لاشتمالها على معظم أفعال الصلاة ، إذ معظم الباقي كالتكرار لها فجعل ما بعد الوقت تابعاً لها بخلاف ما دونها
(2) ـ كالخلق قال تعالى ? فقضاهن سبع سماوات ? والأمر قال تعالى ?وقضى ربك أن لا تعبدواإلا إياه ? والعلم والاخبارقال تعالى ? وقضينا إلى بني إسرائيل لتفسدن في الأرض مرتين ?
(3) ـ قال بعض المحققين : لا حاجة إلى استدراكا ، لأنه ليس من مفهوم القضاء وإن كان عارضاً ، لأن العرض من الشيء خارج عن ذاته ، ولأنه ينبني على وجوب نية القضاء والأداء ، ولا دليل عليه تمت منه .
(4) ـ أشار إليه العضد تمت منه(1/43)
وقوله:(مطلقاً) قيد للوجوب ، أي سواء سبق الوجوب على القاضي (1) أوعلى غيره ، فيدخل قضاء الحائض للصوم ، فإنه وإن لم يسبق له وجوب عليها وجب على غيرها ، وقيل لما سيق له وجوب على المستدرك فليس من الحائض بقضاء حقيقة ، لأنه لم يفتها بعد وجوبه ، والله أعلم .
(والإعادة) لغة : الإرجاع . واصطلاحاً :(ما فعل في وقت الأداء) خرج القضاء والنوافل المطلقة (ثانياً) خرج الأداء إذا كان الفعل (لخلل في الأول) خرج ما يفعل لا لخلل كإعادة ما صلاة منفرداً لفضيلة الجماعة ، وقيل : بل هي ما فعل فيه ثانياً لعذر أعم من أن يكون ذلك العذر خللاً ، أو لا فيدخل ما أعيد لفضيلة الجماعة ،
والحاصل أن الفعل لا يقدم على وقته ، فإن فعل فيه فأداء أو إعادة وبعده قضاء . أما الزكاة المعجلة فإنما قدمت على وقتها ؛ لأنه قد جعل النصاب - الذي هو سببها - قائماً مقامه ، وجعل وقتها بذلك موسعاً .
فإن قيل : قد تقدم أن الزكاة لا وقت لها ، وأنها من الواجب المطلق .أجيب : بأن إطلاق التأقيت عليها تجوز بقرينة أنهم لا يسمون ما أدي بعد الحول والحصاد قضاء ، والله أعلم .
__________
(1) ـ لأن شهود الشهر المستفاد من قوله تعالى ?فمن شهد منكم الشهر فليصمه?موجب عند انتفاء العذر لا مطلقاً ، ووجوب القضاء إنما يتوقف على سبب الوجوب ، وهو ههنا شهود الشهر وقد تحقق ، لا على وجوب الأداء ، وإلا لم يجب قضاء الظهر - مثلاً - على من نام جميع وقتها لعدم تحقق وجوب الأداء عليه لغفلته إهـ .(1/44)
واعلم أن من العبادات ما يوصف بالأداء ، والقضاء ، والإعادة ، كالصلوات الخمس ، وما يوصف بالأداء والقضاء كصوم شهر رمضان ، والنذر المعين ، وما يوصف بالأداء فقط (1) كالحج (2) وما يوصف بالأداء مرتين كصلاة المتيمم لعدم الماء ثم وجده وفي الوقت بقية تسعها ، أو ركعة منها ، وما يوصف بالقضاء فقط كصوم الحائض ، وما يجب قضاؤه ولو أدي كفاسد الحج ، وإن كان إطلاق القضاء عليه تجوزاً(3)من حيث المشابهة للمقضي في الاستدراك . وذكر بعض الشراح أن من أوصى فحجج عنه وصيه بعد الموت أنه يكوّن قضاء ، لأنه بعد وقته وهو قوي ، وما لا يوصف بشيءٍ كالواجبات ، والنوافل المطلقة ، فعلم أن حصر بعض العلماء للعبادات في الثلاثة ليس بصحيح (4) ، والله أعلم .
__________
(1) ـ يعني لا بالقضاء إذ سياق الكلام يفيده ، وأما الإعادة فيوصف بعض أركان الحج وأبعاضه بها وكذا صلاة الجمعة توصف بالإعادة ، وقد يقال : أما في نفل الحج إذا فسد فقضاء حقيقة كما ذكره أصحابنا ، وكذا إذا كان نذرا معينا ففسد فإنه قضاء حقيقة والله أعلم تمت حاشية غاية
(2) ـ وأما تمثيل ما يوصف بالأداء فقط بالجمعة ففيه أنه يمكن أن تفسد ووقتها باقٍ فتعاد ، فتوصف بالإعادة... إلخ ، وقد أطلق أهل الفروع الإعادة و القضاء على الحج في قوله : وقضاء زوجه... إلخ ، ويعيده من ارتد فأسلم... إلخ ،. وكذا تمثيل ما يوضف بالأداء دون القضاء بصلوة العيد والجمعة غير مستقيم أيضاً في العيد ، إذ تقضى في ثانيه فقط إن تركت لليس فقط والله أعلم تمت منه
(3) ـ أي من حيث أنه فعل في وقته المقدر له تمت
(4) ـ كذا ذكره في الهداية . قلت : وفي التنظير نظر فإن حصره للعبادة في الثلاثة صحيح ؛ لأن المراد أن العبادة تتصف بالثلاثة وإن كان بعضها لا يتصف إلا بالأداء وبعضها بها أجمع فتامل والله أعلم تمت منه(1/45)