، والمنزلة(1)والمحبَّة في أمير المؤمنين - عليه السلام - ، فإن من بحث كتب السنة النبوية ، وأطلق نفسه عن وثاق العصبية علم تواترها كذلك كلما يكون ذلك المشترك خارجاً لازماً لكل واقعة فإنه يفيد تواتر القدر المشترك ضرورة لاتحاد أخبارهم فيه (كما في شجاعة علي عليه السلام ) فإن الأخبار بوقائعه في حروبه من أنه فعل في بدر كذا ، وقتل يوم أحد كذا ، وهزم يوم حنين كذا ، ونحو ذلك ، تدل بالالتزام على شجاعته - عليه السلام - ، ذلك لأن الشجاعة من الملكات النفسانية ، فيمتنع أن تكون نفس الهزم أو جزءه ، وإنما هي لازمة لجزئيات الهزم والقتل في الوقائع الكثيرة ، فيكون دلالة نحو الهزم في الوقائع الكثيرة على الشجاعة بطربق الالتزام ، (و) كما في (جود حاتم) الطائي ، فإن ما يحكى من إعطائه نحو الخيل ، والإبل ، والشاء ، والثياب ، يدل بالالتزام على جوده الذي هو ملكة نفسانية كالشجاعة ، والله أعلم .
[الآحادي]
__________
(1) ـ نص الحديث :- على ما أخرجه مسلم في صحيحه ج 4/ص 1871/ح عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال ما منعك ان تسب أبا التراب فقال أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله فلن اسبه لان تكون لي واحدة منهن أحب الي من حمر النعم سمعت رسول الله ( ) يقول له خلفه في بعض مغازيه فقال له علي يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان فقال له رسول الله ( ) أما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبوة بعدي وسمعته يقول يوم خيبر لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله قال فتطاولنا لها فقال ادعوا لي عليا فأتي به ارمد فبصق في عينه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه ولما نزلت هذه الآية فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم دعا رسول الله ( ) عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال اللهم هؤلاء أهلي(1/81)


(والآحادي) ما لا يفيد بنفسه العلم كما عرفت ، سواءً نقله واحد أو جماعة وهو أقسام :
(مسند) وهو ما اتصل إسناده من راويه إلى النبي
(ومرسل) وهو عند أئمتنا - عليهم السلام - والجمهور : ما سقط من رواته راوٍ فصاعداً من أي موضع ، فيدخل فيه :
المعلق : وهو ما سقط منه راوٍ من مبادئ السند .
والمنقطع : وهو ـ على ما ذهب إليه طوائف من الفقهاء وغيرهم ، وابن عبد البر من المحدثين ـ ما لم يتصل إسناده على أي وجه كان . حكاه السخاوي عن النووي في إرشاده ، فهو أعم من المعلق والمعضل مطلقاً .
والمعضل - بفتح الضاد - : وهو أن يرسل الرواي وبينه وبين رسول الله أكثر من راوٍ ، وقال جمهور المحدثين ؛ بل قول التابعي : قال رسول الله وهو (1) مقبول عند أئمتنا - عليهم السلام ، والمعتزلة ، والحنفية ، والمالكية ؛
[ حجة القائلين بقبول الارسال]
لاجماع الصحابة على رجوعهم إليه كالمسند علم ذلك من أئمة النقل كما روي عن ابن عباس عن النبي :(إنما الربا في النسيئة)(2)لما سُئِل عن ذلك قال : أخبرني به أسامة بن زيد . ولم ينكره عليه إرساله ما سمعه من أسامة ، وإنما بينوا أنه منسوخ (3)
وقال البرا بحضرة الجماعة : ليس كل ما أخبركم به سمعته من رسول الله غير أنا لا نكذب .
ولأن إرسال الثقة الذي عرف بأنه لا يرسل إلا عن عدل جار مجرى تعديله لمن روى عنه ، لأنه متى أرسل ما يرويه وقال : قال رسول الله : كذا وكذا فقد أظهر من نفسه أنه قد وثق أن النبي قال ذلك .
__________
(1) ـ أي المرسل بكل أقسامه تمت
(2) ـ أخرج بهذا الفظ وبألفاظ أخرى مثل لا ربا إلا في النسيئة الطبراني في معجمه الكبير و مسلم في صحيحه وابن حنبل في مسنده و مالك في الموطأ .و الطيالسي في مسنده و الدارقطني في سننه
(3) ـ باعتبار مفهومه لا منطوقه تمت منه(1/82)


نعم ، فإن أسند تارة وأرسل أخرى ، أو رفع تارة ووقف أخرى ، أو وصل تارة وقطع أخرى ، فالحكم للإسناد والرفع والوصل على الأصح ، وقيل للأكثر من أحواله وإن أسند ما أرسل غيره ، أو رفع ما وقف ، أو وصل ما قطع ، فالحكم كذلك عند أئمتها - عليهم السلام - ، والجمهور ، وعند أكثر المحدثين للمرسل ، والواقف ، والقاطع ، وقيل للأكثر ، وقيل للأحفظ ،
(ولا يفيد) من سمعه عند حصول شرط الرواية وانتفاء قرينة العلم (إلا الظن) بصدقه ويجوز التعبد به ، وقد وقع ، فيندب ، ويكره ، ويباح ، ويحرم ،
ويجب العمل به أي بمقتضاه (في) ما يكفي فيه الظن من (الفروع) أي فروع الفقه ولو حداً ، أو قصاصاً ، أو مقداراً عقلاً ونقلاً ،
أما العقل فإنه يستحسن جلب النفع ودفع الضرر المظنونين .
وأما النقل فإنَّا قد علمنا من دينه أن الحاكم إذا قامت له الشهادة المشروعة لزمه العمل بمقتضاها وعرفنا ذلك عن أمر الله تعالى وهو عدل حكيم فلو لا أن العمل بالظن في بعض الأحوال مصلحة لما حسن منه أن يوجب ذلك ، ولفعله ؛ (إذ) تواتر أنه (كان يبعث الآحاد) من السعادة (إلى النواحي) النازحة عنه النازحة عنه (لتبليغ الأحكام) الشرعية ليعمل الناس على أخبارهم فإنه كان يبعثهم لقبض الزكاة ونحوها وتعريف سائر الأحكام ، كبعثه معاذاً إلى اليمن وغيره من عماله ، وذلك ظاهر من صنعه ، (ولعمل الصحابة) به في الوقائع المختلفة التي لا تكاد تحصى ، وتكرر ذلك منهم ، وشاع وذاع بينهم ، ولم ينكر عليهم أحد ؛ إذ لم ينقل ، وذلك يوجب العلم باتفاقهم كالقول الصريح .(1/83)


فمن ذلك ما اشتهر عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنه كان يعمل في أخبار الآحاد ويحتاط فيها ، لأنه روي عنه أنه قال :(إذا سمعت حديثاً من رسول الله نفعني الله به ما شاء منه ، فإذا سمعته من غيره استحلفته ، وحدثني أبو بكر وصدق)(1)قيل أن الخبر الذي رواه هو قوله :(من أذنب ذنباً فذكره فأفزعه ثم عمد إلى بيت من بيوت الله فتوضى وصلى ركعتين واستغفر الله تعالى غفر الله له) أو كما قال فدل على أنه كان يعمل على أخبار الآحاد ، وإنما كان يحتاط في ذلك بان يستحلف بعضهم ، فإذا كان الراوي ممن لا يحتاج إلى الاحتياط عليه أخذه بخبره من دون يمين .
ومنه عمل أبي بكر بالخبر الآحادي في ميراث الجَدَّة ، وكان يرى حرمانها ، حتى روى المغيرة بن شعبة ومحمَّد بن مسلمة أن النبي أعطاها السدس (2)وخبر الاثنين آحادي
__________
(1) ـ أخرجه الطيالسي في مسنده و أبوداود في سننه و ابن حنبل في مسنده و الطيالسي في مسنده و الحميدي في مسنده و النسائي في سننه الكبرى و ابن حنبل في فضائل الصحابة و أبو يعلى في مسنده و عبد الرزاق في مصنفه
(2) ـ في سنن الترمذي ج: 4 ص: 419حدثنا بن أبي عمر حدثنا سفيان حدثنا الزهري قال مرة قال قبيصة وقال مرة رجل عن قبيصة بن ذؤيب قال ثم جاءت الجدة أم الأم وأم الأب إلى أبي بكر فقالت إن بن ابني أو بن بنتي مات وقد أخبرت أن لي في كتاب الله حقا فقال أبو بكر ما أجد لك في الكتاب من حق وما سمعت رسول الله قضى لك بشيء وسأسأل الناس قال فسأل فشهد المغيرة بن شعبة أن رسول الله أعطاها السدس قال ومن سمع ذلك معك قال محمد بن مسلمة قال فأعطاها السدس ثم جاءت الجدة الأخرى التي تخالفها إلى عمر قال سفيان وزادني فيه معمر عن الزهري ولم أحفظه عن الزهري ولكن حفظته من معمر أن عمر قال أن اجتمعتما فهو لكما وأيتكما انفردت به فهو لها إهـ(1/84)


وعمل عمر بخبر عبد الرحمن بن عوف لما اشتبه عليه حكم المجوس ، وقال : ما أدري كيف أصنع بهم ، وأنشد الله امرأً سمع من النبي قولاً أن يذكر ذلك ما روي عبد الرحمن بن عوف (سنوا بهم سنة أهل الكتاب) أخذ بذلك وعمل به .
ورجع في توريث المرأة من دية زوجها إلى خبر الضحاك بن سفيان الكلابي(1)أن النبي ورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها أشيم ، وترك ما كان يذهب إليه في ذلك من طريق الرأي في ذلك،
وأخذ بخبر حمل بن مالك في دية الجنين ، فإنه لما روي أنه كان عند امرأتان أحدهما تسمى مليكة والأخرى أم عفيف رمت إحداهما الأخرى بحجر مسطح ، أو عمود فسطاط فأصابت بطنها فألقت جنينا فقضى فيه رسول الله بغرةٍ عبد أو أَمَة وقال كدنا أن نقضي فيه .
وحَمَل بفتحتين ذكره في القاموس والضياء والمسطح بكسر الميم نوع من الملاعق وقيل عود يرقق به الخبز .
ورجع عما كان يذهب إليه من طريق المفاضلة في دية الأصابع فإنه كان يرى أن في الإبهام خمس عشرة من الإبل وفي الخنصر ستاً وفي البنصر تسعاً وفي كل واحدة من الآخريين عشراً عشراً فلما أخبر عن كتاب عمرو بن حزم أن النبي أوجب في كل واحدة منها عشراً من الإبل أخذ بذلك ورجع عن رأيه .
وروي العمل بأخبار الآحاد عن سائر الصحابة كعثمان وابن عباس وعلم من سياقها أن العمل بها لا بغيرها لظهورها وإفادتها الظن كظاهر الكتاب والمتواتر والنهي عن اتباع الظن ظاهر قابل لتأويل العلم بما يعم الظن وتأويل الظن بالشك والوهم والمدعى أصل لا يمنعه إلا قاطع .
__________
(1) ـ كذا في جامع الأصول وغيره ، وقال الإمام الحسن وسعد الدِّين الضحَّاك هو الأحنف بن قيس اليمني ، أسلم على عهد رسول الله ولم يره كتب إليه النبي أن يؤرث زوجة الضبابي من دية زوجها تمت منه(1/85)

17 / 108
ع
En
A+
A-