وقولُ النظام وبعض الرافضة بامتناعه لانتشار أهله في مشارق الأرض ومغاربها فيمتنع نقل الحكم إليهم عادة وإذا امتنع الأصل امتنع الفرع لأن الموقوف على المحال محال
ممنوعٌ إذ الانتشار إنما يمنع النقل عادة فيمن قعد في قعر بيته لا يبحث ولا يطلب وليسوا كذلك لجدهم في الطلب وقوة في بحثهم عن الأدلة والأحكام وأيضاً لا نسلم أن الاتفاق في نفس الأمر فرع لتساويهم في نقل الحكم إليهم لا مكان الاتفاق بدون النقل المذكور .
نعم علمهم باتفاقهم فرع النقل المذكور وهو غير النزاع (1)وشروط الاستدلال به شروط الاستدلال بالسنة
[الطريق إلى العلم بالإجماع]
(و) لما لم يعلم ببديهة العقل ولا باستدلال عقلي قطعاً فإذاكان (طريقنا) الموصل (إلى العلم بانعقاد الإجماع) أحد أمور : إمَّا السماع لأقوالهم و (إمَّا المشاهدة) لكل واحد منهم بفعل فعلاً شرعياً أو ترك شيئاً ويعرف من كل منهم أنه فعله لشرعيته أوتركه لتحريمه هذا حق في الحاضر (وإما النقل) المفيد للعم أو الظن (عن كل واحد من المجمعين) المعتبرين في ذلك (أو عن بعضهم) فيما علينا فيه تكليف وإلا فلا إجماع ولا حُجَّة كالقول بأن عماراً أفضل من حذيفة إذ ليس يمتنع أن يتطابقوا على ترك إنكار ما لم يلزمهم إنكاره (مع نقل رضاء الساكتين) بحيث لو حكموا أو أفتوا لما كان إلا به وهذا في حق الغائب .
__________
(1) ـ إذا النزاع في إمكان اتفاقهم في نفس الأمر تمت(1/166)


(و) متى قيل : بم يعرف رضاء الساكتين ؟ . قلنا (يعرف رضاهم) لما قاله بعضهم أو فعله أو تركه (بعدم الإنكار) لذلك القول أو نحوه (مع الاشتهار) بينهم حتى لا يخفى على أحد منهم فلو لم ينتشر كذلك لم يكن السكوت رضاً لجواز إنكاره لو علموه (و) مع (عدم ظهور) سبب (حامل لهم على السكوت) كالتقية وإلا لم يكن سكوتهم رضاً كإمامة الثلاثة إذ سكوت الصحابة عنها إن سلِّم لخشية الفرقة التي تعود على الإسلام بالضرر وكالسكوت عن النكير في بيعة معاوية لعنه الله تعالى إذ هو للتقية فلا يكون رضاً فلا إجماع ولا حُجَّة مع ذلك
(و) لا بد مع ذلك من (كونه ممَّا ألحق فيه مع واحد) بأن يكون من المسائل القطعية كالقياس حيث عمل به بعض الصحابة وسكت الباقون . والمسائل الاجتهادية عند من يقول الحق فيها مع واحد فمثل ذلك يكون إجماعاً
(ويسمى هذا) الإجماع المنقول عن البعض مع نقل رضاء الساكتين (إجماعاً سكوتياً) ولا يخفى وجه التسمية (وهو حُجَّة ظنية) فلا يستدل به في قطعي (وإن) علم وقوعه كذلك بأن شوهد أو (نقل تواتراً) لم يؤثر نقله كذلك في خروجه من حيز الظن إلى القطع كذا في حواشي الفصول لأن غايته أن السكوت يدل على الموافقة ظاهراً والظهور لا يكفي في كونه إجماعاً قطعياً بل في كونه حُجَّة ظنية والذي يشعر به الفصول والجوهرة والقسطاس للإمام الحسن (عليه السلام) أنا إذا علمنا رضاهم علماً يقيناً كان حُجَّة قطعية وقد ثبت أن أهل المذهب في غير موضع يستدلون بذلك على المسائل القطعية كمسألة كون القياس حُجَّة شرعية وقد صرح به المصنف في القياس فيناقض ما سيأتي له فيه والله أعلم [*](1/167)


(وكذلك) أي مثل ما ذكرناه في السكوت من أنه حُجَّة ظنية على حسب الخلاف (القولي) أي الإجماع المنسوب إلى القول وكذا الفعلي والتركي إن علم الوجه الذي وقعا عليه كما في فعله لكن لا مطلقاً بل (إن) لم يعلم وإنما ظن بأن (نقل آحاداً) ولم يتلق بالقبول فيكون حُجَّة عند أئمتنا عليهم السلام والجمهور خلافاً لأبي عبد الله وأبي رشيد والغزالي فقالوا ليس بحُجَّة وتوقف قوم . قلنا لا وجه للفرق
(فإن) علم بأن سمع أو شوهد أو (نقل) الإجماع المذكور في جميع الأُمَّة أو العترة (تواتراً) أو تلقي بالقبول (فحجة قاطعة) وحينئذٍ تحرم مخالفة المجمع عليه كلبس الحرير مثلاً إذا أجمعوا على تحريمه فإنه معصية وكذا يحرم أيضاً مخالفة الإجماع نفسه بأن يعتقد كونه مباحاً (ويفسق مخالفه) ومخالف المجمع عليه . ولا تهمل الفرق (1) بينهما .
أمَّا عند من يقول كل عمد كبيرة فظاهر وأما عند من جعلها ما ورد الوعيد عليها فذلك (بدليل) قوله عز من قائل ?ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى (ويتبع غير سبيل المؤمنين) نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً?[النساء/115]
__________
(1) ـ فإن قال قائل : ما الفرق بين الإجماع والمجمع عليه ؟ قلنا: له فرق فمخالفة الإجماع نفسة أن يجمعوا مثلا على تحريم الحرير ، ثم يقول قائل : هو مباح فيفسق بمخالفة الإجماع وإن لم يلبس ، ومخالفة المجمع عليه : ان يلبسه مع اعتقاد تحريمه ، وقد وقع في هذه لبس نحارير العلماء ، ولعل أن تفهم هذا وتستفيد بهذا عن شاء الله ، والله يوفقنا لرضاه آمين تمت من غير الأم(1/168)


وجه الدلالة أن الله تعالى جمع بين مشاقة الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين في الوعيد حيث قال ?نوله ما تولى ونصله جهنم? فيلزم أن يكون غير سيل المؤمنين محرماً وإلا لم يجمع بينه وبين المحرم الذي هو المشاقة في الوعيد إذ لا يحسن الجمع بين حرام وحلال في وعيد بأن يقول مثلاً إن زنيت وشربت الماء عاقتبك . وإذا حرم اتباع غير سبيلهم وجب اتباع سبيلهم إذ لا واسطة ويلزم من وجوب اتباع سبيلهم كون الإجماع حُجَّة لأن سبيل الشخص هو ما يختار من القول أو الفعل أو الاعتقاد .
فإن قيل يجوز أن يراد سبيل المؤمنين في متابعة الرسول ومناصرته والاقتداء به وفيما صاروا به مؤمنين وهو الإيمان به وقد نزلت الآية في طعمة بن ابيرق حين سرق درعاً وارتد ولحق بالمشركين
أجيب بأن العبرة بالعمومات والإطلاقات دون خصوصيات الأسباب والاحتمالات والثابت بالنصوص ما دلت عليه ظواهرها ولم يصرف عنه قرينة .
فإن قيل:إن فيه دوراً لأنه إثبات لحجية الإجماع بما لا يثبت حجيته إلا به .(1/169)


قلنا :لا نسِّلم أن التمسك بالظواهر إنما يثبت بالإجماع فإن التمسك بها كان في عهد النبي قبل كون الإجماع حُجَّة . هذا وأول من احتج بالآية الكريمة :ابن أبان و الشافعي وقوله تعالى?وكذلك جعلناكم أُمَّة وسطاً (لتكونوا شهداء على الناس)? [البقرة/143]وتقريره أن الله سبحانه وتعالى عدل هذه الأُمَّة لأنه تعالى جعلهم وسطاً ، قال الجوهري الوسط كل شيءٍ أعدله ولأنه تعالى علل ذلك بكونهم شهداء والشاهد لا بد وأن يكون عدلاً وهذا التعديل للأمة وإن لزم منه تعديل كل فرد منها لكون نفيه عن واحد مستَلزَماً لنفيه عن الكل فنحن نعلم بالضرورة خلافه (1) ؛لأن العدالة الحقيقة الثابتة بتعديل الله تعالى تنافي الكذب والميل إلى جانب الباطل (2) فتعين تعديلهم فيما يجتمعون عليه وحينئذٍ تجب عصمتهم عن الخطأ قولاً وفعلاً واعتقاداً . وأيضاً فالشاهد حقيقة هو المخبر بالصدق واللفظ مطلق يتناول الشهادة في الدنيا والآخرة فيجب أن يكون قوله الأمة حقاً وصدقاً ليختارهم الحكيم الخبير للشهادة على الناس .
(ولقوله لن تجتمع أمتي على ضلالة) أخرجه الترمذي بلفظ لاتجمع أمتي على ضلالة ويد الله على الجماعة من شذ شذ إلى النار ، والطبراني في الكبير عن ابن عمر بلفظ (لن تجتمع أمتي على الضلالة أبداً فعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة (ونحوه) من الأخبار (كثير) مثل : (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم وفارقهم حتى يأتي أمر الله) رواه الروياني وابن عساكر عن عمران بن حصين . والروياني بضم الراء وسكون الواو بعده ياء ثم نون بعدها ياء النسبة إلى رويان بلد من طبرستان ذكره في طبقات ابن حجر .
__________
(1) ـ للعلم بان بعضا منها غير عدل ، وقوله لأن العدالة ..إلخ علة لقوله : فنحن إلخ فتعين إلخ تأمل تمت منه
(2) ـ ومعلوم أن بعضها يكذب ويميل إلى الباطل فتعين إلخ تمت منه(1/170)

34 / 108
ع
En
A+
A-