الكتاب : كافل الطبري |
كتاب
شفاء غليل السائل عَمّا تحمله الكافِل
تأليف
سيدنا الفقيه الفاضل العلم العلامة الكامل صدر الأواخر والأوائل جمال الهدى والدين علي بن صلاح بن علي بن محمد الطبري بل الله ثراه وأحسن مثواه ونفع به المسلمين ويسّره على الطلبة الراغبين وقد وشِّي الكتاب ببعض حواشي للشارح موجودة في الأصل المنقول منه إن كانت من المؤلف قلنا في آخرها تمت منه وإن كانت من غيره قلنا تمت
تحقيق
عبد الكريم عبد الله الضوء
حسين أحمد العشيري
خطبة الكتاب(1/1)
أحمد من شرح (1) صدورنا لمعرفة الفروع بالأصول ، وتلقانا بالإِصلاح والقبول ، وفتح لنا أبوب الهداية ، وأشعل لنا أنوار جوهرة الدراية ، وأوضح لنا متن منهاج النجاة ، والوصول إلى منتهى كل أمنية وغاية ، وتفضل علينا بتوضيح العلم والتنقيح ، وتمييز سقيم الدليل من الصحيح ، هو الكافل بنجاتنا من بحور الغرق ، بركوب سفينة أشرف الفرق ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدة لا شريك له شهادة من علم أن الأحكام منحصرة في الحلال والحرام ، وأن السنة والكتاب من الحكمة (2)وفصل الخطاب (3) أمرنا بالإجماع عند حقيقتهما ، وشرع القياس ، ونهانا عن مجاز غير مجازهما ، ومجمل الإِلباس ، وميزنا بفهم منطوقهما (4)والترجيح ، وحبانا باستنباط جواهر نصهما والتلميح ، وخصنا بعموم الألاء ، ونبهنا على تقييد مطلقها بشكره تعالى ، فنسخ عنا رذيلة رداء التقليد بجمال لباس محكم الكتاب المجيد ، وأشهد أن سيدنا محمَّدا الأمين عبده ورسوله ، بما فيه نجاتنا يوم الدين صلى الله [وسلم] عليه وعلى آله الطاهرين .
__________
(1) ـ فيه براعة الاستهلال وإشارة مع التورية إلى أمهات الكتاب وأبواب الفن المذكورة في المختصر والله أعلم إهـ تمت منه
(2) ـ لأن الحكمة علم الشريعة ، وكل كلام وافق الحق ، وقال ابن عباس علم القرآن ناسخه ومنسوخه ، ومحكمه ومتشابهه ، ومقدمه ومؤخره ، وحلاله وحرامه ، وأمثاله وعبره
(3) ـ فصل الخطاب الخطاب المفصول الذي يتبينه من يخاطب به ، أو الفاصل بين الحق والباطل ، وفي القاموس : هو الحكم بالبينة ، أو اليمين ، أو الفقه في القضاء ، أو النطق بأما بعد ، والله أعلم.تمت منه
(4) ـ في نسخة الأم منطقهما(1/2)
(أما بعد) فإني لما رأيت الناس عالة (1)على الأصول لجمعها المنقول والمعقول ، وإقبالهم على الكافل بنيل السول لاختصاره وإيجازه وجمعه نفيس درر المسائل وإحرازه ، أحببت أن أعلق عليه ما به ينحل معقوده ومعانيه ، ويتضح منضوده ومبانيه ، وتحيى رسومه ومغانيه ، ليس بالطويل الممل ، ولا بالقصير المخل ، واضعاً كل شيءٍ إن شاء الله تعالى في محله ، مقتصراً على ما قصد غالباً من بيان المختار ودليله ، مشيراً إلى دفع شبهة الخصم وتعويله ، فالله أسأل أن يصلي ويسلم على نبينا محمَّد وآله ، وأن ينفع به الطالب ، ويسهله على الراغب ، وأن يجعله لنا من السعي المشكور ، الموجب للأجر الموفور ، ومن التجارة الرابحة التي لن تبور ، فإنه هو القدير الشكور ، العزيز الغفور ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم
وهذا أوان الابتداء ، والله المستعان في الابتداء والانتهاء .
__________
(1) ـ العالة في الأصل الإفتقار ولكن لما عديت بعلى صار معناها الاعتماد(1/3)
قال :(بسم الله الرحمن الرحيم) وجه البداية بالتسمية التأسي بقوله تعالى ?بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله ربِّ العالمين?[ الفاتحة ] وقوله :((كل أمر ذي بال لم يذكر اسم الله عليه فهو أبتر))(1) الخبر المشهور ومعنى ((ذي بال)) مقصود فعله ، لا أن لم يكن مقصوداً كطرف العين ، والحركة اليسيرة . والإِجماع فإنه لا خلاف بين المسلمين في شرعية البداية باسم الله تعالى ، والأنسب تقدير متعلق الظرف من جنس ما جعلت التسمية مبدأ له من القراءة والتأليف لدلالته على تلبس كل الشروع فيه ابتدائه وانتهائه بالتسمية ولذا قال تعالى ? إقرأ بسم ربِّك الذي خلق?[العلق 1] وقال :((باسمك (2)ربِّي وضعت جنبي ، وباسمك ربِّي أرفعه))(3) وقال :((باسمك أحيا ، وباسمك أموت))
__________
(1) ـ قال في الغاية أخرجه الحافظ عبد القادر بن عبد الله الرهاوي في الأربعين عن أبي هريرة عنه : أنه قال كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع
(2) ـ والأنسب تقدير المتعلق متأخراً ليفيد مع الاهتمام الحصر ، لأن المشركين كانوا يبدؤون بأسماء آلهتهم فيقولون : بسم اللات ، باسم العزى . فقصد الموحد تخصيص اسم الله تعالى بالابتداء للاهتمام والرد عليهم ، وأمَّا قوله تعالى :?إقرأ بسم ربِّك الذي خلق? فإمَّا لأن الأهم فيه القراءة ، وإمَّا لأنه متعلق باقرأ الثاني ، واقرأ الأول منزل منزلة اللازم - أي أوجد القراءة - ، وإمَّا أن يتعلق بسم الله باقرأ الأول ، وباسم ربِّك باقرأ الثاني على الصحيح من كون البسملة آية من السورة .تمت منه
(3) ـ في الأم باسمك إني ولم أعثر عليها بهذا بل الموجود باسمك ربي وقد أصلحناها(1/4)
(الحمد لله) الحمد هو الوصف بالجميل على الجميل الاختياري ، فالوصف إشارة إلى المحمود به ، وهو ما وقع به الحمد ، وبه تخرج سائر شعب الشكر من فعل الجنان والأركان ، وبالجميل يخرج الاستهزاء ، وعلى الجميل إشارة إلى المحمود عليه الباحث على الحمد ، والجميل أعم مما في نفس الأمر أو في نظر الحامد والمحمود ، فلا نقض بمدح السلاطين بما هو ظلم في الحقيقة ، والمراد من الاختياري هو الصادر بالاختيار ، وما وقع على غير الاختياري كحمد الله على صفاته الذاتية ، فلتنزيله منزلة الاختياري إما لاستقلال الذات فيه أي لما كان ذاته تعالى كافياً فيهاكانت بمنزلة الاختيارية التي يستقل بها فاعلها ، فأطلق الاختياري على ما يعمها تغليباً ، أو باعتبار كونها مبادئ أفعال اختيارية ، والجلالة اسم للذات الواجب الوجود المستجمع لصفات الكمال (1)ولذا لم يقل للخالق ، أو الرازق ، أو نحوه مما يوهم اختصاصه بوصف دون وصف ، وأردف
__________
(1) ـ لكنه عند النحاة علم ، والعلم مختصر الصفات ، بمعنى أنك إذا ذكرته فكأنك ذكرت جميع صفاته المختصة به ، وعند أهل البيت (عليهم السلام) وسائر المحققين اسم بازاء مدح كذلك غير علم ، وهو الحق ، ووجهه أن العلم موضوع لتمييز ذات من جنسها ، والله تعالى لا جنس له ، ولأنه موضوع للغائب ليفيد تمييزه عن مشاركة وتشخيصه في نفسه ، وهو كالإشارة الحسية إلى الحاضر ، فإذا كان الشيءحاضراً كان تمييزه عن سائر أنواعه بالإشارة الحسية ، وإذا غاب تعذرت فوضع له اللقب ليميزه عن سائر أنواعه ، فيكون ذلك اللقب عوضاً عن الإشارة الحسية حال الحضور ، وقد ثبت استحالة الإشارة الحسية في حقه تعالى ، فيستحيل عليه تعالى عوضها ، كذا قيل ، ويؤيده حكم صاحب الكشاف في تفسير ?ذلكم الله ربِّي? بأنه صفة مع إجماعهم أن العلم لا يوصف به وإن نقض كلامه في أوله بأن هذا الآسم الجليل لا يوصف به واستدل به على علميته، والذي أرى أنه في الآية خبر ?ذلكم?تمت منه(1/5)