فإن الكليتين قد تكذبان (1)نحو كل حيوان إنسان ولا شيء من الحيوان بإنسان والجزئيتين قد يصدقان (2) نحو بعض الحيوان إنسان وبعض الحيوان ليس بإنسان وقيد لذاته موجود في التهذيب والغاية وبعض نسخ الكتاب للاحتراز المذكور ومفقود في بعض نسخه وفي المنتهى قال العضد ولا حاجة إلى تقييد اللزوم بكونه بالذات دفعاً لورود هذا الإنسان ليس بناطق لأن كذب كل منهما لا يلزم من صدق الآخر بل من صدقه واستلزامه نقيض الآخر جميعاً (3) (والعكس) مزيد في التهذيب والغاية أيضاً وهو احتراز عن الاختلاف الواقع يبن الموجبة والسالبة الكليتين لانتفاء لزوم الصدق فيهما لكذبهما في بعض المواد كما عرفت ولايخفى أنه مستدرك لما عرفت من خروجه بقيد لذاته فتأمل
__________
(1) ـ لصدق نقيضهما و نقيض الأولى بعض الحيوان ليس بإنسان ونقيض الثانية بعض الحيوان إنسان وقد يصدقان نحو كل إنسان حيوان ولا شيء من الإنسان بجماد لكذب نقيضهما أيضاً تأمل تمت منه
(2) ـ لكذب نقيضهما أيضاً إذ الأولى لا شيء من الحيوان بإنسان ن ونقيض الثانية كل حيوان إنسان تمت منه
(3) ـ يعني لا يلزم من صدق هذا إنسان مثلاً كذب هذا ليس بناطق بل كذبه لازم من صدق هذا إنسان مع استلزامه لصدق هذا ناطق ولا يلزم من كون الشيء لازماً من آخر مع غيره كونه لازما من آخر ومن الواجب أن يعلم أن ليس المراد من قوله بل من صدقه إلخ أن الملزوم هو المجموع من حيث هو المجموع بل المراد أن الملزوم ملزوم له باعتبار شيء آخر نقلته من جواهر التحقيق والله أعلم(1/136)


وإنما يتحقق التناقض مع الاختلاف إيجاباً وسلباً كما ذكر في الحد ومع الاتحاد في النسبة الحكمية فلو اختلفت لاختلاف في ذات الموضوع أو المحمول أو في شرط أو كل و جزء أو زمان أو مكان أو إضافة أو قوة وفعل لم يتحقق لأن نسبة المحمول إلى أحد الأمرين مغايرة لنسبته إلى الآخر ونسبة أحد الأمرين إلى شيءٍ مغايرة لنسبة الآخر إليه ونسبة أحد الأمرين إلى الآخر بشرط مغايرة لنسبة الآخر إليه بشرط آخر وعلى هذا فمتى اتحدت النسبة اتحد الكل وبشرط الاختلاف في الكم وهو الكلية والجزئية فيشترط اختلافهما فيه إن كانتا محصورتين ، فنقيض الموجبة الكلية سالبة جزئية والعكس نحو كل إنسان حيوان بعض الإنسان ليس حيواناً ، ونقيض السالبة الكلية موجبة جزئية والعكس نحو لا شيء من الإنسان بشجر بعض الإنسان شجر.وإنما اشترط ذلك لجواز كذب الكليتين نحو بعض إنسان كاتب بالفعل لا شيء من الإنسان بكاتب بالفعل .وصدق الجزئيتين نحو بعض الإنسان كاتب بعضه ليس بكاتب كذلك
(و) العكس يطلق ويراد به أحد معنيين :
إمَّا القضية الحاصلة من التبديل كالخلق والنسخ كما يقال مثلاً عكس الموجبة الكلية موجبة جزئية ،(1/137)


وإما نفس التبديل فهو (العكس المستوي) ويسمى المستقيم أي (تحويل جزئي الجملة) أي طرفيها الذكريين بأن يجعل الجزء الأول ثانياً والثاني أولاً فلا يرد ما يقال من أن المراد من طرف الموضوع الذات ومن طرف المحمول المفهوم فإذا قلت كل فرس حيوان يكون المراد من طرف الفرس أفرادها المتكثرة ومن طرف الحيوان مفهومه أعني الجسم النامي الحساس (على وجه يصدق) أي لو كان الأصل صادقاً كان العكس صادقاً لأنه لازم للقضية فإذا صدق الملزوم صدق اللازم إذ قد يكذب هو وأصله نحو كل إنسان فرس وبعض الفرس إنسان فهما كاذبان لكن لو صدق الأصل لصدق فلا بد من بقاء الصدق لزوماً فيخرج ما صدق مع الأصل بحسب الاتفاق دون اللزوم كقولنا كل ناطق إنسان بالنسبة إلى قولنا كل إنسان ناطق ولم يعتبر بقاء الكذب لجواز كذب الملزوم دون اللازم فإن نحو كل حيوان إنسان كاذب مع صدق عكسه وهو بعض الإنسان حيوان .
ولا بد أيضاً من بقاء الكيف أي إن كان الأصل موجباً كان العكس موجباً وإن كان سالباً كان سالباً وذلك لأن قولنا كل إنسان ناطق لا يلزمه السلب وقولنا لا شيء من الإنسان بحجر لا يلزمه الإيجاب ،
فعكس الموجبة كلية كانت أو جزئية موجبة جزئية ولا تنعكس الكلية كنفسها لجواز أن يكون المحمول أعم من الموضوع ولا يجوز حمل الأخص على كل أفراد الأعم نحو كل إنسان حيوان فلا ينعكس إلى كل حيوان إنسان وينعكس إلى بعض الحيوان إنسان وإلاصدق نقيضه وهو لا شيء من الحيوان بإنسان . وتضمه إلى الأصل وهو كل إنسان حيوان فتجعله كبرى والأصل صغرى ينتج لا شيء من الإنسان بإنسان وهو سلب الشيء عن نفسه(1/138)


وعكس السالبة الكلية كنفسها سالبة كلية لأنه إذا صدق سلب المحمول عن كل فرد من أفراد الموضوع صدق سلب الموضوع عن كل فرد من أفراد المحمول إذا لو ثبت الموضوع لفرد من أفراد المحمول حصل الملاقاة بين الموضوع والمحمول في ذلك الفرد فينعكس لا شيء من الإنسان بفرس إلى لا شيء من الفرس بإنسان وإلا فبعض الفرس إنسان . وينعكس إلى بعض الإنسان فرس هذا خلف أو يجعلها صغرى للأصل ينتج بعض الفرس ليس بفرس وهو سلب الشيء عن نفسه ولا عكس للجزئية السالبة إذ لو صح لصدق كلما صدق الأصل وليس كذلك فإنها تصدق السالبة الجزئية في قضية موضوعها أعم من محمولها ، ولا يصدق عكسها وغن صدق في قضية بين موضوعها ومحمولها تباين كلي أو عموم من وجه (1)
(وعكس النقيض) يطلق أيضاً ويراد به القضية نفسها ويراد به (جعل نقيض كل منهما) أي من الجزئين (مكان الآخر) (2)مع بقاء الصدق والكيف أيضاً والمراد منهما ما عرفت في تعريف العكس المستوي وحكم الموجبات كلية كانت أو جزئية حكم السوالب في العكس المستوي
فالموجبة الكلية تنعكس كنفسها مثلاً ينعكس كل إنسان حيون إلى كل لا حيوان لا إنسان وإلا فبعض لا حيوان ليس لا إنسان ويستلزم بعض لا حيوان إنسان وينعكس بالعكس المستوي إلى بعض الإنسان لا حيوان وقد كان كل إنسان حيوان هذا خلف . أو يضم إلى الأصل هكذا بعض لا حيوان إنسان وكل إنسان حيوان ينتج بعض لا حيوان حيوان وهو محال ولا عكس للموجبة الجزئية لصدق بعض الحيوان لا إنسان وكذب بعض الإنسان لا حيوان .
__________
(1) ـ مثال الأول بعض الإنسان ليس بحجر بعض الحجر ليس بإنسان ومثال الثاني بعض الحيوان ليس بأبيض وبعض الأبيض ليس بحيوان والله أعلم تمت منه
(2) ـ وهذا الحد أولى من حد السعد له في التهذيب بأنه تبديل نقيض الطرفين مع بقاء الصدق والكيف لما فيه من القصور إذ لا يكفي مجرد التبديل بل لا بد من الجعل المذكور تمت منه(1/139)


والسالبة كلية كانت أو جزئية تنعكس إلى السالبة الجزئية مثلاً إذا صدق ليس بعض الحيوان بإنسان فليصدق ليس بعض لا إنسان لا حيوان وإلا فكل لا إنسان لا حيوان وتنعكس بعكس النقيض إلى كل حيوان إنسان وقد كان الأصل ليس بعض الحيوان بإنسان
والسالبة الكلية لا تنعكس كنفسها لصدق لا شيء من الإنسان بفرس وكذب لا شيء من الاَّ فرس لا إنسان لأن من أفراد الَّلا فرس إنساناً وهو يلزم أن يصدق سلب الإنسان عنه وهو باطل والله سبحانه أعلم .
(فصل)
(و) الدليل الثالث هو (الإجماع) وهو لغة العزم قال تعالى حكاية ?فأجمعوا أمركم وشركاءكم?[ يونس/71] أي اعزموا وقال :(لا صيام لمن لم يُجْمِع الصيام من الليل )(1)أي لم يعزم ويقطع بالنيَّة والاتفاق والانضمام أيضاً ومنه قولهم أجمع الرجل إذا انظم إليه غيره فصار ذا جمع كأتمر وألبن إ ذا صار ذا تمر ولبن ومنه أجمع القوم على كذا أي اتفقوا عليه
وأمَّا في اصطلاح أهل الشرع فإنه عام وخاص فالعام (هو اتفاق) جميع (المجتهدين) فيما أجمعوا عليه قولاً أو فعلاً أو اعتقاداً أو غيره سكوتا أو تقريرا ولو عبيداً أو نساء إذ لم يفصل الدليل فلا ينعقد مع خلاف أحد ممن ذكر
__________
(1) ـ : أخرجه النسائي في سننه و ابن خزيمة في صحيحه و الترمذي في سننه و ابن ماجه في سننه و أبوداود في سننه و ابن حنبل في مسنده و الطبراني في معجمه الكبير و النسائي في سننه الكبرى و الدارقطني في سننه والبيهقي في سننه الكبرى(1/140)

28 / 108
ع
En
A+
A-