والقاعدة : حكم كلي ينطبق على جزئياته ليتعرف أحكامها منه كما يقال : الأمر للوجوب ، فهذا ينطبق على نحو :? أقيموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ?[ البقرة 43] و? أتموا الصيام?[ البقرة 187]? ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم? [ الحج 29] من صيغ الأمر ، وكما يقال في القياس مثلاً : كل فرع شارك أصلاً في علة حكمه وجب إلحاقه به ، وكل حكم دل عليه القياس فهو ثابت (يتوصل بها) فيه إشارة إلى أن هذا العلم وصلة إلى غيره ، وليس مقصوداً بالذات ، والمراد من التوصل هو التوصل القريب المستفاد من باء السببية الظاهرة في السبب القريب ، فلا يرد ما قاله [الإِمام] المهدي عليه السلام من دخول كل علوم الاجتهاد فيه ، فإنه ما من فن إِلاَّ ويتوصل به إلى الاستنباط المذكور ، لأن التوصل بسائر العلوم غيره إليه (1)ليس بقريب ؛ إذ يتوصل بالعربية مثلاً إلى معرفة كيفية دلالة الألفاظ على مدلولاتها الوضعية ، وبواسطة ذلك يقتدر على استنباط الأحكام من الكتاب والسنة وكذا فإنه يتوصل بقواعد الكلام إلى ثبوت الكتاب والسنة ووجوب صدقهما
__________
(1) ـ الضمير في إليه يعود إلى الإستنباط أو إلى قوله غير المذكور أولا في قوله وصلة إلى غيره(1/21)


(إلى استنباط) أي استخراج (الأحكام) جمع حكم ، وستأتي إن شاء الله تعالى (الشرعية) احتراز عن الحسية كالعلم بأن النار محرقة ، والاصطلاحية كالعلم بأن الفاعل مرفوع ، والعقلية كالعلم بأن المثلين والضدين لا يجتمعان (الفرعية) أي التي يتعلق بها كيفية عمل (1)واحترز بها من الأصولية . (عن أدلتها) متعلق باستنباط ، وبه يخرج علم المقلد ، وما علم من ضرورة الدين كالصلاة والصوم ، ومنه علم جبريل والرسول (2) (التفصيلية) احترز به عن الإجمالية كمطلق الكتاب والسنة فلا يستند في إباحة البيع مثلاً إلى كون الكتاب قاطعاً يجب العمل به ؛ بل إلى قوله ?وأحل الله البيع وحرم الربا?[ البقرة 275] فالحكم إنما يستخرج من الدليل التفصيلي لا الإجمالي - كما بينّا - ، وفي هذا الحد نظر لاستلزامه الدور لتوقفه على الفرعية التي لا تعرف إِلاَّ به ، والأخصر ما ذكرته في المغني تأمل
وغايته العلم (3)بأحكام الله تعالى ، وهي سبب الفوز بالسعادة الدينية والدنيوية
__________
(1) ـ قلبيا كان كالنية أو غيره تمت
(2) ـ إذ الحاصل بطريق الضرورة يكون معها لا عنها ، لأن معنى الدليل ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى العلم ، فعلى هذا يكون هذا القيد للدلالة مطابقة على ما دل عليه الكلام التزاماً ، فإنه قد فهم من قوله استنباط ، لأنه استخراج - أي طلب خروج الحكم - ، وذلك يستلزم مخرجاً منه ، أو لدفع وهم من يغفل عن هذا اللزوم ، ويظن أن علم الرسول عن الأدلة إهـ .
(3) ـ وينبغي أن يراد بالعلم هنا ما يشمل العلم والظن ليوافق حد الفقه السابق كما لا يخفى ، والله أعلم تمت منه . والفائدة اسم للغاية من حيث حصولها من العلم ، والغرض اسم لها من حيث كونه مقصودة للفاعل ، فربما لا يتوافقان ، كما إذا حاول الاحتراز عن الخطأ في الفكر واشتغل بعلم النحو تمت منه(1/22)


وموضوعه الذي يبحث عنه في الدليل (1)
واستمداده من الكلام لتوقف الأدلة على معرفة الصانع ، وصدق المبلغ ، إذ هو كلام في خطاب الله تعالى ، وخطاب رسوله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ومن العربية (2)فيما تمس الحاجة إليه من الحقيقة والمجاز ونحوهما ، لأن الأدلة من الكتاب والسنة عربية ومن الأحكام (3)والمراد علمها بالحد ليمكن إثباتها أو نفيها بعد ذلك في أفراد المسائل ، كما إذا قيل الأمر للوجوب فإنه يستحيل القول بذلك مع جهل ماهيته
__________
(1) ـ يشمل الأدلة وحذف الأدلة لإيهام أن الموضوع هو الدليل بشرط كليته ، ولا وجود له بهذا الاعتبار إلا في الذهن ، والأصولي إنما يبحث عن الدليل لا بشرط كليته ولا جزئيته كما هو معنى الماهية الصادقة على ما في الخارج من جزئياته وحذف السمعية ليدخل فيه نحو التخصيص بالعقل ، وقياس تخريج المناط فإنهم نصوا في الترجيح أنه عقلي تمت منه
(2) ـ معطوف على الكلام
(3) ـ معطوف على الكلام(1/23)


وحكمه الوجوب على الكفاية ، لأن من نزلت به حادثة شرعية لا يخلوا إما أن يكون عالماً أو عامياً إن كان عالما فلن يمكنه معرفة الحكم إِلاَّ بدلالة شرعية مفصلة ، وهي فرع على العلم بها على الجملة ، وإن كان عامياً ففرضه سؤال العالم ، والعالم لا بد له مما ذكرنا (1)
(وينحصر) العلم ، أوالمختصر ، أو المقصود منه ، أو المبحوث عنه ، فلا يضر خروج الخطبة عن الأبواب (في عشرة أبواب) والظرفية على تقدير عود الضمير إلى ما عدا المختصر ظاهرة ، وعلى تقدير عوده إليه يكون من انحصار الكل في الأجزاء ، مثل انحصار البيت في الجدران الأربعة والسقف ،
__________
(1) ـ أي من دلالة شرعية إهـ وإنما احتيج إلى بيان هذه المبادئ ، أمَّا الحد فلما ذكرنا ، وأمَّا الغاية فليخرج عن العبث ، ويزداد جد طالبه فيه إذا كانت مهمة ، ولئلا يصرف فيه وقته إن لم يوافق الغرض ، وأمَّا الموضوع فلأن تمايز العلوم في ذواتها بحسب تمايز الموضوعات حتى لو لم يكن لهذا العلم موضوع ولذلك موضوع مغاير له لم يكونا علمين ، ولم يصح تعريفهما بوجهين مختلفين ، فلو أقدم على الشروع قبل معرفة الموضوع لم يكن له من البصيرة ما له بعد معرفة المميز الذاتي ، وأما مستمده فليرجع الناظر إليه عند طلب التحقيق ، وأمَّا حكمه فليعرف مرتبته بين العلوم ليقدمه على ما ينبغي تقديمه عليه ويؤخر عما ينبغي تأخيره عنه ؛ مثلاً إذا عرف أن حكم هذا العلم الوجوب على الكفاية كان حقه التقديم على ما ليس بواجب ، والتأخير عن الواجب على الأعيان ، وإنما وجب على الكفاية لأنه لا يجب على الناس كافة طلب الأحكام لاستنباطها بالدليل ، والله أعلم تمت منه(1/24)


فإن قلت : حصر الكل في الأجزاء لا يتصور ؛ لأن الحصر هو جعل الشيء في محل محيط به ، فالمحيط حاصر ، والمحاط به محصور مظروف ، وشأن الكل مع أجزائه على العكس ، فإن الكل يحيط بالأجزاء ، فكيف يكون محصوراً فيها ؟ . أجيب : بأن المراد من المختصر هو المفهومات ، ومن الأبواب العشرة هو العبارات بناءً على أن الألفاظ قوالب المعاني وظروفها (1)ويجوز أن يكون المراد من الانحصار المذكور ههنا هو انحلال الكل إلى ما منه تركيبه (2)
ثم لما ذكر الأبواب أولاً أراد أن يعيدها على سبيل التعريف العهدي فقال:
[الباب الأول ]
(الباب) في الأصل بوب ، تحرك حرف العلة ، وانفتح ما قبله ، فقلت ألفاً بدليل تصغيره على بويب ، وتكسيره على أبواب ، وهو لغة : معروف ، واصطلاحاً : اسم لجملة من الكتاب مشتملة على عبارات معينة محدودة دالة على معانٍ مخصوصة بفصول غالباً .
__________
(1) ـ عطف تفسيري
(2) ـ قلت : وأمَّا ما يقال من أنه يجوز أن يراد من الانحصار هنا انحصاره باعتبار أجزائه منها ، ففيه أنه يلزم حينئذٍ اتحاد الظرف والمظروف ، فتأمل ، والله أعلم إهـ .(1/25)

5 / 108
ع
En
A+
A-