فإن قيل : ما معنى ظرفية نحو البيان للألفاظ ؟ . أجيب : بأنها مجازية إقامة للشمول العمومي مقام الشمول الظرفي ، ووجه الشمول وجود البيان بوجود الألفاظ ، ولا عكس (1)
والأصول جمع أصل ، وهو لغة : ما يبتنى عليه غيره من حيث يبتني عليه ، فبقيد الحيثية خرج أدلة الفقه مثلاً من حيث تبتني على علم التوحيد فإنها بهذا الاعتبار فروع لا أصول ، وهذا القيد لا بد منه في تعريف الإِضافيات إلاَّ أنه كثيراً ما يحذف لشهرة أمره ،
__________
(1) ـ قوله للشمول العمومي وذلك أن الألفاظ مسوقة لبيان المعنى فلم يخرج شيء من الألفاظ عن البيان فكأن البيان محيط بالألفاظ فكان كالعام الشامل لأفراده وقوله مقام الشمول الظرفي إذ لا يخرج عن الظرف شيء من مظروفه فهو شامل له وقوله على العكس أي لا نوجد الألفاظ بوجود البيان إذ قد يكون البيان بغير الألفاظ كالإشارة ونحوها تمت(1/16)


ثم نقل الأصل في عرف الفقهاء والأصوليين إلى معانٍ : مثل الراجح يقال الأصل الحقيقة والمستصحب يقال تعارض الأصل والظاهر كمدعي دين(1)،فالأصل عدمه ؛ إذ خلق برياً عنه،والظاهر صدق المدعي لإِسلامه وديانته والقاعدة الكلية يقال لنا أصل وهو أن الأمر للوجوب والدليل يقال : الأصل في هذه المسئلة الكتاب والسنة ، وقد قامت القرينة هنا على أنه المراد ، لأن الإِضافة (2)إلى الفقه تدل عرفاً على أن المراد الدليل ، والابتناء يشمل الحسي كابتناء السقف على الجدران ، وأعالي الجدار على أساسه ، وأغصان الشجر على دوحته ، والعقلي كابتناء الحكم على دليله ، وبالإِضافة إلى الفقه الذي هو معنى عقلي يعلم أن الابتناء ههنا عقلي ، فيكون أصول الفقه ما يبتني الفقه عليه ، ويستند إليه ، ولا معنى لمستند العلم ومبتناه إِلاَّ دليله
والفقه لغة : فهم المعنى الخفي . واصطلاحاً (3) : اعتقاد الأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية (4)وسيأتي بيانها إن شاء الله تعالى .
__________
(1) ـ في نسخة كدعوى مسلم على ذمي ديناً
(2) ـ أي إضافة الأصول إلى الفقه والفقه في الاصطلاح: أخص من العلم ، لأن الفقه في العرف إنما يقال لمعرفة الأحكام الشرعية ، والعلم يقال لما هو أعم من ذلك لصدق العلم بالنحو وغيره ، فالفقه نوع من العلم ، فكل فقه علم ، وليس كل علم فقهاً ، ذكر معناه في شرح الورقات تمت منه
(3) ـ وسيأتي بيان الإصطلاح في الباب الرابع إنشاء الله تعالى تمت منه
(4) ـ وإنما عرف بذلك لأن متعلق الاعتقاد إما حكم أو غيره ، والحكم إما مأخوذ من الشرع أو لا ، والمأخوذ من الشرع إما أن يتعلق بكيفية عمل أو لا ، والعمل إما أن يكون العلم به حاصلاً من دليله التفصيلي الذي أنيط به الحكم أو لا ، فالاعتقاد المتعلق بجمع الأحكام الشرعية العملية الحاصل من أدلتها التفصيلية هو الفقه ، ذكر معناه في التلويح .تمت منه(1/17)


(قريب المنال) خبر بعد خبر - أي مناله قريب - يظفر الطالب بفهم القواعد منه بسهولة في زمن قريب ، (غريب المنوال) (المنوال) في الأصل الخشبة التي يطوي عليها الحائك ما ينسجه ، فإذا أريد وصف شيءٍ بالجودة وعدم النظير قيل هذا الشيء لم ينسج غيره على منواله من الثياب لانحطاطها عنه في الجودة ، والمراد هنا أنه مخالف لأساليب سائر كتب الفن (1) في ترتيبه وتهذيبه ، واختصاره وتقريبه (كافل لمن اعتمده إن شاء الله ببلوغ الآمال) أي متحمل ضامن من باب المجاز العقلي (2)والآمال جمع أمل ، وهو الترقب لأمر مرجو(3)(وارتقاء ذروة الكمال) (الارتقاء) هو الارتفاع ، والذروة: بضم الذال المعجمة وكسرها ، وقد تفتح - رأس كل شيءٍ .
__________
(1) ـ الفن نوع ، وفن الأصول من إضافة المسمى إلى الاسم كشهر رمضان ويوم الخميس تمت منه
(2) ـ والمجاز العقلي هو : إسناد الفعل أو شبهه إلى ملاَبس له غير ما هو له بتاويل تمت
(3) ـ في القاموس أمله رجاه ، فلا يستقيم إطلاق بعض الشراح والله أعلم تمت منه(1/18)


وقبل الشروع في مقاصد العلم أشار إلى تعريفه وضبط أبوابه إجمالاً ليكون للطالب زيادة بصيرة ، لأن كل علم مسائل كثيرة تضبطها جهة واحدة باعتبارها يعد (1) علماً واحداً يفرد بالتدوين ، ومن حاول تحصيل كثرة تضبطها جهة واحدة فالأولى أن يعرفها بتلك الجهة لتعذر معرفتها بغيرها ، أو تعسرها ، لأن الكثرة إن لم تكن محصورة لزم أن يستغرق أوقاته في تحصيل شرط الطلب - أعني تصور المطلوب - فيفوته ما يعنيه ، ويضيع وقته فيما لا يعنيه ، وإن كانت محصورة لزم أن يستغرق كثيراً من أوقاته في تحصيل شرط الطلب ، فربما لا يسع باقي الوقت لتحصيل المطلوب ، أو يمل عن تحصيل الشرط ، فيتقاعد عن الطلب ، ويلزمه الأمران ، فحده اللقبي - وهو العلم - الذي إذا لوحظ معناه الأصلي أشعر بمدح أو ذم ، وهذا يشعر بابتناء الفقه في الدين على مسماه ، فهو صفة مدح ، وخصه بالذكر دون الإِضافي لأنه المقصود الأهم هنا
فقال (هو) أي علم أصول الفقه ، يطلق تارة على المعلومات - أي القواعد المذكورة - وهو اصطلاح أكثر أصحابنا وأبي الحسين ، وتارة على العلم بها ، وهو اصطلاح أكثر الأشعرية والمصنف (علم) جنس يشمل كل علم بمعنى الملكة
__________
(1) ـ يعد خبر إن واسمها كل وهو مضاف وعلم مضاف إليه وعلم مضاف ومسائل مضاف إليه ومسائل مضاف وكثيرة مضاف إليه(1/19)


(بقواعد) أي بسبب معرفة قواعد (1) إن كانت الباء سببية أو علم القواعد نفسها إن كانت للتعدية وجمعها تنبيهاً على أنه لا يحصل بمعرفة بعضها فقط
__________
(1) ـ فالباء سبيية على حذف مضاف ، قال في جواهر التحقيق : ذهب جمهور الشارحين إلى أن المراد بالعلم المذكور في حد أصول الفقه الاعتقاد الجازم المطابق للقواعد لظهور أن الظن لا يكفي في القواعد الكلية الأصلية ، وفيه نظر ، وذلك لأن اشترط المطابقة في العلم بالقواعد الأصولية يستلزم أن لا يكون كل مجتهد أصولياً ، واللازم باطل بالاتفاق بيان الملازمة أنه لا شك في أن كثيراً من القواعد الكلية الأصولية بعضه متناقض مع البعض ؛ لأنها قد وقع فيها الخلاف بين المجتهدين على طرفي النقيض ، وإلى هذا أشار المحقق بقوله : ووقع فيها الخلاف فتشيعوا فيها شيعاً ، وتحزبوا أحزاباً ، ولأن كثيراً من الأحكام الشرعية الفرعية متناقض بعضها مع البعض فيلزم أن تكون المقدمات الأصلية المقتضية لها متناقضة ؛ إذ لو كانت الأصول متفقة لكانت الفروع متفقة لوجوب اتحاد اللوازم عند اتحاد ملزوماتها ، فلو كان علم كل مجتهد بقواعده الكلية الأصلية مطابقاً للواقع للزم اجتماع الأصول الكلية المتناقضة في الصدق ، وأنه محال ، فلا يكون كل مجتهد أصولياً ؛ اللَّهُمَّ إلا أن يراد تصويب كل مجتهد في قواعده الكلية كما أريد تصويبهم في الفرعيات ، لكن سيجيء في آخر الكتاب - يعني المنتهى - إن شاء الله تعالى أن المختار عند المصنف وسائر المحققين تصويب الواحد لا تصويب الكل إهـ .(1/20)

4 / 108
ع
En
A+
A-