(و) منها انه يصح أن تكون (مفردة) أي ذات وصف واحد وهو كثير كالإسكار وكالكيل في ربا النسية . (ومركبة) إمَّا من وصفين كالكيل والجنس في ربا الفضل والإيجاب والقبول في إيجاب ملك البيع والنكاح أو أوصاف كقولنا قتل عمداً عدوان .
(و) منها أنها (قد تكون خلقاً) لله تعالى (في محل الحكم) المعلل إمَّا باقياً كالطعم في الربويات عند من يعلل به فإنه من الأعراض الباقية في الأصح وإما مفارقاً كالصغر إذا علل به فساد البيع فإنه يزول بعد وجوده وفعلا للمكلف كقتل وسرق
(و) منها أنها (قد تكون حكماً) عقلياً كالإسكار أو (شرعياً) كتعليل عدم صحة بيع الكلب بكونه نجساً
(و) منها أنه (قد تجيء عن علَّة) واحدة (حكمان) فصاعداً إمَّا بمطلقها كالجنابة في عدم جواز دخول المسجد ومس المصحف أو أحدهما بمطلقها والآخر بشرط كالزنا في الجلد والرجم أو هما بشرط واحد كالدية والكفارة في قتل الخطأ في محل واحد ،كالزنا فإنه علة في الجلد والفسق مطلقاً وفي الرجم بشرط الإحصان ومحلها الشخص الزاني أو محلين كالحيض فإنه علة في ترك المرأة قراءة القرآن وغشيان الرجل لها وهما محلان مختلفان وقد تجيء أحكام متماثلة عن علل مختلفة كالزنا والردة والقتل في أشخاص ثلاثة فإن كل واحد منهم يستحق القتل . ونعني بالتماثل هنا الاتفاق في الصورة(1/196)


(و) منها أنه (يصح تقارن العلل) المتعددة كقوله في دُرة بضم المهملة بنت أم سلمة وقد بلغه تحدث النساء أنه يريد أن ينكحها (إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري لما حلَّت لي إنهالإبنة أخي من الرضاعة) رواه الشيخان فإنه رتب عدم حلها على تقدير عدم كونها ربيبة على كونها ابنة أخيه من الرضاع والمعنى أنها لا تحل لي أصلاً لأن بها وصفين لو انفرد كل واحد منهما حرمت عليه كونها ربيبة وكونها ابنة أخي من الرضاع وقوله في حجري على وفق الآية الكريمة والجمع بين ما تقدم في اسمها من أنها درة وبين ما في مسلم عنها كان اسمي برة فسماني رسول الله زينب وقال لا تزكوا أنفسكم الله أعلم بأهل البِّر منكم بأن لها اسمين قبل التغيير . وكتحريم الوطء لعدم النكاح والملك أو للإحرام والحيض أو الصوم وكأن يزني رجل ويرتد ويقتل نفساً بغير حق فإنه يقتل لمجموع ذلك عند الجمهور وكالوطء والبول والغائط والرعاف في حالة واحدة فإنها أمور مختلفة الحقيقة وهي علل مستقلة للحدث لثبوته بكل منها وهو معنى الاستقلال (1) .
(و) منها أنه يصح (تعاقبها) وهو أن تقتضي علة حكماً ثم تقتضي علَّة أخرى ذلك الحكم كتحريم الوطء بالحيض فإذا انتهت مدته تعقبها عدم الغسل فتقتضي تحريم الوطء أيضاً .
ومنها أن تكون طاعة كالطهارة في النيَّة ومعصية كالزنا ودافعة كالعدة ورافعة كالطلاق وصالحة للأمرين كالرضاع وحقيقية كما ذكر وإضافية كالأبوة في تعليل الولاية .
ولما كان قوله ويصح تقارن العلل مظنة أن يقال فإذا اقترنت فتعارضت فما حكمها ؟
__________
(1) ـ وأما التمسك بأنه لو لم يجز تعدد العلل وتقارنها لم يجزي تعدد الأدلة ففيه أن العلة دليل باعث فهو أخص ولا يلزم من امتناع الأخص امتناع الأعم والله أعلم تمت منه(1/197)


أجاب بقوله (ومتى تعارضت) العلل بأن اقتضى بعضها خلاف ما يقتضيه الآخر في الفرع (فالترجيح) حينئذٍ واجب على صاحب الاجتهاد الصحيح بلا خلاف وإنما الخلاف حيث لا يحصل ترجيح وسيأتي هو وبيان وجوهه في بابه إن شاء الله تعالى بمعونته وكرمه
[طرق العلة ]
(و) أمَّا (طرق العلَّة) ومسالكها الدالة على عليتها لأن كون الوصف الجامع علةً حكم غير ضروري فلا بد في إثباته من الدليل فهي (أربع على المختار) عند المصنف تبعاً لابن الحاجب
(أولها) أي الطرق الأربع (الإجماع) وإنما قدمه على النص الذي هو أصله لأن الإجماع أقوى قطعياً كان أو ظنياً ولذا يقدم على النص عند التعارض ولأن النص تفاصيله كثيرة (وذلك أن ينعقد) أي الإجماع (على تعليل الحكم بعلة معينة) كإجماعهم في حديث مسلم والترمذي والنسائي لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان على أن علته شغل القلب وتشويش الغضب للفكر .
(وثانيها) أي الطرق الأربع (النص) من الكتاب والسنة
(وهو) نوعان لأنه إمَّا (صريح) وهو ما دل بوضعه (وغير صريح) وهو ما لزم مدلول اللفظ (فالصريح ما) صرح فيه بالعلة أو(أتى فيه بأحد حروف العلة مثل لعلة كذا أو لأجل كونه كذا أو لأنه أو فإنه أو بأنه ونحو ذلك) كإذاً وكي وإن الداخلة على ما لم يبق للمسبب ما يتوقف عليه سواه وأن بالفتح مخففاً ومثقلاً بتقدير اللام فإن تقديره كالتصريح .
[ مراتب الصريح]
ومراتبه أربع :
[1] أقواها النص في التعليل حيث لا يحتمل غير العلية كالتصريح بلفظ العلة وكقوله تعالى ?من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل?[ المائدة 32]و?كي تقر عينها? [طه 40] و?إذاً لأذقناك? [الأعراف 75]
[2] ثم ما هو ظاهر فيه محتمل غيره كلام التعليل وباء السببية وأن الداخلة على ما لم يبق للمسبب علة سواه لمجيء اللام لنحو العاقبة والباء لنحو المصاحبة وإن للزوم من دون سببية ولثبوت أمر على تقدير آخر على طريق الاتفاق(1/198)


[3] ثم ما دخلت عليه الفاء إما على العلة الغائية المتأخرة عن الحكم كقوله في المحرم الذي وقصته ناقته لاتمسوه طيباً ولا تخمروا رأسه فإنه يحشر ملبياً متفق عليه
وقوله في الشهداء فإنهم يحشرون وأوداجهم تشخب دماً (1)
__________
(1) ـ لم أجده فيما لدي من مصادر كتب أهل السنة بهذا اللفظ وإنما وجدته في الإحكام للآمدي ج: 2 ص: 275 حيث قال :المسألة الثالثة عشرة مذهب الشافعي رضي الله عنه أنه إذا حكم النبي ( )بحكم في واقعة خاصة وذكر علته أنه يعم من وجدت في حقه تلك العلة خلافا للقاضي أبي بكر وذلك كقوله ( )في حق أعرابي محرم وقصت به ناقته لا تخمروا رأسه ولا تقربوه طيبا فإنه يحشر يوم القيامة ملبيا وكقوله ( )في قتلى أحد زملوهم بكلومهم ودمائهم فإنهم يحشرون يوم القيامة وأوداجهم تشخب دما إهـ
وقد تكلم صاحب كتاب التقرير والتحبير ج: 3 ص: 253 على الحديث في معرض حديثه حول الموضوع حيث قال ودونه أي هذا القسم ـ الذي هو بعد إن المكسورة المشددة ـ الفاء في الوصف الصالح علة لحكم تقدمه مثل ما واحد عن النبي أنه قال في قتلى أحد زملوهم بكلومهم ودمائهم فإنه يحشرون يوم القيامة وأوداجهم تشخب دما اللون لون الدم والريح ريح المسك لكن قال السبكي وأنا لا أحفظ هذا اللفظ في رواية ويؤدي الغرض ما في مسند أحمد من حديث جابر أن النبي ( ) قال في قتلى أحد لا تغسلوهم فإن كل جرح أو كلم دم أو كل دم يفوح مسكا يوم القيامة وفي إسناده رجل مجهول يسمى بعبد رب انتهى بالإجماع شيخنا الحافظ بأن الحديث حسن وعبد رب معروف وهو الأنصاري أخو يحيى بن سعيد راوي حديث الأعمال وكل منهما من رجال الصحيح لكن الحديث عن ابن جابر عن جابر ولجابر ثلاثة أولاد ممن روى الحديث عبد الرحمن وعقيل بفتح أوله ومحمد وأشهرهم عبد الرحمن وحديثه في الصحيحين في لكن أبيه وحديث عقيل عن أبيه ثم أبو داود(1/199)


وإمَّا على الحكم المعلل نحو ?فاقطعوا أيديهما?[المائدة 38] لأن الفاء للترتيب والباعث المقدم عقلاًُ متأخر خارجاً فجوز ملاحظة الأمرين ودخول الفاء على كل منهما والفاء لم توضع للعلية بل للترتيب ثم يفهم منه بالاستدلال فمن جهة كونها للترتيب بالوضع جعلت من أقسام ما يدل بوضعه من جهة احتياج ثبوت العلة إلى النظر جعلت استدلالية لا وضعية صرفة فكان ما دخله الفاء مرتبة دون ما تقدما هذا إذا كان وارداً على لسانه من الكتاب والسنة
[4] ثم ما دخلت عليه الفاء في لفظ الراوي نحو سهي فسجد فإنه يزيد هنا احتمال غلط الراوي في الفهم ولكنه لا ينفي الظهور فكان مرتبته دون ما قبله
(و) القسم الثاني من النص وهو (غير الصريح ما) لزم مدلول اللفظ و(فهم منه التعليل لا على وجه التصريح ويسمى تنبيه النص) بالعلة وإيماؤه إليها وجعله بعضهم مسلكاً مستقلاً نظراً إلى أن دلالته ليست بحسب الوضع وهو أنواع :
منها أن يقترن حكم بوصف لو لم يكن هو أو نظيره للتعليل كان ذلك الاقتران بعيداً وقوعه من الشارع لفصاحته وإتيانه بالألفاظ على مواقعها ولتنزه كلامه عمَّا لا فائدة فيه مثل قوله (اعتق رقبة جواباً لمن) أي لأعرابي (قال) له هلكت وأهلكت (1) فقال (جامعت أهلي) أو واقعت . أخرجه الستة بالمعنى
__________
(1) ـ وقد دل الخبر على جواز إظهار الجزع عند المصيبة وشرعية استفصال مجمل السؤال ووجوب الكفارة على الرجل دون المرأة وكونها مرتبة ومؤخرة عن نفقة العيال وجواز إعانة الغارم في معصية بعد التوبة والعمل بالظن في حقوق الله تعالى وعدم صحة البيوع فيها وكونها ثلاثين صاعا لستين مسكينا والله أعلم تمت منه(1/200)

40 / 108
ع
En
A+
A-