وقوله (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين) رواه زيد بن علي عليهما السلام في مجموعه عن آبائه عن علي (عليه السلام) عنه .
وقوله من فارق الجماعة شبراً فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه أخرجه ابن حنبل وأبو داود والحاكم في مستدركه عن ذر رحمه الله تعالى .
وعنه إن الله أجاركم من ثلاث خلال أن لا يدعو عليكم نبيكم فتهلكوا جميعاً وألا يظهر أهل الباطل على أهل الحق وألا تجتمعوا على ضلالة أخرجه أبو داود عن أبي مالك الأشعري .
وأخرج ابن أبي عاصم عن أنس أنه قال إن الله تعالى قد أجار أمتي أن تجتمع على ضلالة.
والبخاري ومسلم عن المغيرة أنه قال لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله تعالى وهم ظاهرون .
والنسائي عن حذيفة عنه أنه قال من فارق الجماعة شبراً فارق الإسلام.
والنسائي وابن حبان في صحيحه عنه (سيكون بعدي هنات وهنات فمن رأيتموه فارق الجماعة أو يريد أن يفرق أمر أمة محمَّد كائناً من كان فاقتلوه فإن يد الله على الجماعة وإن الشيطان مع من فارق الجماعة يركض) .
وغير ذلك مما بلغ في الكثرة مبلغاً عظيماً تركته اختصاراً ومن أراد الاطلاع على ذلك فعليه بالمطولات (ففيه) أي ما ذكر من الأحاديث وغيره (تواتر معنوي) أي معناه متواتر وإن اختلف اللفظ فهو يفيد القطع كما في شجاعة علي (عليه السلام) وجود حاتم .
وأمَّا قوله (ولإجماعهم) على القطع (على تخطئة من خالف الإجماع و) ذلك يدل على أنه حجة إذ (مثلهم) كثرة وفضلاً وعلماً (لا تجمع) على القطع (على تخطئة أحد في أمر شرعي) هو المخالفة هنا (إلا عن دليل قاطع) لا لمجرد تواطؤ وظن فوجب الحكم بوجود 1نص قاطع بلغهم في ذلك فيكون مقتضاه وهو خطأ المخالف حقاً وهو يقتضي حقية ما عليه الإجماع فإثبات له بنفسه ولو سلم بإثبات للأخص وهو التفسيق بالأعم وهو التخطئة(1/171)


واعلم أن على أدلة الإجماع اعتراضات وجوابات غير ما ذكر لا تليق بالمقصود من الاختصار فالحق أن إجماع الأمة إنما كان حجة لتضمنه إجماع العترة كما ذكر الإمام شرف الدِّين فإن أدلة إجماع الأمة مع ذلك إنما يدل على أفضليتها وكونه حقاً وهو لا يستلزم عدم حقية غيره بخلاف أدلة إجماع العترة من السنة فإنها ناصة على وجوب التمسك بهم وبهذه الأدلة الدالة على عصمة الأمة عن الخطأ يمتنع وقوع الردة منهم جميعاً لأنها أعظم الخطأ وكذا الفسق وشذ المجوز لذلك .
[ القياس]
( فصل )
(و) آخر الأدلة الشرعية التي اتفق عليها المحققون (القياس) لغة مصدر قايس تقول قايسته وقياساً إذا قدرته وحذوته بشيءٍ آخر وسويته عليه وهو يتعدى بالباء كما مثل بخلاف المستعمل في الشرع فإنه يتعدى بعلى لتضمنه معنى البناء والحمل وهو في اصطلاح أهل الأصول والفقهاء (حمل معلوم على معلوم) أي حكم الذهن قطعا أو ظنا فالمراد بالمعلوم ما يشمل المظنون (بإجراء) مثل (حكمه) الثابت له نفياً كان أو إثباتاً لا عينه لأن المعنى الشخصي لا يقوم بمحلين والوصف لا يتصور انتقاله من محل إلى آخر (عليه) أي على المحمول الذي هو الفرع (بجامع) أي جامع كان بينهما من صفة أو حكم أو شرط مثبت أو منفي كما سيأتي إن شاء الله تعالى (1) . واحترز به (2) عن حمله (3) عليه (4) فيه (5) لدلالة نص أو إجماع فإنه ليس بقياس فحمل كالجنس (6) يدخل فيه المحدود وغيره وما بعده كالفصل وقد علم من هذا التعريف أركان القياس وستأتي إن شاء الله تعالى .
__________
(1) ـ في بيان خواص العلة تمت منه
(2) ـ أي الجامع تمت
(3) ـ أي الفرع تمت
(4) ـ أي الأصل تمت
(5) ـ أي الحكم تمت
(6) ـ إنما قال كالجنس لأن هذا حد باعتبار المفهوم إذ ليس الجنس والفصل هنا بمقومين لماهية كما في الحيوان الناطق في حد الإنسان . تمت(1/172)


وعبر بمعلوم لكون القياس يجري في الموجود والمعدوم ولم يعبر بالفرع والأصل لما في التعبير بهما من إيهام الدور وإن كان قد دفعه بعضهم بأن المراد بهما ذات الأصل والفرع أعني محل الحكم المطلوب ومحل الحكم المعلوم والموقوف على القياس إنما هو وصفا الفرعية والأصلية .
[تقسيم القياس]
(وينقسم) القياس باعتبار مَدْرَكِهِ :إلى عقلي لا مدخل للشرع في إثبات شيء من أركانه كقولنا العالم حادث لأنه مؤلف كالبيت ويسمى عند المتكلمين استدلالاً بالشاهد على الغائب وعند المنطقيين تمثيلاً .
وشرعي يكون للشرع دخل في إثبات شيءٌ منها وهو المراد هنا وباعتبار قوته إلى قطعي وهو ما علم حكم أصله وعلته ووجودها في الفرع من دون معارض كما في قياس العبد على الأَمَة في تنصيف الحد وهو نادر وظني وهو ما فقد فيه أحد العلوم ولعل المصنف لم يذكر القطعي والظني على حدة بناء على ما ذهب عليه الإمام المهدي (عليه السلام) من تفسير الجلي والخفي بهما
و(إلى جلي) وهو ما قطع فيه بنفي الفارق كقياس الأَمَة على العبد في سراية العتق في قوله (من أعتق شركاً له في عبد وكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل)(1) الحديث فإنَّا نقطع بعدم اعتبار الشارع الذكورة والأنوثة فيهما وأن لا فارق بينهما سوى ذلك .
(وخفي) وهو ما لم يقطع بنفي الفارق فيه بل قامت عليه أمارة ظنية
__________
(1) ـ أخرجه ابن ماجه في سننه وأخرجه مسلم في صحيحه و البخاري في صحيحه و النسائي في سننه و ابن حبان في صحيحه و ابن خزيمة في صحيحه و الترمذي في سننه و أبو داود في سننه و ابن حنبل في مسنده ومالك في الموطأ و الطحاوي في شرح معاني الآثار و الطيالسي في مسنده والحميدي في مسنده و الطبراني في معجمه الكبير وغيرهم كثير(1/173)


قيل وهو ما تجاذبته أصول مختلفة الحكم يجوز رده إلى كل منها ولكنه أقوى شبهاً بأحدها مثاله ما نقول في الوضوء عبادة فتجب فيه النيَّة كالصلاة فيقول الحنفي طهارة بالماء فلا تجب النيَّة كإزالة النجاسة فقد تجاذبه أصلان كما ترى الصلاة وإزالة النجاسة . وسمى خفياً ؛ لافتقاره إلى النظر في ترجيح أي الشبهين .
[ تقسيم آخرللقياس]
(و) باعتبار المعنى الجامع فيه (إلى) ثلاثة أقسام (قياس علَّة وقياس دلالة) بفتح الدال وكسرها وضمها وقياس في معنى الأصل ؛
[وجه التقسيم]
لأنه إمَّا أن يكون بذكر الجامع أو بالغاء الفارق
فإن كان بذكر الجامع فإمَّا أن يكون المذكور المصرح به هو العلة نفسها فهو قياس العلة سواء ثبت بنص أو بغيره وأمثلته كثيرة كقياس النبيذ على الخمر بجامع الإسكار
وإما أن يكون المذكور وصفاً ملازماً مساويا لها كقياس قطع [يد]الجماعة بواحد على قتلها به بجامع الاشتراك في وجوب الدية عليهم فإن وجوب الدية حكم لجناية العمد العدوان التي هي العلة فوجوده دليل على وجودها فسمي لذلك قياس دلالة
وحاصله إثبات حكم في الفرع لوجود حكم آخر يوجبهما في الأصل علة واحدة فيقال ثبت هذا الحكم في الفرع لثبوت الآخر فيه وهو ملازم له . فيكون قد جمع بأحد موجبي العلة في الأصل لوجوده في الفرع بين الأصل والفرع في الموجب الآخر لملازمتهما ومرجعه إلى الاستدلال بأحد الموجبين على العلة وبالعلة على الموجب الآخر لكنه اكتفى بذكر موجب العلة عن التصريح بها ففي ما مثلناه الدية والقصاص موجبان للعلة التي هي الجناية العمد العدوان لحكمة الزجر في الأصل وقد وجد في الفرع أحدهما وهو الدية فيوجد الآخر وهو القصاص عليهم لأنهما متلازمان نظراً إلى اتحاد علتهما وحكمتهما فهو قياس الدلالة
وفي تصريحه بكونه من أقسام القياس دفع لما عسى أن يتوهم من كون الحد لا يشمله لعدم التصريح فيه بالعلة وإنما صرح بوصف ملازم لها فإنه وإن لم يصرح بها فيه فهي متضمنة .(1/174)


وإن كان بالغاء الفارق كالجمع بين الأصل والفرع بنفي الفارق من غير تعرض لوصف هو العلة كقصة المواقع أهله في نهار رمضان فهو الذي في معنى الأصل وهو قريب (1) من تنقيح المناط الذي سيأتي إن شاء الله تعالى . وبعضهم يطلقه على الجلي وكأن المصنف منهم لما لم يفرده بالذكر والله أعلم .
[تقسيم آخر]
(و) باعتبار المشاركة في العلة (إلى قياس طرد) وهو إلحاق فرع بأصل لاشتراكهما في العلة وأكثر القياس طردي (وقياس عكس) وهو عكس حكم شيءٍ لمثله لتعاكسهما في العلة كما في حديث مسلم وهو قوله لبعض أصحابه :(أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر ؟ فكأنهم قالوا نعم . فقال (فكذلك لو وضعها في حلال لكان له أجر) في جواب قولهم أيأتي أحدنا شهوته وله فيها أجر فاستنتج من ثبوت الحكم أي الوزر في الوطء الحرام انتفاءه في الوطء الحلال الصادق بحصول الأجر حيث عدل بوضع الشهوة عن الحرام إلى الحلال
ومن أمثلته (2) لما صح الوتر (3) على الراحلة كان نفلاً كصلاة الفجر لما لم تصح عليها لم تكن نفلاً فالأصل صلاة الفجر والفرع صلاة الوتر وحكم الأصل كونه غير نفل وعلته عدم صحته على الراحلة وحكم الفرع كونه نفلاً وعلته صحته على الراحلة .
ومنها لما جاز لذي الحدث الأصغر قراءة القرآن جاز مسه قياساً على ذي الأكبر فإنه لم تجز له القراءة لم يجز له المس فالأصل ذو الأكبر والفرع ذو الأصغر وحكم الأصل التحريم وعلته عدم جواز القراءة وحكم الفرع جواز المس وعلته جواز القراءة.
وهو (4) عند الأكثر دليل معمول به في المسائل العقليات كمسائل العدل والتوحيد والشرعيات .
(وقد شذ المخالف في يكونه دليلاً) شرعياً وهم :
__________
(1) ـ فكان قريباً منه لالغاء الفارق بينهما فيهما ولم يكن إيَّاه لعدم تعيين الجامع بعد إلغاء الفارق تمت منه
(2) ـ أي قياس العكس
(3) ـ الوتر بالكسر وقد يفتح ذكرها في القاموس تمت منه
(4) ـ أي القياس تمت(1/175)

35 / 108
ع
En
A+
A-