واعلم أن الجمع بين أشياء الواجب المخير قد يكون مندوباً كالكفارات ، ومحظوراً كتزويج الكفوين معاً ، وإذا فعلت جميعاً دفعة (1) أثيب على أشقها ومترتبة ، فالواجب هو الأول ، وثوابه واجب ، وثواب ما بعده ثواب مندوب ، نظير ما قيل أنه إذا نسخ الوجوب بقي الجواز ، وفيه أن فعل ما لم يشرع مع اعتقاد شرعيته بدعة ، وإن تركت معاً استحق العقاب على أخفها (2)والله أعلم كان الأنسب تقديم هذا القسم على ما قبله ، لأنه بالذت ، وما قبله وما بعده بالمتعلق ، والله أعلم .
[ تقسيم آخر]
(و) بالنظر إلى وقته (إلى المطلق) لم يذكر وقت كمعرفة الله في العقلي ، والزكاة (3) في الشرعي (وموقت) بخلافه كالصلوات الخمس ، وكالحج فإن وقته العمر ،
(والموقت) أي ما ضرب له وقت من الواجبات مضيقها وموسعها ويختص الشرعية لا العقلية الواجبة بقضية العقل فلا يدخلها التأقيت علمية كانت أو عملية ، وإن كان فيها ما يجري مجرى المضيق ، كالمعارف الإلهية ، ورد الوديعة والدَّيْن عند المطالبة ، وفيها ما يجري مجرى الموسع كردهما إذا وكل صاحبها الرد إلى اختيار من توجه ذلك عليه ،
__________
(1) ـ قال الشيخ لطف الله - رحمه الله تعالى - : هذا في الكفارات خاصة ، وذلك يمكن ؛ حيث وكل بها أوباثنين منها ، وتولى واحداً تمت منه
(2) ـ لأنه لو فعل الأيسر لأسقط عنه الذم على الواجب ، فاستيفاء العقاب على الأيسر يقوم مقام فعله ، ولقوله تعالى :?يريد الله بكم اليسر? ، ولأنه تعالى أسمح الغرماء تمت منه
(3) ـ كزكاة الزراعة ?وآتوا حقه يوم حصاده? تمت(1/36)


فالموقت الشرعي ينقسم (إلى : مضيق) وقته وهو ما كان بمقدار العمل كالصيام فإن وقته من الفجر على الغروب ( وموسع ) وهو ما يتسع لأكثر منه كالصلاة(1). والجمهور : إن فعله واجب في جميع الوقت موسع في أوله ، مضيق في آخره ، لأن الأمر مقيد بجميعه ؛ إذ الكلام فيما هو كذلك ، وليس المراد تطبيق أجزاء الفعل على أجزاء الوقت بأن يكون الجزء الأول من الظهر - مثلا ً- منطبقاً على الجزء الأول من الوقت ، والجزء الآخر على الآخر ، ولا تكراره في أجزائه بأن يأتي بالظهر في كل جزء يسعه من أجزآء الوقت ، فإن ذلك باطل إجماعاً .
__________
(1) ـ واعلم ؛ أن وقت الحج مشكل في الزيادة والمساواة ، وبيانه من وجهين ؛ أحدهما : بالنسبة إلى سنة الحج ، وذلك أن وقته يشبه الموسع من جهة أن أركان الحج لا تستغرق جميع أجزاء وقت الحج ، كوقت الصلاة ، ويشبه المضيق من جهة أنه لا يصح في عام واحد إلا حج واحد كالنهار للصوم . وثانيهما : بالنسبة إلى سني العمر ، وذلك أن وقته العمر ، وهو فاضل على الواجب حتى لو أتي به في العام الثاني كان أداء بالاتفاق لوقوعه في الوقت ؛ إلا أنه عند أبي يوسف يجب مضيقاً لا يجوز تأخيره عن العام الأول ، وهو لا يسع إلا حجاً واحداً ، فأشبه المضيق من جهة أنه لا يسع واجبين من جنس واحد . وعند محمَّد يجوز تأخيره عن العام الأول بشرط أن لا يفوته * فإن عاش أدى فكان أشهر الحج من كل عام صالحاً لأداء كأجزاء الوقت في الصلاة ، وإن مات تعينت الأشعر من العام الأول كالنهار للصوم ، فثبت الإشكال ، ذكره في التلويح تمت منه
*أي يجوز فوته تمت منه(1/37)


ولا يجب العزم في أوله لفعله بخصوصه - كما قيل - إذ ليس في الأمر تعرض له ولا لتخصيصه بأول الوقت أو آخره ، ولا بجزء من أجزائه المعينة ضرورة دلالته على وجوب الفعل بعينه فقط ، وعلى تساوي نسبته إلى أجزاء الوقت ، فثبت أن جميع وقته الموسع وقت أداء له ، وأول الوقت لتأدية الواجب الموسع ما يسعه مع شرطه ، والله أعلم . أمَّا العزم على أداء الواجبات جملة فذلك من أحكام الأيمان .
وتحرم الأجرة على الواجب بأقسامه خلافا للقاسم وبعض الشراح في الكفاية إن لم يتعين[*] والله أعلم .
(والمندوب والمستحب مترادفان) أي معناهما متحد ، ويرادفهما أيضاً التطوع ، والمرغب فيه والنفل (1)
(والمسنون أخص منهما) ، لأنه ما أمر به ندباً ، وواظب عليه كالرواتب ، والمندوب ومرادفه بخلافه (2) ، فهو ما أمر به ندباً فكل مسنون مندوب ، ولا عكس ، ولهذا استغني بحد المندوب عن حده ،
ولا يجب إتمامه بالشروع فيه ، فكما يجوز تركه يجوز ترك إتمامه ، خلافاً لأبي حنيفة فأوجب إتمامه لقوله تعالى ? ولا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ? [(33) محمد ]فأوجب بترك إتمام الصلاة والصوم قضاؤهما ،
__________
(1) ـ قيل والحسن ، وفيه أن الحسن يعم الواجب والمكروه والمباح تمت منه
(2) ـ قوله بخلافه يقتضي تباينهما ، وقوله كل مسنون مندوب يقضي بأعمية المندوب ، ولو قيل في حد المندوب : ما أمر به الرسول ندبا سواء أواضب عليه أم لا حتى تثبت الأعمية للمندوب لكان أولى تمت(1/38)


وعورض في الصوم بحديث :((الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر)) روي بالمعنى في كتب أصحابنا وفي الترمذي وغيره قال الحاكم صحيح الاسناد وتقاس عليه الصلاة ، فلا تتناولهما الأعمال في الآية جمعاً بين الأدلة ، وإنما وجب إتمام الحج المندوب لقوله تعالى ? وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ? [ البقرة196]ولأن نفلهما كفرضهما في الكفّارة فإنها تجب فيهما بارتكاب محظور فيه ، وفي أنه لا يحصل الخروج منهما بالفساد ؛ بل يجب المضي فيهما بعد فسادهما ، بخلاف غيرهما ، فليس فرضه كنفله فيما ذكر ، ولما فرغ من بيان الأحكام الخمسة أخذ يبين توابعها فقال
(والصحيح) عطف على قوله فالواجب وهو في المعاملات (ما وافق الشارع) بأن كملت فيه الشروط التي أعتبرها وفاقاً ، وكذا في العبادات عند جمهور المتكلمين ، وعند بعضهم (1) والفقهاء : هو فيها الفعل المسقط للقضاء والصحة مطلقاً (2)ترتب الآثار جميعاً
(والباطل نقيضه) بكل من الحدين ، والبطلان نقيض الصحة ، وفيه أن نقيض الشيء ما به يرتفع ، وهو يرتفع بالفاسد كما يرتفع بالصحيح ، فلا يكون مانعاً
__________
(1) ـ أشار إلى معناه في شرحي الجمع إهـ
(2) ـ أي اتفاقاً ، سواءً كان في العبادات أو المعاملات ، فتأمل تمت منه(1/39)


(والفاسد) عند جمهور أئمتنا (عليهم السلام) : ما حصل فيه خلل في المعاملات يوجب عدم ترتب بعض الآثار عليه مثلاً : البيع الفاسد يوجب جواز الفسخ وعدم الملك إِلاَّ بالقبض بالإذن والقيمة لا الثمن . وتلك ليست الآثار المقصودة من البيع ، فإن المقصود منه الملك باللفظ ، ووجوب الثمن ، وعدم جواز الفسخ ، بخلاف الباطل فإنه لا يترتب عليه شيءٌ من الآثار ، وما ذكره أصحابنا في باطل البيع (1)والنكاح أثر لتسليط المالك ، وللوطء مع الجهل لا للعقد
__________
(1) ـ من أنه في البيع يطيب ربحه ، ويبرأ من رد إليه ، ولا أجرة إن لم يستعمل ، وفي النكاح [أنهما] إن كانا جاهلين لزم الزوج بالدخول ولو في الدبر الأقل من المسمى ومهر المثل ، ويلحق النسب بالرجل الجاهل وإن علمت ، ولا حد عليه ولا مهر والله أعلم تمت منه .(1/40)

8 / 108
ع
En
A+
A-