وكالكرامية (1) والخطابية (2) والرافضية (3) وبعض السالمية (4) فإن مذهبهم تجويز وضع أحاديث ونسبتها إلى الرسول نصرة لمذهبهم وكبعض الإمامية فإنهم يتعتقدون أن الذي يسمعونه من أئمتهم قاله الرسول وإن لم يكن قاله ومذهب بعض الكرامية أيضاً جواز الوضع فيما لا يتعلق به حكم من الثواب والعقاب ترغيباً للناس في الطاعة وزجراً لهم عن المعصية .
__________
(1) ـ الكرامية نسبة إلى محمد بن كرام السجستاني المتوفي (255)هـ لهم مقالات في التجسيم شنيعة ، وذكر السمعاني أنهم يقولون بجواز وضع الأحاديث على رسول الله
(2) ـ الخطابية أتباع أبي خطاب الأسدي ، قالوا : الأئمة أنبياء ، وأبو الخطاب نبي ،وهؤلاء يستحلون شهادة الزور لموافقيهم على مخالفيهم ، وقالوا : الجنة نعيم الدنيا( التعريفات316)
(3) ـ في مقدمة مسند الإمام زيد بن علي- ص 11 : قال فيها وفي تاريخ اليافعي لما خرج زيد ، أتته طائفة كبيرة قالوا له : تبرأ من ابي بكر وعمر حتى نبايعك . فقال : لاأتبرأ منهما . فقالوا : اذن نرفضك . قال : اذهبوا فأنتم الرافضة . فمن ذلك الوقت سموا رافضة . وتبعته التي تولت ابا بكر وعمر وسميت الزيدية . ومثل هذا مع تطويل ذكره ابن الاثير في الجزء الثاني والحافظ بن عساكر في حرف الزاي والذهبي في تهذيب التهذيب في الجزء الرابع في حرف الزاي . وفي ص 46 : قيل لجعفر الصادق بن محمد الباقر : ان الرافضة يتبرأون من عمك زيد ، فقال : برئ الله ممن تبرأ من عمي ، كان والله أقرانا لكتاب الله وأفقهنا في دين الله وأوصلنا للرحم ، ما ترك فينا لدنيا ولا لآخره مثله
(4) ـ السالمية جماعة من متكلمي البصرة ، ينسبون إلى أبي الحسن بن سالم صاحب سهل بن عبد الله التستري ، أثنى عليهم ابن تيمية ، وقال غيره إنهم جماعة الحشوية تمت(1/101)


وحمل بعضهم قوله (من كذب علي متعمداً) (1)الخبر المتواتر على أن يقول ساحر أو مجنون .
وقد استفيد من العبارة عدم اشتراط غير هذه الشروط من الحرية والذكورة والبصر والعدد [*] وعلم العربية ومعنى الحديث والإكثار منه وعدم القرابة والعداوة لما اشتهر عن الصحابة من قبول من ليس كذلك ولقوله فيما أخرجه أحمد والترمذي (فربّ حامل فقه غير فقيه) والله أعلم .
ولما فرغ من بيان شروط الرواية ومن جملتها العدالة أخذ يبيَّن ما تثبت به فقال
[طرق التعديل ]
(وتثبت عدالة الشخص) الراوي أو الشاهد رجلاً كان أو امرأة حُراً كان أو عبداً بأحد أمور
إمَّا بتصريح معروف العدالة بعدالته فإن كان مجهولاً احتيج إلى تعديله وإن تسلسل
وإما (بأن يحكم بشهادته) أو روايته أي بسببها في شيءٍ (حاكم) عدل سواءً كان محكماً من جهة الإمام أو المحتسب أو الصلاحية أو الخصمين إذا كان (يشترط العدالة) المحققة في الشاهد أو الراوي حيث لا يحتمل أن يكون الحكم بسبب غيرها من علم الحاكم وكون الشهود ثلاثة
(و) إمَّا (بعمل العالم) العدل الذي لا يقبل المجهول (بروايته) أي بسببها كذلك
(قيل و) إما (برواية العدل عنه) مطلقاً وقيل ليس بتعديل مطلقاً والصحيح أنه إن كان لا يروى إلا عن عدل قُبل وإلا فلا .
وهي مرتبة في القوة كما ذكر أمَّا التصريح بها فلأنه أقوى من فهمها بالالتزام وأما الحكم فلأن الحاكم لا يحكم إلا مع قوة ظنه بالعدالة وأما العمل المذكور فكونه أقوى من الرواية ظاهر فهذه طرق التعديل .
[ طرق الجرح ]
وأمَّا طرق الجرح فأعلاها التصريح به مع ذكر السبب
__________
(1) ـ قال في الغاية شرح الهداية في علم الرواية للجزري وقد نقل النووي أنه جاء عن مائتين من الصحابة والله أعلم تمت منه(1/102)


ثم التصريح من دونه وليس منها ترك الحاكم الحكم بشهادته ولا ترك العالم العمل بروايته لجواز معارض فلم يرجح أيهما ولا الشهادة في الزنا مع انخرام نصابها مع جهل المنع ولا فقد شرط غير العدالة كعدم ضبط أو غلبة نسيان ولا التدليس من الراوي إن لم يتضمن غشاً ويلحق بذلك ما إذا روى أحد عن شيخ حديثاً وأنكره الشيخ وقال لم أرو له هذا الحديث فالاتفاق على أنه لا يُعمل به لأن أحدهما كاذب قطعاً من غير تعيين ولا يقدح في عدالتهما لأنَّا لم نعلم كذب أحدهما معيناً والمفروض أنها قد علمت عدالته فلا يرتفع بالشك وإن لم ينكره بل قال لا أدري أرويته أم لا فالأكثر أنه يُعمل به لأن الراوي عدل غير مكذب وغاية عدم تذكر الأصل لما رواه أن يكون كموته وجنونه مثاله إنكار الزهري ما رواه ابن جريج عن مسلم عن أبي موسى عن الزهري عن عروة عن النبي : (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل )(1) قال ابن جريح سألت الزهري فأنكره ولم يعرفه وقد رواه مسلم .
__________
(1) ـ في سنن الدارمي ج: 2 ص: 185حدّثنا أبو عاصمٍ عنْ ابنِ جريجٍ, عنْ سليمانَ بنِ موسىَ, عنِ الزهريّ عن عروةَ, عن عائشةَ عنِ النبيّ ( )قالَ: «أيما إمرأة نُكِحَتْ بغيرِ إذنِ ولِيّهَا فنكاحُهَا باطلٌ فنكاحُهَا باطلٌ, فنكاحُهَا باطلٌ, فإنِ اشتجروا» قالَ أبو عاصمٍ وقالَ مرةُ: «فإنْ تشاجَرُوا فالسلطانُ وليّ منْ لاَ وليّ لَهُ, فإن أصابَهَا فلها المهرُ بِمَا استحلّ منْ فرجِهَا» قالَ أبو عاصمٍ أملاهُ عليّ سنةَ ستٍ وأربعينَ ومائةٍ(1/103)


وكإنكار سهيل إبن أبي صالح حديث القضاء بالشاهد واليمين (1)وقد رواه عنه ربيعة ثم كان يرويه سهيل عن ربيعة ويقول حدثني ربيعة عني والله سبحانه أعلم
(ويكفي) عدل (واحد) ولو إمرأة أو عبداً (في الجرح والتعديل) للراوي أو الشاهد المجهول حاله فيهما إذ المعتبر الظن بهما وهو يحصل بخبر العدل ولا سبيل إلى اليقين أمَّا من اشتهر بالعدالة كعلي بن الحسين عليهما السلام أو بعدمها كالحجاج لعنه الله فلا يقبل القائل بخلافه
[تعارض الجرح والتعديل ]
__________
(1) ـ في تحفة الطالب ج: 1 ص: 215ربيعة روى عن سهيل بن أبي صالح عن ابيه عن ابي هريرة أن رسول الله قضي باليمين مع الشاهد ثم قال لربيعة لا أدري فكان يقول حدثني ربيعة هذا الحديث رواه ابو داود هكذا سواء ورواه الترمذي وابن ماجه ولم يذكرا قول سهيل لربيعة لا أدري وقال الترمذي حسن غريب قال عبد العزيز بن محمد الدراوردي وقد كان أصاب سهيلا علة أذهبت بعض عقله ونسي بعض حديثه فكان بعد يحدثه عن ربيعة عنه عن أبيه قلت وربيعة هذا هو ربيعة بن ابي عبد الرحمن شيخ مالكي(1/104)


وإذا تعارض الجرح والتعديل فقيل لا يرجح أحدهما إلا بمرجح وهو مذهب الإمام المنصور بالله القاسم بن محمَّد عليه السلام لقوله تعالى ?فَبَشِّرْ عِبَاد ِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ? [الزمر18 /17] وقيل التعديل أولى من الجرح إن كثر المعدل (و) قيل بل (الجارح أولى وإن كثر المعدل) لأن في الجرح زيادة لم يطلع عليها المعدل فيجب العمل به لأنه لا ينفي مقتضى التعديل في غير صورة التعيين جمعاً بينهما إذ غاية قول المعدل أنه لم يعلم فسقاً ولم يظنه فيظن عدالته إذ العلم بالعدم في مثل هذه الصورة لا يتصور والجارح يقول أنا علمت فسقه فالحكم بعدم الجرح حكم بتكذيب الجارح والحكم بالجرح حكم بتصديقهما والجمع أولى ما أمكن هذا إن أطلقا أو عين الجارح السبب ولم ينفه المعدل بيقين أما أن عين الجارح السبب ونفاه المعدل يقيناً كأن يقول الجارح هو قتل زيداً يوم كذا ويقول المعدل هو حي ورأيته بعد ذلك اليوم فيقع بينهما التعارض لعدم إمكان الجمع المذكور وحينئذٍ يرجع إلى الترجيح بينهما بأمر خارج إن أمكن وإلا تساقطاً
(و) هل يجب ذكر سبب الجرح والتعديل ؟ فذهب أئمتنا عليهم السلام والجويني والباقلاني والرازي والغزالي إلى أنه (يكفي الإجمال فيهما من) عدل موافق اعتقاده فإن المخالفة في الاعتقاد من موجبات العداوة والتهمة خصوصاً في حق القدماء وحدُّهم رأس ثلاثمائة سنة (عارف) بأسبابهما لأن الجاهل لا يؤمن أن يعتقد في شيءٍ أنه جرح وليس به أو يعتقد أن العدالة لا تسقط بأمر وهو يسقطها فلا بد من التفصيل(1/105)

21 / 108
ع
En
A+
A-