وجه الاستدلال بالآية أن المراد إمَّا حفظه عن النسيان ، أو عن الزيادة والنقصان والتبديل ، والأول باطل ؛ إذ المعلوم أنه قد ينساه بعض من حفظه فتعين الثاني ؛ إذ لو جوزنا شيئاً من تلك الأمور لكان غير محفوظ ، وهو خلاف صريح الآية الكريمة ، وبما ذكرنا(1)علم بطلان قول الإمامة أن فيه زيادة ونقصاناً ، وأن سورة الأحزاب كانت وقر بعير ، وإنما تعرف زيادته ونقصانه من أئمتهم ،
(و) متى قيل فما حكم هذا المنقول آحاداً في التلاوة والعمل ؟ قلنا : أمَّا التلاوة فإنها (تحرم القراءة بالشواذ) الآحادية مع اعتقادها قرآنا ، لأنها ليست قرآناً لما عرفت (وهي) أي الشواذ (ما عدا القرآت السبع) التي هي : قراءة نافع ، وأبي عمرو ، والكسائي ، وحمزة ، وابن عامر ، وابن كثير ، وعاصم ، فهذه متواترة من النبي إليهم ، ومنهم إلينا ، فإن من بحث وجد رواتها بالغة حد التواتر جوهراً وهيئة
__________
(1) ـ من الإجماع على أنه لا نقصان عمَّا في العرضة الأخيرة ، وأنه محفوظوالله أعلم تمت منه(1/56)
ومعتمد أئمتنا(عليهم السلام) قراءة نافع قال الهادي (عليه السلام) : القراءة قراءة أهل المدينة ، ولم يتواتر غيرها . وقال (عليه السلام) في المجموع (1) : وفي ذلك ما حدثني به أبي عن أبيه أنه قال : قرأت مصحف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه عند عجوز مُسنَّة من ولد الحسين بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) فوجدته مكتوباً أجزاء بخطوط مختلفة ، في أسفل جزء منها وكتب علي بن أبي طالب ، وفي أسفل آخر وكتب سلمان الفارسي ، وفي آخر وكتب أبو ذر ، وفي آخر وكتب عمَّار بن ياسر ، وفي آخر وكتب المقداد ، كأنهم تعاونوا على كتابته . قال جدي القسم بن إبراهيم [*] : فقرأته فإذا هو هذا القرآن الذي في أيدي الناس حرفاً حرفاً ، لا يزيد حرفاً ، ولا ينقص حرفا ، غير أن مكان ?قاتلوا الذين يلونكم من الكفار? ?اقتلوا الذين يلونكم? [ التوبة 123]، وقرأت فيه المعوذتين . انتهى .
ذكر ابن خلكان ما معناه : أن هذه الشريفة(2) تقية بنت الحسين المذكور ، وهي مشهورة بالفضل والعبادة والزهد ، والكرامات المشهورة ، ومشهدها بمصر ، مشهور مزور .
ولزيد بن علي عليهما السلام قراءة مفردة (3)
[حكم العمل بالشواذ ]
__________
(1) ـ هكذا في الأم والأصوب أن يقول : في المجموعة الفاخرة تمت
(2) ـ أي العجوز المسنة آنفا تمت
(3) ـ قال في حاشية الفصول : قد صنف فيها أبو حيان كتاباً جمعها فيه ، سمَّاه التبر الجلي في قراءة زيد بن علي . ذكره ابن الجندي ، وحكى نشوان في شرح الرسالة عن السيد ط أنه قال في كتاب الدعامة في فضل زيد بن علي عليهما السلام ما لفظه : ومنها اختصاصه بعلم القرآن ووجوه القرآت تمت منه .(1/57)
(و) أمَّا العمل بها فعند أئمتنا (عليهم السلام) ، والحنفية ، والمزني ، وأحد قولي الشافعي (هي كأخبار الآحاد في وجوب العمل بها) أي بمقتضاها ، أو ندبه ، أو تحريمه ، أو إباحته ، أو كراهته في الفروع ، وتحريمه في الأصول ، وما تعم به البلوى علماً كقراءة ابن مسعود : ? فصيام ثلاثة أيام متتابعات ? [ 196 البقرة](?والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما ?[83 المائدة] فيتعين التتابع وقطع اليمين ، لأن عدالة الرواي توجب القبول فيتعين كونها قرآناً ، أو خبراً آحادياً ، وقد بطل لما مر كونها قرآناً فتعين كونها خبراً آحادياً ، ولا يلزم من انتفاء خصوص قرآنيتها انتفاء عموم خبريتها ووقوع الخطأ من الرواي ، إنما هو في الوصف بالقرآنية ، وإنما يبطل العمل إذا كان في المتن لا في الوصف .
فإن قيل : فقد روي في الكشاف عن علي (عليه السلام) ، وابن عباس ، وزيد ، وابن عمرو وابن الزبير أنهم قرؤا ?أمهات نسائكم اللاتي دخلتم بهن?[23النساء] ، وكان ابن عباس يقول : والله ما نزلت إلا هكذا ، ولم يعمل بموجبها .
قلنا : إنما لم يعمل بموجبها لقوله :((من نكح امرأة ثم طلقها قبل الدخول حرمت عليه أمها ولم تحرم عليه ابنتها)) .(1)
فإن قيل : فكان ينبغي ترجيح ما روى علي (عليه السلام) وإن كثر رواي معارضه لعصمته وحجيَّة قوله عندكم .
قلت : الأمر كذلك إلا أنه رجح معارضه بكونه نصاً في المقصود ، وباحتمال أن يكون الوصف خارجاً مخرج الغالب ، أو جواب سؤال ، أو حادثة متجددة ، وقرينة ذلك ترجيح أكثر أهل البيت (عليهم السلام) وهم أعرف مراده ، والله أعلم .
__________
(1) ـ أخرجه بلفظه الأمير الحسين في الشفاء . مطبوع ج2/ص158تمت وأخرجه الترمذي في سننه ج 3/ص 425/ح 1117و البيهقي في سننه الكبرى ج7/ص160/ح13689 إهـ(1/58)
(و) من القرآن الفاتحة والمعوذتان ، وخلاف ابن مسعود في إثباتهما في المصحف لا في كونهما قرآنا فأمَّا (البسملة) فليست آية في التوبة اتفاقاً ، وهي بعض آية من سورة النمل اتفاقاً ، و(آية من أول كل سورة على الصحيح) من المذاهب ، وهو مذهب جمهور السلف ، والشافعية ، وابن كثير قاري مكَّة ، وقالون اثبت قراءة المدينة ، وعاصم والكسائي من قرآء الكوفة لإجماع العترة من آل محمَّد ، والاتفاق على إثباتها في أوائل السور غير التوبة خطًّا في المصحف(1)ولما روي في الأحكام عنه أنه قال :((كل صلاة لا يجهر فيها بـ?بسم الله الرحمن الرحيم?فهي آية اختلسها الشيطان)) والآيات تخص بالقرآن
وهي في أمالي أحمد بن عيسى عليهما السلام بإسناده إلى جعفر بن محمَّد عن آبائه (عليهم السلام) عن علي عليه السلام أنه قال : آية من كتاب الله تركها الناس ?بسم الله الرحمن الرحيم?
وأخرج ابن خزيمة والبيهقي في المعرفة بسند صحيح من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : استرق الشيطان من الناس أعظم آية من القرآن ?بسم الله الرحمن الرحيم?
والبيهقي في الشعب ، وابن مردويه بسند حسن من طريق مجاهد عن ابن عباس قال : أغفل الناس آية من كتاب الله عز وجل لم تنزل على أحد سوى النبي إلا أن يكون سليمان بن داود ?بسم الله الرحمن الرحيم?
والدار قطني والطبراني في الأوسط عن بريدة قال : قال رسول الله :((لا أخرج من المسجد حتى أخبرك بآية لم تنزل على نبي بعد سليمان غيري ، ثم قال : بأي شيءٍ تفتتح القرآن إذا افتتحت الصلاة ؟ قلت : ?بسم الله الرحمن الرحيم?قال : هي ، هي)) .
__________
(1) ـ وأمَّا كتابة أسماء السور وأعداد الآي ، والكلمات ، والحروف ، فلم يكن في زمن جمع القرآن وكتابة المصاحف ، وإنما هي حادثة ابتدعها المتأخرون ، ووقفت على مصحف في مسجد الشهيدين بصنعاء بخط كوفي يروى أنه من عهد الصحابة غير مرسوم فيه ذلك إهـ(1/59)
وأخرج الواحدي بالإسناد إلى عكرمة والحسن قال : أول ما نزل من القرآن ?بسم الله الرحمن الرحيم? أول سورة اقرأ باسم ربَّك الذي خلق . والواحدي عن نافع عن ابن عمر قال : نزلت ?بسم الله الرحمن الرحيم? في كل سورة .
وروى عن عبد الله ابن المبارك أنه قال : من تركها فقد ترك مائة وثلاثة عشرة آية . وغير ذلك من الأخبار (1)الصحيحة الصريحة .
فإن قيل : فما وجه ما روي عن أبي هريرة أن النبي قال في سورة الملك أنها ثلاثون آية ، وفي سورة الكوثر أنها ثلاث آيات ، مع أن العدد الحاصل بدونها ؟
فقد أجيب : بأنه أراد ما هو خاصة السورتين ، فإن البسملة كالشيء المشترك فيه بين السور ، ثم إن سلم رجحت أخبارنا بما تقدم ، والله سبحانه أعلم
[ المحكم والمتشابه ]
(وا) علم أن في القرآن محكماً ومتشابهاً قال تعالى ?منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات?[ آل عمران آية 7] أي المحكمات أصل الكتاب ، بمعنى أن المتشابه يرد إليها ،
__________
(1) ـ نحو ما رواه الشافعي عن أم سلمة أنها قالت : قرأ رسول الله فاتحة الكتاب فعد ?بسم الله الرحمن الرحيم? آية ، ?الحمد لله ربِّ العالمين? آية ، ?الرحمن الرحيم?ؤ آية ، ?ملك يوم الدِّيْن?ؤ آية ، ?إيَّاك نعبد وإيَّاك نستعين? آية ، ?اهدنا الصراط المستقيم? آية ، ?صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين آية تمت منه(1/60)