وفي الاصطلاح (هي الكلمة) جنس قريب يشمل الحقيقة وغيرها وبها يخرج المهمل إذ ليس بكلمة والمعنى إذ لا يوصف بحقيقة ولا مجاز حقيقة وقد يحترز بالجنس القريب ولو قال اللفظ يشمل المركب فإنه قد يكون حقيقة لكان أنسب (1) (المستعملة)(2) احتراز عنها قبل الاستعمال كلفظ ضارب بعد أن حكم الواضع بأن كل صيغة فاعل من كذا فهو كذا فإنها لا تسمى حقيقة كما لا تسمى مجازاً لخروجها عن حدهما فيكون فائدة الوضع قبل الاستعمال جواز التجوُّز (في ما وضعت له) متعلق بالمستعملة أي في معنى وضعت تلك الكلمة له من حيث أنها وضعت له فيخرج الغلظ أي الخطأ على سبيل السهو أو على سبيل القصد بأن يزعم [المتكلم ]أنه على سبيل قانون الوضع من القوم بلا إثبات وضع من عنده نحو خذ هذا الفرس مشيراً إلى كتاب ,ويخرج المجاز لأنه وإن كان موضوعاً بالوضع النوعي فالمراد بالوضع إذا أطلق تعيين اللفظ للدلالة على معنى بنفسه سواءً كان ذلك التعيين بأن يفرد اللفظ بعينه بالتعيين أو يدرج في القاعدة الدالة على التعيين وهو المراد بالوضع المأخوذ في تعريف الحقيقة والمجاز . (في اصطلاح التخاطب) يخرج المجاز المستعمل فيما وضع له لكن في غير اصطلاح التخاطب كالصلاة مثلاً إذا استعملها الشارع في الدعاء فإنه قد استعملها فيما وضعت له لكن في اصطلاح آخر غير اصطلاحه وهو متعلق بوضعت [*]لفساد المعنى لو علق بالمستعملة لأن الاستعمال إذا عدي بكلمة في يكون ما دخل عليه في مراداً باللفظ يقال استعمل الأسد في زيد أي أريد منه زيد فلو تعلق بالمستعملة لكان الاصطلاح مراداً بالكلمة وهو فاسد ويلزم أيضاً
__________
(1) ـ ولم يخرج المهمل إلاّبالمستعمل تمت منه .
(2) ـ الفرق بين الاستعمال والوضع أن الاستعمال إطلاق اللفظ وإرادة مسماه بالحكم وهو الحقيقة أو غير مسماه لعلاقة وهو المجاز والوضع يطلق على جعل اللفظ دالاًّ على المعنى ويطلق على غلبة استعماله فيه بحيث يصير فيه أشهر من غيره والله أعلم تمت منه .(1/291)


على ذلك التقدير أن يتعلق حرفان لمعنى واحد بشيءٍ واحد لأن قوله فيما وضعت متعلق بالمستعملة ولا يبعد أن يتعلق بالمستعملة لا على أن يكون كلمة في صلة للاستعمال كما في قولك استعمل اللفظ في المعنى الفلاني بل يكون المعنى بحسب اصطلاح التخاطب وباعتباره وهنا بحث نفيس ذكرته في إيضاح المغني.
ولفظ الحقيقة [*] والمجاز حقيقة اصطلاحية فتأمل وهذا الحد يشمل أقسامها
[أقسام الحقيقة]
(وهي) على المختار خمسة [*] :
(لغوية) منسوبة إلى اللغة [*]و واضعها الباري تعالى عند المرتضى والبغدادية والأشعري علمها بالوحي(1)أو بخلق الأصوات (2) أو علم ضروري قال تعالى ?وعلم آدم الأسماء كلها?[البقرة آية 31] فدل على أنه تعالى واضع الأسماء ومعلمها آدمَ دون البشر وكذا الأفعال والحروف إذ لا قائل بالفصل .
واللغة هي الألفاظ الموضوعة من لغيٍ بكسر العين يلغى [*] إذا لهج بالكلام وأصلها لغو ولغي والهاء عوض والجمع لغىً مثل برة وبراً
وطريق معرفتها : التواتر كالأرض والسماء والحر والبرد ممَّا يعلم وضعه لمعناه والآحاد فيما لا يعلم وضعها لمعانيها [*]لا القياس كما سبق في بابه ولا العقل مستقلاً فلا يكون وحده طريقاً إليها لأن وضع لفظ [*] لمعنى معين من الممكنات والعقل لا يستقل بمعرفتها لأنه إنما يستقل بوجوب الواجبات وجواز الجائزات واستحالة المستحيلات وأما وقوع أحد الجائزين فلا يهتدى إليه واللغات من هذا القبيل لأنها متوقفة على الوضع
__________
(1) ـ يعني بإرسال ملك إلى واحد أو جماعة من عباده يعلمهم كون الألفاظ موضوعة للمعاني تمت س
(2) ـ خلق الأصوات في جسم وإسماعها واحدا أو جماعة بحيث يحصل له ولهم العلم بأنها وضعت بإزاء معانيها .وإما بأن يخلق الله أصواتا وحروفا لألفاظ موضعة تمت س.(1/292)


(وعرفية)منسوبة إلى العرف وهي ما وضعه أهل العرف العام سواءً كان بوضع عرفي جديد لم يسبقه معنى لغوي أو بنقل عن معناه الأصلي إلى معنى آخر وغلب عليه وهجر الأول بحيث يدل عليه بلا قرينة وعلى الأول بها سواءاً كان لمناسبة بينه وبين المعنى اللغوي فيكون منقولاً أو لا فيكون مرتجلاً كدّابه لذات الأربع بعد أن كانت لما يدب على الأرض وكالقارورة لما يستقر فيه الشيء من الزجاج بعد أن كانت لكل ما يستقر فيه الشيء من إناء أو غيره وصفة النقل في العامة أن ينقل الاسم طائفة من الطوائف ويستفيض فيها (1) ويتعدى إلى غيرها ويشيع في الكل على طول الزمن ثم ينشأ من بعدهم مقتفياً أثرهم في استعماله ذلك المعنى لبعد تواطيء (2) أهل اللغة مع سعتهم على ذلك
ووجه حسن النقل العرفي أنه قد يحصل به غرض صحيح ولو قبح لم يقبح إلا لكونه عبثاً لا غرض فيه فإذا حصل فيه غرض زال وجه القبح فحسن مثال ذلك : ما عرفناه في الغائط لما استهجنوا النطق باللفظ الموضوع له في الأصل نقلوا إليه اللفظ الموضوع على المكان الذي يوضع فيه وهو المكان الذي يوضع فيه المكان المطمئن عدولاً عن المستسمج المستهجن وغير ذلك من الأغراض وإن جهلنا الوجه في بعض الألفاظ لم نقطع بأنه لا غرض فيه
(واصطلاحية) منسوبة إلى الإصطلاح وهي ما وضعه أناس مخصوصون بأن نقلوه من معناه الأصلي إلى معنى آخر وغلب عليه بينهم كاصطلاح النحاة في جعلهم الرفع علامة الفاعل وما أشبهه بعد أن كان في الأصل للارتفاع ضد الانخفاض وكاصطلاح علماء الكلام في جعلهم الجوهر للمتحيز بعد أن كان فيه للنفيس .
فإن قيل هذا وما أشبهه ليس بنقل عن معناه الأصلي وإنما هو قصر على بعضه
__________
(1) ـ أي في الطوائف تمت
(2) ـ أي لبعد اتفاقهم على معنى في حال واحد وإنما يمكن على التدريج والله أعلم .(1/293)


أجيب بأنه بالنظر إلى الوضع وقصره على بعضه نقل كما لا يخفى وإنما لم يكتف بالعرفية عنها لأنها أعم من أن تكون عامة أو خاصة كما فعل غيره لغلبة العرفية عند الاطلاق في العامة وتسمية الأخرى بالاصطلاحية
(وشرعية) منسوبة إلى الشرع وهي اللفظ الذي وضعه الشارع لمعنى بحيث يدل عليه بلا قرينة كما في العرفية سواء كان اللفظ والمعنى مجهولين عند أهل اللغة كأوائل السور(1) عند من يجعلها أسماء أو كانا معلومين لهم لكن لم يضعوا لها لذلك المعنى كالرحمن لله تعالى عند من جعل الدينية داخلة في الشرعية فإن كلاً منها كان معلوماً(2) ولم يضعوا اللفظ له تعالى ولذلك قالوا حين قال تعالى ?قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن?[ الإسراء آية 110 ] إنَّا لا نعرف الرحمن إلاَّ رحمان اليمامة أو كان أحدهما معلوماً والآخر مجهولاً كالصلاة والصوم (3)
ووجه حسن النقل الشرعي أنه لا يمتنع أن يكون فيه مصلحة للمكلفين كما في غيره من المصالح الشرعية ولأن الشريعة جاءت بأحكام لم تكن معروفة من قبل فاحتيج إلى تمييزها بأسماء تخصها وكما يحسن أن يوضع لها أسماء تعرف بها مرتجلة يحسن أن ينقل إليها بعض الأسماء اللغوية
[وقوع الحقيقة الشرعية]
__________
(1) ـ فإن أوائل السور ومعانيها وهي نفس السور مجهولة عندهم تمت .
(2) ـ فإن لفظة الرحمان معلوم عندهم وكذلك الله معلوم عندهم تمت .
(3) ـ فإن لفظ الصلاة والصيام معلوم عندهم ولكن معناها الشرعي غير معلوم عندهم تمت .(1/294)


والحق عند أئمتنا عليهم السلام والجمهور(1)وقوعها لتبادر الشرع من إطلاق الصلاة والزكاة والحج والصوم فإن المتبادر من إطلاق هذه الألفاظ معانيها الشرعية التي هي الركعات بما اشتملت عليه وأداء مال ، وإمساك ، وقصد مخصوصات على أوجه مخصوصة بعد أن كانت للدعاء والنماء والإمساك والقصد المطلقين وذلك علامة الحقيقة
والشرعية قسمان :فرعية إن نقلت إلى فروع الدِّين .(ودينية) إن نقلت إلى أصول الدِّين [*]منسوبة إلى الدِّين أي أنَّا متعبدون بإجراء نحو الرحمن والإيمان والمؤمن على مسماياتها
[وقوع الحقيقة الدينية]
والحق وقوعها أيضاً لأن المؤمن لغة :المصدق قال تعالى حاكياً ?وما أنت بمؤمن لنا?[يوسف آية 17] وشرعاً : فاعل الطاعات ومجتنب المقبحات مع التصديق .
__________
(1) ـ خلافاً للباقلاني واعلم أنه لا نزاع في أن الألفاظ المتداولة على لسان أهل الشرع المستعملة في غير معانيها اللغوية قد صارت حقائق فيها وإنما النزاع في أن ذلك بوضع الشارع وتعيينه إيَّاها بحيث يدل على تلك المعاني بلا قرينة فتكون حقائق شرعية كما هو مذهبنا أو بغلبتها في تلك المعاني في لسان أهل الشرع . والشارع إنما استعملها فيها مجازاً بمعونة القرائن فتكون حقائق عرفية خاصة لا شرعية وهو مذهب الباقلاني فإذا وقعت مجردة عن القرائن في كلام أهل الكلام والفقه والأصول ومن يخاطب باصطلاحهم تحمل على المعاني الشرعية وفاقاً وأما في كلام الشارع فتحمل عليها عندنا وعلى معانيها اللغوية عند الباقلاني تمت منه .(1/295)

59 / 108
ع
En
A+
A-