وقال الزيلعي وأبو الطيب الأبادي: في سنده حجاج بن أبي زينب، فيه لين( ).
وأما حديث جابر بن عبد الله الأنصاري
فرواه الدار قطني( ) من طريق محمد بن الحسن الواسطي، عن الحجاج بن أبي زينب، عن أبي سفيان، عن جابر بن عبد الله، قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برجل وضع شماله على يمينه ـ مثله ـ . أي مثل حديث بن مسعود.
تقييم الحديث
من أقرب الاحتمالات أنه اشتبه على حجاج ـ رواي هذا الحديث ـ لفظ: أبي سفيان بأبي عثمان، خصوصاً مع تقارب اللفظين، وسوء حفظ الرجل، ولما كان أبو سفيان معروفاً بالرواية عن جابر رواه عنه، ولما كان أبو عثمان معروفاً بالرواية عن ابن مسعود رواه عنه. وقد تحدثنا عن هذا الاضطراب في حديث ابن مسعود السابق.
* وفيه حجاج بن أبي زينب وهو ضعيف، وقد تقدم الكلام فيه.
* وفيه أيضاً: محمد بن الحسن الواسطي المزني، ذكره ابن حبان في (المجروحين)، وقال: يرفع الموقوف، ويسند المراسيل( ).
* وفيه أبو سفيان، هو طلحة بن نافع القرشي مولاهم، أبو سفيان الواسطي، قال يحيى بن معين: لا شيء( ).
وقال ابن المديني: كانوا يضعفونه في حديثه( ).
وذكره العقيلي، وابن عدي( ) في الضعفاء.
وسئل أبو زرعة عنه فقال: أتريدون أن أقول: ثقة؟ الثقة شعبة وسفيان( ).
وقال أبو حاتم: أبو الزبير أحب إليَّ منه( ).
الروايات الموقوفة و ما في حكمها
من الأشياء المتفق عليها عند المحدثين أن الأخبار الموقوفة لا تعتبر أدلة، ولا تصلح للاحتجاج، وقد ورد في هذا الباب روايات موقوفة أو في حكم الموقوفة، أحببت أن أوردها إستكمالا للبحث، وتتميما للفائدة بالوقوف على حقيقتها.
وسأبدأ بذكر الروايات الواردة المختلف في كونها موقوفة أو مرفوعة، وهي ما جاء بصيغة : من السنة كذا.. أو أمرنا بكذا.. أو كان الناس يؤمرون بكذا.. ونحوها( )، فمن ذلك:
ما روي عن سهل بن سعد(1/66)
روى مالك( )، ومن طريقه أحمد( )، والبخاري( )، وابن حزم( )، وغيرهم من طريق أبي حازم بن دينار، عن سهل بن سعد، أنه قال: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة، قال أبو حازم: لا أعلم إلا أنه ينمي ذلك. ـ أي يرفعه ـ.
تقييم الخبر
يبدو من اقتصار البخاري على إيراد هذا الحديث أنه أصح ما عرف في بابه، وبرغم ذلك فإن فيه بعض العلل المبرئة للذمة من العمل بمقتضاه.
الأولى ـ هذا الحديث موقوف على سهل بن سعد كما ترى، وقول أبي حازم: لا أراه إلا ينمي ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. ظن منه وتخمين، ولو كان مرفوعاً لما احتاج إلى هذه العبارة.
قال الداني في أطراف (الموطّأ): هذا معلول؛ لأنه ظن من أبي حازم( ).
ويؤكد ذلك أن أحد مشايخ البخاري رواه بلفظ: يُنمى ـ مبني للمجهول ـ وذلك يؤكد كونه مرسلاً. قال ابن حجر: (( قوله: (وقال إسماعيل يُنمَى ذلك ولم يقل ينمي)، الأول بضم أوله وفتح الميم بلفظ المجهول، والثاني وهو المنفي كرواية القعنبي، فعلى الأول الهاء ضمير الشأن، فيكون مرسلاً؛ لأن أبا حازم لم يعين من نماه له، وعلى رواية القعنبي الضمير لسهل شيخه فهو متصل ))( ).
الثانية ـ أن قوله: كان الناس يؤمرون.. يحتمل أن يكون الآمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو غيره؛ لأنه إذا حذف الفاعل احتمل أن يكون الآمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو غيره، أشار إلى ذلك القاسمي في كتابه (قواعد التحديث)( ) وغيره من علماء الحديث.
وهو ما استشعره ابن حزم، فقال عقب ذكر الحديث: هذا راجع في أقل أحواله إلى فعل الصحابة رضي الله عنهم، إن لم يكن مسنداً( ).(1/67)
وعلى هذا فيحتمل أن يكون الآمر هنا معاوية أو بعض حكام الأمويين؛ لأنه قد أثر عنهم كثير من التشريعات المخالفة لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك أن سهل بن سعد أدرك زمن معاوية ويزيد ومروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك؛ لأنه توفي سنة (91هـ)، وعمره يوم ذاك مائة سنة، وهو آخر الصحابة موتاً في المدينة، والوليد بن عبد الملك تولى سنة (86هـ)( ).
ويؤيد هذا ويزيده وضوحاً أن بعض المتأخرين من الصحابة كانوا يحثون على اتباع الأمراء، والأدلة على ذلك كثيرة( ).
الثالثة ـ أن مدار رواية هذا الحديث على الإمام مالك، وقد اشتهر عنه أنه سئل عن الضم، فقال: لا أعرفه في الفريضة، فلو كان هذا الحديث يقضي بشرعية الضم في الفريضة لما قال ما قال، ولما تركه وعمل بغيره.
وقد أعتبر كثير من العلماء أن من العلل القادحة في صحة الحديث أن يعمل الراوي بغير ما روى.
ما روي عن الإمام علي
روى ابن أبي شيبة( )، وأبو داود( )، والدار قطني( )، والبيهقي( )، وغيرهم من طريق عبد الرحمن بن إسحاق أبو شيبة الواسطي، عن زياد بن زيد السوائي، عن أبي جحيفة، عن علي أنه قال: من السنة وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة.
تقييم الخبر
يلاحَظ أن معظم الذين رووا هذا الحديث قد ضعفوه، إما جملة أو بأحد رواته، إلا ابن القيم فقد اعتبره رواية صحيحة( ). وسنلمح فيما يلي إلى شيء مما قيل فيه.
قال النووي: ضعيف متفق على تضعيفه، رواه الدار قطني، والبيهقي من رواية أبي شيبة عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي، وهو ضعيف بالاتفاق( ).
وقال البيهقي: لا يثبت إسناده( ). وقال: تفرد به عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي، وهو متروك( ).
وقال ابن حجر: وفي زيادات المسند من حديث علي أنه وضعهما تحت السرة، وإسناده ضعيف( ).
وقال ابن عبد البر أنه لا يثبت عن علي( ).(1/68)
وأعلَّه السندي، فقال عقيب الحديث في سنن أبي داود: قال أبو داود: سمعت أحمد يضعف عبد الرحمن بن إسحاق( ).
وقال المباركفوري بعد تضعيفه: وإذا عرفت هذا كله ظهر لك أن حديث علي هذا لا يصلح للاحتجاج ولا للاستشهاد ولا للاعتبار( ).
وقال أبو الطيب الأبادي: ولكنه مع كثرة المخرجين والأسانيد ضعيف.. وقال: وقد عرفت أن الحديث ضعيف لا يصلح للاستدلال( ).
هذا إضافة إلى أن مدار رواية هذا الحديث على عبد الرحمن بن إسحاق، وهو ممن قد ضعف. قال أحمد بن حنبل: ليس بشيء، منكر الحديث( ).
وقال عباس الدوري، عن يحيى بن معين: ضعيف، ليس بشيء. وروي عنه أنه قال: متروك( ).
وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، منكر الحديث، يكتب حديثه، ولا يحتج به( ).
وذكره البخاري في الضعفاء، وقال: فيه نظر( ).
وقال أبو زرعة: ليس بقوي( ).
وقال أبو بكر بن خزيمة: لا يحتج بحديثه( ).
وقال البزار: ليس حديثه حديث حافظ( ).
وقال ابن عدي: وفي بعض ما يرويه لا يتابعه الثقات عليه( ).
وقال العقيلي: ضعيف الحديث( ).
وذكره النسائي في الضعفاء وقال: ضعيف( ).
وذكره الدار قطني في الضعفاء والمتروكين( ).
وقال الساجي: كوفي، أصله واسطي، أحاديثه مناكير( ).
* وفيه أيضاً زياد بن زيد السوائي الأعسم، قال أبو حاتم، والخزرجي، والذهبي وابن حجر: مجهول( ).
وقال أبو الطيب الأبادي: لا يعرف( ).
موقوف آخر عن الإمام علي
روى أبو داود( )، وابن أبي شيبة( )، من طرق أبي طالوت عبد السلام، عن ابن جرير الضبي، عن أبيه، قال: رأيت علياً رضي الله عنه يمسك شماله بيمينه على الرسغ فوق السرة. هذا لفظ أبي داود.
ولفظ ابن أبي شيبة: كان علي إذا قام في الصلاة وضع يمينه على رسغ يساره ولا يزال كذلك حتى يركع، إلا أن يصلح ثوبه أو يحك جسده.
وحكاه ابن حزم عن علي فقال: كان إذا طول قيامه في الصلاة يمسك بيده اليمنى ذراعه اليسرى، من أصل الكف إلا أن يسوي ثوباً أو يحك جلداً( ).(1/69)
ويؤيد رواية ابن حزم في أن ذلك عند طول القيام، أن البخاري حكى ذلك عن علي في باب الاستعانة من صحيحه، فقال: ووضع علي رضي الله عنه كفه على رسغه الأيسر. إلا أن يحك جلداً أو يصلح ثوباً( ).
ورغم ذلك ففي هذه الرواية عدة علل تمنع من صحتها والاعتماد عليها:
الأولى ـ أن كثيراً من المحدثين قد ضعفوها.
فقال ابن حجر: لا يعرف إلا من طريق جرير( ).
وقال الشوكاني: في إسناد أبو طالوت عبد السلام( ).
وقال أبو الطيب الأبادي: في إسناده جرير الضبي( ).
وأعله الأرنؤوط فقال: في سنده غزوان بن جرير، لم يوثقه إلا ابن حبان، على عادته في توثيق المجاهيل( ).
الثانية ـ أن فيه جرير الضبي، قال ابن حجر: قرأت بخط الذهبي في الميزان: لا يعرف( ). ولم يذكر المزي في ترجمته إلا أنه روى عن علي وروى عنه ولده غزوان، ولم يرو إلا هذا الحديث( ).
* وفيه ابن جرير، واسمه: غزوان، ذكر الأرنؤوط: أنه لم يوثقه غير ابن حبان، وكذا أبوه( ). وابن حبان معروف بتوثيق المجاهيل. نص على ذلك غير واحد( ).
الثالثة ـ رواه البخاري معلقاً بدون سند، ولعله لو وجد له إسناداً يعتمد عليه لذكره.
وقد أشار ابن حجر أنه نفس الأثر المروي عن علي من طريق جرير الضبي( ). وهو الظاهر فقد يكون البخاري احتاج إلى الاستشهاد بهذا الأثر، ولكنه لم يجد له طريقاً تصلح لإدخالها في الصحيح، فذكره معلقاً.
الرابعة ـ أنه قد وقع اضطراب في لفظ الرواية، ففي رواية أبي داود: يمسك شماله بيمينه على الرسغ فوق السرة. وفي رواية ابن أبي شيبة: يضع يمينه.. بدل يمسك. وليس فيها فوق السرة. وفيها زيادة: ولا يزال كذلك حتى يركع، إلا أن يصلح ثوبه أو يحك جسده.(1/70)