(والخبر هو) قد يقال بمعنى الإخبار كما في قولهم الصدق هو الخبر عن الشيء على ما هو به بدليل تعديته بعن ويطلق ويراد به (الكلام) وهو أخص من اللفظ وبه تخرج الإشارة والكتابة المفيدة فائدة الخبر فإنها لا تسمى خبراً حقيقة لأن الخبر إذا أطلق فقيل أخبر فلان بكذا لم يسبق إلى الفهم إلا الكلام دونهما وقد يطلق على غيره مجازاً قال سويد بن الصامت:
من الغل والبغضاء بالنظر الشزر

تخبرني العينان ما القلب كاتم

والمعري
يخبرنا أن الشعوب إلى صدع

نبيءٌ من الغر بان ليس بذي شرع

والمتنبي
تخبر أن المانوية (1)تكذب

وكم لظلام الليل عندك من يد

(الذي لنسبته خارج) متحقق في أحد الأزمنة الثلاثة فيخرج الإنشاء فكل خبر لا بد فيه من دلالته على حكم ونسبة في الخارج والمراد بالحكم الإيقاع أو الانتزاع أي التصديق والجزم بثبوت نبسته التي اشتمل عليها أو انتفائها ولسنا نريد بالدلالة عليه وجوده بحيث لا يختلف عنها بل يجوز تخلفه والدلالة بحالها كما في خبر المجنون والساهي والنائم والشَّاك من عدم الجزم وسواء كانت كذلك في نفس الأمر أو لا لأن الدلالة اللفظية يجوز تخلف مدلولها عنها بيان ذلك أنك إذا قلت قام زيد فقد دل هذا الخبر على ثبوت القيام لزيد في نفس الأمر
__________
(1) ـ المانوية فرقة على دين ماني ابن ماينو الثنوي تزعم أن صانع العالم اثنان فاعل الخير نور وفاعل الشر ظلمة وهما قديمان لا يزالان ولن يزالا حساسان سميعان بصيران متضادان في الأفعال فجوهر النور حسن نير ونفسه خيرة حليمة نفاعة منها السرور والصلاح وجوهر الظلمة بضد ذلك إهـ(1/131)


(فإن تطابقا) أي النسبة التي هي مدلول الخبر والخارج الواقع في نفس الأمر بأن كان زيد قائماً (فصدق) أي فالخبر حينئذٍ صدق (وإلا) يتطابقا بأن لا يكون زيد قائماً (فكذب) أي فالخبر حينئذٍ كذب (1)ولا عبرة بالاعتقاد للإجماع على تصديق الكافر إذا قال الإسلام حق مع مخالفته اعتقاده وتكذيبه إذا قال الإسلام باطل مع مطابقته لاعتقاده فلو كان للاعتقاد أو عدمه مدخل في تحقق الصدق والكذب لم يصح ذلك (2) وأمَّا قول عائشة وقد سمعت بخبر رواه بعض الصحابة والله ما صدق ولا كذب فمعارض بما روي عنها أيضاً أنها قالت فلان يكذب ولا يعلم أنه يكذب على أنه يحتمل أنها أرادت ولا كذب تعمداً تحسيناً للظن بالراوي جمعاً بين الأدلة.
__________
(1) ـ ولا يرد الدور المشهور على حد الصدق والكذب بأنه مطابقة الخبر وعدمها وجه الدور أن الخبر هو الكلام المحتمل للصدق والكذب وقد تقصىَّ عنه سعد الدِّين بما حاصله أن الخبر بمعنى الكلام المخبر به وبمعنى الإخبار . قال وأيضاً فإن الصدق والكذب يوصف بهما الكلام والمتكلم والمذكور في تعريف الخبر صفة الكلام بمعنى مطابقة نسبته ورد بما حاصله أيضاً أن الخبر وإن كان بمعنى المفعول أي الكلام المخبر به وبمعنى الإخبار أيضاً فتعدد الاستعمال توسيع لدائرة الدور لا غير تمت منه
(2) ـ وهذا ظاهر في مثل ضربت وأمَّا في مثل عملت ففيه إشكال لأن حصول العلم في النفس هو نفس اعتقادها حصوله ضرورة عدم امتناعها عن قبول ما اكتسبه العقل أو الحس أو الوهم فقبوها هو نفس الاعتقاد والاعتقاد هو نفس حصول العلم فالاعتقاد هو نفس ما في الواقع . والجواب أنا لا نحكم بصدق الخبر باعتبار مطابقته لما في النفس من حيث أنه اعتقاد بل من حيث أنه الواقع وكذا لو قال علمت وليس في نفسه علم لا يحكم بكذبه من حيث كونه مخالفة لاعتقاد بل من حيث كونه مخالفة لما في الواقع كما ذكره بعض المحققين تمت منه(1/132)


والخلاف في هذه المسألة والاحتجاج واسع مبسوط في المطولات قال العضد وهذه المسألة لفظية لا يجدي الإطناب فيها كثير نفع . انتهى . وفيه أنه يترتب عليه أحكام للصدق والكذب متباينة كالحسن والقبح والتعليق لنكاح أو طلاق أو بيع أو غيرها على أحدهما
(ويسمى الخبر) عند النحاة (جملة) اسمية إن صدرت باسم وفعلية إن صدرت بفعل
(وقضية) عند المناطقة ؛ لأنه يقضي فيها بنفي أو إثبات ، فإن كان الحكم فيها بثبوت شيءٌ لشيءٍ أو نفيه عنه فالقضية حملية ، الأولى (1) موجبة والثانية سالبة (2) وسميت حملية لتحقق معنى الحمل في الموجبة وأمَّا السالبة فمحمولة عليها إمَّا لمشابهتها إيَّاها في الطرفين وأما لمقابلتها إيَّاها أو لأن لأجزائها استعداد قبول الحمل
وأجزاؤها ثلاثة : محكوم عليه ويسمى موضوعاً لأنه وضع لأن يحكم عليه بشيءٍ ، ومحكوم به ويسمى محمولاً لحمله على الموضوع ، ونسبة بينهما بها تربط المحمول بالموضوع وهي الحكم بثبوته له أو نفيه عنه وتسمى رابطة ويدل عليها بنحو هو وتسميته رابطة من تسمية الدال باسم المدلول
والموضوع إن كان شخصاً معيناً كزيد والمسلمين بلام العهد سميت القضية شخصية ومخصوصة لأن موضوعها شخص مخصوص ، وإلا يكن الموضوع شخصاً معينا فإن بين كمية أفراده بسور يحصر القضية عن الإهمال ويبيِّن المقصود منها كلاً فمحصورة كلية موجبة أو سالبة وسور الموجبة نحو كل ما يفيد الاستغراق
وصورة السالبة : لا شيء ولا واحد وكلٌّ ليس وما أفاد معناه ، وإن بين المقصود منها بعضاً فجزئية موجبة وسورها بعض وشبهه أو سالبة وسورها ليس كل وبعض ليس وما أفاد معناه ،وإلا يبيِّين كمية أفراد الموضوع فالقضية تسمى مهملة لإهمال السور وتلازم الجزئية فكل جزئية تصدق مهملة وكل مهملة تصدق جزئية
__________
(1) ـ أي ثبوت شيء لشيء
(2) ـ أي نفي شيء عن شيء(1/133)


(وإذا ركبت الجملة) أي ما يسمى بالجملة المرادفة للكلام المفيد ، لا مطلق الجملة فإنه يصدق بغير المفيد في اصطلاح النحاة أو بالقضية في اصطلاح المناطقة مع مثلها مجعولة (في دليل) وهو القياس المنطقي (سُميَّت) عند المناطقة (مقدمة) مثل قولنا العالم متغير وكل متغير حادث ينتج العالم حادث .
والمقدمات إن كانت قطعية أنتجت قطعياً لأن النتيجة لازمة لمقدمات حقة قطعاً ولازم الحق حق قطعاً . وإن كانت ظنية أنتجت ظنياً ،
ثم المكرر بين المقدمتين فصاعداً يسمى حداً أوسط كمتغير في المثال لأنه وسيلة لنسبة الأكبر إلى الأصغر فيكون المعنى وسطاً (1)
وموضوع المطلوب يسمى حدًّا أصغر كالعالم فيه مثلاً لأنه يكون أخص من المحمول في أكثر المواد ولا شك أن أفراد الأخص أقل من أفراد الأعم لأن كل أفراد الأخص أفراد للأعم من غير عكس
ومحمول المطلوب يسمى حداً أكبر لأنه يكون أعم من موضوعه في الأغلب والأعم أكثر أفراداً وكل ما هو أكثر أفراداً يكون أكبر .
والمقدمة التي تشمل الأصغر تسمى صغرى لأن معناها ذات الأصغر
والمقدمة التي فيها الأكبر تسمى الكبرى لأن معناها ذات الأكبر
والهيئة العارضة عند وضع الحد الأوسط عند الأصغر والأكبر تسمى شكلاً وهو مراد المصنف بالتركيب وإنما لزمت المقدمتين الدلالة لأن الصغرى باعتبار موضوعها خصوص والكبرى باعتبار موضوعها عموم واندراج الخصوص في العموم واجب فيندرج موضوع الصغرى في موضوع الكبرى فيثبت له ما يثبت له وهو محمول الكبرى نفياً وإثباتاً فيلتقي بموضوع الصغرى ومحمول الكبرى وهو النتيجة كما تقدم
__________
(1) ـ هذا التعليل للتسمية أوفق من التعليل بكونه متوسطاً بين موضوع النتيجة ومحمولها لشموله الإشكال وتعلقه بالمعنى واختصاص ما ذكره الجمهور بالشكل الأول وتعلقه باللفظ والله أعلم تمت منه(1/134)


فالكلام من حيث كونه مطابقاً أو لا خبر زمن ومن حيث كونه مشتملاً على الحكم قضية ومن حيث كونه جزءاً للدليل مقدمة ومن حيث كونه حاصلاً منه نتيجة ومن حيث كونه مسؤولاً عنه مسألة
قلت : ولما كان العكسان من لوازم القضية ، ومما يستدل به على صحتها وصدقها احتيج إلى بيانهما وبيان التناقض ، وإنما قدم العكس المستوي على عكس النقيض مع اشتراكهما في اللزوم لأن المستوي لازم لها بلا واسطة ، وعكس النقيض بواسطة ، وكان الأولى تقديمهما على التناقض ؛ لأنه إثبات للمطلوب بإبطال نقيضه ، وهما إثبات له بثبوتهما [*] فقال (والتناقض اختلاف الجملتين) أي القضيتين يخرج ما لا اختلاف فيه مطلقاً والتناقض بين المفردين (1)فإنه يقع بين المفردات مثله بين الجمل (بالنفي والإثبات) بأن تكون إحداهما مثبتة والأخرى منفية لا بغيرهما من الحمل والاتصال والانفصال مثلاً (بحيث يستلزم لذاته صدق كل منهما كذب الأخرى) خرج الاختلاف الذي يلزم معه من صدق كل كذب الأخرى من غير نظر إلى ذاته لواسطة مثل زيد إنسان زيد ليس بناطق فإن صدق إحداهما وكذب الأخرى بواسطة أن كل ناطق إنسان أو لخصوص مادة نحو كل إنسان حيوان ولا شيء من الإنسان بحيوان ونحو بعض الإنسان حيوان وبعض الإنسان ليس بحيوان (2)
__________
(1) ـ فإن قيل الحد حينئذٍ غير جامع لخروج نحو الإنسان واللاإنسان وقواعد الفن يجب أن تكون عاماً منطقياً على جميع الجزئيات غير مختصة ببعض المواد . أجيب بأن تعميم قواعد الفن بالنسبة إلى الأغراض والمقاصد فلما لم يكن له غرض يعتد به في التناقض الواقع بين المفردين بالمرة لم تعرضوا له بل غرضهم إنما هو التناقض الجاري بين القضايا والله أعلم تمت منه
(2) ـ مما وقع بين كليتين أو جزئيتين يكون الموضوع فيهما أخص فإن صدق إحداهما وكذب الأخرى لا لذات كونهما كليتين أو جزئيتين بل لأن سلب الأعم عن الأخص كاذب ولأنهما قد يختلفان بالإيجاب والسلب مع كذبهما معاً كالأمثلة والله أعلم تمت منه(1/135)

27 / 108
ع
En
A+
A-