وأمَّا وقوع المُعَرَّب في الكتاب العزيز ، وهو ما وضعه غير العرب لمعنى ثم استعمله العرب فيه بناءً على ذلك الوضع فيخرج عنه الأعلام كإبراهيم ، وإسمعيل ، فعن ابن عباس وعكرمة ، واختاره ابن الحاجب ، وبعض الشافعية وقوعه فيه لنص علماء العربية على تعريب ، نحو ? إِسْتَبْرَقٍ ?[ الرحمن(54) ] أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك أنه الديباج الغليظ بلغة العجم . وأخرج ابن مردويه من طريق أبي الجوزاء عن ابن عباس قال : السجل - بلغة الحبشة - الرجل . وذهب المبرد وثعلب إلى أن الرحمن عبراني ، وأصله بالخاء المعجمة . وعن مجاهد المشكاة الكوة غير النافذة بغلة الحبشة ، والقسطاس العدل بالرومية . وعن سعيد ابن جبير أنه الميزان بلغة الروم . وذكر الجواليقي أن كافوراً فارسي . وعن ابن عباس ?هيت لك?[يوسف] هلم لك بالنبطية ، وقال الحسن هي بالسريانية كذلك ، وقال أبو زيد الأنصاري هي بالعبرانية ، وأصلها هيتلج - أي تعاله (1) وعن وهب ابن منبه قال : ما من لغة إلا ولها في القرآن شيءٌ ، قيل : وما فيه من الرومية ?قال فصرهن?[البقرة 260] يقول قطعهن . وعن أبي ميسرة التابعي قال : في القرآن من كل لسان . ومثله عن سعيد بن جبير ،
والأكثر أنه غير واقع فيه ، ولا يسلمون أن ذلك من المعرب لجواز كونه ممَّا اتفق فيه اللغتان ، ولزوم إلا يكون القرآن عربياً ، وقد قال تعالى ?قرآناً عربياً غير ذي عوج?[ الزمر 28]
وقد جمع أبو عبيد القاسم بن سلام بين القولين ، فقال : الصواب عندي مذهب فيه تصديق القولين جميعاً ، وذلك أن هذه الأحرف أصولها أعجمية كما قال الفقهاء ، لكنها وقعت للعرب فعربتها بألسنتها وحولتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها فصارت عربيّة ، ثم نزل القرآن وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب ، فمن قال أنها عربية فهو صادق ، ومن قال أنها عجمية فهو صادق وكلامه حسن .
__________
(1) ـ والهاء للسكت(1/66)
نعم : أما الأعلام فإنها بحسب وضعها العلمي لا تنسب إلى لغة دون لغة ومنع صرفها(1)لموافقتها العجمية ،وليست من المعرب لأنه كلام العجم الذي استعملته العرب بتغيير أو غيره (2)وبهذا يظهر الفرق1 بين العجمية والتعريب .
(فصل)
(والدليل الثاني من الأدلة الشرعية السنَّة)(3) هي لغة الطريقة والعادة ، سواءً كان حميداً أو لا ، قال تعالى ?قد خلت من قبلكم سنن?[ آل عمران 137] قال الهذلي :
فأول راضٍ سنَّة من يسيرها
فلا تجزعن من سنَّة أنت سرتها
__________
(1) ـ جواب سؤال ، وهو أن يقال : فإنها ممنوعة للعجمية ، فأجاب : بأن منع الصرف... إلخ . ً فإن علماء العربية - وإن أجمعوا على منع نحو إبراهيم للعجمية - والتعريف وإجماع أهل كل فن حُجَّة فيما أجمعوا عليه ، فإنما حكموا بالعجمية لموافقته العجمية . ذكره في حاشية الفصول نقلاً عن صاحب الغايات والحاكم في تفسير ?طوبى لهم? تمت منه .
(2) ـ ولا يخفى الفرق بين تجديد الوضع والاستعمال إهـ
(3) ـ قال في الغاية : وأما في الشرع فتستعمل في العبادات ، وفي الأدلة الشرعية فهي في العبادات تطلق على ما تقدم بيانه في بحث الحكم ، وقال في حاشية الغاية على قوله : ما تقدم بيانه وهو ما واضب عليه الرسول مما أمر به ندبا كرواتب الفرائض إهـ ثم قال في الشرح وهي في الأدلة الشرعية ما صدر عن الرسول منسوبا نفسه إليه من قول أو فعل أو تقرير تمت(1/67)
واصطلاحاً : ما تقدم في الحكم (وهي قول النبي )غير القرآن ، (وفعله) ، وتركه ، ولم يذكره المصنف بناءً على دخوله في الفعل كما هو مذهب البعض ، ولكنه يخالف ما سيأتي له في التأسي ، فإنه صرح به مع الفعل فلعله بنى هنا على قول وفيما يأتي على آخر والله أعلم . (وتقريره) والاحتجاج بها يتوقف على معرفة عصمته والحق أنه لا بد من عصمة الأنبياء (عليهم السلام) عن الكفر وسائر الكبائر والصغائر المنفرة (1)والكذب عمداً مطلقاً أو سهواً بعد البعثة عقلاً وسمعاً لما فيه من النقص والتنفير عن اتباعهم والاقتداء بهم . قلت ودليله ما نشاهده فإن من نشأ على الصلاح والتقوى ولم يعلم منه معصية أعظم تأثيراً من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيمن تلبس بشيءٍ من المعاصي وعرف بها ثم تاب وأمر ونهى كذلك بل ربما كان ادعى إلى سبه وهتك عرضه سيما من لا شوكة له ولا هيبة والعصمة عند أئمتنا (عليهم السلام) من فعل الله تعالى بمعنى أنه تعالى يسبل عليهم ألطافاً خفية يمتنعون بها عن المعصية وثبوتها قبل وقت التكليف وقال الإمام أحمد بن سليمان (عليه السلام) (وقت النبوة) محتجاً بالأسباط وبالإجماع على نبوتهم
__________
(1) ـ كالخسة وهي ما يلحق فاعله بالأرذال والسفل ويحكم عليه بدناءة الهمة وسقوط المروة كسرقة لقمة إهـ تمت منه .(1/68)
(فالقول) حكمه (ظاهر) ومباحثه الأمر والنهي والعموم والخصوص ونحوها وينظر في وجه ظهوره فإنه الذي يحتاج إلى شدة البحث كما لا يخفى إذ ليس المراد مجرد ماهيته كما توهم بل الحكم - كما أشرنا إليه - وإلا فالفعل باعتبار ماهيته كذلك فتأمل . وحذف أمَّا هنا لا يليق مع ذكرها في القسمين الأخيرين (وهو أقواها) (1) أي أقوى أقسام السنة لاستقلاله في الدلالة على تعدي(2) حكمه إلينا فلا يحتاج فيها إلى غيره ولعمومه لدلالته على الموجود والمعدوم و المعقول والمحسوس ولأن العمل به يبطل مقتضى معنى الفعل في حق الأُمَّة فقط دون النبي فيمكن الجمع بينهما بأن الفعل خاص به دوننا فنكون قد أخذنا بهما معاً والجمع بين الدليلين لا ولو بوجه واجب ما أمكن ولاتفاق (3)من يحتج بالقول والفعل على دلالته بخلاف الفعل فيها أجمع وشروط الاستدلال به [*] شروط الاستدلال بالكتاب العزيز وعلم المستدل بأنه لا يكتم ما أمر بتبليغه بأن يكتم من الكلام مخصصا متصلا أو
__________
(1) ـ قال في الغاية في أن القول أقوى : لاستقلاله في الدلالة وعمومه والاتفاق على دلالته وإبطاله بالكلية لو عمل بالفعل وذلك لأن القول مختص بالأمة فلو عمل بالفعل لبطل مقتضاه البتة بخلاف العكس لأن العمل بالقول يبطل مقتضى الفعل في حق الأمة دون النبي تمت
(2) ـ إنما قال ولاتفاق... إلخ . ولم يقل وللاتفاق ويطلق كما قال غيره لأنه حكى في حاشية الفصول عن الكوفيين أنهم يمنعون الاحتجاج بالحديث لأنها قد كثرت روايته بالمعنى وكأنه أريد بالاتفاق بين من يحتج بالقول والفعل والله أعلم تمت منه قال في حاشية على الغاية : لأن القول وضع لذلك بخلاف الفعل فإن له محامل ، ولا ظاهر له وإنما يفهم منه في بعض الأحوال ذلك لقرينة خارجية فيقع الخطا فيه كثيرا إهـ
(3) ـ قال في الغاية والاتفاق على دلالته بخلاف الفعل فإن من الناس من يقول : إن من الأفعال لا يستدل بها ولا يكون بيانا والمتفق عليه أولى بالاعتبار .تمت(1/69)
منفصلا أو كلاما مستقلا ولا يحرفه بان يزيد فيه قيداً يخرجه عن ظاهره ولا يبدله بغيره لأن تجويز ذلك يسد علينا باب الثقة بخطابه وذلك محال ? إن هو إلا وحي يوحى ?[ النجم] ?قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي?[يونس 15] ? إن أتبع إلا ما يوحى إلي ?[الأنعام50]
وأمَّا حكم أقواله المتعلقة بالغير فإذا قضى على الغير بحق أو مال دل على لزومه للمقضي عليه ظاهراً فقط ولذا قال :(إنكم تختصمون إليَّ ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فمن قضيت له بشيءٍ من مال أخيه فلا يأخذنه فإنما أقطع له قطعة من النار) أخرجه في أصول الأحكام وغيره من كتبنا والشيخان
وإذا ملَّك أحدا مؤمناً كان أو كافراً فيفيد الملك ظاهراً وباطناً عند الحفيد (1) وغيره
وقال الدواري إن ملكه من غيره ثم ملكه الغير فظاهراً فقط وإن ملكه من الغنائم ونحوها كفدك فظاهراً وباطناً .
ودعاؤه يقتضي إيمان المدعو له ظاهرا وباطنا عند الحفيد وغيره ، وقال ابن أبي الخير إن انظم إلى دعائه قرينة تدل على الباطن قطعاً فإرادته معلومة أو ظناً فإرادته مظنونة وإلا فالوقف وهو الأولى لجواز كونه مشروطاً وإن لم ينطق به كما في دعاء أحدنا لغيره لأن دلالة العقل مشترطة لذلك ومهما اعتقدنا جهلاً فقد أتينا من جهة أنفسنا والله أعلم.
__________
(1) ـ الحسن بن محمد الرصاص تمت(1/70)