ورد بالفرق بين العلة والدليل بأنه يلزم من عدم المساواة في العلة امتناع التعدية وانتفاء القياس بخلاف اختلاف الدليل(1)ولا حاجة إلى اشتراط موافقة الخصم على علية الأصل ووجودها فيه المشهورين بمركب الأصل ومركب الوصف إذ قد ثبتا بدليلهما في الأصح ولا إلى اشتراط عدم مصادمته النص في الفرع لدخوله في شروط الفرع فإن منها أن لا يرد نص كما سيأتي إن شاء الله تعالى والله سبحانه أعلم
(و) لما فرغ من بيان شروط الأصل أخذ شروط الفرع وقدَّمها على شروط العلة لما تقدم فقال :
(شروط الفرع) ثلاثة :
الأول منها وجودي وهو (مساواة أصله في) ثلاثة أشياء :
في (علته) كالخيانة في وجوب قصاص الأطراف المشتركة بين القطع والقتل لأن القياس إنما هو تعدية حكم الأصل إلى الفرع بواسطة علة الأصل فإذا لم تكن علة الفرع مشاركة لها في صفة عمومها ولا خصوصها لم تكن علة الأصل في الفرع فلا يتعدى حكم الأصل إليه
(و) في (حكمه) فيجب أن يكون حكم الفرع مماثلاً لحكم الأصل كما قيس القصاص في القتل بالمثقل عليه في القتل بالمحدد فحكم الفرع بعينه حكم الأصل وهو وجوب القصاص وإنما اشترط ذلك لأن الأحكام إنما شرعت لما تقضي إليه من مصالح العباد فإذا كان حكم الفرع مماثلاً لحكم الأصل علمنا إنما يحصل به من المصلحة مثل ما يحصل به من حكم الأصل لتماثل الوسيلة فوجب إثباته
__________
(1) ـ فإن احتجوا بأنه لا مانع من اعتبار الشارع للوصفين في حكم واحد لجواز تعدد العلل كما سيأتي إن شاء الله تعالى ووجود أحدهما في محل النص غير مانع من اعتبار الآخر فيفرد كل من الأصل والفرع المطلقين بوصف ويجتمع الوصفان فيما هو أصل وفرع باعتبارين أجيب بلزوم التسلسل وأن يكون الفرع الأخير بعيد الشبه إذ ما من فرع إلا وفيه بعض تفاوت عن شبه ما هو أصل له ومع تعدد التفاوت يكون الفرع الأخير بعيد الشبه فيكون ذلك إلحاقاً لفرع بأصل بلا شبه وفي الجواب ما لا يخفى فليتأمل والله أعلم تمت منه(1/186)


فإن اختلف الحكم لم يصح . مثاله إلحاق الشافعي الذمي بالمسلم في أن ظهاره يوجب الحرمة في حقه فإن الحرمة في الأصل مقيدة لأن غايتها الكفارة وفي الفرع مطلقة لأن الذمي ليس من أهل الكفارة التي فيها معنى العبادة فاختلف الحكمان فلو قبل مثل هذا القياس لم يعجز مخالف ولا موالف من قياس المسائل المتنافية في الأحكام بعضها على بعض بأمر يجمعها إذ المسائل المتنافية الحكام لن تخلو عن أمر يجمعها ويقاس فيها حكم جملي على حكم جملي ومثل هذا مهازلة في الدِّين مثاله لو قال قائل البيع الشرعي فاعتبر فيه شرائط لصحته قياساً على الصلاة والعلة كونهما شرعيين والله أعلم
قيل وهذا الشرط يختص قياس الطرد لأن الثابت بقياس العكس خلاف حكم الأصل كما تقدم
(وفي) شرعيتهما على نحو واحد من (التغليظ والتخفيف) والعزيمة والرخصة لأن مبنى القياس على اعتبار الشبه ومع الاختلاف في ذلك لا شبه بينهما معتبر فليس قياس أحدهما على الآخر للجامع أولى من الفصل بينهما فلا يقاس التيمم على الوضوء في كون التثليث مسنونا فيه بجامع كونهما شرطا للصلاة ، ولا مسح الرأس على ما ييمم في عدم التثليث بجامع كون كل منهما ممسوحاً لأن التيمم مبني على التخفيف إذ شرع تيسيراً وبدلاً عمَّا هو أشق منه (1)والوضوء مبني على التغليظ إذ شرع ابتداءً لا بدلاً عمَّا هو أشق منه وقد تقدم (2) رواية الفصول عن أئمتنا والجمهور (3) والله أعلم .
__________
(1) ـ وقد يتوهم أن باب قياس الأولى من هذا القبيل الممنوع وليس كذلك لأن قياس الأولى قد يكونان فيه أعني الأصل والفرع مغلظين مبنيين على التغليظ كالضرب على التأفيف وليس أحدهما مبنياً على التخفيف دون الآخر
(2) ـ في الشرط الأول من شروط الأصل تمت
(3) ـ من أنه لا يضر اختلافهما تغليظا وتخفيفا تمت منه(1/187)


(و) الشرط الثاني سلبي وهو (ألا تتقدم شرعية حكمه) أي الفرع (على حكم الأصل) لامتناع أن يكون شرع ما تقدم وجوبه مستفاداً ممَّا تأخر وجوبه لأن الدليل الذي الأصل من أركانه تأخر من المدلول الذي هو حكم الفرع بسبب تأخر أحد أركانه كما عرف وقد كلفنا العلم بالمدلول عليه قبل حصول الدليل فيمتنع لأن ذلك يكون تكليفاً بما لا يمكن ومن جوّز تكليف ما لا يطاق جوّزه . ومثاله الوضوء شرط في الصلاة فتجب فيه النيَّة كالتيمم فإن شرعيته بعد الهجرة وشرعية الوضوء بمكَّة .
(و) الشرط الثالث سلبي أيضاً وهو (ألا يرد فيه نص) (1) أي دليل من باب إطلاق الملزوم وإرادة اللزم فيكون المراد [*] أعم من أن يكون ذلك الدليل من الكتاب أوالسنة أو الإجماع قطعياً أو ظنياً خاصاً مصادماً أو موافقاً أو شاملاً له مع حكم الأصل أمَّا الخاص المصادم فقد سبق في الأخبار وأمَّا الموافق فللاستغناء عنه به وأمَّا الشامل فيكون جعل أحدهما أصلاً والآخر فرعاً تحكماً والقياس تطويلاً من غير طائل كقياس الذرة على الشعير في كونه ربوياً فيمنع في الأصل فيثبته المستدل بحديث معمر بن عبد الله (الطعام بالطعام مثلاً بمثل) (2) وكان طعامنا يؤمئذٍ الشعير أخرجه مسلم . فيجاب بأن الطعام يتناولهما جميعاً فيضيع القياس فإن كان العام مخصوصاً أو مختلفاً فيه والمستدل أو المعترض لا يراه حُجَّة مطلقاً أو إلا في أقل ما يتناوله كان القياس مفيداً نحو أن يكون أحد الخصمين يخصص بالعادة فيكون قياس الذرة على الشعير مع إثباته بحديث مسلم مفيداً لكون العادة يومئذٍ تناول الشعير كما دل عليه آخر الحديث
__________
(1) ـ غير القياس لقرين المقام فتأمل تمت منه
(2) ـ أخرجه مسلم في صحيحه و ابن حبان في صحيحه و ابن حنبل في مسنده و الطحاوي في شرح معاني الآثار و الطبراني في معجمه الكبير و الدارقطني في سننه و ابن عمرو الشيباني في الآحاد والمثاني و البيهقي في سننه الكبرى(1/188)


وقد كثر في كتب الفقه إثبات الحكم الواحد بأنواع من الأدلة وقد فهم من عبارة المتن المفيدة للحصر أنه لا يشترط غير المذكور من ثبوت الحكم جملة وعلم العلة في الفرع وعدم مخالفة [*] صحابي لعموم الدليل الدال على وجوب اتباع القياس ما لم يخالف النص ولفعل علي عليه السلام والصحابة فإنهم قاسوا أنتِ عليَّ حرام على الطلاق إن نواه إما الثلاث كما روي عن علي عليه السلام لتحريم الزوجة العام فلا تحل إلا بعد زوج وإما الباين كما روي عن زيد وتارة على اليمين بجامع المنع من المباح كما روي عن أبي بكر وعمر وابن عباس وابن مسعود وزيد بن ثابت وإمَّا الرجعي كما روي عن عمر أيضاً وتارة على الظهار كما روي عن عثمان فيجب كفارة للتحريم الذي لا يمكن تلافيه من جهة الزوج ولم يوجد نص في الفرع جملة بل كانت واقعة متجددة ولا علمت العلة الجامعة بل اكتفى كل بظنه وقد خالف قياس كل مذهب الآخر فبطل اشتراط ذلك
[شرط الحكم ]
(وشرط الحكم) الذي هو أحد أركان القياس (هنا) أي فيما نحن فيه من القياس الشرعي وفيه إشارة إلى أنه قد يجري في غير الشرعيات كما سبق ولكنه هنا أعني في أصول الفقه يشترط في حكم الأصل (أن يكون شرعياً) أي ثابتاً بدليل شرعي لأن المراد بالقياس فيه القياس الشرعي لكون الغرض منه إثبات حكم شرعي في الفرع وأن يكون عملياً قطعياً أو ظنياً اتفاقاً أو علمياً قطعياً عند القاسم والهادي والنَّاصر عليهم السلام وقدماء المعتزلة والأشاعرة بناءً على أنه حينئذٍ قطعي ولذا أثبتوا التكفير والتفسيق بالقياس فكفّروا من قال أن الله رابع أربعة قياساً على من قال أن الله ثالث ثلاثة تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً . وفسّقوا من سرق عشرين درهما قياساً على من سرق عشرة من حرز وقد فهم من العبارة ذلك .(1/189)


وأنه (لا) يصح أن يكون الحكم (عقلياً) لخروج الأحكام العقلية عمَّا نحن فيه وإن كان القياس يدخل فيها قطعياً كان أو ظنياً كالأمور المستدفع بها الضرر والمستجلب بها النفع فإن بعض ذلك يقاس على بعض فيمتنع إثبات الحكم العقلي بالقياس الشرعي اتفاقاً نحو أن يقال في نقل العين المغصوبة استيلاء حرمة الشرع فوجب كونه ظلماً كالغاصب الأول فهذا لا يصح لن الظلم إنما يثبت حيث يثبت وجهه وهو كونه ضرراً عارياً عن نفع ودفع واستحقاق
(و) أنه (لا) يصح أن يكون الحكم (لُغوياً) نحو أن يقال في اللواط وطء وجب فيه الحد فيسمى فاعله زانياً كوطيء المرأة فهذا لا يصح لأن الأسماء اللغوية إنما تثبت بوضع أهل اللغة لا بالقياس الشرعي أمَّا إثبات الأسماء اللغوية بالقياس اللغوي فيسمى لغةً المسكوت عنه باسم غيره بجامع بينهما كالنبيذ خمراً للتخمير وكتسمية النباش سارقاً للأخذ بخفية واللائط زانياً للإيلاج المحرم ففيه خلاف فمذهب الجويني والغزالي والآمدي وابن حاجب منعه .(1/190)

38 / 108
ع
En
A+
A-