للراوي عنه ثم كذلك حتى يؤدي إلى خروج الخبر عن معناه لأن كل ناقل قد ينقص القليل ثم كذلك أبداً فيصير الحال في ذلك كالحال فيمن أخذ حصاةً ثم طرحها وأخذ مثلها ثم طرحها وأخذ مثلها فإن آخر حصاة يلقطها لو قيست بالأولى لكان بينهما تفاوت كثير .
قلنا :أمَّا الحديث فإنما دل على الدعاء لمن حفظه إلى أن يبلغه إلى غيره فهو حث له على الأولى ولم يمنع تأديته بالمعنى مع أنه في نفسه مروي بالمعنى فإنه روي نضر مخففاً ومشدداً وأنضر ورحم وأيضاً فإن ناقل معنى اللفظ الذي سمعه يصدق عليه أنه مؤد له كما سمع ولذلك يقول المترجم أديته كما سمعته
وأما ما تعبدنا بلفظه فإنما هو لقيام الدلالة على تأديته بلفظه وهو غير محل النزاع كما تقدم وعليه يحمل قوله تعالى : ?فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم?[ البقرة 59/ الأعراف162]أو على ما (1)غير المعنى
وأمَّا التجويز الذي ذكروه فغير محل النزاع أيضا فإن المفروض أن المنقول معنى لفظ النبي لا قول الراوي بحيث لا يتطرق إليه لبس ولا تغيير والله سبحانه أعلم
واعلم أن رواية كافر التصريح وفاسقه غير مقبولة بلا خلاف أعلمه وأما قبول شهادة الكفار بعضهم على بعض فللضرورة صيانة للحقوق إذ أكثر معاملاتهم فيما لا يحضره مسلمان
(واختلف في قبول رواية فاسق التأويل) وهو من أتى من أهل القبلة بما يوجب الفسق غير متعمد كالباغي على إمام الحق وهو من يظهر أنه محق والإمام مبطل وحاربه أو عزم على حربه وله منعة أو منعه واجباً (وكافره) وهو من أتى من أهل القبلة بما يوجب الكفر غير متعمد كالمشبه والمجبر
__________
(1) ـ في نسخة المؤلف من(1/116)
فقال جمهور أئمتنا عليهم السلام وغيرهم لا يقبل لأنه قد ثبت أن الكفر والفسق مانعان من قبول الحديث والشهادة فلا يقبل المتأول فيهما إذ لا أحد من أهل العلم يقطع علىكفر غيره أو فسقه ثم يقبل حديثه وشهادته وإنما يقبل منه من يعتقد أن تأويله قد أخرجه عن الكفر والفسق فثبت أنهما مدار الحكم ولقوله تعالى?إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة?[ الحجرات 6]والمتأول فاسق فلا يقبل ولقوله تعالى ?ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار?[هود113]وقبول شهادتهم وروايتهم من أعظم الركون .(1/117)
وقال بعض أئمتنا عليهم السلام وجمهور الفقهاء والغزالي يقبلان فيهما إن كان من مذهبهما تحريم الكذب لا كالخطابية (1) والرافضية (2) وبعض السالمية (3) احتجاجاً بإجماع الصدر الأول من الصحابة والتابعين على ذلك للقطع بحدوث الكفر والفسق تأويلاً في آخر أيام الصحابة والله أعلم [*].ووفي أيام الخوارج والبغاة [*] والمعلوم من أحوالهم أن شهادتهم كانت تقبل وأخبارهم لا ترد ولو رد شيءٌ من ذلك لنقل كما نقل سائر الأحوال المتعلقة بمنازعة بعضهم لبعض فلما لم ينقل رد شهادتهم وأخبارهم كان إجماعاً على قبولهما منهم
__________
(1) ـ هم صنف من الرافضة يشهد بعضهم لبعض بما ادعى تمت
(2) ـ هم من رفض الجهاد مع أهل البيت النبوي بقيادة إمام الجهاد والاجتهاد الإمام زيد بن علي عليه السلام متعللين بأعذار ضعيفة وحجج واهية ، وهو الذي أطلق عليهم التسمية . التعاريف ج: 1 ص: 369 الرفض الترك ومنه الرافضة تركوا زيد بن علي حين نهاهم عن سب الصحابة فلما عرفوا مقالته وأنه لا يبرأ من الشيخين رفضوه ثم استعمل هذا اللقب في كل من غلا في هذا المذهب . وفي تاريخ دمشق لابن عساكرالجزء : 19الصفحة : 463 أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن أحمد بن عمر أنبأ أبو طالب محمد بن علي العشاري نا أبو الحسين محمد بن إسماعيل بن سمعون نا عمر بن علي بن مالك أخبرني محمد بن سليمان بن الحارث نا عمرو بن حماد نا أسباط بن نصر عن السدي قال قال زيد بن علي :( الرافضة حربي وحرب أبي في الدنيا والآخرة)
(3) ـ فرقة من الصوفية ينتمون ابن سالم أبو عبد الله محمد بن ابي الحسن احمد بن محمد بن سالم البصري تمت(1/118)
قلنا : أداء متأول شهادةً عند مخالفه ممنوع لأنه لم يثبت أن أحداً من هؤلاء المتأولين أقام شهادة أو روى خبراً عند من يعتقد كفره أو فسقه وظهر ذلك ظهوراً يقتضي أن ينقل ما وقع فيه من رد أو قبول فقولهم لو رد شيءٌ من ذلك لنقل غير صحيح لأن وجوب نقله مترتب على وقوعه فما لم يقع كيف يجب نقل قبوله أو رده ولو سلم وقوعه فلا نسلِّم أن رده لم ينقل كيف وقد روى مسلم في صدر صحيحه عن ابن سيرين قال لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا سموا لنا رجالكم فينظر في أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم ولو سلِّم أداؤه عند بعض وقبوله فلا نسلِّم قبول الكل لمن هذه حاله وهذا الخلاف يتنزل على الخلاف في كونهما سلب أهلية بمعنى أنهما نقصان منصب أهلية قبول الرواية والشهادة أو مظنة تهمة (1)
فائدة يقال هذا عدل تصريح وتأويل وعدل تصريح فقط . ولا يقال عدل تأويل فقط ؛ لأنه مهما لم يكن عدل تصريح لم يكن عدل تأويل ويقال لكافر التصريح كافر تصريح وتأويل ولمن كفر من جهة التأويل كافر تأويل فقط ذكر معناه في المنار على مقدمة الأزهار .
قلت : وكان الأنسب ذكر هذه المسئلة عقيب بيان طرق التعديل والجرح ولعله ذكرها هنا ليرتب عليها القول في الصحابي ولأن أو ل حدوث كافر التأويل وفاسقه في زمن الصحابة كما سبق فكان ينبغي أيضاً تقديم هذه المسئلة ومسألة الاختلاف في الصحابة هنالك كما لا يخفى على اللبيب
[الصحابة وعدالتهم ]
__________
(1) ـ قال الغزالي وهذا هو الأغلب على الظن عندنا ولا شك أن الحكمة في وجوب رد الشهادة والرواية هي التهمة والقائلون بأن الكفر والفسق سلب للأهلية لا ينفون ذلك وإنما يريدون أن التهمة لَمَّا كانت خفية منتشرة نيط الحكم بوصف ظاهر منضبط كالكفر والفسق والغرابة سواءً وجدت التهمة معه أو لا كما في شهادة الوالد لأحد ولديه على الآخر فإنها لا تقبل عند المخالف وإن لم يتهم إهـ .(1/119)
(و) اختلف أيضاً فيمن يطلق عليه لفظ الصحابي وهو واحد الصحابة و(الصحابة) في الأصل مصدر يقال صحبه صحابةً وصحبةً أطلق على أصحاب رسول الله كالعلم لهم ولذا نسب إليه على لفظه فقال أئمتنا عليهم السلام والمعتزلة وجمهور الأصوليين (الصحابي من طالت مجالسته للنبي ) وفيه أنه رد إلى الجهالة لجهالة مقدار الطول (متبعاً لشرعه) أمَّا في حياته وهو قول أكثرهم لأن الصحبة اللغوية إنما تفيد الاتباع في حال الحيوة فقط بناءً على الأغلب أن من صحب غيره يتبعه فيما يحب وإلا ففي التحقيق أن الصاحب من كثرت ملازمته لغيره بحيث يريد الخير به ودفع المضار عنه وإن لم يتبعه في عقائده ودينه وأمَّا في حيوته وبعد مماته كما هو رأي أقلهم لأن هذا الاسم يفيد التعظيم ولا يستحقه إلا من لم يغير بعده وظاهر المتن مع القول الأول من حيث أن متبعاً حال من المجالسة وهي قيد في عاملها وهو طول المجالسة كما لا يخفى فمن هذه حاله سُمِّي صحابياً وإن لم يرو لأنه لا يتبادر من قولك صحب فلان فلاناً إلا طول المكث معه والمجالسة والاستكثار من موافقته . ألا ترى أنه لا يُسمَّى من اختص ببعض العلماء صحابياً له إلا إذا فعل ذلك .
قال الناطق بالحق عليه السلام (1) ويبيِّن صحة هذا أن الوافدين على النبي لم يعدوا في جملة الصحابة لما لم يلازموه .
__________
(1) ـ الأمام الناطق بالحق أبو طالب يحيى بن الحسين بن هارون (عليهم السلام) :ولد عام 340ه، وقام بالأمر بعد وفاة الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين بن هارون عام 411هـ في زمن القادر العباسي ، وقبضه الله إليه عام 424هوعمره 84 سنة ، ودفن بجرجان من طبرستان .(1/120)