ويشمل مجتهد التابعين لذلك ولاشتهار انتصابهم للفُتيا واقتعادهم دست العلماء كما روي أن أنس بن مالك رجع إلى الحسن وابن عمر سئل عن فريضة فقالوا سلوا سعيد بن جبر فإنه أعلم بها وسئل بن عباس عن النذر بذبح الولد فقال مشيراً إلى سؤال مسروق (1)ثم أتاه السائل بجوابه فتابعه وأمير المؤمنين عليه السلام جعل شريحاً على ولاية القضاء وكان يحكم باجتهاده في زمانه وكذلك عمر فإنه بعثه للقضاء في الكوفة ولم يعترضاه فيما خالفهما فيه باجتهاده إلى غير ذلك من الوقائع التي لا تحصى كثرة فتسويغ الصحابة اجتهاد غيرهم دليل اعتباره
__________
(1) ـ ذكره الآمدي في إحكامه ج: 1 ص: 299 في المسألة التاسعة تمت(1/141)


وظاهر العبارة يشمل مجتهدي الجن وهو خلاف الصحيح لتعذر عرفان ما عندهم وقد كلفنا العمل به فيؤدي اعتبارهم إلى التكليف بما لا يطاق ولا يجوز وأمَّا في حقهم فيعتبر مجتهدونا لا مكان الاطلاع منهم وقول بعض الشرّاح أن ظاهره يقضي بأنه لا ينعقد بدون أقل الجمع فيه إن أل جنسية مبطلة لمعنى الجمعية كما ذكروا في ?والله يحب المحسنين? [آل عمران/134]إلا أن لفظ اتفاق مشعر بأنه لا ينعقد إلا باثنين فصاعداً لكنه يكون حُجَّة حيث لم يبق إلا مجتهد لمضمون دليل الإجماع وهو أنه لا يخرج الحق عن هذه الأُمَّة فلو لم يكن حقاً لخولف مضمون السمعي (العدول) فلا يعتبر كافر التصريح وفاسقه . قال في الفصول : إجماعاً وكذا المتأول عند جمهور أئمتنا عليهم السلام ولذا إن الأُمَّة إذا اختلفت على قولين ثم فسق إحدى الطائفتين صار إجماعاً في الأصح والله أعلم . ولعل تردد المصنف في قبول روايته يأتي هنا والله أعلم.(من أُمَّة محمَّد ) فيخرج المجتهدون من أرباب الشرائع السالفة فهو من خواص هذه الأمة (في) أي (عصر) فيندرج فيه اتفاق مجتهدي كل عصر ولو لم يذكر في أي عصر لأوهم أنه لا ينعقد إلا باتفاق مجتهدي جميع الأعصار إلى يوم القيمة لعموم لفظ المجتهدين (على) أي (أمر) فيشمل الديني كالصلاة والزكاة والدنيوي كتدبير الجيوش والحروب وأمر الرعية وظاهر العبارة جواز انعقاده في زمنه كما نقل القُرافي (1)
__________
(1) ـ أحمد بن ادريس القرافي هو شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أبي الامام العلامة وحيد دهره وفريد آلاف أحد الاعلام المشهورين والائمة المذكرين انتهت اليه رئاسة الفقه على مذهب مالك رحمه الله تعالى وجد في طلب العلوم فبلغ الغاية القصوى دلت مصنفاته على غزارة فوائده وأعربت عن حسن مقاصده جمع فأوعى وفاق أضرابه جنسا ونوعا كان اماما بارعا في الفقه والاصول والعلوم العقلية وله معرفة بالتفسير وتخرج به جمع من الفضلاء توفى رحمه الله بدير الطين في جمادى الأخيرة عام أربعة وثمانين وستمائة ودفن بالقرافة ويلين بياء مثناة من تحت مفتوحة ولام مشددة مكسورة وياء ساكنة مثناة من تحت ونون ساكنة تمت(1/142)


عن ابن اسحاق وابن بَرهان (1) لأن عموم أدلته متناول لما في زمنه وبعده والمشهور أنه لا بد وأن يكون بعده لأنه لو كان في عصره [*] فإن وافقهم فالحُجَّة قوله أو فعله أو تقريره وإن خالفهم فلا اعتبار بقولهم دونه مع امتناعه منهم وفيه بحث . والخاص هو اتفاق مجتهدي عترة الرسول بعده في عصر على أمر وقد تقدم بيانهم
(و) قد فهم من الحد ما هو (المختار) عند أئمتنا عليهم السلام والجمهور من (أنه لا يشترط في انعقاده) وصيرورته حُجَّة عدد التواتر ولا (انقراض العصر) أي عصر المجمعين فإذا انعقد ولو حيناً يسيراً لم يجز لهم ولا لغيرهم مخالفته .
وقال ابن حنبل وابن فَورك :بل يشترط . قلنا :لم تفصل أدلته بين ما انقرض عصره وما لم ينقرض ولأنه يلزم ألا ينعقد إجماع لتداخل القرون (ولا لكونه لم يسبقه) أي الإجماع (خلاف) مستقر من المجمعين أو من غيرهم فإجماعهم وإجماع غيرهم على أحد قولين أو أقوال أو على غيرها صحيح ما لم يجمع أهل الخلاف على عدم جواز القول بغيرها وإلا امتنع لما سيأتي إن شاء الله تعالى من امتناع الإجماع بعد الإجماع على خلافه .
__________
(1) ـ أحمد بن علي بن محمد بن برهان بفتح الباء أبو الفتح ولد ببغداد في شوال سنة تسع وسبعين وأربعمائة وتفقه على الغزالي والشاشي وبرع في المذهب وفي الأصول وكان هو الغالب عليه وله فيه التصانيف المشهورة البسيط والوسيط والوجيز وغيرها درس بالنظامية شهرا واحدا وكان ذكيا يضرب به المثل في حل الإشكال توفي سنة عشرين وخمسمائة كذا قاله ابن خلكان تمت(1/143)


وقال الأشعري وابن حنبل (1)والجويني (2) والغزالي والصيرفي(3): أنه يمنع لأن الخلاف السابق يتضمن الإجماع على حقية كل من أقواله فلا تنقلب هي أو بعضها خطأ إذ يعود ذلك على كون الإجماع حُجَّة قطعية بالنقض .
__________
(1) ـ قلت الظاهر أن هذا من ابن حنبل على جهة الفرض فقط لقوله بامتناعه عادة ولذا نقل عنه أنه قال من ادعى وجود الإجماع فهو كاذب لانتشار أهله في أقطار الأرض أو خفاء بعضهم أو رجوعه قبل فتوى الآخر فبطل انعقاد الإجماع والله أعلم تمت منه
(2) ـ هو عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد العلامة إمام الحرمين ضياء الدبن أبو المعالي بن الشيخ أبي محمد الجويني رئيس الشافعية بنيسابور مولده في المحرم سنة عشرة وأربعمائة وتفقه والده وأتى على جميع مصنفاته وتوفي أبوه وله عشرون سنة فأقعد مكانه للتدريس فكان يدرس ويخرج إلى مدرسة البيهقي حتى حصل أصول الدين وأصول الفقه على أبي القاسم الإسفراييني الاسكاف
(3) ـ أبو بكر محمد بن عبد الله الصيرفي مات سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة وله مصنفات في أصول الفقه وغيرها(1/144)


قلنا : لا نسلم تضمنه الإجماع بل مسكوت عنه وكل فرقة تجوز ما نقول وتنفي الآخر ولو سلم فمشروط ألا يقع إجماع على خلافه وأيضاً فإنه قد وقع والوقوع فرع الجواز فإنه ذكر في صحيح البخاري أن سعيد بن المسيب قال اختلف علي وعثمان وهما بعسفان في المتعة فقال عليه السلام ما تريد ؟ أتنهى عن أمر فعله رسول الله . فلما رأى ذلك علي عليه السلام أهل بهما جميعاً (1) .
قال البغوي في شرح السنة هذا خلاف محكي وأكثر الصحابة على جوازها واتفقت الأُمَّة عليه وقال أيضاً اتفقت الأُمَّة على جواز الإفراد والتمتع والقران .
(و) المختار عند أئمتنا عليهم السلام والجمهور أيضاً (أنه) لا يصح أن يجمعوا جزافاً لا عن مستند بل (لا بد له) أي للإجماع (من مستند) دليل أو أمارة ، خلافاً لبعضهم (2)محتجاً بأنه لو احتيج إلى مستند لاستغنى عنه بالمستند فيعرى عن الفائدة
__________
(1) ـ قال التحقيق في أحاديث الخلاف ج: 2 ص: 124أخبرنا عبد الأول قال أنبأ ابن المظفر الداودي قال أنبأ ابن أعين ثنا الفربري قال ثنا البخاري ثنا قتيبة بن سعيد ثنا حجاج بن محمد الأعور عن عمرو بن ميسرة عن سعيد بن المسيب قال اختلف علي وعثمان وهم بعسفان فقال له علي ما تريد أن ننهى عن أمر فعله رسول الله فقال له عثمان دعنا عنك فلما رأى ذلك علي أهل بهما جميعا أخرجاه في الصحيحين
(2) ـ وهي مسألة التفويض والخلاف فيها على خمسة أقوال ذكرها في الفصول ومن حُجج القائلين بالوقوع قوله تعالى :?إلا ما حرم إسرائيل على نفسه? وقوله ألا الأذخر ولولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك وقوله بل للأبد الخير . قلت وممَّا يدل عليه قوله تعالى ?هذا عطاؤنا فامنن أو امسك بغير حساب? والله أعلم تمت منه(1/145)

29 / 108
ع
En
A+
A-