(فا) لقسم الأول وهو المناسب ا(لمؤثر ما ثبت بنص أو إجماع) أو تنبيه نص أو حُجَّة إجماع (اعتبار عينه في عين الحكم) وذلك (كتعليل) ثبوت (ولاية المال بالصغر الثابت بالإجماع) لثبوت الإجماع على أن الصغير يولى عليه في ماله فإن عين الصغر معتبرة في عين ولاية المال (وتعليل الحدث بالخارج من السبيلين الثابت بالنص) في نحو قوله تعالى ?أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً? [المائدة 6ـ النساء34]
وقوله جواباً لعلي عليه السلام لما قال له الوضوء كتبه الله علينا من الحدث فقط:( بل من سبع الخبر )(1) وسمي مؤثراً لظهور تأثيره في الحكم بالنص أو بالإجماع وهذا القسم داخل في مسلك النص إلا أنه أتى به ها هنا استتماماً لأقسام المناسب
(و) الثاني هو (الملائم) سمي ملائماً لملائمته لجنس تصرف الشارع لكنه لا يسمى ملائماً إلا (ما ثبت اعتباره بترتب الحكم على وفقه) أي وفق المناسب له بأن يثبت بالحكم مع الوصف في محل واحد وأمَّا المناسبة فهي حاصلة من جهة العقل (فقط لكنه قد ثبت بنص أو إجماع اعتبار عينه في جنس الحكم كما ثبت للأب ولاية نكاح ابنته الصغيرة قياساً على ولاية المال بجامع الصغر) فإن الوصف وهو الصغر أمر واحد ليس جنساً تحته نوعان والحكم والولاية وهي جنس تجمع ولاية النكاح وولاية المال وهما نوعان من التصرف (فقد اعتبر عين الصغر في جنس الولاية) بتنبيه الإجماع على الولاية على الصغير في المال لأن الإجماع على اعتباره في ولاية المال إجماع على اعتباره في جنس الولاية بخلاف اعتباره في عين ولاية النكاح فإنه إنما ثبت بمجرد ترتب الحكم على وفقه حيث ثبتت الولاية معه في الجملة وإن وقع الخلاف في أنها للصغر أو للبكارة أو لهما جميعاً
__________
(1) ـ رواه أئمتنا عليهم السلام تمت(1/211)


(أو) العكس بأن (ثبت) بنص أو إجماع (اعتبار جنسه) أي الوصف (في عين الحكم) المراد إثباته بالقياس وذلك (كجواز الجمع) بين الصلاتين وكونه رخصة (في الحضر للمطر قياساً على السفر بجامع الحرج) فالحكم جواز الجمع وهو واحد والوصف الحرج وهو جنس يجمع الحاصل بالسفر وهو خوف الضلال والانقطاع وبالمطر وهو التأذي به وهما نوعان مختلفان وحينئذٍ (فقد اعتبر جنس الحرج في عين رخصة الجمع) بتنبيه كان النبي يجمع في السفر فإن ذلك إيماء إلى أن علة رخصة الجمع فيه حرج السفر فقط إذ لا نص ولا إجماع على علية نفس الحرج (أو) ثبت بذلك (اعتبار جنسه) أي الوصف حيث يكون جنساً تحته نوعان في جنس الحكم المراد إثباته بالقياس حيث يكون كذلك (كإثبات) وجوب (القصاص) في القتل مثلاً (بالمثقل قياساً على) القتل بآلة (المحدد بجامع كونهما) أي القتلين (جناية عمد عدوان فقد اعتبر) الوصف المناسب وهو (جنس الجناية) الشامل للجناية على النفس والأطراف والمال (في جنس) الحكم أي (القصاص) الشامل للقصاص في النفس والأطراف
(و) الثالث المناسب (الغريب ما ثبت اعتبارهُ) أي نيط الحكم بالوصف بسبب اجتماعهما في محل واحد ( بمجرد ترتب الحكم على وفقه و) قوله (لم يثبت بنص ولا إجماع اعتبار عينه ولا جنسه في عين الحكم ولا جنسه) تصريح بمفهوم مجرد وبه يخرج المؤثر وأقسام الملائم الثلاثة وذلك (كتعليل تحريم النبيذ بالإسكار) فإنه مناسب للتحريم حفظاً للعقل بمجرد ترتب الحكم على وفقه فلا يكون مرسلاً لكنه غريب من جهة عدم النص والإجماع كذلك (قياساً على الخمر على تقدير عدم ورود النص بأنه العلة في تحريم الخمر) وإلا فإنه مع دلالة النص بالإيماء(1/212)


وهو قوله كل مسكر حرام (1) على اعتبار عينه في عينه لا يكون غريباً بل هو إذاً من قبيل المؤثر في التحقيق ومثاله التحقيقي البات لزوجته الآتي إن شاء الله تعالى كما في العضد والمعيار والله أعلم .
(و) الرابع المناسب (المرسل مالم يثبت اعتباره (2) كذلك بشيءٍ ممَّا سبق) أي لا بنص ولا إجماع ولا بمجرد ترتب الحكم على وفقه
__________
(1) ـ أخرجه الطيالسي في مسنده ومسلم في صحيحه و النسائي في سننه و ابن حبان في صحيحه و الترمذي في سننه و ابن ماجه في سننه و أبو داود في سننه و ابن حنبل في مسنده و الطيالسي في مسنده و الطبراني في معجمه الكبير و النسائي في سننه الكبرى و الطبراني في معجمه الصغير و الدارقطني في سننه و الطبراني في مسند الشاميين و البيهقي في سننه الكبرى و أبو يعلى في مسنده و ابن الجارود في المنتقى و الطبراني في معجمه الأوسط
(2) ـ ظاهره أي لم يثبت اعتبار عينه ولا جنسه في عين الحكم ولا جنسه في عين ونظره الإمام الحسن عليه السلام بأن ذلك عين غريب المناسب . وفسره سعد الدِّين باعتبار عينه في عين الحكم وفيه أنه يلزم منه أنه يدخل فيه مع غريب المناسب ملائم المناسب أيضاً فتأمل ولقد أحسن صاحب الفصول بإهمال هذا التقسيم والله أعلم تمت منه .(1/213)


(وهو) أي المرسل (ثلاثة أقسام ملائم وغريب وملغى) (فا) الأول وهو (الملائم)[من] (المرسل ما لم يشهد له أصل معين بالاعتبار) بأن لا يثبت في الشرع اعتبار عينه أو جنسه في عين الحكم أو جنسه (لكنه مطابق لبعض مقاصد الشرع الجملية) وله أمثلة (كقتل المسلمين المترس بهم عند الضرورة) الكلية وهي خشية استئصال الكفار المسلمين إن لم يرم الأسارى الذين يترس بهم الكفار فيجوز حينئذٍ رميهم وإن أفضى إلى قتل الترس لما فيه من دفع المفسدة الكبيرة بفعل المفسدة اليسيرة [*] كقطع اليد المتآكلة والفصد والحِجَامة لسلامة الجسد أمَّا الضرورة الجزئية وهي نحو خشية عدم استيلاء قلعة يترس أهلها بمسلمين فلا يبيح ذلك قتل المسلمين لإن حفظ ديننا غير متوقف على الاستيلاء على تلك القلعة ومثله توهم غرق أهل السفينة في البحر فإنه لا يبيح رمي بعض أهلها .(1/214)


ومثله وقوع جماعة في مخمصة فلا يبيح أكل أحدهم بالقرعة لكون المصلحة جزئية ذكره في حاشية الفصول عن الأسنوي (وكقتل الزنديق) بكسر الزاي هو الزندي والزند اسم كتاب مزدك الذي ظهر في زمان قياد وأباح الفروج وقتله أنو شروان وهو من يبطن الكفر ويظهر الإيمان أو من الثنوية أو القائل بالنور والظلمة أو من لا يؤمن بالآخرة أو من يقول بقدم العالم والذي ينبغي أن يراد هنا هو الأول (وإن أظهر التوبة) فإنها لا تقبل ولا يصير بذلك محقون الدم بل يسفك ويقتل إذ مذهبه ودينه جواز التقية فلو قبلنا توبته لم يمكن زجر زنديق أصلاً والشرع ملتفت إلى الزجر عن المعاصي في الجملة حكى ذلك المنصور بالله عليه السلام وصاحب الجوهرة عن كثير من أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم ومنعوا من مصالحتهم ومخالطتهم لأن في ذلك الظفر بمطلوبهم لما هيأوا من الإشكالات والإيهامات التي إذا أوردوها على المسلمين لا يكاد ينجو منها إلا متبحر في علم الكلام كما روي عن المطرفية والباطنية فإذا كانت هذه حالهم فنطقهم بالإسلام لا يفيد الإسلام فنجريهم على كفرهم قبل التوبة وليس كذلك حال سائر فرق الكفر سيما العرب فإنهم كانوا يمتنعون من الإسلام وينكرون التدين بالكذب ويرون بذل المهج في إظهار ما يبطنونه ولذا قيل لما أسرت خيل رسول الله ثمامة بن اثال الحنفي قال أحسنوا إساره ولما رجع رسول الله إلى أهله قال أجمعوا ما كان معكم من طعام وابعثوا به إليه وأمر بلقحة يغدي عليه بها ويراح وهو يعالجه ليسلم ويأتيه ويقول أسلمت يا ثمامة فيمتنع ويصد وقال يا محمد إن تقتل تقتل ذا دم وإن ترد الفداء فاسأل ما شئت . فمكث ثمامة في الأسر مدة ثم أطلقه فلما أطلقوه خرج إلى البَقِيْع فتطهر وأحسن طهوره ثم أقبل فبايع النبي على الإسلام (1)
__________
(1) ـ وروى أيضاً أنه لما دخل المسجد فقال أشهد أن لا إله إلا الله وان محمَّداً رسول الله والله يا محمَّد ما كان على وجه الأرض أبغض إليّ من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إليّ ،والله ما [كان] من دين أبغض إليّ من دينك فأصبح دينك أحب الدِّين إليّ والله ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك فأصبح بلدك أحبّ البلاد إليّ وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى ؟ فبشره النبي وأمره أن يعتمر فلما قدم مكَّة قال له قائل صبوت . فقال لا ولكن أسلمت مع رسول الله ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله . وكان ثمامة هذا من رؤساء بني حنيفة وهو أول من دخل مكَّة ملبياً بالتوحيد وفي ذلك يقول شاعر بني حنيفة مفتخراً .
برغم أبي سفيان في الأشهر الحرم

ومنا الذي لبى بمكَّة معلناً

ولما توفي النبي وارتدت بنو حنيفة قام فيهم مقاماً حميداً وأطاعه منهم ثلاثة آلاف فانحاز بهم إلى المسلمين وذكر أن أمير السرية التي أسرته العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه ذكر معناه في البهجة تمت منه . وذكر في السيرة النبوية لابن هشام ج: 6 ص: 51 -52عن ابي سعيد المقبري عن أبي هريرة أنه قال خرجت خيل لرسول الله فأخذت رجلا من بني حنيفة لا يشعرون من هو حتى أتوا به رسول الله ( ) فقال اتدرون من أخذتم هذا ثمامة بن أثال الحنفي أحسنوا إساره ورجع رسول الله ( ) إلى أهله فقال اجمعوا ما كان عندكم من طعام فابعثوا به إليه وأمر بلقحته أن يغدى عليه بها ويراح فجعل لا يقع من ثمامة موقعا ويأتيه رسول الله ( ) فيقول أسلم يا ثمامة فيقول إيها يا محمد إن تقتل تقتل ذا دم وإن ترد الفداء فسل ما شئت فمكث ما شاء الله أن يمكث ثم قال النبي ( ) يوما أطلقوا ثمامة فلما أطلقوه خرج حتى أتى البقيع فتطهر فأحسن طهوره ثم أقبل فبايع النبي ( ) على الإسلام فلما أمسى جاءوه بما كانوا يأتونه من الطعام فلم ينل منه إلا قليلا وباللقحة فلم يصب من حلابها إلا يسيرا فعجب المسلمون من ذلك فقال رسول الله ( ) حين بلغه ذلك مم تعجبون أمن رجل أكل أول النهار في معى كافر وأكل آخر النهار في معى مسلم إن الكافر يأكل في سبعة أمعاء وإن المسلم ياكل في معى واحدقال ابن هشام فبلغني أنه خرج معتمرا حتى إذا كان ببطن مكة لبى فكان أول من دخل مكة يلبي فأخذته قريش فقالوا لقد اخترت علينا فلما قدموه ليضربوا عنقه قال قائل منهم دعوه فإنكم تحتاجون الى اليمامة لطعامكم فخلوه فقال الحنفي في ذلك
**ومنا الذى لبى بمكة معلنا *** برغم أبي سفيان في الأشهر الحرم ** وحدثت انه قال لرسول الله ( ) حين أسلم لقد كان وجهك أبغض الوجوه إلي ولقد أصبح وهو أحب الوجوه إلي وقال في الدين والبلاد مثل ذلك ثم خرج معتمرا فلما قدم مكة قالوا أصبوت يا ثمام فقال لا ولكنى اتبعت خير الدين دين محمد ولا والله لا تصل إليكم حبة من اليمامة حتى يأذن فيها رسول الله ( ) ثم خرج الى اليمامة فمنعهم ان يحملوا الى مكة شيئا فكتبوا الى رسول الله ( ) إنك تأمر بصلة الرحم وإنك قد قطعت أرحامنا وقد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع فكتب رسول الله ( ) إليه أن يخلي بينهم وبين الحمل(1/215)

43 / 108
ع
En
A+
A-