* وقال العلامة عبد الله بن مفتاح (المتوفى 877هـ) في (شرح الأزهار) عند ذكر مفسدات الصلاة وأثناء الكلام على كون الفعل الكثير مفسداً، ما لفظه: (( قال المؤيد بالله - واختاره الإمام يحيى -: إن الكثير: ما وقع الإجماع على كونه كثيراً. قال الفقيه يحيى: ولو اختلفوا هل هو مفسد أم لا؟ فلا عبرة بهذا الخلاف بعد إجماعهم على كثرته، كوضع اليد على اليد ))(1).
* واعتبره العلامة صارم الدين الوزير (المتوفى 941هـ) من الفعل الكثير المفسد للصلاة، فقال: ومنه وضع اليمنى على الشمال مطلقا(2).
* ورجح العلامة صلاح بن أحمد المهدي المؤيدي (المتوفى 1044هـ) كون الضم مفسد للصلاة(3).
* وذكر العلامة محمد بن القاسم الوجيه (المتوفى 1418هـ) أن العمل بالإرسال وخلاف الضم اشتهر عن الزيدية(4).
فهذه نبذة من أقوال أئمة وعلماء الزيدية، من قبل عصر الإمام الهادي، ومن مختلف العصور تبين ما كانوا عليه في هذه المسألة، أما علماء الزيدية المعاصرين فنحن نشاهدهم يرسلون أيديهم في الصلاة ويفتون بذلك.
الروايات المخالفة للمشهور عن الزيدية
لقد أتاح المذهب الزيدي لأتباعه حرية النظر والترجيح في مختلف المسائل الفرعية وذلك عندما يكون المرجح أهلا للنظر والاجتهاد، وتلك ميزة تسجل للمذهب الزيدي وتحمد له، وعلى هذا فلا حرج أن يختار بعض علماء الزيدية لنفسه العمل بهذه المسألة أو تلك، ولكنَّ غير المقبول هو أن يلزم أحد سواه باجتهاده، أو يجعل مما توصل إليه مذهباً لعموم الزيدية، ثم يعمد إلى تطويع نصوص الأئمة ويكثر التمحلات لترجيح ما ذهب إليه.
__________
(1) شرح الأزهار 1/266.
(2) هداية الأفكار -خ – 53.
(3) لطف الغفار الموصل إلى هداية الأفكار -خ – 1/ 497.
(4) المنهاج السوي شرح منظومة الهدى النبوي 59.(1/6)


وهذا ما فعله بعض علماء الزيدية المتأخرين في مسألة الضم والإرسال، وكان العلامة محمد بن إسماعيل الأمير من أكثر هم المتحمسين لإلزام الزيدية بفعل الضم في الصلاة، فقد قال في بحث له سماه: (المسائل الثمان)، ما لفظه: "الضم هو مذهب زيد بن علي، وأحمد بن عيسى حفيده، قال في (البحر): قال زيد وأحمد ين عيسى إن وضع اليد على اليد بعد التكبيرة مشروع، استوفى الهادي دليل هذا القول وكان يذهب إليه ، وقد عد رواته في ضوء النهار من عشرين طريقا، فإذا كان مذهب زيد بن علي تعين على من يدعي أنه زيدي المذهب أن يفعله في صلاته وإلا فليس بزيدي" أهـ.
وقد اخترت كلام العلامة الأمير للتعليق عليه هنا؛ لأن مخالفي الزيدية في هذه المسألة يروجون له كثيراً، وفيه من الأوهام ما لا بد من الكشف عنه.
أما نسبة الضم إلى الإمام زيد، فلا بد من التنبيه هنا على أن ما يذكر عن الإمام زيد من القول بمشروعية الضم مصدره الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى(1)، وهو إنما أراد أن الإمام زيد يرى أن الصلاة لا تفسد بفعله، لا أنه كان يفعله، ويؤكد ذلك أن الغمام المهدي أورده مقابل القول بأن الضم يبطل الصلاة.
وقد يحتج بعض الناس على اعتبار الضم مذهباً للإمام زيد بما ورد في (مسنده)، ولفظه: "قال أبو خالد رحمه الله: حدثني زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام، أنه قال: ثلاثٌ من أخلاق الأنبياء تعجيل الإفطار، وتأخير السَّحور، ووضع الكف على الكف تحت السرة )(2).
وقد استشهد بهذه الرواية على شرعية الضم كل من الإمام محمد بن المطهر في (المنهاج الجلي) (3). والعلامة السياغي في (الروض النضير) (4).
ولكن أكثر الزيدية ينكرون أن يكون فعل الضم مذهباً للإمام زيد، ويقولون: إن ما ورد في (المسند) لا يدل عليه، لعدة أمور:
__________
(1) أنظر البحر الزخار 2/241 ـ 242.
(2) مسند الإمام زيد 205.
(3) المنهاج الجلي شرح مجموع زيد بن علي ـ خ ـ .
(4) الروض النضير 3/17.(1/7)


الأول ـ أن الحديث ليس فيه ذكر الصلاة، ومن ادعى أنه في الصلاة فعليه الدليل الصحيح، ولعل إيراده في باب الصيام قرينة صارفة عن أن يكون المراد به في الصلاة.
قال شيخانا العلامة بدر الدين الحوثي حفظه الله: ((ليس في (المجموع) ذكرُ أنَّه في الصلاة ولا ينصرف إليها إلا بدليل، فإن ثبت أن الضم فيها للأنبياء بدليل آخر، انصرف إليها، وإلا كان الظاهر الإطلاق، وأنه أدب في العادة المعهودة للناس، التي هي الضم بدون تقييد كونه في الصلاة، فينبغي لمن يضم وراء ظهره أو على صدره أو يجعل اليسرى على اليمنى؛ أن يرجع إلى هذا الخُلُق النبوي ويترك العادة المخالفة له )) (1).
ويؤيد ذلك: أنه ورد بلفظ (أخلاق الأنبياء)، ولفظ (الأخلاق) يستعمل للآداب العامة في غير الصلاة، وفي ذلك ما روى البخاري من طريق محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إحدى صلاة العَشِيّ - قال ابن سيرين: قد سماها أبو هريرة، ولكن نسيت أنا - فصلى بنا ركعتين، ثم قام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان، ووضع يده اليمنى على اليسرى(2).
الثاني: أنه قد اشتهر عن الزيدية الإرسال في الصلاة، وهم أعرف بمذهب إمامهم واشد تمسكا به، وحديث (المجموع) عندهم صحيح، فلو كان الضم في الصلاة مفهوماً من الحديث، أو قولاً معروفاً للإمام زيد، لتسابقوا إلى فعله إذ ليس ثَمَّ ما يدعوهم لمخالفته لو كان مشروعاً.
الثالث: أن الرواية عن الإمام علي، ولو سُلم أن المراد بها (الضم في الصلاة)، فقد وجد قرائن تدل على أن ذلك في غير الفريضة.
منها: أن البخاري حينما روى الضم عن الإمام علي رواه في (باب الاستعانة)، أحد أبواب صلاة التهجد من صحيحه(3).
__________
(1) تحرير الأفكار 419.
(2) أخرجه البخاري 1/206، وأبو داود، وابن ماجة والنسائي، كما في تحفة الأشراف 10/342
(3) صحيح البخاري 2/138.(1/8)


ومنها: أن ابن حزم حكى ذلك عن علي عند التطويل، فقال: كان ـ يعني علياً ـ إذا طول قيامه في الصلاة يمسك بيده اليمنى ذراعه اليسرى، من أصل الكف إلا أن يسوي ثوباً أو يحك جلداً(1).
ومنها: أن ذكر الوضع مع الفطور والسحور فيه إشارة إلى ما يفعله الصائم بين ذلك من تهجد وقيام.
وأما نِسْبَة الضم إلى الإمام أحمد بن عيسى فإذا لم يكن من قبيل ما ذكرنا عن الإمام زيد فهو وهم؛ لأن الثابت عنه غير ذلك، فقد جاء في كتاب الحافظ محمد بن منصور المرادي المسمى: (آمالي أحمد بن عيسى) قوله : (( إذا كبَّرت فأرسل يديك حتى تقع كفّاك على فخذيك )). وقال: رأيت أحمد بن عيسى بن زيد بن علي حين كبرَّ في أول الصلاة أرسل يديه على فخذيه وهو قائم، ولم يضع واحدة على الأخرى. وقد تقدم.
وأما اعتماد العلامة الأمير على ما في (البحر)، فقد تقدم وجهه، إلى جانب أن مؤلفه رجح ترك الضم فقال: تركه أحوط(2).
وأما قوله: أن الهادي استوفى دليله وكان يذهب إليه. فهو خلاف المعلوم عند الجميع، فإذا لم يكن غلطاً من الناسخ فهو سهو من العلامة الأمير.
وأما اعتماده على ما ذكر العلامة الجلال، حيث قال: وقد عد رواته في (ضوء النهار) من عشرين طريقاً. فنقول: نعم، ولكنه لم يعد منها طريقاً واحداً من طرق أهل البيت، فهو استشهاد في غير محله؛ لأن النزاع في دعوى نسبة ذلك إليهم، وما أورد من الروايات فهي من طرق مثبتي الضم، وعلى حسب أصولهم فكيف يلزم بها مخالفيهم. هذا إلى جانب أن الجلال نفسه اعترف بضعفها، وإنما اعتبرها "لشهادة بعضها لبعض"، على حد قوله(3).
__________
(1) المحلى بالآثار 3/30.
(2) البحر الزخار 2/241 ـ 242.
(3) ضوء النهار 544 ـ 545.(1/9)


مع أننا لا نسلم أنها رويت من عشرين طريقاً، كما سيأتي توضيح ذلك، ولا نسلم شهادة بعضها لبعض؛ لأن ذلك لا يكون إلا فيما كان متحد المعنى متقارب الدلالة، وليس الحال كذلك في الأحاديث المذكورة، فإن فيها من الاختلاف في اللفظ ما يجعلها ذات معان مختلفة، فلا تصح شهادة بعضها لبعض.
وأما إلزامه للزيدية بهذا المذهب، بقوله: فإذا كان مذهب زيد بن علي تعين على من يدعي أنه زيدي المذهب أن يفعله في صلاته وإلا فليس بزيدي.
فإننا نقول: قد تقدم أنه ليس مذهب الإمام زيد فلا يتعين على أحد من الزيدية فعله، ثم أن نسبة الزيدية إلى الإمام الأعظم زيد بن على ليس على أساس اتباعه في مسألة فرعية، ولكن على أساس الانتماء إلى أصل الفكر، الذي من مبادئه: التوحيد والعدل، وما يلحق بهما من مسائل النبوة والوعد والوعيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والولاء لأهل البيت.
ومما يثار في هذا الجانب أن جماعة من العلماء المحسوبين في الزيدية قد اختاروا الضم ورجحوه، كالحافظ محمد بن إبراهيم الوزير(1)، والعلامة الجلال(2) والعلامة السياغي(3)، والعلامة الحسن بن يحيى القاسمي(4).
والواقع أن من أختار العمل بالضم من المذكورين أو غيرهم، لم يختره على أساس أنه مذهب الزيدية؛ لعدم المستند في ذلك، ولكنهم اختاروه على أساس أنهم وجدوا ما يرجح شرعيته في نظرهم، ولكلٍ اجتهاده، والزيدية كمذهب غير ملزمة باجتهاد بعض المنتمين إليها إذا كان مبنياً على غير قواعدهم، كما هو الحال في هذه المسألة.
أدلة الزيدية على الإرسال
__________
(1) العواصم والقواصم 3/14.
(2) ضوء النهار 1/544.
(3) الروض النضير 3/17.
(4) المسائل النافعة ـ خ ـ 93.(1/10)

2 / 20
ع
En
A+
A-