(وشرط الأخذ بمفهوم المخالفة) على أنواعه (على القول به) أي بإثباته والعمل بمقتضاه (ألاّ) يظهر فائدة للتقييد بأيها سوى التخصيص للمذكور بالحكم بأن لا (يخرّج الكلام مخرج الأغلب) المعتاد وإلا لم يؤخذ به كقوله تعالى ?فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان?[ البقرة آية 282] فمفهومه أنه لا يعمل بشهادة الرجل والمرأتين إلا مع عدم الرجال وهذا غير معمول به اتفاقاً لخروجه مخرج العادة من أنه لا يعدل إلى النساء مع إمكان الرجال وكذا وجوب الرهن المشروط بالسفر في قوله تعالى ?وإن كنتم على سفرٍ ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة?[البقرة آية /283] فإنه خرج مخرج العادة والغالب لأنه رهن درعه من أبي سحمة اليهودي في الحضر(1)وكذا فإنه كان الرجل إذا طمحت عينه إلى استظراف امرأة بهت التي تحته ورماها بفاحشة حتى يلجيها إلى الافتداء منه بما أعطاها ليصرفه إلى تزوج غيرها فنزل قوله تعالى ?وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج?[النساء آية 20]
__________
(1) ـ لم أجد بلفظ من أبي سحمة وإنما وجدت عند أبي الشحم وإليك نص الحديث على ما أخرجه البيهقي في سننه الكبرى ج 6/ص 37/ح 10978:-وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الربيع بن سليمان ثنا عبد الله بن وهب أنبأ سليمان بن بلال وغيره عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول الله رهن درعا له عند أبي الشحم اليهودي رجل من بني ظفر في شعير هذا منقطع وفيما قبله كفاية وأخرجه مسلم في صحيحه و البخاري في صحيحه و النسائي في سننه و ابن حبان في صحيحه
و ابن ماجه في سننه و ابن حنبل في مسنده و النسائي في سننه الكبرى و ابن راهويه في مسنده و البيهقي في سننه الكبرى وغيرهم كثير(1/286)


(و) أن (لا) يكون جواباً (لسؤال) متقضٍ لتعليق الحكم بالخاص مطابقة لسؤاله كأن يسأل هل في الغنم السائمة زكاة ؟ فيقول في الغنم السائمة زكاة فلا يؤخذ منه أن المعلوفة لا زكاة فيها لأن الوصف إنما أتى به لمطابقة السؤال لا للتقييد .
(و) أن (لا) يكون لسبب (حادثة متجددة) كذلك كقوله تعالى ?وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم?[النساء آية 23] فإنه نزل حين تزوج رسول الله زينب بنت جحش الأسدية وهي بنت عمته أميمة بنت عبد المطلب حين فارقها زيد بن حارثة وقال المشركون والمنافقون في ذلك ونزل قوله تعالى ?لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم?[الأحزاب آية37] وقوله تعالى ?ما كان محمَّد أبا أحد من رجالكم?[الأحزاب آية 40]فالذين من أصلابكم لإخراج المتبنى فقط وحينئذٍ فيشمل زوجة كل ولد من نسب أو رضاع مدخولة أو غير مدخولة وكقوله تعالى ?لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين?[آل عمران آية 28]فلا يفهم منه أنه يجوز موالاة الكافرين مع المؤمنين فإنها نزلت في قوم من المؤمنين والوا اليهود دون المؤمنين.
(أو) يكون لأجل (تقدير جهالة) أي تقدير المتكلم جهالة السامع لحكم المنطوق كأن يعتقد عدم وجوب الزكاة في السائمة فيقول في السائمة زكاة (أو غير ذلك) المقدم ذكره (ممَّا يقتضى تخصيص المذكور بالذكر) [*] مثل أن يكون المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق أو مساوياً له فإنه قد يستغنى بظهور الأولوية والمساواة عن ذكره كقوله تعالى ?ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاقٍ?[الإسراء آية31] لأن تحريم قتل الأولاد حال أمان الفقر أولى منه حال خوفه فيرجع حينئذٍ إلى مفهوم الموافقة.
أو [*] للتعبير كما في قوله تعالى ?ولا تكرهوا فتياتكم? [النور آية 33] بأن من ليس بأهل للعفة قد أرادها دون أهلها .
أو معهوداً فيكون بمنزلة اللقب الذي يحتاج إليه في التعريف فلا يدل على نفي الحكم عمَّا عداه كلو اشتهر رجل بالعالم فقلت جاءني العالم.(1/287)


أو لزيادة الامتنان كقوله تعالى ?لتأكلوا منه لحماً طرياً?[النحل آية14] فلا يؤخذ منه منع القديد.
أو للتفخيم كحديث لايحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت الخبر فلا يؤخذ منه الحل لمن لا تؤمن بالله واليوم الآخر.
أو لخوف من ظالم (1) أو لمجرد المدح أو الذم نحو أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ?بسم الله الرحمن الرحيم?[آية من كل سورة إلا التوبة على الأصح وبعضها من النمل ].
أو للتوضيح فإن جاءت محتملة له وللتخصيص جاء الإجمال في المفهوم كما في قوله لَمّا استعار من صفوان بن أمية أدرعاً قال أغصباً يا محمَّد أم عارية ؟:(بل عارية مضمونة)(2) يحتمل الإيضاح وأن العارية شأنها ذلك فيكون الضمان فيها حكما للعارية مطلقاً كما ذهب إليه الشافعية ,ويحتمل التخصيص :أي مشروط فيها الضمان فلا تكون العارية مضمونة حتى يكون فيها ذلك كما ذهب إليه أصحابنا والحنفية.
ومن ذلك أن يراد بالعدد التكثير كالألف والسبعين مما يستعمل في لغة العرب للمبالغة نحو جئتك ألف مرة فلم أجدك وقد ذكر غير هذه الصور لا حاجة إلى التطويل بذكرها بعد ذكر الضابط (3) والله أعلم .
__________
(1) ـ كأن يقول في سائمة الغنم زكاة ولا يذكر المعلوفة لكونه إذا ذكرها ناله مكروه من صاحبها تمت حاشية فصول .
(2) ـ أخرجه النسائي في سننه الكبرى وأخرجه أبو داود في سننه و ابن حنبل في مسنده والحاكم في مستدركه والطبراني في معجمه الكبير و النسائي في سننه الكبرى والدارقطني في سننه والبيهقي في سننه الكبرى و عبد الرزاق في مصنفه و ابن أبي شيبة في مصنفه
(3) ـ من أن شرطه ألاّ يظهر للتقيد فائدة غيره كالتهويل في ?لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة ?[البقرة ]تمت منه .(1/288)


واعلم أن مثبت مفهوم الخطاب ونافيه متفقون على أن حكم المنطوق حكم ما ينطق به وأن الحكم المنطوق به غير ثابت في المسكوت عنه وإنما اختلفوا هل كونه غير ثابت في المسكوت عنه حكم شرعي أو عقلي فالقائلون به يجعلونه حكماً شرعياً وهو ظني إن كان أصله ظنياً اتفاقاً إذ لا يزيد عليه قيل وكذا إذا كان قطعياً والله سبحانه أعلم .
( الباب الرابع)
من أبواب الكتاب (في) تعريف (الحقيقة والمجاز) وبيان أقسامهما وأحكمامهما
[الحقيقة]
(الحقيقة) في الأصل فعيل بمعنى فاعل من حق الشيء إذا ثبت أو بمعنى مفعول من حققت الشيء إذا أثبته نقل إلى الكلمة الثابتة أو المثبتة في مكانها الأصلي ، والتاء فيها للنقل من الوصفية إلى الاسمية ، ومعنى كونها للنقل كذلك أن اللفظ إذا صار بنسفه اسماً لغلبة الاستعمال بعدما كان وصفاً كانت اسميته فرعاً لوصفيته فشبه بالمؤنث ، لأن المؤنث فرع المذكر ، فنجعل التاء علامة للفرعية كما جعل علامةً في رجل علاَّمةٍ لكثرة العلم بناءً على أن كثرة الشيء فرع لتحقق أصله ، وقيل: معنى كونها للنقل كذلك أنها علامة كون لفظ الحقيقة غالباً غير محتاج إلى الموصوف
وهي في اللغة ما يلزم الرجل حفظه من أهله وأقاربه ، ومنه الراية ، قال عبيد بن الأبرص :(1)
__________
(1) ـ لعبيد بن الأبرص بن عوف بن جشم الأسدي أبو زياد من مضر. من دهاة الجاهلية وحكمائها عاصر امرىء القيس وله معه مناقضات وفد على النعمان يوم بؤسه فقتله ـ وهو ممن تعمر طويلا ـ في (600 م)وهذا البيت من قصيدة مطلعها:
يا ذا المخوفنا بقتـ * ـل أبيه إذلالا وحينا
أزعمت أنك قد قتلـ * ـت سراتنا كذبا ومينا
هلاّ على حجر بن أ *م قطام تبكي لا علينا
إنا إذا عض الثقا * ف برأس صعدتنا لوينا
نحمي حقيقتنا وبعـ * ـــض القوم يسقط بين بينا(1/289)


نحمي حقيقتنا وبعـ ــض القوم يسقط بين بينا
وقال عامر بن الطفيل: (1)
أنا الذائد الحامي حقيقة جعفر

لقد علمت عليا معدّ بأنني

وبمعنى ذات الشيء اللازمة له من حق إذا لزم .
__________
(1) ـ هو عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر العامري ,أبو علي ,من بني عامر بن صعصعة .
من شعراء العرب وفتاكهم ولد ونشأبنجد .أتى المدينة المنورة كهلا يريد الغدر برسول الله فلم يجرؤ على ذلك ودعاه رسول الله للإسلام فطلب من الرسول نصف ثمار المدينة وأن يلي الأمر بعده فرده فرجع خانقا ومات في الطريق قبل الوصول إلى قومه (554 ـــ632م)
والبيت مطلع قصيدةيقول فيها :
لقد علمت علياهوازن أنني أنا * الفارس الحامي حقيقة جعفر
وقد علم المزنوق أني أكرُّه * عشية فيفٍِِِ الريح كرَّ المشهر
إذا ازورَّ من وقع الرماح زجرته * وقلت له ارجع مقبلا غير مدبر(1/290)

58 / 108
ع
En
A+
A-