وأما رواية ابن حزم ففيها أنه كان يفعل ذلك إذا طول قيامه.. وليس فيها تحديد موقع الوضع. وكثير ممن يحتج بهذه الرواية في باب الضم لا يذكر أن البخاري رواها في باب الاستعانة في الصلاة؛ لأن شيئاً من ذلك يدل على أن الضَّم إذا سُلِّم صحة شرعيته ليس إلا رخصة في النوافل عند التَّعب.
ما يروي عن أبي هريرة
روى أبو داود( )، والدار قطني( )، من طريق عبد الواحد بن زياد، عن عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي، عن سيار أبي الحكم( )، عن أبي وائل شقيق بن سلمة الأسدي، قال: قال أبو هريرة: أخذ الأكف على الأكف في الصلاة تحت السرة. هذا لفظ أبي داود.
ولفظ الدار قطني: وضع الكف على الكف في الصلاة من السُّنَّة.
وهذا الخبر يشتمل على عدة علل تمنع الاحتجاج به:
الأولى ـ أنه مختلف في لفظه، ففي رواية أبي داود: أخذ الأكف.. وفيها أن الضم يكون تحت السرة. وفي رواية الدار قطني وضع الكف.. وليس فيها تحديد مكان الوضع. وهذا الاختلاف يؤدي إلى اختلاف المعنى.
الثانية ـ أنه قد ضعفه كل من رواه من المحدثين، فأعله أبو داود والبيهقي بعبد الرحمن بن إسحاق. وقال أبو داود بعد حديث علي الآتي: وروي عن أبي هريرة وليس بالقوي.
وقال المباركفوري: حديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج ولا للاستشهاد ولا للاعتبار( ).
وقال أبو الطيب الأبادي: لا يصح الاحتجاج به( ).
وقال ابن عبد البر: لا يثبت عنه( ).
الثالثة ـ أن في إسناده ضعفاء. ففيه عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي، متروك الحديث متفق على ضعفه، وسيأتي الكلام عليه.
* وفيه شقيق بن سلمة، وهو أبو وائل، كان مع علي يوم النهروان، ثم مال عنه، قال عاصم بن بهدلة: قيل لأبي وائل: أيهما أحب إليك علي أو عثمان؟ قال: كان علي أحب إليَّ من عثمان، ثم صار عثمان أحب إليَّ من علي( ).
وذكر العجلي عن أبي بكر بن عياش أنه قال: كان أبو وائل علوياً، ثم صار عثمانياً( ).
ما يروي عن ابن الزبير(1/71)


أخرجه أبو داود( )، ومن طريقه البيهقي( )، حدثنا نصر بن علي، أخبرنا أبو أحمد، عن العلاء بن صالح، عن زرعة بن عبد الرحمن، قال: سمعت ابن الزبير يقول: صف القدمين ووضع اليد على اليد من السنة.
* فيه علاء بن صالح، قال ابن المديني: روى أحاديث مناكير( ).
وقال البخاري: لا يتابع( ). وقال الذهبي: ثقة يغرب( ).
* وفيه زرعة بن عبد الرحمن، لم يرو له أبو داود إلا هذا الحديث، ولم يوثقه غير ابن حبان( )، على عادته في توثيق المجاهيل.
وقد تقدم عن ابن الزبير القول بالإرسال، فلعل المراد بقوله هنا، الوضع في غير الصلاة.
ما يروي عن عائشة
أخرجه الدار قطني( )، والبيهقي( )، من طريق شجاع بن مخلد الفلاس، حدثنا هشيم، قال منصور: حدثنا عن محمد بن أبان الأنصاري، عن عائشة قالت: ثلاث من النبوة: تعجيل الإفطار، وتأخير السحور، ووضع اليد اليمنى على اليد اليسرى في الصلاة( ).
ورغم أن البيهقي قال: هو أصح ما ورد فيه( ). فإن فيه إلى جانب كونه موقوفاً عللاً تمنع من صحته، منها:
الأولى ـ أنه تفرد به محمد بن أبان، وهو مجهول لا يعرف إلا بهذا الحديث.
الثانية ـ أنه منقطع، قال البخاري ـ بعد ذكر الحديث ـ: لا يعرف لمحمد سماعاً (كذا) من عائشة( ).
وقال ابن حبان: من زعم أنه سمع من عائشة فقد وهم( ).
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني : إلا أن محمد بن إبان لا يعرف سماعه من عائشة، قال ذلك البخاري( ).
وأما منصور، فليس بمنصور بن المعتمر الثقة الحافظ، وإنما هو منصور بن زاذان، ذكر ذلك أبو حاتم( ).
فإذا كان هذا أصح ما روي في الباب على حد قول البيهقي، فكيف يكون حال غيره؟
ما يروي عن أبي بكر(1/72)


روى ابن أبي شيبة( )، ومن طريقه ابن المنذر( )، عن يحيى بن سعيد، عن ثور ، عن خالد بن معدان، عن أبي زياد مولى آل دراج، قال: ما رأيت فنسيت فإني لم أنس أبا بكر كان إذا قام في الصلاة قال هكذا.. فوضع اليمنى على اليسرى. هذا لفظ ابن أبي شيبة، ولفظ ابن المنذر: قام هكذا.. وأخذ يحيى بن سعيد بكفه اليمنى على ذراعه اليسرى لازقاً بالكوع.
وهذه الرواية ساقطة، فهي إلى جانب كونها موقوفة، فيها ضعيف ومجهول.
* ففيها أبو زياد مولى آل دراج، قال ابن حجر: لا يعرف، وقال الدار قطني متروك ( ).
* وفيه ثور بن يزيد، وقد تقدم الكلام عليه في حديث طاووس.
ما يروي عن أبي الدرداء
روى ابن المنذر( ) من طريق حجاج، قال: حدثنا حماد بن زيد، قال: حدثنا علي بن أبي العالية، عن مورق العجلي، أن أبا الدرداء قال: (( ثلاث من مناقب الخير: التَّبْكير بالإفطار، والتبليغ بالسحور، ووضع الأيدي على الأيدي في الصلاة )).
ورواه ابن أبي شيبة( ) حدثنا وكيع، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الأعمش، عن مجاهد، عن مورق العجلي، عن أبي الدرداء قال: من أخلاق النبيين وضع اليمنى على الشمال في الصلاة.
وأشار إليه الهيثمي في (المجمع)، وذكر أن الطبراني رواه في الكبير.
أقول: أما رواية ابن المنذر ففيها: علي بن أبي العالية، وهو مجهول غير معروف، إضافة إلى أن البخاري قال: إن روايته عن مورق مرسلة( ).
وأما رواية ابن أبي شيبة فقد عنعن فيها إسماعيل بن أبي خالد، والأعمش، وهما موصوفان بالتدليس( ).
هذا إضافة إلى علة أخرى وهي: الانقطاع، فإن مورق العجلي لم يصح له سماع عن أبي الدرداء، ذكر ذلك الذهبي( ).
ما يروي عن عبد الله بن جابر البياضي(1/73)


أخرج الطبراني في الكبير( )، وابن الأثير في (أسد الغابة)( )، من طريق هشام بن عمار، حدثنا عبد الله بن أبي سفيان ـ من أهل المدينة ـ قال: سمعت جدي عقبة بن أبي عائشة يقول: رأيت عبد الله بن جابر البياضي صاحب رسول الله يضع إحدى يديه على ذراعيه في الصلاة.
* فيه عبد الله بن أبي سفيان، مجهول لا يعرف.
* وفيه هشام بن عمار، قال فيه أبو حاتم: لما كبُر هشام تغير، فكلما دفع إليه قرأه، وكلما لُقِّن تلقن( ).
وقال أبو داود: حدث بأربعمائة حديث مسندة ليس لها أصل( ).
وقال أبو بكر الإسماعيلي عن عبد الله بن محمد بن سيار: كان هشام بن عمار يلقن، وكان يلقن كل شيء( ).
وقال أحمد: إن صلوا بعده فليعيدوا الصلاة.
وقال مسلمة: تُكُلِّمَ فيه( ).
وقال الذهبي: له مناكير، وروي عن أبي عبد الله أحمد ابن حنبل أنه قال: أعرفه طياشاً، قاتله الله( ).
وذكره ابن العجمي فيمن رمي بالاختلاط( ).
وقال الآجري: كان فضلك يدور بدمشق على أحاديث أبي مسهر، وأحاديث الشيوخ يلقنها هشام بن عمار، فيحدثه بها، وكنت أخشى أن يفتق في الإسلام فتقاً( ).
* وفيه عقبة، مجهول لم يوثقه أحد. وذكره البخاري( )، وابن أبي حاتم( ) ولم يزيدا على ذكر أنه روي عن عبد الله بن جابر وعنه عبد الله بن أبي سفيان.
ما روي في تفسير النحر
تكثَّر القائلون بشرعية الضم بروايات ضعيفة وشاذة في تفسير قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر}، رووا عن أنس وابن عباس وعلي، انهم فسورا النحر بوضع اليمنى على اليسرى عند القيام في الصلاة، وهنا سوف أقوم بعرض تلك الروايات ليكون المطلع على بينة.
فأما الرواية عن أنس
فرروى ابن حزم( ) عنه أنه قال: من أخلاق النبوة وضع اليمنى على الشمال تحت السرة.
قال المباركفوري: ((لم أقف على سند هذا الحديث، والعلماء الحنفية يذكرونه في كتبهم ويحتجون به، ولكنهم لا يذكرون إسناده، فما لم يعلم إسناده لا يصلح للاحتجاج ولا للاستشهاد ولا للاعتبار.(1/74)


قال صاحب (الدرة): وأما حديث أنس: (( من أخلاق النبوة وضع اليمين على الشمال تحت السرة ))، الذي قال فيه العيني: إنه رواه ابن حزم، فسنده غير معلوم لينظر فيه هل رجاله مقبولون أم لا ))( ).
وروى البيهقي( ) من طريق عاصم الأحول عن رجل عن أنس، مثل ما روي عن علي وابن عباس في تفسير: { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر } .
وهذه كما ترى في إسنادها مجهول، والمشهور عن أنس في تفسير النحر ما رواه ابن جرير قال: حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا هارون بن المغيرة، عن عنبسة، عن جابر، عن أنس بن مالك، قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينحر قبل أن يصلي، فأُمِرَ أن يصلي ثم ينحر( ).
وأما الرواية عن علي
فقد رواها ابن أبي شيبة( )، والدار قطني( )، والحاكم( )، والبيهقي( )، والبخاري في التاريخ( )، وابن جرير في التفسير( ) من طريق عاصم الجحدري، عن عقبة بن ظهير، أو ابن ضبيان أو ابن صبان، على خلاف في اسمه، عن علي، قال: { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } : هو وضع يمناك على شمالك في الصلاة. وفي رواية : وضع يده اليمنى على وسط ساعده على صدره.
هذه الرواية قد ضعفها المحدثون بعلل شتى:
الأولى ـ أنه قد ضعفها بعض المحدثين، فقال ابن كثير: هذا عن علي لا يصح( ).
وقال ابن التركماني: في سنده ومتنه اضطراب( ).
الثانية ـ أنها مضطربة المتن، فإنها قد رويت بلفظ: وضع يده على وسط ساعده على صدره. عند البخاري في التاريخ.
وبلفظ: وضع اليمين على الشمال في الصلاة. عند ابن أبي شيبة، وابن جرير في رواية. والحاكم، والدار قطني، والبيهقي في رواية.
وبلفظ: وضع يده اليمنى على وسط ساعده الأيسر، ثم وضعهما على صدره. عند البيهقي في رواية، وابن جرير في رواية.
وفي رواية أخرى في تاريخ البخاري: وضعها على الكرسوع.
الثالثة ـ أنها مضطربة السند، وذلك أن يزيد بن زياد رواها عن عاصم عن عقبة عن علي، كما عند ابن أبي شيبة، والبخاري في رواية.(1/75)

15 / 20
ع
En
A+
A-