(فيقول المعترض) بعد تسليم علة الأصل في الفرع (الحكم مختلف ، فإن معنى عدم الصحة في البيع حرمة الانتفاع بالمبيع ، وفي النكاح حرمة المباشرة ، وهما مختلفان) حقيقة وإن تساويا بدليلك صورة فالمطلوب مساواته له حقيقة ، فما هو مطلوبك غير ما أفاده دليلك ، والدليل إذا نصب في غير محل النزاع كان فاسداً ، لأن المقصود منه إثبات محل النزاع ،
[الجواب]
(والجواب أن البطلان شيءٍ واحد ، وهو عدم ترتب المقصود من العقد عليه) وإنما اختلف المحل كونه بيعاً ونكاحاً واختلاف المحل لا يوجب اختلاف الحال فيه بل هو شرط في القياس ضرورة فكيف يجعل شرطه مانعاً عنه فيلزم امتناعه أبداً ؟
وثانيهما وهو :
(الثاني والعشرون)
من الاعتراضات (القلب وحاصله دعوى المعترض أن وجود الجامع في الفرع مستلزم حكماً مخالفاً لحكمه الذي يثبته المستدل) ويعتقده وذلك إمَّا بتصحيح المعترض مذهبه فليزم منه بطلان مذهب المستدل لتنافيها(نحو أن يقول الحنفي الاعتكاف يشترط فيه الصوم لأنه لُبْث فلا يكون بمجرده قربة كالوقوف بعرفة فيقول الشافعي فلا يشترط فيه الصوم كالوقوف بعرفة) وإمَّا بإبطاله لمذهب المستدل صريحاً مثاله أن يقول الشافعي في مسح الرأس مسح في الوضوء فلا يقدر بالربع كمسح الخف فيقول الحنفي فلا يكتفي فيه بأقل قليل أو التزاماً مثاله أن يقول الحنفي بيع غير المرئي بيع معاوضة فيصح مع الجهل بأحد العوضين كالنكاح فيقول الشافعي فلا يثبت فيه خيار الرؤية كالنكاح ووجه وروده أن من قال بصحته قال بخيار الرؤية فكان لازماً لها وإذا انتفى اللازم انتفى الملزوم وقد أجابت الحنفية عن هذا الاعتراض أن خيار الرؤية حكم آخر اجتمع مع الصحة على جهة الاتفاق فلا يكون لازماً فلا يستلزم نفيه نفيها لأن شرط الاستثنائي كون الشرطية فيه لزومية(1/246)
(وهو) أي القلب (أقسام) ثلاثة كما بيَّنا (وكلها ترجع إلى المعارضة) فهو نوع منها إذ هي دليل يثبت به خلاف حكم المستدل والقلب كذلك فإنه يشترك فيه الأصل والجامع بين القياسين فيجيء الخلاف في قبوله ويكون القبول هو المختار بل هو أولى بالقبول من المعارضة المحضة لأنه أبعد من الانتقال بأن قصد هدم دليل المستدل بأدائة إلى التناقض ظاهر فيه ولأنه مانع للمستدل من الترجيح لأن الترجيح إنما يتصور بين شيئين وها هنا الدليل واحد (1)
النوع السابع من الاعتراضات ما يرد على قول المعلل وذلك هو المطلوب فيقول المعترض لا نسلِّم بل النزاع باقٍ لأن الدليل منصوب في غير المتنازع وهو سؤال واحد وهو :
(الثالث والعشرون)
من الاعتراضات (القول بالموجَب) بفتح الجيم أي بما أوجبه دليل المستدل واقتضاه وأمَّا الموجِب بكسرها فهو الدليل وهو غير مختص بالقياس وقد وقع في قوله تعالى ?ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزَّة ولرسوله وللمؤمنين?[ المنافقون 8] أي إذا أخرج الأعز الأذل فأنتم المخرجون _ بفتح الراء لأن العزة لله ولمن أعزه الله وأنتم الأذلاء وقد يسمى عدم تمام التقريب وهو من السؤالات العامة لجميع الأدلة ويرد لوجوه ثلاثة الأول أن يرد لاستنتاج المستدل ما يتوهم أنه المتنازع أو ملازمه والأمر بخلاف ذلك
(وحاصله تسلم مدلول الدليل مع بقاء النزاع ومن أمثلته أن يقول الشافعي في القتل بالمثقل قتل بما يقتل غالباً فلا ينافي القصاص كالقتل بالخارق فيرد القول بالموجب فيقول المعترض سلَّمنا عدم المنافاة بين القتل بالمثقل وبين القصاص ولكنه ليس محل النزاع لأن محل النزاع هو وجوب القصاص لا عدم المنافاة للقصاص (ونحو ذلك) الوجه و هو وجهان :
__________
(1) ـ وقيل : لا يقبل لأنه شاهد زور يشهد لك أيها القالب وعليك حيث سلمت فيه الدليل واستدللت به على خلاف دعوى المستدل تمت منه(1/247)
الأول منهما وهو ثاني الثلاثة أن يستنتج من الدليل إبطال أمر يتوهم أنه مأخذ الخصم ومبنى مذهبه في المسئلة والخصم يمنعه فلا يلزم من إبطاله إبطال مذهبه كأن يقول في المثال التفاوت في الوسيلة لا يمنع القصاص كالمتوسل إليه وهو أنواع الجراحات القاتلة فيسلِّمه الحنفي ويقول من أين يلزم من عدم مانع ارتفاع جميع الموانع ووجود الشرائط والمقتضى وهذا غايته عدم مانع خاص ولا يستلزم انتفاء بقية الموانع ولا وجود الشرائط والمقتضى فلا يلزم ثبوت الحكم والمختار بعد قول السائل ليس هذا مأخذي تصديقه لأنه أعرف بمذهبه ومذهب إمامه .
والثاني من الوجهين وهو ثالث الثلاثة أن يسكت المستدل عن صغرى غير مشهورة كقولنا يشترط في الوضوء النيَّة لأن ما ثبت قربة فشرطه النيَّة كالصلاة ولا يذكر الصغرى وهو الوضوء ثبت قربة وهذا يسمى قياس الضمير فيقول الحنفي مسلَّم ومن أين يلزم اشتراط النيَّة في الوضوء فورد للسكوت عن الصغرى ولو ذكرت لم يرد إلا منعها بأن يقول لا نسلِّم أن الوضوء ثبت قربة فيكون حينئذٍ منعاً للصغرى لا قولاً بالموجب
[الجواب]
والجواب عن الأول بأن يبيِّن المعلل أن اللازم من الدليل محل النزاع أو مستلزم له إذ مرجعه إلى منع أحدهما وعن الثاني بأنه المأخذ باشتهاره بين النظار وبالنقل عن أئمة مذهبهم وعن الثالث أن الحذف عند العلم بالمحذوف شائع والمحذوف مراد معلوم فلا يضر حذفه والدليل هو المجموع لا المذكور وحده والله سبحانه أعلم .
[ الرابع والعشرون من الاعتراضات]
وأمَّا (الرابع والعشرون) من الاعتراضات وهو (سؤال التركيب) وهو أن يمنع الخصم كون الحكم معللاً بعلة المستدل مع موافقته فيه وذلك بمنع كونها علة أو بمنع وجودها في الأصل ، فالأول مركب الأصل ، والثاني مركب الوصف(1/248)
مثال الأول أن يحتج على الحنفية في أن العبد لا يقتل به الحر عبد فلا يقتل به الحر كالمكاتب المقتول عن الوفاء ووارث مع السيد فيقول الحنفي العلة في عدم قتل الحر بالمكاتب جهالة المستحق للقصاص من السيد والورثة واجتماعهم على طلب القصاص لا يرفعها لاختلاف الصحابة في المكاتب المخلف للوفاء هل يموت حراً ؟ فالمستحق الوارث أو عبداً فالمستحق السيد فإن صحت هذه العلة بطل إلحاق العبد به في الحكم لعدم مشاركته له في العلة وإن بطلت فإن الخصم يمنع بحكم الأصل ويقول يقتل الحر بالمكاتب لعدم المانع فإن لم يدع وارثاً غير السيد أو ترك ولا وفاء أقاد السيد عن أبي حنفية وأبي يوسف لأنه متعين خلافاً لمحمد[ ذكره في فقههم ].
ومثال الثاني ان يقول في الاستدلال على أن تعليق الطلاق للأجنبية قبل النكاح على شرط لا يصح قياساً على عدم التعليق كأن يقول لأجنبية إن تزوجتك فأنت طالق ثم تزوجها طلاق معلق على شرط فلا يصح قبل النكاح كلو قال زينب التي أتزوجها طالق فيقول الحنفي العلة التي عللت بها وهي كونه تعليقاً مفقودة في الأصل إذقوله زينب التي أتزوجها تنجيز لا تعليق فإن صح أنها مفقودة في الأصل بطل الإلحاق للتعليق لعدم الجامع وإن لم يصح منعت حكم الأصل وهو عدم الصحة في قوله زينب التي أتزوجها طالق لأنِّي إنما منعت الوقوع لكونه تنجيزاً فلو كان تعليقاً لقلت به وعلى التقديرين فلا يصح القياس إذ لا يلخو من منع العلة في الأصل أو منع حكم الأصل المقيس عليه (1)
[الجواب]
__________
(1) ـ وقد ذكرنا في حاشية شروط الأصل وجه تسميتها بمركب الأصل والوصف والخلاف فيها فجده من هناك إنشاء الله تعالى تمت منه .(1/249)
وجواب هذا الاعتراض أن يثبت المستدل أن العلة هي ما علل به وأنها موجودة بدليل من عقل أو حس أو شرع وإن لم يسلِّم الخصم إذ لو اشترط تسليمه لم تقبل مقدمة تقبل المنع فهذا السؤال (هو ما) عرفته فيما (تقدم من أن شرط حكم الأصل ألا يكون ذا قياس مركب) على غير الأصح وأنه قسمان مركب الأصل ومركب الوصف وإنما سمي الأول مركب الأصل لوقوع النظر في علة حكم الأصل والثاني مركب الوصف لوقوع الخلاف في وجود الوصف الجامع تمييزا لكل عن صاحبه والله أعلم وإحالته على ما تقدم فيها نظر إذ لم يذكره في متنه وقد ذكرنا هنالك أنه لا حاجة إلى اشتراطه
[ الخامس من الاعتراضات]
و(الخامس والعشرون) من الاعتراضات (سؤال التعدية وذكروا في مثاله أن يقول المستدل في البكر البالغة بكر فتجبر كالصغيرة ويقول المعترض هذا معارض بالصغر وما ذكرته وإن تعدى به الحكم إلى البكر البالغة فما ذكرته أنا قد تعدى به الحكم إلى الثيب الصغيرة) فإنه لَمّا ظهر واشتهر (هذان الاعتراضان) باسميهما أفردا بالعدد ولذا (يعدهما الجدليون في) عداد (الاعتراضات) فكان عدة الأمثلة باعتبارهما خمسة وعشرين (وليس أيهما اعتراضاً برأسه بل) هما (راجعان إلى بعض ما تقدم في) أنواع (الاعتراضات) السبعة
(فالأول راجع إلى المنع) أي منع حكم الأصل أو منع العلة في مركب الأصل أو منع الحكم أو منع وجود العلة في الفرع في مركب الوصف
(والثاني) راجع (إلى المعارضة في الأصل) بالصغر مع زيادة تعرض التساوي في التعدية دفعاً لترجيح المعيَّن بالتعدية (وقد تقدم بيان ذلك) المذكور من المنع والمعارضة وأمثلتهما فلا وجه لإعادته .(1/250)