قلت : لأنه معارض بخبر رواه في أصول الأحكام وغيره عن قيس بن طلق عن أبيه أنه سأل النبي أفي مس الذكر وضوء ؟ قال : لا وعنه مثله هل هو إلا بضعة منك (1) وعنه مثله هل هو إلا حذوة منك وعن علي عليه السلام أنه قال ما أبالي أنفي مسست أو أذني أو ذكري (2)
وقوله عليه السلام عندنا حُجَّة لما سيأتي إن شاء الله تعالى وهو إجماع أهل البيت عليهم السلام لا أعلم قائلاً بخلافه وإجماع الصحابة أيضاً إلا ما يروى عن ابن عمر فإنه كان شديد التفحص في الطهارة وكان يغسل باطن عينيه ويتوضأ لكل صلاة مع أن راوي الأول الزهري وقد روى أنه أحد حرسة خشبة زيد بن علي عليهما السلام وأنه خالط الظلمة وظاهرهم وكتب إليه أخ له في الدِّين كتاباً يعظه فيه ويخوفه من مخالطتهم ومن اراد الاطلاع عليه فهو في شرح الأساس الصغير حكاية عن الكشاف الحذوة بالحاء المهملة المثلثة القطعة وهي المراد هنا وبالجيم النار والله أعلم
[شروط قبول الأخبار]
(وشروط قبولها) أي جواز قبول المكلف لها فيما يتعلق بها حكم شرعي أمور
منها يرجع إلى المُخْبِر ومنها ما يرجع إلى مدلول الخبر
__________
(1) ـ أخرجه البيهقي في سننه الكبرى و النسائي في سننه وابن حبان في صحيحه و الترمذي في سننه و أبوداود في سننه و الطبراني في معجمه الكبير و النسائي في سننه الكبرى و الدارقطني في سننه و عبد الرزاق في مصنفه
(2) ـ أخرج نحوه الطبراني في معجمه الكبير و الطحاوي في شرح معاني الآثار و أبو يعلى في مسنده(1/91)
فالأول : هو (العدالة) وهي لغة عبارة عن التوسط في الأمر من غير إفراط إلى طريق الزيادة والنقصان . واصطلاحاً ملكة في النفس تمنعها عن ارتكاب الكبيرة والرذيلة والكلام في الكبيرة منتشر يؤخذ من مظانه وقد دخل فيها التكليف والإسلام فلا يقبل الكافر والفاسق والمجنون والصبي فنشترط عند الأداء وإن لم يكن عند التحمل كذلك قياساً على الشهادة (1)وللإجماع على قبول رواية الحسنين عليهما السلام ويسمى ما يرويانه عند أهل النقل بسلسلة الذهب وابن عباس وابن الزبير وسهل ابن أبي خيثمة فيما سمعوه قبل التكليف ورووه بعده تدل عليه كتب الحديث .
فإن قيل :إن ابن عمر أخبر أهل قباء بتحويل القبلة فاستداروا .
__________
(1) ـ وكذا في حال الكفر والفسق إذا أدي في حال الإيمان كما روي أن جبير بن مطعم قال سمعت رسول الله يعني حين قدم عليه في أسارى بدر فقرأ في المغرب بالطور وفي رواية فلما بلغ هذه الآية ?أم خلقوا من غير شيءٍ أم هم الخالقون * أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون * أم عندهم خزائن ربِّك أم هم المصيطرون? كاد قلبي أن يطير . وفي رواية البخاري وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي أنه أسلم بعد ذلك قبل الفتح وأداه ووقع في زمن ابن تيمية أن صبياً من اليهود سمع شيئاً من الحديث فكتب بعض الطلبة اسمه في الطبقة فأنكر عليه وسُئِل عنه ابن تيمية فأجازة ولم يخالفه أحد من أهل عصره واتفق أن ذلك الصبي أسلم بعد بلوغه وأداء فسمعوا منه فينبغي حضور الصبيان مجلس الحديث تبركاً وللفائدة ذكر معناه في الغاية شرح الهداية للجزري والله أعلم تمت منه(1/92)
قلنا :لو سلم كونه صبياً فقد روي أنه أخبرهم بذلك أنس فيحتمل أنهما جاءا معاً فأخبراهم على أنه قد قيل إنه أفاد العلم بالقرائن ولذا نسخ به المعلوم كما يأتي في النسخ إن شاء الله تعالى ولا يقبل مجهول العدالة أيضاً إذ لا يؤمن فسقه ؛ لأن الفسق مانع كالصغر والكفر فلا بد من ترجيح انتفائه ولقوله تعالى ?ولا تركنوا إلى الذين ظلموا? [هود 113]وقوله تعالى ?إن يتبعون إلا الظن? [النجم23]?ولا تقف ما ليس لك به علم?[الإسرا 26]ونحوها فاقتضت تحريم العمل بالظن في الشرعيات فالعمل بخبر الواحد خلاف الأصل للنهي عن اتباع الظن إلا ماخصه دليل ولا دليل يدل على جواز العمل بالظن إلا في خبر العدل وهو إجماع الصحابة على قبوله كما قدمنا فبقى ما عداة على أصل التحريم وخبر المجهول مما عداه وقال أبو حنيفة (1)ومحمَّد بن منصور وابن زيد والقاضي في العمد وابن فورك يقبل محتجين بقوله :( نحن نحكم بالظاهر )(2)
__________
(1) ـ كذا في كتب الأصول الإطلاق عن أبي حنيفة في الرواية والقبول والترجيح من أنه يقبل المجهول وفي الحكاية عنه نظر فإنه حكى في الهداية عنه في شرح قوله (والمختار قبول من لا يرسل إلا عن عدل) أن أبا حنيفة لم يقل بقبول المجهول بل إلى تابعي التابعين لقوله خير القرون قرني الحديث ولذا اختلف هو وصاحباه فقضى بظاهر العدالة للحوقه لتابعي التابعين لا هما لعدم لحوقهمالهم إهـ والله أعلم تمت منه
(2) ـ في خلاصة البدر المنير ج: 2 ص: 432حديث إنمانحكم بالظاهر والله يتولى السرائر غريب قال الحافظ جمال الدين المزي لا نعرف إهـ وفي تحفة الطالب ج: 1 ص: 174قوله وايضا نحن نحكم بالظاهرهذا الحديث كثيرا ما يلهج به اهل الاصول ولم اقف له على سند وسألت عنه الحافظ ابا الحجاج المزي لكن له معنى في الصحيح وهو قوله إنما اقضي بنحو مما أسمع وقال البخاري في كتاب الشهادات قال عمر إن ناسا كانوا يؤخذون بالوحي على عهد رسول الله وإن الوحي قد انقطع وإنما ناخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم فمن أظهر لنا خيرا أمناه وقربناه وليس لنا من سريرته شيء الله يحاسبه في سريرته ومن أظهر لنا سوءا لم نأمنه ولم نصدققه وإن قال إن سريرته حسنة ورواه الإمام أحمد في منسده مطولا وابو داود محتصرا والله أعلم(1/93)
وقبوله خبر الأعرابي (1)
قلت : أما الأول فقد قال المزَّي والذهبي لا أصل له . نعم الذي في البخاري عن عمر إنما نؤاخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم .
وأما الثاني فيحتمل أن يكون قد عرفه أو قد كان صح له برؤيته أو رؤية غيره وأكده خبر الأعرابي وأيضاً فإن صدق المجهول وكذبه مستويان فيه فلم يكن صدقه ظاهراً وقياسه لقبوله في الرواية على قبوله في الأخبار بكون اللحم مذكى وبرق جاريته التي يبيعها ونحوهما غير صحيح لاشتراط عدم الفسق في محل النزاع وما ذكروه مقبول مع الفسق اتفاقاً على أن الرواية أعلى مرتبة من هذه الأمور الجزئية لأنها تثبت شرعاً عاماً فلا يلزم من القبول هنا القبول هناك
__________
(1) ـ في رؤية الهلال تمت(1/94)
أما وقت الأدا فالتكليف والعدالة معتبران (والضبط) من الراوي أي قوة الحفظ بحيث لا يزول لفظ ما سمعه ومعناه عن خاطره أو معناه فقط على القول بجوازها بالمعنى وذلك ليحصل الظن الذي هو شرط العمل فلو كان سهوه أكثر من ضبطه أو مساوياً له لم يحصل وهذا فيمن لم يعلم حاله فيما روى وأما ما علم ضبطه أو سهوه في عمل فيه عليه مطلقاً كأبي هريرة (1)
__________
(1) ـ في عبارة المؤلف إجمال لم تتضح ولم تتبين فقد اجمل في عده من ذكر هل هم ممن علم ضبطهم أو ممن علم نسيانهم تمت وذكر في لوامع الأنوارلسيدي المولى الحجة مجد الدين المؤيدي حفظه الله ما لفظه : اختلف في اسمه واسم أبيه اختلافا كثيرا لم يختلف في اسم أحد مثله ، أكثر الصحابة رواية على الإطلاق ضربه عمر بالدرة ، وفي إملاء أبي جعفر النقيب عن علي عليه السلام ( لا أجد أحدا أكذب على رسول الله من هذا الدوسي ... وروى البخاري له حديثا عنه فلما قيل له : أنت سمعته من رسول الله ؟ قال : لا بل من كيسي ، ووصفه المنصور بالله عليه السلام بالغفلة ، لحق بمعاوية ودخل الكوفة ، وأساء القول في أمير المؤمنين عليه السلام فقال له بعض الحاضرين : يا أبا هريرة أما سمعت رسول الله يقول : ( اللهم وال من والاه وعاد من عاداه )؟ قال : بلى ، قال فأشهد لقد واليت من عاداه وعاديت من والاه قال في الجداول : وقد اكثرت في تقريظه الحشوية كالشوكاني وغيره إهـ ولقد ألفت فيه المؤلفات منها على سبيل المثال أبو هريرة شيخ المضيرة تأليف محمود أبو رية ، وأضواء على السنة المحمدية للمؤلف نفسه قال فيه : ـ نقلا عن الكاتب الإسلامي الكبير مصطفى صادق الرافعي ـ أول راوية اتهم في الإسلام وممن اتهمه بالكذب عمر وعثمان وعلي وغيرهم ، وقال ايضا : وكان علي رضي الله عنه : سيء الراي فيه ن وقال عنه : ألا إنه أكذب الناس أو قال أكذب الأحياء على رسول الله لأبو هريرة ، ولما سمع أنه يقول حدثني خليلي ! قال له متى كان النبي خليلك؟إهـ بتصرف(1/95)