والإيمان في اللغة : التصديق وفي الشرع : فعل الطاعات واجتناب المقبحات معه لقوله تعالى ?إنما المؤمنون الذي إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربِّهم يتوكلون * الذين يقيمون الصلاة وممَّا رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجات عند ربِّهم ومغفرة ورزق كريم?[الأنفال 3,2] فدلت الآيات على ما قلناه وأن هذا الوصف مقصور عليهم لا يتعدى إلى غيرهم وهو المطلوب ولقوله تعالى : ? وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنْ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا ? [(47)الأحزاب] ? وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ?[(146) النساء] ?وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربِّهم?[يونس آية 2] وبشر بها كل مؤمن ولو كان الإيمان التصديق لكان الفاسق مؤمناً داخلاً في هذه البشارات فتسقط عن نفسه التحفظ عن المعاصي والإجماع مانع من ذلك وقوله تعالى ?وما كان لله ليضيع إيمانكم?[البقرة آية 143] أي صلاتكم إلى بيت المقدس وذلك لأن الآية نزلت بعد تحويل القبلة دفعاً لتوهم إضاعة الصلاة التي كانت إليه وقوله تعالى ?إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه? الآية [النور آية 62] ولأن المؤمن لا يخزي في الآخرة بدليل قوله تعالى ?يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه?[التحريم آية 8 ]والفاسق يخزى لقوله تعالى في المحاربين : ?ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم?[المائدة آية 33] والمعذب يخزى لقوله تعالى ?إنَّك من تُدِخل النار فقد أخزيته?[آل عمران آية 192] فثبت أن الفاسق مخزي وكل مؤمن ليس بمخزي وهو يستلزم أن الفاسق ليس بمؤمن وهو المطلوب(1/296)


وما روي عن علي عليه السلام عن النبي أنه قال : (الإيمان معرفة بالقلب وقول باللسان وعمل بالأركان ) (1) وما رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة عن النبي أنه :قال (الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان ) وقد عدها في الأربعين النبوية للنووي وعقد لها فيها فصلاً وأكثرها أعمال
وما رواه أحمد والبخاري والنسائي عن ابن عباس عنه أنه قال لايزني العبد حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا يقتل وهو مؤمن
وما روى البخاري ومسلم وأحمد والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة عنه أنه قال:( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن) وزاد أحمد ومسلم : (ولا يغل أحكم حين يغل وهو مؤمن فإيَّاكم إيَّاكم ).
وما رواه أحمد وابن حبان في صحيحه عن أنس عن النبي أنه قال لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له ) فهذه الأدلة صريحة فيما ذكرناه .
__________
(1) ـ أخرجه الطبراني في معجمه الأوسط ج 8/ص 262/ح 8580 ، ج6/ص226/ح6254، 0(1/297)


قال ابن حجر في مقدمة فتح الباري عن البخاري كتبت عن ألف وثمانين نفساً ليس فيهم إلا صاحب حديث وقال أيضاً لم أكتب إلا عن من قال الإيمان قول وعمل وللقوم تأويل (1) وجواب عام وهو أنه في الأعمال مجاز والمجاز أولى من النقل وما ذكروه لازم لهم لأنهم يقولون إن الإيمان في اللغة التصديق مطلقاً وفي الشرع تصديق خاص (2) وهذا منهم إقرار بأنه لم يبق على ما كان عليه في اللغة من الإطلاق
[تقسيم ثان للحقيقة]
(ثم) الحقيقة من حيث هي لها تقسيم آخر لأنها إمَّا أن تتعدد لفظاً ومعنى أو لا (إن تعددت لفظاً ومعنى) كإنسان وفرس ودابَّة ورفع وصلاة وصوم ومؤمن وكافر (فمتباينة) أي فالحقيقة حينئذٍ متباينة
__________
(1) ـ من ذلك تأويل :ليضيع إيمانكم بأن المراد التصديق بوجوب الصلاة التي توجهتم فيها إلى بيت المقدس وما يترتب على التصديق وهو الصلوات أو يكون مجازا وهو الأولى من النقل ومن ذلك تأويل قوله تعالى ? يوم لا يخزي الله النبي ?الأية بأنه مختص بالصحابة كما يدل عليه لفظة : معه , أو أنها جملة مستأنفة ومن ذلك تأويل حديث (الإيمان بضع وسبعون شعبة )الخبر بأن المراد شعب الإيمان بتقدير مضاف لا نفس الإيمان لأن إماطة الأذى ليس داخلا في أصل الإيمان حتى يكون فاقده غير مؤمن بالإجماع فلا بد من تقدير المضاف زمن ذلك تأويل لا يزني الزاني ... الخبر بأنها مبالغة على معنى أنها ليست من شأن المؤمن فكأنها تنافي الإيمان ولا تجامعه . تمت
(2) ـ وهو التصديق للرسول فيما علم مجيئه ، تفصيلا فيما علم تفصيلا وإجمالا فيما علم إجمالا . تمت .(1/298)


(و) إن لم تتعدد كذلك فأما أن تتحد لفظاً ومعنى أو لا (إن اتحدت لفظاً ومعنى) بأن وجد المعنى المقصود بلفظ الحقيقة المستعمل هو فيه مفهوماً واحداً حتى لو جرى فيه كثرة وتعدد لكان باعتبار الذوات التي صدق عليها ذلك المفهوم كالحيوان فإنه سواءٌ أطلق على الإنسان أو الفرس أو غيرهما لا يراد به إلا الجسم النامي الحساس (1) (فمنفردة) أي فالحقيقة حينئذٍ متحدة لاتحاد لفظها ومعناها ثم إن تشخص ذلك المعنى بحيث يمنع نفس تصوره فرض الشركة فيه فجزئي كالعلم
(وإن) لم يتحد كذلك فإن (تعددت لفظاً واتحدت معنى) كقعود وجلوس للهيئة المخصوصة وبهتر وبحتر للقصير وصلهب وشوذب للطويل وغضنفر وأسد للمفترس وفرض وواجب لنحو الظهر وذكر وعائد للضمير الرابط (فمترادفة) يقع كل منها مكان الآخر إلا فيما كنَّا متعبدين بلفظه
والترادف في الأصل التتابع ومنه الردفان لليل والنهار وهو واقع عند الأكثر وفائدته التوسعة المقصودة لكثرة الذرائع في المقصود فيكون إفضاء إليه ولتيسير النظم (2)
__________
(1) ـ والمناطقة يريدون لفظ المتحرك بالإرادة ولا حاجة إليه لإغناء الحساس عنه والله أعلم تمت منه
(2) ـ كقول الحماسي ( وهو صفي الدين الحلي : عبد العزيز بن سرايا الطائي)
:كأن ربك لم يخلق لخشيته سواهم من جميع الخلق إنسانا
فلو قال بشرا لم يستقم الروي .تمت(1/299)


والنثر (1) والتجنيس (2) إذ قد يصلح أحدهما للقافية والفاصلة دون الآخر وغير ذلك وخالف في وقوعه ثعلب وابن فارس قالا وما نظن من المترادف فإنه متباين بالنظر إلى أصل الاشتقاق وسبب الظن إطلاقهما على ذات واحدة كالحنطة والقمح فالحنطة اسم الذات والقمح صفة لها يقال قامحت الناقة إذا رفعت رأسها سمي به هذا الحب لأنه ارفع الحبوب وكالأسد والليث فإن الأسد اسم الذات والليث صفة له بمعنى كثرة الفساد يقال لاث يلوث إذا كثر الفساد وكالإنسان والبشر فإن الإنسان موضوع له باعتبار الأنس أوالنسيان والبشر باعتبار بادي البشرة وكالخمر والرَّاح لتغطية العقل والإراحة وهما من باب صفة الذات وصفة صفتها وغير ذلك [*] وهذه تكلفات بعيدة لم يقم عليها دليل ولا يمكن إجراؤها في جميع المواضع والله أعلم .
(وإن)اشترك فيها كثير ولم يمنع نفس تصور مفهومه من فرض الشركة فيها بأن(تعددت معنى واتحدت لفظاً فإن وضع اللفظ لتلك المعاني )المتعددة (باعتبار أمر) معنوي كلي (اشتركت) تلك المعاني (فيه) أي في ذلك الأمر(فمشكك)لأنه يشكك الناظر في أنه من المشترك لتفاوت أفراده في الاستحقاق أو من المتواطيء لاتفاق أفراده في أصل المعنى وذلك (إن تفاوتت )تلك المعاني في استحقاق ذلك اللفظ بأولية أو أولوية [*]بأن يكون حصول اللفظ في بعض أفراده قبل حصوله في الآخر أو أولى منه فيه عقلاً(كالموجود للقديم والمحدث) فإنه [*]حاصل في القديم قبل حصوله في المحدث , وأولى , وأتم منه (3)
__________
(1) ـ كقولك ما أبعد ما فات وما أقرب ما هو آت فلو عبر بمضى لما حصل المطلوب .تمت
(2) ـ كقولك : شريت البر وأنفقته في الٍٍِِبٍٍٍٍٍِر فلو عبر بالقمح لفات المطلوب .تمت
(3) ـ وقد يكون بالشدة والضعف كالبياض بالنسبة إلى الثلج والعاج تمت ح ع.(1/300)

60 / 108
ع
En
A+
A-