وقوله (إنِّي تاريك فيكم) ما إِنْ تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي إنَّ اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض رواه الهادي عليه السلام في الأحكام (1)
وفي الجامع الكافي إنِّي تارك فيكم ما إِنْ تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ألا وإنها لن يفترقا حتى يردا علىَّ الحوض ألا وهما الخليفتان بعدي وفي وراية الإمام أبي عبد الله الجرجاني إنِّي تارك فيكم ما إِنْ تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي
وهذا الخبر ممَّا ظهر بين الأُمَّة وتلقته بالقبول ورواه أصحاب الصحاح فجرى مجرى الأخبار المتعلقة بأمور الدِّين المهمة كالصلاة والصوم والزكاة والحج .
قال الإمام المهدي عليه السلام وبلغني أن حي الإمام المطهر بن يحيى أو ولده كتب إلى السلطان المظفر كتاباً ذكر فيه هذا الحديث فرجع جواب السلطان بأن سماع الحديث كتاب الله وسنتي فليراجع المجلس السامي أشياخه .
قال عليه السلام ولم ينقل إلينا ما أجاب به الإمام عليه السلام في ذلك قال ونحن نجيب بأن في الصحاح خبرين صحيحين عنه هذا الذي ذكره السلطان أحدهما والآخر كما ذكره الإمام عليه السلام ولعلَّ السلطان لم يطلع على هذا الحديث الثاني انتهى .
__________
(1) ـ أخرجه الطبراني في معجمه الكبير والترمذي في سننه و ابن حنبل في مسنده و الحاكم في مستدركه والطبراني في معجمه الكبير و النسائي في سننه الكبرى و الطبراني في معجمه الصغير و الدارقطني في سننه وابن حنبل في فضائل الصحابة و البيهقي في سننه الكبرى و أبو يعلى في مسنده و عبد بن حميد في مسنده وعبد الرزاق في مصنفه و الطبراني في معجمه الأوسط .(1/161)


قال بعضهم ولفظ أهل بيتي في أكثر الروايات وإنما جاءت تلك الروايات في غير الصحيحين ممَّن لا يعتد به وهو الذي ذكره الذهبي في الميزان وهو من تحريف الناصبة إذ قيل أنه ونسبي بنون ثم سين ثم باء موحدة من أسفل ثم ياء فوقع التصحيف بتأخير النون على السين وجعل الباء الموحدة تاء مثناة من فوق مع أنه لو قيل وسببي بباءين موحدتين من أسفل لم يبعد لأن السبب يصح تفسيره بالنسب كما ذلك معروف (الخبرين) بتمامهما وقد ذكر . والخبرين منصوب على أنه مفعول أي تمم أو اقرأ أو اذكر الخبرين ويجوز في مثله الرفع على أنه مبتدأ محذوف الخبر أي معروفان . قيل ويجوز الجر على تقدير إلى آخر الخبرين وفيه أن حذف الجار وإبقاء عامله ليس بقياسي في مثله (1) (ونحوهما) من الأحاديث النبويَّة
فنحو الأول ما رواه الهادي عليه السلام في الأحكام عن النبي أنه قال مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلَّف عنها غرق وهوى
وفيه أيضاً عنه أهل بيتي أمان لأهل الأرض والنجوم أمان لأهل السماء فإذا ذهب أهل بيتي من الأرض أتى أهل الأرض ما يوعدون وإذا ذهب النجوم من السماء أتى أهل السماء ما يوعدون (2)
وفي صحيفة علي بن موسى الرضى عليهما السلام عن آبائه إسناداً متصلاً إلى علي عليه السلام قال قال رسول الله مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلَّف عنها زج في النار قال أخرجه السري .
ونحو الخبر الثاني قوله إنِّي مخلف فيكم ما إِنْ تمسكتم به لن تضلوا وهما كتاب الله وعترتي أهل بيتي وقد أخبرني الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض رواه الإمام أبو عبد الله الجرجاني
__________
(1) ـ إنما قال (في مثله) لأن ذلك قياسي في أن وأن مفتوحة أو مشددةكما ذلك معروف في موضعه والله أعلم تمت منه
(2) ـ المستدرك على الصحيحين فضائل الصحابة لابن حنبل كشف الخفاء الفردوس بمأثور الخطاب نوادر الأصول في أحاديث الرسول المستدرك على الصحيحين(1/162)


وقوله إنِّي أوشك أن أُدعى فأجيب وإنِّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي إنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض رواه أيضاً الإمام أبو عبد الله الجرجاني عن أبي سعيد الخدري .
قال في جامع الأصول سماهما النبي ثقلين لأن الأخذ بهما والعمل بما يجب لهما ثقيل وقيل العرب تقول لكل خطير نفيس ثقيل . فجعلهما ثقلين إعظاماً لقدرهما وتفخيماً لشأنهما انتهى .
وقوله إنِّي تارك فيكم كتاب الله وعترتي وهما لا يختلفان بعدي رواه أيضاالإمام أبو عبد الله .
ووجه الدلالة في هذه الأحاديث وما في معناها أنها أفادت أن حكم التمسك بالعترة كالتمسك بالكتاب فإذا كان التمسك به واجباً لا يجوز مخالفتها فكذلك التمسك بجماعتهم وأيضاً فإنه يفهم من قوله تارك ومخلف وخليفتين حُجيَّة إجماعهم وذلك لأن المستخلف يكون بلا ريب قائماً مقام من استخلفه وهو الحُجَّة في حياته فيكون خليفته الحُجَّة من بعده وليس لأحد أن يقول بأن الحُجَّة هي مجموع الكتاب والعترة لإجماع الأُمَّة على أن الكتاب حُجَّة مستقلة فلو لم تكن العترة حُجَّة كالكتاب لكان ذكرها معه عبثاً واللازم ظاهر البطلان ولو أمعن الناظر نظرة في أدلة حُجيَّة إجماع أهل البيت عليهم السلام لوجدها أكثر وأصح من أدلة إجماع الأُمَّة لكن لله القائل .
كم حار فيه عاقل متكلم

لِهوى النفوس سريرةٌ لا تعلم(1/163)


(وإذا اختلفت الأُمَّة) أي كل الأُمَّة في مسئلة (على قولين) أو أقوال كالمذبوح بلا تسمية قيل يحل سواء تركها عمداً أو سهواً . وقيل لا يحل مطلقاً (جاز إحداث قول ثالث) بأن يقال يحرم مع العمد ويحل مع السهو عند المنصور بالله عليه السلام وأبي الحسين البصري والرازي وأتباعه والأمدي وابن الحاجب والشيخ الحسن والمتأخرين لوقوعه فإن الصحابة اختلفوا في زوج وأبوين وزوجة (1)وأبوين فقال ابن عباس رضي الله عنهما للأم ثلث جميع المال مع الزوج والزوجة . وقال الباقون للأم ثلث الباقي مع كل منهما . فأخذ ابن سيرين بقول ابن عباس في زوجة وأبوين دون زوج وأبوين ولم ينكر عليه أحد إذ لم ينقل واتفاقهم على عدم التفصيل ممنوع غايته أنهم لم يقولوا به وعدم القول به ليس قولاً بعدمه وإنما يمتنع القول بما قالوا بنفيه لا بما لم يقولوا فيه بنفي ولا إثبات وإلا لزم امتناع فيما تجدد من الوقائع إن لم يقولوا فيها بحكم
فإن قيل في ذلك لزوم تخطئة الأولين إذ كل فئة مخطئة بالتعميم وفيه تخطئة كل الأُمَّة والأدلة تنفيها .
__________
(1) ـ الأكثر أن يقال في المرأة زوج . قال تعالى ?ولكم نصف ما ترك أزواجكم? وجاء زوجة وهو الأنسب عند خشية اللبس كأمثلة الميراث والله أعلم تمت منه(1/164)


قلنا ذلك ممنوع فيما ذكرنا من التفصيل لأن ما تنفيه الأدلة تخطئه كل الأُمَّة فيما اتفقوا عليه وأمَّا فيما لم يتفقوا عليه بأن يخطي بعض في مسئلة وبعض في أخرى فلا وإلا لزم أن يمتنع تجويز الخطأ على كل فرد في مجتهدي كل الأُمَّة في أحكام متعددة ولا خلاف فيه لغير الإمامية وهذا (ما لم يرفع) القولين (الأولين) أو الأقوال الأولى بأن ينصوا على عدم جواز إحداثه أو رفع مقتضاهما مثاله أن يطأ المشتري الجارية البكر ثم يجد بها عيباً فقيل الوطء يمنع الرد وقيل بل يردها مع أرش النقصان وهو تفاوت قيمتها بكراً وثيباً فالقول بردها مجانا قول ثالث رافع للأولين (1). [*] والله أعلم .
(وكذلك) أي كإحداث قول ثالث لم يرفع الأولين يجوز لهم أو لبعضهم أو لغيرهم (إحداث دليل وتعليل وتأويل ثالث) أو رابع أو أكثر ما لم ينصوا على عدمه ولم يرفع مقتضى أقوالهم إذ لم تزل العلماء يستخرجون الأدلة والعلل والتأويلات المغايرة لأدلة من تقدمهم وعللهم وتأويلاتهم من غير نكير من أحد بل يمدحون به ويعدلهم فضلاً فكان إجماعاً على جوزاه أمَّا لو غير مقتضى قولهم من الحكم فلا كالقول الثالث الرافع للقولين ومثاله لو علل بعضهم تحريم بيع البُّر بالبُّر متفاضلاً بالكيل وآخر بالطعم فجاء من بعدهم علله بالاقتيات فإنه لا يجوز لرفعه القولين الأولين المتضمنين للإجماع على تحريم بيع الملح بمثله كذلك وتجويز علته ذلك
واعلم أن الإجماع ينعقد إمَّا بالقول أو الفعل أو الترك أو السكوت مع الرضى أو ما أمكن تركيبه منها وأنه ممكن لوقوعه وكذا العلم به ونقله إلينا .
__________
(1) ـ أما التمثيل بمسألة الجد والأخ حيث قيل بحرمان الأخ وقيل يرث نصف المال فالقول بحرمان الجد رافع للقولين فلا يليق فإنه قال الاسنوي وحكى ابن حزم في المحلي عن بعضهم أن المال كله للأخ لا توجد هذه الحاشية في الأم(1/165)

33 / 108
ع
En
A+
A-