فإن قلت : قوله تعالى ? ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك? [غافر 78] يقضي بعدم الحصر فيما ذكر(1) . قلت : يحتمل أن الخبر بيان للمقصوص عليه في الآية فقط ، وأن يكون تعالى قد أخبره بالرسل كافة بعد هذه الآية الكريمة ، والله أعلم . والإضافة (2) لتعظيم المضاف إذ ضمير الغائب لله تعالى فيها أجمع ، ويجوز إعادته إلى الحمد بمعنى المحمود على طريق الاستخدام (3) كقول البحتري :
شبوه بين جوانحي وقلوب(4)
فسقى الغضا والساكنيه وإن همو
__________
(1) ـ من العدد تمت منه
(2) ـ في أنبيائه وصلواته ونعمائه إلخ ....
(3) ـ الاستخدام هو أن يراد بلفظ له معنيان احدهما ثم بضميره الآخر ، أو يراد بأحد ضميريه أحدهما ثم بالآخر الآخر فالأول كقوله : *إذا نزل السماء بأرض قوم * رعيناه وإن كانوا غضابا والثاني نحو : أتينا غيثا فرعيناه وشربناه أو كمثال الشارح والظاهر والله أعلم إن أقيم على طريق الاستخدام أن يكون من النوع الأول وهو أن يراد بلفظ له معنيان احدهما ثم بضميره الآخر ، فيكون المراد بالحمد الأمر المصدري وبضميره في أنبيائه المحمود
(4) ـ إذ قد أطلق الحمد أولاً مراداً به المعنى المصدري ، وبضميره الحمد بمعنى المحمود ، وفي البيت وأريد بالضمير المجرور في الساكنية المكان ، وبالمنصوب في (شبوه النار) أي أوقدوا نار ا لغضا أي نار الهوى المشبهة نار (الغضا) ، وهو من قصيدة طويلة في ديوانه قبله
وقوام غصن في الثياب رطيب
كم بالكثيب من اعتراض كثيب
فسقى البيت فما في نسخ التلخيص وغيره بين جوانجي وضلوعي غلط ، ذكر معناه في معاهد التنصيص تمت منه.(1/11)
(وعلى آل سيدنا محمَّد) أكثرُ العلماء على إدخال على على الآل رداً على الإِمامية فإنهم منعوا ذكر على بين النبي وآله ، وينقلون في ذلك حديثاً :((من فصل بيني وبين آلي بعلى لم تنله شفاعتي)) وأصل آل أهل لمجيء تصغيره أهيلاً ، وقيل : أول من آل إليه الأمر ، وأهل الرجل آله ؛ لأنه يؤول إليه خص استعماله بأولي الشرف والخطر ، وإضافته إلى المظهر كما فعل المصنف أكثر(1)
والمذهب الصحيح في الآل ما ذهب إليه أهل سفينة النجاة وأتباعهم أنهم علي وفاطمة والحسنان ومن انتسب إلى الحسنين في كل عصر من مؤمنيهم (عليهم السلام) لقيام الأدلة التي صارت لاشتهارها كالأهلة مما لا يسعه هذا المقام (2) وسيأتي شطر صالح إن شاء الله تعالى في حجية إجماعهم
__________
(1) ـ قال عبد المطلب شعرا : وانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك . وفي هذا دليل على إضافته إليهما معا وليس فيه شاهد على أكثرية احدهما والله أعلم
(2) ـ فما سيأتي من الأدلة في الاستدلال على حجية إجماعهم يدل على أن المراد بعترته أهل بيته ، وأن عليّاً (عليه السلام) منهم ، ويدفع ما يقال أن أهل اللغة ذكروا أن العترة نسل الرجل ورهطه وعشريته الأدنون ، وهو لا يقتضي تخصيص عترة رسول الله بمن ذكر ، والله أعلم .(1/12)
من ذلك ما رواه الحاكم النيسابوري بإسناده إلى عبد الله بن جعفر قال : لما نظر رسول الله إلى الرحمة هابطة قال :((ادعوا آلي ، ادعوا آلي ادعوا آلي)) فقالت صفية : من يا رسول الله ؟ فقال :((أهل بيتي علي وفاطمة والحسن والحسين)) ، فلما جاؤوا إليه ألقى عليهم كساءه ، ثم رفع يديه ، ثم قال :((اللَّهُمَّ هؤلاء آلي ، فصلِّ على محمَّد وعلى آل محمد)) وأنزل الله تعالى :?إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت?...الآية [الأحزاب 35] . وفي هذا الخبر رد على الكسائي وغيره في المنع من إضافة الآل إلى الضمير ، وعلى الإِمامية في المنع من الفصل بين النبي والآل بعلى(1) - كما سبق - .
(وأوليائه) جمع ولي خلاف العدو ، والمراد من والاه وناصره في الدين من الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى يوم الدين ، والضمير للنبي أردف الصلاة على النبي بالصلاة على الآل ؛ لأن حكم الصلاة عليهم حكم الصلاة (عليه السلام) ، لقوله :((لا تصلوا عليّ الصلاة البتراء )) (2)الخبر وفي حديث آخر :((من صلى صلاة لم يصلِّ عليَّ وعلى أهل بيتي لم تقبل منه)) وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) :((لو صليت صلاة لم أصل فيها على النبي وعلى أهل بيته لعلمت أنها لا تتم))
__________
(1) ـ وإشارة إلى أن أصل (آل) أهل ، وإلى قصر الآل على من ذكر ، ودخول الذرية لما سيأتي إن شاء الله تعالى إهـ
(2) ـ في الحدائق الناضرة - المحقق البحراني ج 8 ص 465 : ( صلى الله عليه وآله ) : " لا تصلوا علي الصلاة البتراء فقالوا وما الصلاة البتراء ؟ قال تقولون " اللهم صل على محمد " وتمسكون بل قولوا اللهم صل على محمد وآل محمد " رواه ابن حجر المتأخر في صواعقه احرقه الله بها ، وهو من انصب النصاب المعاندين إهـ(1/13)
(وبعد:) أي بعد زمن الفراغ من الحمد والصلاة حذف المضاف إليه لكونه معلوماً ، وبني على الضم ، ومحله النصب بأَمَّا المقدرة في نظم الكلام المحذوفة لتعويض الواو عنها اختصاراً مع الربط الصوري (1)فالفاء في (فهذا) لأجلها (2)أوغير مقدرة والعامل ما يفهم من السياق مثل : أقول كذا (3)ذكره الجم الغفير من شراح مثل هذا المحل ، وفيه أنه ذكر الرضي أن حذف أما لا يطرد إلاَّ إذا كان ما بعد الفاء أمراً ، أو نهياً ، وما قبلها منصوباً به ، أو بمفسر به ، فلا يقال : زيداً فضربت ، ولا زيداً فضربته بتقدير أما ، فيجوز أن تكون (4)لإجراء الظرف مجرى الشرط كما ذكر في نحو ?وإذ اعتزلتموهم?[ الكهف 16] وسيبويه في قولهم : زيد حين لقيته فأنا أكرمه ،
__________
(1) ـ أي مع أنه قد حصل بالواو الربط الصوري الحاصل باما في قوله أما بعد فإنه كان كذا وكذا وذلك أنه يشبه التخلص لأن فيه شيئا من المناسبة من حيث انه لم يؤت بالكلام الآخر الواقع بعد الحمد والثناء فجأة من غير قصد إلى ارتباط بما قبله حقيقة لأنه انتقال من الحمد والثناء إلى كلام آخر من غير مناسبة وكذا الواو ليس القصد بها العطف لأن ما قبلها وما بعدها لا مقتضى للتعاطف بينهما بل إنما أتى بها للنكتة التي ذكرت في أما تمت والله أعلم
(2) ـ يحتمل إعادة الضمير وهو ا لهاء على أما أوعلى الواو التي هي عوض عن أما واله أعلم
(3) ـ والفاء على توهم أما
(4) ـ أي الفاء(1/14)
والإشارة (1)إلى المرتب الحاضر في الذهب من المعاني المخصوصة ، أو ألفاظها (2)، أو نقوش ألفاظها ، أو المركب من اثنين منها ، أو من ثلاثتها (3)سواء كان وضع الديباجة قبل التأليف أو بعده ؛ إذ لا وجود لواحد منها في الخارج .
فإن قيل : نفي وجود النقوش في الخارج خلاف المحسوس . أجيب : بأن الخارج من النقوش لا يكون إلاَّ شخصياً ، وليس المراد وصف ذلك الشخص بتلك الأوصاف ، وإنما الغرض وصف نوعه - وهو النقش الكتابي - أعم من أن يكون ذلك الشخص أو غيره مما يشاركه في ذلك المفهوم ، ولا شك في أنه لا حضور لهذا الكلي في الخارج ، فاستعمال لفظ الإِشارة على سبيل المجاز تنزيلاً للمعقول منزلة المحسوس تنبيهاً على ظهروه ، وترغيباً ، وتنشيطاً
وهذا مبتدأ خبره (مختصر) أي قليل اللفظ كثير المعنى ( في علم (4) أصول الفقه) أي في بيان أو تبيين ، أوتحصيل ما به تحصل ملكته.
__________
(1) ـ أي لفظة هذا
(2) ـ وتسميتها ألفاظاً مجاز باعتبار ما تؤل إليه تمت منه
(3) ـ هذا تمام احتمالات سبعة وهي : المعاني ، ألفاظها ، نقوش ألفاظها ، المعاني وألفاظها معا ، المعاني ونقوش ألفاظها معا ، الفاظ المعاني ونقوشها معا ، مجموع الثلاثة : المعاني ، وألفاظها ، ونقوشها تمت
(4) ـ قال في الغاية فإن قيل : ليس المشار إليه إلا مسائل علم أصول الفقه والظرفية تقتضي تغاير الظرف والمظروف قلنا : قد أشرنا إلى أن الإشارة إلى أحد معاني سبعة فيكون المراد بعلم الأصول أحد خمسة معان وهي الملكة ، والعلم بجميع المسائل ، وبالقدر المعتد به الذي يحصل به الاستنباط ونفس المسائل جميعا ، ونفس القدر المعتد به فإذا لوحظت تلك مع هذه حصل خمسة وثلاثون احتمالا يقر فيها مضاف وهو إما البيان أو الحصول أو التحصيل تمت(1/15)