والمروزي ، وابن خيران وأبو ثور ، والصيرفي ، والأشعري ، إذ لو لم يكن التعليق بالصفة دالاً على نفي الحكم عمَّا عداها لما فهم منه أهل اللغة ذلك والتالي باطل فالمقدم مثله
أما الأولى فلأن أبا عبيدة معمر بن المثنى وتلميذه أبا عبيد القاسم بن سلاَّم وهما من أئمة اللغة قالا في قوله :(ليّ الواجد يحل عرضه وعقوبته) (1) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم من حديث وبر بن أبي دليلة عن محمَّد بن ميمون بن مسيكة : إنه يدل على أن لي غير الواجد لا يحل عرضه وعقوبته
__________
(1) ـ أخرجه أبو داود في سننه والنسائي في سننه و ابن حبان في صحيحه و ابن ماجه في سننه و ابن حنبل في مسنده و الحاكم في مستدركه و الطبراني في معجمه الكبير و النسائي في سننه الكبرى و البيهقي في سننه الكبرى و عبد الرزاق في مصنفه و الطبراني في معجمه الأوسط(1/281)
وقالا في قوله : (لأن يمتلي جوف أحدكم قيحاً خير له من أن يمتلي شعراً ) رواه مسلم عن سعد بن أبي وقاص والبخاري عن ابن عمر وأبو داود بإسناد على شرطهما عن أبي هريرة لما قيل أن المراد بالشعر هنا الهجاء مطلقاً أو هجاء الرسول خاصة :لو كان كذلك لم يكن لذكر الامتلاء معنى لأن قليله وكثيره سواء فجعلا الامتلاء من الشعر في قوة الشعر الكثير فهما منه أن غير الكثير ليس كذلك فألزما من تقدير الصفة المفهوم فكيف لو صرح بها ؟ !قال أبو علي اللؤلؤي بلغني عن أبي عبيد أنه قال : وجهه أن يمتلي قلبه حتى يشغله عن القرآن وذكر الله تعالى فإن كان القرآن وذكر الله تعالى هو الغالب فليس جوف هذا عندنا مملوءاً من الشعر (1)والله أعلم .
[الشرط]
(و) الثالث (مفهوم الشرط) والشرط لغة العلامة ومنه ?فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا?[ محمد(18)] واصطلاحاً ما استلزم عدمه عدم غيره وهو عقلي وشرعي ولغوي كالحياة للعلم والطهارة للصلاة وما يلي نحو :إن وهو المراد هنا فهو ما علق من الحكم على شيءٍ بأداة شرط نحو أكرم زيداً إن دخل الدار فمفهومه عدم الإكرام إن عدم الدخول.
(وهو) أي مفهوم الشرط (فوقهما) أي المفهومين الأولين من القوة (والآخذ به أكثر) من الأخذ بهما لذلك فإن الأخذ به هو الأخذ بهما وبعض من منعهما لأن إذا ثبت كونه شرطاً فإنه يلزم من انتفائه انتفاء المشروط لأن ذلك معنى الشرط .
[الغاية]
__________
(1) ـ وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال قال رسول الله من مات يشرك بالله شيئاً دخل النار وقلت من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجَنَّة وهذا مصير منه إلى القول بالمفهوم لأن الجملة حالية فتدل على نفي الحكم عمَّا هو صفة له في اللفظ لا عن كل ما يتصف به في المعنى مثلاً الخبر المتقدم يدل على نفي وجوب الزكوة في معلوفة الغنم دون معلوفة سائر الأنعام إلا بالقياس تمت منه(1/282)
(و) الرابع (مفهوم الغاية ) وهو ما يستفاد من تقييد الحكم بأداة غاية :كإلى وحتى كقوله تعالى ?ثم أتموا الصيام إلى الليل ?[البقرة(187)]فمفهومه ارتفاع الحكم بالليل وقوله تعالى ?حتى تنكح زوجاً غيره?[البقرة آية 230] مفهومه أنها إذا أنكحت زوجاً غيره حلت له (وهو أقوى منها) أي من الثلاثة المتقدمة فإن من أخذ بها أخذ به بلا عكس حتى قال بعض العلماء إن دلالته انتفاء حكم ما قبلها عمَّا بعدها من قبيل المنطوق.
والحُجَّة على إثباته أن معنى قول القائل صوموا إلى الليل أن طرف المغيَّ وهو وجوب الصوم طرف النهار وهو آخر جزء منه فتقدير الوجوب بعده خلاف المنطوق لاقتضاء التقدير كون آخر جزء من النهار ليس طرفا للمغيَّ بعد أن كان معنى المنطوق كونه طرفاً .
[ العدد]
(و) الخامس (مفهوم العدد) وهو ما يستفاد من تعليق الحكم بعدد مخصوص كقوله تعالى ?فاجلدوهم ثمانين جلدة?[النور آية 4] أي لا أكثر من ذلك .
وقوله :(في أربعين شاة شاة ) أي لا في أقل من ذلك. وقول أبي الحسين (1) بدلالته على حكم الزائد بالأولى نحو من سرق عشرة قطع وعلى حكم الناقص كذلك كأن يحرم استعمال قلتين (2)وقعت فيهما نجاسة [على تحريم استعمال ما دونها ]وبعدمها نحو اجلدوا الزاني مائة على جهة الإيجاب أوالإباحة يقضي بعدم اعتباره والله أعلم .
[ الحصر]
__________
(1) ـ في المنهاج قال أبو الحسين وغيره من أصحابنا إنه لا يفيد ذلك على الإطلاق ونقل عن أبي الحسين تفصيلا طويلا منه قال :وإذا أباح لنا جلد الزاني مائة أوجبه علينا فإنه لا يدل على حكم ما زاد على ذلك لأنه ليس في اللفظ ذكر الزيادة ولا يقتضيه من جهة الأولى أهـ فأفاد المصنف أن هذا الكلام يقضي بأنه لم يعتبر مفهومه في جانب المخالفة وهو كذلك كما لا يخفى والله أعلم .
(2) ـ مثّله في الفصول بإذا بلغ الماء قلتين .ونظر بأنه مفهوم شرط وأقول والله أعلم إنه يصلح بالإعتبارين تمت منه .(1/283)
(و) السادس (مفهوم) الحصر بالنفي والاستثناء أو ما يفيدهما نحو ?إنما إلهكم الله?[طه آية 98] ? إنما الصدقات للفقراء ? [التوبة آية 60] ?ويأبى الله إلا أن يتم نوره ?[التوبة آية 32] ?فاعلم أنه لا إله إلا الله ?[محمد آية 19]?فهل يهلك إلا القوم الفاسقون? (1) [الأحقاف آية 35]
والفصل (2) بين المبتدأ والخبر المعرف بنحو أل نحو ?فالله هو الولي? [الشورى آية 9] ? قل أن هدى الله هو الهدى ?[ البقرة آية120 , الأنعام آية 71]ونحو العالم الله والكرم في العرب والأئمة من قريش وصديقي أخي مما عرف فيه المبتدأ بحيث يكون ظاهراً في العموم سواءً كان صفة أو اسم جنس [*] ومنه قوله :(تحريمها التكبير وتحليلها التسليم )ولذا احتج به أصحابنا والشافعية على التكبير.
وعكسه كذلك عند علماء المعاني مثل الله العالم ومثل تقديم المعمول كقوله تعالى ?إيَّاك نعبد وإيَّاك نستعين?[الفاتحة آية5]?وإيَّاي فارهبون?[البقرةآية40] أثبته أئمتنا عليهم السلام والجمهور لاستقراء استعمالات الفصحاء فإن أئمة العربية أجمعوا على أن الاستثناء من النفي إثبات وعلى إفادة الحصر ولذا أطبق عليه أئمة النحو والتفسير وأطبقوا على إفادة الثالث أيضاً (3) (و) لتبادر المفهوم في العدد
__________
(1) ـ إلا أن الحصر بالنفي والاستثناء يفيد النفي منطوقاً والإثبات مفهوماً والعكس في الحكم بإنما تمت منه .
(2) ـ وذكر بعض المحققين بأن صيغة الفصل بين المبتدأ وخبره المضارع أو اسم التفضيل بمن كذلك وفيه أن صيغة الفصل فيهما لا تفيد الحصر إذ المضارع واسم التفضيل الخالي عن المعرف كالنكرة فنحو زيد هو يضرب وأفضل من عمرو بمثابة هو ضارب وفاضل فتأمل والله أعلم تمت منه .
(3) ـ وهو ضمير الفصل نحو :? فالله هو الولي ?(1/284)
وإنما (قيل هما منطوقان) لا مفهومان أما مفهوم العدد فلم أقف على القائل بأنه منطوق(1)أما مفهوم إنما فالقائل أنه منطوق أهل المعاني [*] وهو مذهب أبي حامد أحمد بن عامر بن بشر بن حامد المَروَرَّوذي بفتح الميم والواو وبينهما راء مشددة بعدها واو ساكنة وذال معجمة كذا في نسخة الشرحين وفي نسخة ومفهوم الاستثناء وإنما وقيل هما منطوقان والخلاف فيهما ظاهر كما ترى إما إنما فكما سبق وأما النفي والاستثناء فإن أبا الحسين بن القطان والشيخ أبا إسحق الشيرازي قالا إنه منطوق ورجحه القرافي في قواعده والبرماوي في شرح الفيته وهو ظاهر مذهب ابن الحاجب قال ابن أبي شريف، وهو الذي يثلج له الصدرـ إذ كيف يقال في لا إلا الله أن دلالتها على إثبات الإلهية لله تعالى بالمفهوم !!!ـ وهو الذي أطبق عليه علماء البيان ,بل قالوا أنها تفيد الإثبات نصاً .
وإنما وجب العمل بهذه المفاهيم لأنه لو لم يدل على تخصيص محل النطق بالذكر على المخالفة لم يكن لتخصيصه بالذكر فائدة والتالي باطل فالمقدم مثله أما الشرطية فلأن المفروض عدم فائدة غير التخصيص كما سيأتي وأما الاستثنائية فلأنه لا يستقيم أن يثبت تخصيص من آحاد البلغاء لغير فائدة فكلام الله ورسوله أجدر .
[شروط الأخذ بمفهوم المخالفة ]
__________
(1) ـ وقال الدواري لا أعلم خلافاً في مفهومه إلا مع من نفي المفهوم جملة وهو قول ح وفيه أن لأبي الحسين تفصيلاً قد أشرت إليه وأنه يحكى الخلاف في جمع الجوامع عن قوم تمت منه .(1/285)