(الأول) من أبوب الكتاب . قال الزجاج : الأول لغة ابتداء الشيء ، ثم يجوز أن يكون له ثانٍ ، وأن لا يكون نقله عنه جماعة منهم الواحدي في التفسير ، والله أعلم . (في) بيان (الأحكام) وإنما قدمها على الأدلة ، لأن الدليل من حيث هو دليل يتعذر إثباتها به مع جهل ماهيتها (الشرعية) المنسوبة إلى الشرع المستفادة منه ، إمَّا بنقله لها عن حكم العقل ، كإباحة ذبح بعض الحيوانات ، فإن قضية العقل فيه التحريم (1) أو بالإمساك عنه ، كتحريم ذبح الخنزير ، فإنه مقرر لحكم العقل (2)مع صحة النقل (3)
__________
(1) ـ ووجه قبحه عقلاً كونه إضراراً به ؛ لكن بشرط كون ذلك الإضرار خالصاً عن جلب نفع لها حتى لو زال الشرط حسن زوال القبح لزوال الوجه بزوال شرطه ، فنقول : لما أذن الشارع بذبحها علمنا أنه قد جعل لها عوضاً في مقابلة هذا الإضرار ، بحيث يختاره العقلاء في مقابلته ، فلم يكن الضرر خالصاً عن جلب نفع لها راجح ، فحسن ذبحها لزوال وجه قبحه ، وكذا العقل يستحسن تحميل البهائم وركوبها المعتادين في مقابلة منافع إطعامها ، وسقيها ، وحفظها عن السباع ، ونحو ذلك ، ما ذلك إلا لزوال وجه القبح بزوال شرطه ، والله أعلم تمت منه
(2) ـ الكلي
(3) ـ الخاص وهو قوله تعالى ? أو لحم خنزير فإنه رجس ?(1/26)


والشرع : ما ورد عن الله تعالى ، أوعن رسول الله حكمه (1) نصاً أو كان وصلة إلى العلم به (2)أو ظنه كالقياس ممَّا لم يكن للعقل فيه قضية مطلقة (3)وهي المبتوتة الضرورية ، وهي ما كان الحكم ووجهه فيها مقترنين ذكره في حواشي الفصول من باب النسخ عن الفقيه : قاسم(4) كشكر المنعم ، أو الاستدلالية (5)كمعرفة الله تعالى ، فهذا عقلي وإن طابقه السمع ، وهذا لا يجوز نسخه (و) في بيان (توابعها) من الصحة ونحوها ، وإنما سميت هذه توابع ولم تسم أحكاماً ، لأنها صفات للأحكام ، ولذا يقال : واجب صحيح ومؤدى
[الأحكام الشرعية]
__________
(1) ـ قال ض عبد الله الدواري : الشرع ما دلت عليه النصوص وظاهر عبارة المؤلف أن الشرع هو الأدلة سواء كانت نصا اوقياسا و لو أر اد الأحكام لقال الشرع : هو الحكم الوارد عن الله تعالى أو عن الرسول نصا أو قياسا تمت والله أعلم
(2) ـ إي الحكم
(3) ـ قوله مما .. حال من قوله ما ورد حكمه إهـ
(4) ـ ابن أحمد بن حميد المحلي ، ومعنى الاقتران هنا : ملازمة الوجه للحكم بحيث لا ينفك أحدهما عن الآخر كالصفة الذاتية الملازمة لموصوفها نحو السوادية للأسود ، فإن وجه قبح الظلم كونه ظلماً - أي ضرراً - عارياً عن جلب نفع ، ودفع واستحقاق ، وهذا الوجه قائم بالظلم ، ملازم له لا ينفك عنه ، ولا يتغير ، ووجه قبح العبث كونه عارياً عن غرض ، ووجه قبح الكذب كونه كذباً ، وقبح الجهل كونه جهلاً - أي كون متعلقهما لا على ما هو به - ، وهذه القبائح الأربع هي القبائح العقلية المبتوتة التي لا تتغير أحكامها لمقارنة وجوهها لها دائماً ، وهكذا الكلام في الواجبات العقلية المبتوتة ، كقضاء الدَّيْن ، ورد الوديعة ، وشكر المنعم والله أعلم تمت منه
(5) ـ معطوف على الضرورية(1/27)


فالأحكام (1)خمسة (هي : الوجوب ، والحرمة ، والندب ، والكراهة ، والإباحة) لأن دليل الحكم إمَّا أن يقتضي الفعل ، أو لا ، والأول إمَّا أن يمنع من الترك أو لا ، الأول الوجوب (2)والثاني الندب ، وإن لم يقتض الفعل ، فأمَّا أن يقتضي الترك أو لا إن اقتضى الترك ، فإما أن يمنع من الفعل أو لا ، فإن منع منه فحظر وإلاَّ فالكراهة وإن لم يقتض الترك ، والمفروض أنه لم يقتض الفعل فلا محالة يكون مخيراً فيه - وهو الإباحة(3)
__________
(1) ـ وينقسم الحكم إلى تكليفي ووضعي ، فهذه الأحكام الخمسة عبارة عن التكليفي ، وهو خطاب الشارع المعرف لغير السبب ، والشرط ، والمانع بالاقتضاء ، أو التخيير ، فالأول الوجوب ، والندب ، والتحريم ، والكراهة ، والثاني الإباحة ، وسمي تكليفياً لكون بعض أقسامه كذلك ، وإن كان بعضها غير تكليفي فلا مشاحة في الاصطلاح ، ويشترط فيه ما لا يشترط في الوضعي من التكليف وعلم المكلف ، والوضعي مدلول خطاب الشرع المعرف للسبب ، والشرط ، والمانع لا بالاقتضاء ، والتخيير ، وانقسامه إلى الثلاثة بالاستقراء ، لأنه إمَّا أن يؤثر وجوده في وجود الحكم وعدمه في عدمه فالسبب ، وإلا فإن أثر عدمه في عدمه ، ولم يلزم من وجوده وجود ولا عدم ، فالشرط كالوضوء للصلوة ، وأن أثر وجوده في العدم ، فالمانع كالأبوة للقصاص ، والسبب يسمى معنوياً كالإسكار للتحريم ، ووقتياً كالزوال لوجوب الصلاة ، والله أعلم تمت منه
(2) ـ فيه تسامح فإن دليل الحكم غير الحكم بل الحكم ماأخذ من الدليل
(3) ـ والمحكوم عليه المكلف . قال في التلويح : فإن قلت : إذا قال الشارع الصلاة واجبة ، فالمحكوم عليه هو الصلاة لا المكلف ، والمحكوم به هو الوجوب لا فعل المكلف . قلت : ليس المراد بالمحكوم عليه ، والمحكوم به طرفي الحكم على ما هو مصطلح المنطق ؛ بل المراد بالمحكوم عليه من وقع الخطاب له ، وبالمحكوم به ما يعلق به الخطاب كما يقال : حكم الأمير على زيد بكذا إهـ(1/28)


(وتُعرَّف) أي تحد (1)الأحكام وتوابعها (بمتعلقاتها) أي بحدود متعلقاتها - بفتح اللام - وهي الأفعال الاختيارية الشرعية
[الواجب]
(فا) لوجوب قد عرفته (2)ومتعلقه هو ا ( لواجب) فهو فعل اقتضاه الدليل ، ومنع من تركه ، وكذا سائر الأقسام قد أفاد التقسيم السابق حدودها وحدود متعلقاتها ولها حدود غير ما أفاده التقسيم ، ذكر منها ما سيأتي ،
فالواجب لغة: الساقط قال تعالى ? فإذا وجبت جنوبها?[ الحج 36] ومنه وجبت الشمس ، والثابت ومنه الإلزام ، يقال : وجب الشيء إذا لزم ، وأوجبه الله واستوجبه - أي استحقه - وغير ذلك (3)
واصطلاحاً :(ما يستحق الثواب بفعله ، والعقاب بتركه) أي فعل يستحق المكلف به الثواب بفعله ، وبتركه العقاب ، فتخرج سائر متعلقات أقسام الحكم كلها ؛ إذ ليست كذلك ، ولا حاجة إلى زيادة قيد بوجه ما حتى يدخل الموسع ، والمخير ، والكفاية ؛ إذ لا يتصور ترك الموسع إِلاَّ بتركه في جميع وقته ، لأنه واجب في جزءٍ ما من الوقت مطلقاً ، ولا ترك المخير إِلاَّ بترك جميع آحاده المعينة ، لأن وجوبها على البدل ، وكذا الكفاية فإنه واجب على الكل مع سقوطه بفعل البعض أو واجب على البعض لا بشرط التعيين وعلى كلا التقديرين فلا يتصور تركه إلا بترك جميع الأشخاص وأيضا فإنه بزيادته ترد صلاة الساهي والنائم ، وصوم المسافر ، لأن تاركهما يستحق العقاب على تقدير انتفاء العذر ، والتفضي عنه تعسف ، والله أعلم .
__________
(1) ـ اصطلاح الأصوليين على ترادف الحد والتعريف بخلاف اصطلاح أهل المنطق ، فإن التعريف يعم الحد والرسم ، والحد يختص بالذاتي ، والله أعلم .
(2) ـ في التقسيم السابق وفيه تسامح
(3) ـ المضطرب يقال وجب القلب وجبا أي اضطرب تمت منه(1/29)


تنبيه: وإنما امتنع تكليف الغافل الذي لا يدري كالنائم والساهي ، لأن مقتضى التكليف بالشيء الإِتيان به امتثالاً ، وذلك يتوقف على العلم بالتكليف ، والغافل لا يعلم ذلك فامتنع تكليفه وإن وجب عليه بعد يقظته ضمان ما أتلفه من المال ، وقضاء ما فاته من الصلاة في زمن غفلته لدليله وكذا الملجى وهو من يدري ولا مندوحة له عن الوقوع عليه كالملقى من شاهق على شخص لعدم قدرته على ذلك ، لأن الملجى إليه واجب الوقوع ، ونقيضه ممتنع ، ولا قدرة على واحد من الواجب والممتنع .
[ الحرام]
(والحرام) يرادفه (1) القبيح والمحظور (بالعكس) اللغوي ، فهو ما يستحق المكلف به العقاب بفعله ، والثواب بتركه .
[ المندوب]
(والمندوب) لغة : هو المدعو إليه . قال الجوهري :يقال : ندبه لأمر ، فانتدب - أي دعاه له فأجاب - سمي الفعل به لدعاء الشرع إليه ، وأصله المندوب إليه ، فتوسع بحذف حرف الجر فاستكن الضمير . واصطلاحاً :(ما يستحق الثواب) أي فعل يستحق المكلف الثواب (بفعله) ، فيخرج الحرام ، والمكروه ، والمباح ، (ولا عقاب في تركه) ، خرج الواجب ، ولا حاجة إلى زيادة مطلقاً لإِخراج المخير والكفاية ، لأن العقاب عام لوروده في سياق النفي ، أو لأن الإِطلاق يفهم من الإِطلاق (2)والخلاف في كونه تكليفاً أو لا لفظي ، لأن مبنى الثاني (3) على أن معنى التكليف إلزام ما فيه كلفة ، والأول (4) على أن معناه طلب ما فيه كلفة ، ولا شك أن المكلف إذا فعل المندوب رغبة في الثواب شق عليه ذلك كفعل الواجب ، فكان الخلاف عائداً إلى تفسير معنى التكليف ، ولم يتوارد النفي والإِثبات على معنى واحد ، والله أعلم .
[ المكروه]
__________
(1) ـ قيل بأحد معنييه ، وهو الممنوع لا الممتنع كما في ? وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون ? تمت منه
(2) ـ أي إطلاق العبارة
(3) ـ وهو غير التكليفي
(4) ـ وهو التكليفي(1/30)

6 / 108
ع
En
A+
A-