فأخرجه الطبراني في الصغير (1)، والأوسط (2)، والبيهقي (3)، من طريق يحيى بن سعيد بن سالم القداح، قال: حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي روَّاد، عن أبيه، عن نافع، عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إنا معاشر الأنبياء أمرنا بثلاث: بتعجيل الفطر، وتأخير السحور، ووضع اليمنى على اليسرى في الصلاة )). اللفظ للطبراني.
تقييم الحديث
هذا الحديث لا يصح الاعتماد عليه؛ لما فيه من علل توجب سقوطه، وسوف ألخصها فيما يلي:
الأولى ـ الذي يظهر أن هذا الحديث لم يُرْوَ عن ابن عمر أصلاً، وإنما غلط في نقله بعض الرواة، فقد أثار الطبراني الشك حول هذا الحديث، فقال في (الأوسط): لا يروى عن ابن عمر إلا من هذا الوجه.
وقال في (الصغير): لم يروه عن نافع إلا عبد العزيز، ولا عنه إلا ابنه، انفرد به يحيى بن سعيد القداح.
أقول: وكل واحد من هؤلاء ضعيف.
وجاء البيهقي ليؤكد أن هذا الحديث: ((تفرد به عبد المجيد وإنما يعرف بطلحة بن عمرو ـ وليس بالقوي ـ عن عطاء عن ابن عباس، ومرة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ))(4).
ويؤكد ابن حبان ذلك فيقول في عبد العزيز بن أبي رواد: روى عن نافع أشياء لا يشك مَنْ الحديث صناعته ـ إذا سمعها ـ أنها موضوعة، كان يحدث بها توهماً لا تعمداً، ومن حَدَّث على الحسبان وروى على التَّوهم حتى كثر ذلك منه سقط الاحتجاج به، وإن كان فاضلاً في نفسه (5).
واتهم ابن عدي في ذلك عبد المجيد، فقال: يروي عن أبيه، عن نافع، عن ابن عمر، وكل هذه الأحاديث غير محفوظة (6).
الثانية ـ أن أكثر رواته ممن تُكُلِّمَ فيه.
* ففيه عبد العزيز بن أبي رواد. رُوي عن يحيى القطان أنه قال عنه: كذاب(7)
__________
(1) المعجم الصغير 1/176 رقم (279).
(2) المعجم الأوسط 4/41 (3053).
(3) السنن الكبرى 2/29.
(4) السنن الكبرى 2/29.
(5) المجروحين 2/136 ـ 137.
(6) الكامل في الضعفاء 5/1984.
(7) تهذيب الكمال 18/286.(1/41)


وقال علي بن الجنيد: كان ضعيفاً وأحاديثه منكرات (1).
وذكره ابن عدي في الضعفاء وقال: في بعض رواياته ما لا يتباع عليه (2).
وذكره العقيلي في الضعفاء، وروي عن سفيان الثوري أنه قال: مات على بدعته، وروي أنه جاء عكرمة بن عمار إلى ابن أبي رواد فدق عليه الباب فقال: أين الضال (3).
* وفيه عبد المجيد بن عبد العزيز، قيل كان من غلاة المرجئة، اشتهر عنه أنه كان يقول: الإيمان قول.
قال الدارقطني: لا يحتج به، يعتبر به، وأبوه أيضاً لين، والابن أثبت، قيل: إنه مرجئ، ولا يعتبر بأبيه، يترك (4).
وقال ابن حبان: منكر الحديث جداً، يقلب الأخبار، ويروي المناكير عن المشاهير فاستحق الترك(5).
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: ليس بالقوي يكتب حديثه، كان الحُميدي يتكلم فيه(6).
وقال البخاري: كان يرى الإرجاء، كان الحميدي يتكلم فيه(7). وقال: في أحاديثه بعض اختلاف، لا يعرف، له خمسة أحاديث صحاح(8).
وذكره العقيلي في الضعفاء، وقال: حدثنا أحمد بن علي، قال: سألت محمد بن يحيى بن أبي عمر عن عبد المجيد فقال: ضعيف(9).
وقال الخزرجي: قال أحمد ويحيى: يغلو في الإرجاء(10).
وقال عبد الرزاق ـ حين بلغه موته ـ: الحمد لله الذي أراح أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم من عبد المجيد(11).
* وفيه يحيى بن سعيد القداح، قال الهيثمي: ضعيف(12).
وقال الدار قطني: ليس بالقوي(13). وقال الذهبي: له مناكير(14).
__________
(1) تهذيب التهذيب 6/302.
(2) الكامل في الضعفاء 5/1929.
(3) الضعفاء الكبير 3/8.
(4) تهذيب الكمال 18/275.
(5) المجروحين 2/160 ـ 161.
(6) الجرح والتعديل 6/64 ـ 65.
(7) التاريخ الكبير 6/112.
(8) ميزان الاعتدال 2/648.
(9) الضعقاء الكبير 3/96.
(10) الخلاصة 243.
(11) تهذيب التهذيب 6/340.
(12) مجمع الزوائد 3/155.
(13) لسان الميزان 6/257.
(14) ميزان الاعتدال 4/378.(1/42)


وذكره العقيلي في الضعفاء، وقال: في حديثه مناكير(1).
الثالثة ـ أنه قد نص بعض المحدثين على ضعف الحديث، قال الشوكاني: ضعفه العقيلي(2). فلعله ضعفه لعلة أخرى غير ما ذكرنا.
وأما حديث أبي هريرة
فأخرجه الدارقطني(3) من طريق النضر بن إسماعيل، عن ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أمرنا معاشر الأنبياء أن نعجل إفطارنا، ونؤخر سحورنا، ونضرب بأيماننا على شمائلنا في الصلاة )).
تقييم الحديث
في حديث أبي هريرة هذا علتان تمنعان الاحتجاج به:
الأولى ـ أن في إسناده من تُكُلِّم فيه، ففيه: ابن أبي ليلى، وهو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى.
قال ابن حبان: كان رديء الحفظ، كثير الوهم فاحش الخطأ، يروي الشيء على التوهم، ويحدث على الحسبان فكثرت المناكير في روايته، فاستحق الترك. وتركه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين(4).
وكان زائدة لا يروي عن ابن أبي ليلى، وكان قد تركه ويأمر بترك حديثه(5).
وكان شعبة يقول: ما رأيت أحداً أسوأ حفظاً من ابن أبي ليلى(6).
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه: كان سيء الحفظ مضطرب الحديث(7).
وقال الجوزجاني: سيء الحفظ(8).
وعن ابن المديني: كان سيء الحفظ واهي الحديث(9).
وقال الساجي: كان سيء الحفظ لا يتعمَّد الكذب، فكان يُمدح في قضائه، فأما في الحديث فلم يكن حجة(10).
وقال أبو حاتم: محله الصدق، كان سيء الحفظ، شُغِل بالقضاء فساء حفظه، لا يتهم بشيء من الكذب إنما ينكر عليه كثرة الخطأ، يكتب حديثه ولا يحتج به(11).
__________
(1) الضعفاء الكبير 4/404.
(2) نيل الأوطار 2/200.
(3) سنن الدارقطني 1/284.
(4) المجروحين 2/244.
(5) الجرح والتعديل 7/322. والضعفاء الكبير 1/162.
(6) الجرح والتعديل 7/322.
(7) الجرح والتعديل 7/323.
(8) أحوال الرجال 71 (86).
(9) تهذيب التهذيب 9/303.
(10) تهذيب التهذيب 9/303.
(11) الجرح والتعديل 7/323.(1/43)


وقال النسائي: ليس بالقوي(1). وقال الدارقطني: كان رديء الحفظ كثير الوهم.
وقال ابن جرير الطبري: لا يحتج به. وقال أبو أحمد الحاكم: عامة أحاديثه مقلوبة.
وقال ابن خزيمة: ليس بالحافظ وإن كان فقيهاً عالماً(2).
* وفيه: النظر بن إسماعيل، قال ابن حبان: كان ممن فحش خطأه وكثر وهمه فاستحق الترك من أجله(3).
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عنه، فقال: لم يكن يحفظ الإسناد(4).
وقال عباس الدُّوري ويعقوب بن شيبة عن يحيى بن معين: ليس بشيء(5).
وقال أبو عبيد الآجرِّي عن أبي داود: تجيء عنه مناكير(6).
وقال أبو زرعة(7) والنسائي(8): ليس بالقوي.
وذكره العقيلي(9)وابن عدي في الضعفاء(10).
الثانية ـ ما أشار إليه البيهقي من أن هذا الحديث يعرف بطلحة بن عمرو المكي، وقد اضطرب في روايته، فرواه تارة عن ابن عباس، وتارة عن أبي هريرة، وتارة عن ابن عمر، لا سيما وأن طلحة شيخ النضر بن إسماعيل كما ذكر المزُِّي، فيحتمل أنه أخذه منه، ثم رواه من طريق أخرى؛ لأنه لم يكن يحفظ الإسناد كما قيل.
وأما حديث يعلى بن مُرَّة
رواه الطبراني في الكبير(11)، من طريق عبد الرحمن بن مسلمة الرازي، حدثنا أبو زهير عبد الرحمن بن مغراء، عن عمر بن عبد الله بن يعلى، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((ثلاث يحبها الله: تعجيل الفطر، وتأخير السحور، وضرب اليدين إحداهما بالأخرى في الصلاة )).
تقييم الحديث
__________
(1) الضعفاء والمتروكين ترجمه 214 رقم (550).
(2) تهذيب التهذيب 9/303.
(3) المجروحين 3/51.
(4) العلل ومعرفة الرجال 2/256.
(5) تاريخ بغداد للخطيب 13/433.
(6) تهذيب التهذيب 10/388، ميزان الاعتدال 4/255.
(7) الجرح والتعديل 8/474.
(8) الضعفاء والمتروكين الترجمة 236 (624).
(9) الضعفاء الكبير 4/290.
(10) الكامل في الضعفاء 7/2491.
(11) المعجم الكبير 22/263 رقم (686).(1/44)


مدار هذه الرواية على عمر بن عبد الله بن يعلى، عن أبيه، وهما ضعيفان جداً.
* فأما عمر بن عبد الله، فقال الدار قطني: متروك(1).
قال أحمد والنسائي وابن معين وأبو حاتم والساجي: منكر الحديث(2).
وقال ابن معين أيضاً: ليس بشيء(3).
وقال البخاري: يتكلمون فيه(4).
وقال أبو زرعة: ليس بالقوي. قيل له: فما حاله؟ قال: أسأل الله السلامة(5).
وقال أبو نعيم: رأيت عمر بن عبد الله فما أستحل أن أروي عنه(6).
وقال جرير بن عبد الحميد: كان يشرب الخمر(7).
وقال زائدة: رأيته يشرب الخمر(8).
وذكره العقيلي وابن عدي والدار قطني في الضعفاء(9).
وقال ابن حبان: منكر الرواية عن أبيه، وقال روى ـ نسخة أكثرها مقلوب ـ عن أبيه عن جده(10). وهذا الحديث من تلك النسخة كما ترى.
وقال الذهبي: ضعَّفوه(11).
* وأما عبد الله بن يعلى بن مرة، فقال البخاري: فيه نظر(12).
وإذا قال البخاري: فيه نظر لأي رجل فهو ممن لا يحتج بحديثه، ولا يستشهد به، ولا يصلح للاعتبار(13).
وقال ابن حبان: لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد، لكثرة المناكير في روايته، على أن ابنه واهٍ أيضاً، فلست أدري البلية فيها منه أو من أبيه(14).
وقال الذهبي: ضعَّفه غير واحد(15).
وقال الدار قطني: لا يعرف إلا بابنه عمر(16).
__________
(1) تهذيب الكمال 21/420.
(2) تهذيب الكمال 21/420.
(3) ميزان الاعتدال 3/211. تهذيب التهذيب 7/414.
(4) التاريخ الكبير 6/170.
(5) الجرح والتعديل 6/118.
(6) المجروحين 2/91.
(7) الكامل في الضعفاء 5/1693.
(8) ميزان الاعتدال 3/211.
(9) الضعفاء للعقيلي 3/176، الضعفاء والمتروكين للدار قطني 183، الكامل في الضعفاء 5/1693.
(10) المجروحين 2/91.
(11) الكاشف 2/274.
(12) الضعفاء الكبير للعقيلي 2/318.
(13) تحفة الأحوذي 2/87.
(14) المجروحين 2/92.
(15) ميزان الاعتدال 2/528.
(16) الضعفاء والمتروكين، ترجمة عمر بن عبد الله 128 (397).(1/45)

9 / 20
ع
En
A+
A-