فيجاب : بأنها عدم الإكراه ، والإكراه مناسب لعدم القصاص ، فهو عدم معارض للقصاص ، وليس من الباعث في شيءٍ ، هذا إن سلم أن الإكراه معارض لثبوت الحكم في الفرع ومناسب لعدمه ، لأنه في حيث المنع ؛ إذ المناسب لعدم الحكم هو الإكراه السالب للاختيار بالكيلة ، وهو معدوم في الفرع ،
أو بيان إلغائه إمَّا في جنس الأحكام على الإطلاق كالطول والقصر ، أو في جنس الحكم المعلل به وإن كان مناسباً لبعض الأحكام كالذكورة في باب العتق ،
أو بيان استقلال وصف المعلل بظاهر أو إجماع ، نحو أن يقال في يهودي صار نصرانياً ، أو بالعكس (1) (بدَّل دينه فيقتل كالمرتد) فيعارض بأن العلة في المرتد الكفر بعد الإيمان ،
فيجاب : بأن التبديل معتبر في أي صورة لحديث البخاري :(من بدَّل دينه فاقتلوه) هذا إذا لم يعترض للتعميم ، فلو قال فيثبت اعتبار كل تبديل للحديث لم يسمع لكونه خروجاً من القياس إلى النص ، وعمومه لا يضر المستدل لجواز ألا يقول هو أو الخصم بالعموم ، أو غير ذلك مما يمنع التمسك بالعموم (2)
النوع الخامس ما يرد على دعوى وجود العلة في الفرع إمَّا بمنع وجودها ، أو معارضتها ، أو دفع مساواتها فباعتبار ضميمه في الأصل ، أو مانع في الفرع فرق وباعتبار نفس العلة اختلاف في الضابط أو في المصلحة فانحصرت أصنافه بحسب الوجود في خمسة : أولها وهو
(السادس عشر)
من الاعتراضات (منع وجود الوصف في الفرع )
( مثاله أني قال في أمان العبد أمان صدر من أهله كالعبد المأذون له في القتال ، فيقول المعترض لا نسلم أن العبد أهل للأمان )
__________
(1) ـ أي يهودي صار نصرانيا تمت
(2) ـ كأن يرى عدم التمسك بالعام المخصص ، أو الوارد على سبب الخاص إهـ(1/241)
(وجوابه ببيان معنى الأهلية بأن يقول أريد) بالأهلية (أنه مظنة لرعاية المصلحة) أي مصلحة الإيمان ، ثم بيان وجوده بحسن ، أو عقل ، أو شرع كما تقدم في منع وجوده في الأصل والعبد (لإسلامه وعقله) مظنة لرعاية مصلحة الإيمان بدلالة العقل ، ثم الصحيح أن المعترض لو تعرض لتقرير معنى الأهلية بياناً لعدمها فقال الأهلية أن يكون مسلماً عاقلاً حراً ، فإن الحرية مظنة فراغ قلبه للنظر لعدم اشتغاله بخدمة السيد ، فيكون إظهار مصالح الإيمان معه أكمل لم يمكن من تفسير ذلك الوصف وتقريره بياناً لعدمه ، وإنما يكون تقريره إلى مدعيه فيتولى تعيين ما ادعاه كل ذلك لئلا ينتشر الجدال بالانتقال
وثانيها وهو :
(السابع عشر)
من الاعتراضات (المعارضة في الفرع بما يقتضي نقيض حكم الأصل) في الفرع ، أو يكون مستلزماً للنقيض (بأن يقول : ما ذكرته منا الوصف وإن اقتضى ثبوت الحكم في الفرع فعندي وصف آخر يقتضي نقيضه) فيتوقف دليلك ، ثم يثبت المعترض وصفه بأن مسلك شاء من مسالك العلة فيكون كالمعلل في وظائفه فتنقلب الوظيفتان ، (وهذا) المذكور من المعارضة في الأصل فإنها تقيد ، والمختار قبولها لئلا تبطل فائدة المناظرة وهي معرفة الصواب ، لأنه لا يتحقق ثبوته ما لم يعلم عدم المعارض ، قيل : فيه قلب للمناظرة ، وخروج عمَّا قصداه من معرفة صحة نظر المستدل في دليله .قلنا : بل مقصودها هدم دليل المعلل ، كأنه قال : عليك بإبطال دليلي ليسلم دليلك ، وإنما يكون قلباً لو قصد به إثبات ما يقتضيه دليله ، وكيف يقصد به ذلك وهو معارض بدليل المعلل
[الجواب](1/242)
(وجواب هذه المعارضة بجميع ما مر من الاعتراضات من قبيل المعترض على المستدل) ابتداءً ، فيقدح المستدل في كلام المعترض بكل ما كان للمعترض أن يقدح في كلامه ، والجواب : لا فرق ، وقد يجاب عنها بالترجيح ، والمختار قبوله للإجماع على وجوب العمل بالراجح ، ولا يجب الإيماء إليه ابتداءً ، لأن الترجيح خارج عن الدليل وشرط لدفع المعارض إذا ظهر لا مطلقاً فلا يجب ذكره في الدليل
وثالثها وهو:
(الثامن عشر)
من الاعتراضات (الفرق وهو إبداء خصوصية في الأصل هي شرط) ، مثاله أن يقول : النيَّة في الوضوء واجبة كالتيمم بجامع الطهارة ، فيعترض الحنفي بأن العلة في الأصل الطهارة بالتراب ، (أو إبداء خصوصية في الفرع هي مانع) ، مثاله أن يقول الحنفي : يقتل المسلم بالذمي كغير المسلم بجامع القتل العمد والعدوان ، فيعترض بأن الإسلام في الفرع مانع من القود ، (ومرجع هذا) الاعتراض (إلى) أحد المعارضتين (المعارضة في الأصل) لأن له ألا يعترض لعدم الأول في الفرع فيكون معارضة في الأصل ، لأن المعلل ادعى علية الوصف المشترك ، والمعترض ادعى عليته مع خصوصية لا توجب في الفرع ، والمعارضة في الفرع ، لأن له ألا يعترض لعدم الثاني في الأصل فيكون معارضة في الفرع ، (وقد مر) وتحقيقه أن المانع عن الشيء في قوة المقتضي لنقضيه ، فيكون المانع في الفرع وصفاً يقتضي نقيض الحكم الذي أثبته المعلل ويستند إلى أصل لا محالة وهو معنى المعارضة في الفرع ، فإن تعرض لعدمها في الآخر كما أوجبه البعض فإليها يرجع الفرق بالمعنيين حينئذٍ ،
أمَّا الأول فلأن إبداء الخصوصية - التي هي شرط في الأصل - معارضة في الأصل ، وبيان انتفائها في الفرع معارضة فيه ،(1/243)
وأمَّا الثاني فلأن بيان وجود مانع في الفرع معارضة فيه ، وبيان انتفائه في الأصل إشعار بأن العلة هي ذلك الوصف مع عدم هذا لا ذلك وحده ، فكأن معارضة فيه حيث أبدى علة أخرى لا توجد في الفرع ، ولا بد من بيان تحققه وطريق كونه مانعاً أو شرطاً على نحو طريق إثبات المستدل عليه الوصف المعلل به من التأثير والانضباط ليتم المعارضة
ورابعها هو :
(التاسع عشر)
من الاعتراضات (اختلاف الضابط) أي مناط الحكم (في الأصل والفرع ، وهو الوصف المشتمل على الحكمة المقصودة ، مثاله أن يقول المستدل في شهود الزور على القتل إذا قتل بشهادتهم تسببوا للقتل فيجب القصاص كالمكره ، فيقول المعترض الضابط مختلف ، فإنه في الأصل الإكراه ، وفي الفرع الشهادة ، ولم يعتبر تساويهما في المصلحة ، فقد يعتبر الشارع أحدهما دون الآخر)
[الجواب]
(وجوابه) إمَّا (بأن الضابط هو القدر المشترك ، وهو التسبب ، أو بأن إفضاءه في الفرع مثل إفضائه في الأصل ، أو أرجح) منه فتثبت التعدية كما لو جعل في مسئلة القصاص من الشهود الأصل هو المغري للحيوان على القتل ، فيقول المعترض : الضابط في الأصل إغراء الحيوان ، وفي الفرع الشهادة ، فيجيب : بأن إفضاء التسبب بالشهادة إلى القتل أقوى من إفضاء التسبب بالإغراء ، فإن انبعاث أولياء المقتول على قتل من شهدوا عليه بأنه قتله طلباً للتشفي وثلج الصدر بالانتقام أغلب من انبعاث الحيوان على قتل من يغري هو عليه ، وذلك بسبب نفرته عن الآدمي ، وعدم عمله بالأغراء ، فإذا اقتضى الاغراء أن يقتص من المغري فأولى أن يقتضي هذه الشهادة الاقتصاص من الشهود لذلك ، ولا يضر اختلاف أصلي السبب ، وهو كونه شهادة وإغراء فإن حاصلة قياس التسبب بالشهادة على التسبيب بالإغراء ، والأصل لا بد من مخالفته للفرع ،(1/244)
(ونحو ذلك) ، الواو بمعنى أو مما يجاب به سؤال اختلاف الضابط بأن يقال في المثال المذكور التفاوت ملغى في القصاص لمصلحة حفظ النفس بدليل أنه لا يفرق بين الموت بقطع الأنملة ، وبينه بضرب الرقبة ، فيجب بهمها القصاص وإن كان أحدهما أشد إفضاء إلى الموت ، وقال ابن الحاجب وغيره إنه لا يجاب هذا السؤال بإلغاء التفاوت ، لأنه لا يلزم من إلغاء فارق معين إلغاء كل فارق ، فقد ألغي علم القاتل ، وذكوريته ، وصحته ، وعقله ، لا إسلامه وحريته فيقتل العالم ، والذكر ، والصحيح ، والعاقل بمن لم يكن كذلك ، ولم يقتل الحر بالعبد ، والمسلم بالكافر ،
وخامسها هو :
(العشرون)
من الاعتراضات (اختلاف جنس المصلحة في الأصل والفرع )
(مثاله أن يقول المستدل : يحد باللواط كما يحد بالزنا لأنه إيلاج فرج في فرج ، مشتهى طبعاً ، محرم شرعاً ، فيقول المعترض اختلفت المصلحة في تحريمهما ، ففي الزنا منع اختلاط النسب) المفضي إلى عدم تعهد الأولاد ، (وفي اللواط دفع رذيلة ، وقد يتفاوتان في نظر الشارع) وحاصله كالفرق لإبداء خصوصية في الأصل ، كأنه قال : بل العلة ما ذكرت مع كونه موجباً لاختلاط النسب فيكون راجعاً إلى المعارضة في الأصل ،
[الجواب]
(وجوابه) بما أمكن من أجوبتها والأظهر أن يكون (ببيان استقلال الوصف بالعلية) بشيءٍ من مسالك العلة (من دون تفاوت)
النوع السادس وهو الوارد على قوله : فيوجد الحكم في الفرع ، ولا سبيل إلى منعه نفسه لقيام الدليل عليه ، فكان الاعتراض إمَّا بمجرد دعوى المخالفة بين الحكمين ، أو بضم أن دليلك يقتضي ذلك ويسمى القلب ، فانحصر في صنفين :
أولهما هو :
(الحادي والعشرون)
من الاعتراضات (دعوى المخالفة) بين حكم الأصل وحكم الفرع ، (مثاله أن يقاس النكاح على البيع ، أو البيع على النكاح) في عدم الصحة (بجامع في صورة) ، فالمستدل حين حاول إلحاق النكاح بالبيع أو العكس قد أثبت في الفرع حكماً مماثلاً للحكم الأصل ،(1/245)