وكخبر المصراة فإنه روي عنه أنه قال لمن اشترى المصراة (لك خير النظرين إن شئت فخذها وإن شئت فارددها وأردد معها صاعاً من تمر )(1)ذكره في أصول الأحكام وغيره (2)فإنه وقع الإجماع على وجوب ضمان مثل المثلي وقيمته القيمي عند فوات العين فضمان اللبن بالصاع خلاف قياس الأصل الذي هو الإجماع لأنه إنما انعقد على ضمان المثلي بمثله حيث حصل اليقين بتماثلهما جنساً وصفة ولبن المصراة يجوز أن يخالف لبن غيرها في صفة وخاصية فالخبر الوارد فيها لم يمنع ما أجمع عليه بعينه بل منع من قياس ما ظن فيه المماثلة على ما علمت فيه . والمصراة من صريته إذا جمعته والمراد الشاة أو نحوها جُمع اللبن في ضرعها وترك حلبه ليظنها المشتري كثيرة اللبن فتأمل فإن هذا المقام من مظان مزال الأقدام والله وليُّ الفضل والإنعام
__________
(1) ـ أخرجه مسلم في صحيحه و البخاري في صحيحه و النسائي في سننه و ابن حبان في صحيحه و الترمذي في سننه و ابن ماجه في سننه و أبوداود في سننه و ابن حنبل في مسنده و الطحاوي في شرح معاني الآثار و الحميدي في مسنده و الطبراني في معجمه الكبير و النسائي في سننه الكبرى و الدارقطني في سننه و ابن راهويه في مسنده و البيهقي في سننه الكبرى
(2) ـ فيه خلاف بين المحدثين ففي بداية المجتهد ج: 2 ص: 132والتصرية عند مالك والشافعي عيب وهو حقن اللبن في الثدي أياما حتى يوهم ذلك أن الحيوان ذو لبن غزير وحجتهم حديث المصراة المشهور وهو قوله لا تصروا الإبل والبقر فمن فعل ذلك فهو بخير النظرين إن شاء أمسكها وإن شاء ردها وصاعا من تمر قالوا فأثبت له الخيار بالرد مع التصرية وذلك دال على كونه عيبا مؤثرا قالوا وأيضا فإنه مدلس فأشبه التدليس بسائر العيوب وقال أبو حنيفة وأصحابه ليست التصرية عيبا للاتفاق على أن الإنسان إذا اشترى شاة فخرج لبنها قليلا أن ذلك ليس بعيب(1/111)


(و) اعلم أنه لا خلاف في تعين رواية ما تعبدنا باللفظ كالأذان وفي أولوية رواية غيره باللفظ واختلفوا في جوازها بالمعنى فقط فالصحيح أنها (تجوز[*]الرواية) بحذف مضاف أي قبولها بقرينة ما قبله وبعده [*]ويلزم تكريره لدخوله في شرط قبولهاإلخ أو بدونه فيدل على أن العصيان عنده سلب أهلية وضعف ما ذكره الشرَّاح من تكرير عدل لتقدمه وإلا لزم تكرير ضابط لتقدمه أيضاً (بالمعنى) أي معنى لفظ الرسول الذي أراده وعناه سواءً كانت الباء للإلصاق أو المصاحبة [*] لا ما من شأنه أن يعني باللفظ وإلا لزم جواز القبول أو الرواية [*] ولا بغير ما عناه كمن سمعه يقول في ولد زنية معين (ولد الزنا شر الثلاثة)(1)فرواه بلفظ عام وفي تاجر معيَّن باع جملاً معيباً وحلف ما به عيب (التاجر فاجر)(2)فرواه بلفظ عام وحديث عائشة (من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال) فصحفه شيئاً بمعجمة فتحتية وحديث زيد بن ثابت أنه (احتجر في المسجد بخص (3)
__________
(1) ـ نص الحديث في معجم الطبراني الكبير قال رسول الله ولد الزنا شر الثلاثة إذا عمل بعمل أبويه وأخرجه ابن ماجه و أبوداود في سننه وابن حنبل في مسنده و الحاكم في مستدركه و الطبراني في معجمه الكبير و النسائي في سننه الكبرى
(2) ـ في شأن هذا الحديث قال في السنة للخلال ج: 2 ص: 352أخبرنا محمد بن إسماعيل قال ثنا جعفر بن عون عن مسعر عن ابن جحادة عن أبي سعيد قال كان علي أتى السوق فيقول يا اهل السوق اتقوا الله إياكم والحلف فإن الحلف ينفق السلعة ويمحو البركة وإن التاجر فاجر إلا من أخذ الحق وأعطى الحق والسلام عليكم ثم ينصرف ثم يعود إليهم فيقول لهم مثل مقالته قال فإذا جاء إليهم يقولون قد جاء البوذشكم إيش يعنون بذاك قال فجاء إلى سريته فقال إني إذا جئت أهل السوق يقولون قد جاء بوذشكم أيش يعنون بذاك قالت يقولون عظيم البطن قال أسفله طعام وأعلاه علم في إسناده أبو سعيد لم أتوصل إلى معرفته
(3) ـ هكذا في الأم بخص والصواب والله أعلم على ما في التخريج في الحاشية التالية تمت(1/112)


أو حصير ) (1) أي اتخذ حجره يصلي فيها فصحفه احتجم وحديث أنه (كان يصلي إلى عنزة ) (2)
__________
(1) ـ الذي في صحيح مسلم ج: 1 ص: 539 وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا مُحمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا سَالِمٌ أَبُو النّضْرِ, مَوْلَىَ عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ, عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. قَالَ: احْتَجَرَ رَسُولُ اللّهِ ( )حُجَيْرَةً بِخَصَفَةٍ أَوْ حَصِيرٍ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ( )يُصَلّي فِيهَا. قَالَ فَتَتَبّعَ إِلَيْهِ رِجَالٌ وَجَاءُوا يُصَلّونَ بِصَلاَتِهِ. قَالَ ثُمّ جَاؤُوا لَيْلَةً فَحَضَرُوا. وَأَبْطَأَ رَسُولُ اللّهِ ( )عَنْهُمْ. قَالَ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ. فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ وَحَصَبُوا الْبَابَ. فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ ( )مُغْضَباً. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ( ): «مَا زَالَ بِكُمْ صَنِيعُكُمْ حَتّى ظَنَنْتُ أَنّهُ سَيُكْتَبُ علَيْكُمْ. فَعَلَيْكُمْ بِالصّلاَةِ فِي بُيُوتِكُمْ. فَإِنّ خَيْرَ صَلاَةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ. إِلاّ الصّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ». وفي تدريب الراوي ج: 2 ص: 193 معرفة المصحف : هو فن جليل مهم وإنما يحققه الحذاق من الحفاظ ، والتصحيف ويكون تصحيف لفظ ويقابله تصحيف المعنى وبصر ومقابله ويكون في الإسناد والمتن فمن التصحيف في الإسناد العوام بن مراجم بالراء والجيم صحفه ابن معين فقاله مزاحم بالزاي والحاء وعتبة ابن الندر بالنون المضمومة والمهملة المشددة المفتوحة صحفه ابن جرير الطبري بالموحدة والمعجمة ومن الثاني أي التصحيف في المتن حديث زيد بن ثابت أن النبي ( ) احتجر في المسجد وهو بالراء اي اتخذ حجرة من حصير أو نحوه يصلي فيها صحفه ابن لهيعة بفتح اللام وكسر الهاء فقال احتجم بالميم
(2) ـ مسند الإمامزيد بن علي عليهما السلام ص 138 : ما يقطع الصلاة والمواطن التي يصلى فيها وما يجزي من الثياب للصلاة : حدثني زيد بن علي عن ابيه عن جده عن علي عليه السلام قال : كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله عنزة يتوكأ عليها ويغرزها بين يديه إذا صلى فصلى ذات يوم فمر بين يديه كلب ثم حمار ثم مرت امرأة فلما انصرف صلى الله عليه وآله قال قد رأيت الذي رأيتم ليس يقطع صلاة المسلم شئ ولكن ادرأوا ما استطعتم . وفي الأحكام للامام الهادي يحيى بن الحسين ج 1 ص 118 : قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه : ولا أرى أن شيئا يقطع الصلوة على المسلم وليدرأ المسلم عن نفسه ما استطاع ، ولا يصلي إن قدر إلا إلى ستره فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه كان يغرز عنزة له وهي الحربة ثم يصلي إليها ، وبلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رحمة الله عليه أنه قال : ( صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وقد غرز عنزته بين يديه فمر بين يديه كلب ثم مر حمار ثم مرت امرأة فلما انصرف قال : قد رأيت الذي رأيتم وليس يقطع الصلوة على المسلم شئ ولكن ادرأوا ما استطعتم )(1/113)


بفتحات وهي حربة تركز أمامه فرواه شاة لاعتقاده تسكين النون ذكر الدار قطني أن أبا موسى العَنْزِي المعروف بالزمن شيخ البخاري قال يوماً نحن قوم لنا شرف نحن من عنزه قد صلى إليه
[ شرط جواز الرواية بالمعنى]
وإنما يجوز بشرط أن يقع (من عدل عارف) بمعاني الألفاظ (ضابط) لمقتضاها بحيث لا يزيد ولا ينقص سواء كان بلفظ مرادف أو لا وسواء نسي اللفظ أو لا لقوله وقد سُئِل عن ذلك: ( إذا أصبت المعنى فلا بأس ) (1).
ولإجماع الصحابة فإن المعلوم أنهم كانوا يروون الخبر الواحد بعبارات مختلفة مع اتحاد مجلس السَّماع ولا ينكر بعضهم على بعض واشتهر أن ابن مسعود كان إذا حدث بحديث قال هكذا قال رسول الله أو نحوه بمحضر من أهل الحديث ولأنه لا خلاف في جواز شرح الخبر للعجم بلسانهم وهو غير لفظ النبي فروايته بالمعنى(2)أولى لأن الكلام عربي ولأن من روى الأحاديث من الصحابة لم يكتبوها في مجلس السَّماع وربما لم يكرروا دراستها بل قد يغفلون عنها ثم يروونها بعد الأعصار التي يعلم من جهة العادة تعذر ضبط لفظها بعينه ولذا حكمنا بأن ما رواه النسائي في البيوع عن جابر أنه (قضى بالشفعة للجوار)يعم جميع أفراد الجوار لصدور صيغة العموم من عدل عارف باللغة فالظاهر أنه لم ينقلها إلا وقد سمع صيغة لا يتشكك في عمومها أوغلب على ظنه عمومها إذ العدالة تمنعه عن إيقاع الناس في ورطة الالتباس واتباع ما لا يجوز اتباعه .
__________
(1) ـ لم نجد حديثا مرفوعا فيما لدينا من مصادر بل وجدت أثرا عن الحسن أورده صاحب كتاب علل الترمذي ج: 1 ص: 746 عن الحسن قال إذا أصبت المعنى أجزاء
(2) ـ قلت ويمكن أن يستدل على الجواز بالكتاب العزيز فإن كثيراً من قصص الأنبياء عليهم السلام مكررة مع اختلاف اللفظ واتحاد المعنى كقصة موسى وشعيب وهود وصالح صلوات الله عليهم وعلى آلهم والله أعلم تمت منه(1/114)


وقال ابن سيرين(1)وجماعة من السلف وأبو بكر الرازي(2)لا يجوز إلا باللفظ مطلقا لقوله : (نضر الله امرءاً وروي رحم الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها ثم أداها كما سمعها فربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه ) (3)وهذا بعث على النقل كما سمع ولوجوب نقل ما تعبدنا بلفظه اتفاقاً كالأذان والإقامة والتشهد فكذلك يكون حكم جميع الآثار ولأنه لو جاز النقل بالمعنى وتبديل اللفظ لجاز ذلك للراوي ثم
__________
(1) ـ كان ابن سيرين فقيها عالما ورعا أديبا كثير الحديث صدوقا شهد له أهل العلم والفضل بذلك وكان ابن سيرين مولى لأنس بن مالك فكاتبه على ألوف فعتق بالكتابة وعن مورق العجلي قال ما رأيت رجلا أفقه في ورعه ولا اورع في فقهه من محمد بن سيرين توفي بالبصرة سنة عشر ومائة بعد الحسن بمائة يوم قال حماد بن زيد مات الحسن أول رجب سنة عشر ومائة وصليت عليه ومات ابن سيرين لتسع مضين من شوال سنة عشر قال على بن المديني وعمرو بن علي القلاس وغيرهما أصح الأسانيد محمد بن سيرين عن عبيدة عن علي رضي الله عنهم
(2) ـ ذكر في تذكرة الحفاظ ج: 3 ص: 788أبو بكر الرازي الحافظ الامام محدث نيسابور احمد بن علي بن الحسين بن شهريار صاحب التصانيف سكن أبوه مدينة نيسابور فولد بها أبو بكر وسمع السري بن خزيمة وأبا حاتم الرازي وعثمان بن سعيد الدارمي وأبا قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي وعبد الله بن احمد بن أبي مسرة والحسن بن سلام وطبقتهم واكبر شيخ لحقه صاحب وكيع إبراهيم بن عبد الله العبسي القصار روى عنه رفيقة أبو عبد الله بن الأخرم وأبو علي الحافظ وأبو عمرو بن حمدان وأبو أحمد الحاكم وآخرون قال بن عقدة هذا كان من الحفاظ قد سمعت منه قلت عاش أربعا وخمسين سنة ومات بالطابران قصبة طوس في سنة خمس عشرة وثلاث مائة رحمه الله تعالى إهـ
(3) ـ أخرجه ابن ماجه في سننه وأخرجه ابن حبان في صحيحه و الترمذي في سننه و الدارمي في سننه و الطبراني في معجمه الأوسط(1/115)

23 / 108
ع
En
A+
A-