* وبلفظ: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .. وفيه: ووضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره. رواه ابن خزيمة(1). وهذه هي الرواية التي وقع كلام كثير حولها.
* وبلفظ: أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وضع يمينه على شماله، ثم وضعها على صدره. رواه البيهقي(2).
* وبلفظ: ثم أخذ شماله بيمينه. رواه عبد الله بن أبي شيبة(3)، وابن خزيمة(4)، وأحمد ابن حنبل(5)، والطبراني(6).
* وبلفظ: ثم ضرب يمينه على شماله فأمسكها. رواه ابن خزيمة(7).
* وبلفظ: رأيته ممسكاً يبمينه على شماله في الصلاة. رواه أحمد(8).
* وبلفظ: ثم قَبَض باليمنى على اليسرى. رواه الطبراني(9).
وذكر الشيخ قاسم قطلوبغا في تخريج أحاديث (الاختيار) عن ابن أبي شيبة أنه رواه عن وكيع، عن موسى بن عمير، عن علقمة بن وائل بن حجر، عن أبيه، بلفظ: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وضع يمينه على شماله في الصلاة تحت السرة(10).
تقييم الحديث
__________
(1) صحيح ابن خزيمة 1/242 (479). وهذه الرواية ضعفها الألباني في تعليقه على صحيح ابن خزيمة.
(2) السنن الكبرى 2/30. هذه الرواية ضعفها الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة 1/449 (449)، وحكى أيضاً أن العلامة عبد الله الغماري ضعفها.
(3) مصنف ابن أبي شيبة 1/342 (3935).
(4) صحيح ابن خزيمة 1/242 (477).
(5) مسند أحمد 4/316.
(6) المعجم الكبير 22/ 33 (79).
(7) صحيح ابن خزيمة 1/243 (478). وروى نحوه الطبراني في الكبير 22/38 (91)، إلا أنه لم يقل: فأمسكها. وزاد في الصلاة.
(8) مسند أحمد 4/318.
(9) المعجم الكبير 22/38 (90).
(10) انظر فتح الغفور 35 ـ 37، وعون المعبود 2/456، وقد طولا في تضعيف زيادة: تحت السرة.(1/56)
هذا الحديث صححه بعض القائلين بأن الضم فوق السرة بناء منهم على أن ابن خزيمة صححه. وليس الأمر كذلك كما عرفت. وتساهل بعض المتأخرين منهم فصححوه، رغم معرفتهم بعدم تصحيح ابن خزيمة له، وتغاضوا عما قيل في رواية علقمة وعبد الجبار عن أبيهما، وذلك شأن الانتصار للمذهب والتعصب للرأي والأسلاف.
وقد تتبعت حديث وائل، فوجدت فيه من العلل ما يسقطه عن الاعتبار ويمنع من الاحتجاج به، ومن ذلك:
العلة الأولى ـ أن فيه اضطراباً في سنده، ففي بعض الروايات: علقمة عن أبيه.
وفي بعضها: عبد الجبار بن وائل، عن أمه، عن وائل.
وفي بعضها: عبد الجبار، عن أبيه.
وفيه بعضها: عبد الجبار، عن أناس من أهل بيته، عن أبيه.
وفي بعضها: علقمة، ومولى لهم، عن وائل.
وفي بعضها: أهل بيت عبد الجبار، عن أبيه وائل.
العلة الثانية ـ أن في هذا الحديث اضطراباً في متنه، واختلاف شديد ينعكس على فهم المعنى المراد من الحديث، ومن ذلك:
* أنه اختلف بالنسبة لذكر الوضع من عدمه، فقد رواه بعضهم وليس فيه ذكر الوضع أصلاً، وذلك في رواية الحميدي(1)، والطبراني(2).
* واختلف لفظه بالنسبة إلى موضع الوضع.
ففي رواية البزار: عند الصدر(3). وفي رواية ابن خزيمة: على الصدر. وفي رواية نسبت إلى ابن أبي شيبة: تحت السرة.
* واختلف لفظه في كيفية تشبيك اليدين.
ففي رواية أنه كان: يقبض. وفي رواية: يضع. وفي رواية: يمسك. وفي رواية: يضرب. وفي رواية: يحبس. وفي رواية: يأخذ.
* واختلف في موقع الكف على الكف.
ففي رواية: يده على يده. وفي رواية: اليمنى على اليسرى. وفي رواية: قريباً من الرسغ. وفي رواية: ساعده اليمنى على ساعده اليسرى. وفي رواية: يعتمد بإحدى يديه على الأخرى. وفي رواية: يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد.
__________
(1) مسند الحميدي 2/392 (885).
(2) المعجم الكبير 22/34 (81) و36 (85).
(3) ذكر ذلك ابن حجر في فتح الباري 2/178.(1/57)
وهذا الاختلاف في السَّند والمتن اضطراب واضح في الحديث، وقد حاول بعضهم دفع هذا الاضطراب فقال المباركفوري(1): قال بعض الحنفية: حديث وائل فيه اضطراب، فأخرج ابن خزيمة في هذا الحديث: على صدره، والبزار: عند صدره، وابن أبي شيبة: تحت السرة.
قلت ـ والقائل المباركفوري ـ: ((قد تقرر في أصول الحديث أن مجرد الاختلاف لا يوجب الاضطراب، بل من شرطه استواء وجوه الاختلاف، فمتى رجح أحد الأقوال قُدِّم (ولا يعل الصحيح) بالمرجوح، ومع الاستواء يتعذر الجمع على قواعد المحدثين. وهاهنا وجوه الاختلاف ليست بمستوية، فإن في ثبوت لفظ (تحت السرة) في رواية ابن أبي شيبة نظراً قوياً كما تقدم بيانه. وأما رواية ابن خزيمة بلفظ: على صدره، ورواية البزار بلفظ: عند صدره، فالأولى راجحة فتقدم على الأخرى. ووجه الرجحان أن لها شاهداً حسناً من حديث هلب، وأيضاً يشهد لها مرسل طاووس بخلاف الأخرى، فليس لها شاهد )).
أقول: لو سلم عدم ثبوت لفظ (تحت السرة)، فإن ترجيح لفظ: (على الصدر) على لفظ: (عند الصدر) بمرجح خارجي، وهو ما في حديث هلب وطاووس؛ غير دقيق ولا مخلص من الاضطراب؛ لأن هذا المرجح لا يصير الرواية غير مضطربة وإن صيرها راجحة، فلا بد من أن يكون المرجح لأحد لفظي الرواية من نفس الرواية لا من خارجها.
وقوله المقرر في أصول الحديث أن مجرد الاختلاف لا يوجب الاضطراب؛ صحيح، غير أن المراد الاختلاف بين روايتين لا في رواية واحدة، فهو اضطراب بلا شك.
قال: ولو سلم أنهما متساويتان فالجمع بينهما ليس بمتعذر.. ثم نقل عن بعض الشافعية أن الشافعي قد أخذ بهذه الأحاديث، لكن قال بوضع اليد على الصدر بحيث تكون آخر اليد تحت الصدر جمعاً بين هذه الأحاديث وبين ما في بعض الروايات: عند الصدر.
__________
(1) تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي 2/83.(1/58)
أقول: وهذا غير مخلص من الاضطراب في الرواية أيضاً، لأن الجمع يكون بين روايتين مختلفتين، لا بين اضطراب للفظ في رواية واحدة ذات أصل واحد.
قال: وقد جمع بعض أهل العلم بينهما بالحمل على صلاتين مختلفتين، ونظير هذا الاختلاف اختلاف رفع اليدين حذو المنكبين وحذو الأذنين في الصلاة.
أقول: هذه مجرد دعوى، فالرواية واحدة، والرواة متحدون، وإذا جاز الحمل على صلاتين مختلفتين، جاز حمل روايات الضم على أنها في النافلة عند التعب، وأن الإرسال في الفريضة هو المشروع، ونحو ذلك، وهم لا يقبلونه.
العلة الثالثة ـ أن في سنده انقطاعاً؛ لأن جميع رواياته إما من طريق علقمة أو عبد الجبار ابني وائل، وقد اختلف في صحة سماعهما من أبيهما. وإما من طريق كليب بن شهاب، أو أناس من أهل بيت عبد الجبار وهم مجاهيل لا يعرفون، ولعل هذا ما جعل البخاري يتجنب ذكر هذه الرواية في صحيحه.
* أما علقمة بن وائل، فأحاديثه عن أبيه مرسلة.
قال ابن معين: لم يسمع من أبيه شيئاً(1).
وحكى العسكري عن ابن معين أنه قال: علقمة بن وائل، عن أبيه مرسل(2).
ونص أبو بكر البزار على أن القائل: كنت غلاماً لا أعقل صلاة أبي. هو علقمة بن وائل، لا أخوه عبد الجبار(3).
وذكره ابن سعد في الطبقة الثالثة من أهل الكوفة(4).
قال ابن حجر: لم يسمع من أبيه(5).
وكذبه ورد روايته، عن أبيه إبراهيم النخعي، وذلك في الحديث الذي رواه عن أبيه، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا افتتح الصلاة كبر.. إلخ(6).
* وأما عبد الجبار بن وائل، فقال الآجري: قلت لأبي داود سمع من أبيه، قال: سمعت يحيى بن معين يقول: مات أبوه وهو حمل.
__________
(1) جامع التحصيل في أحكام المراسيل ترجمة رقم (536). ميزان الاعتدال 5/134. المغني في الضعفاء 2/442.
(2) تهذيب التهذيب 7/248.
(3) تهذيب التهذيب 6/95.
(4) طبقات ابن سعد 6/312.
(5) تقريب التهذيب 2/31.
(6) المغني على الدار قطني 1/291، سنن الدار قطني 1/391.(1/59)
وقال الدوري، عن ابن معين: لم يسمع من أبيه شيئاً(1).
وقال البخاري: قال محمد بن حجر: ولد بعد موت أبيه بستة أشهر(2).
وقال أبو حاتم: روى عن أبيه مرسل، ولم يسمع منه(3).
وقال ابن حبان: من زعم أنه سمع أباه فقد وهم؛ لأن أباه مات وأمه حامل به، ووضعته بعد موت وائل بستة أشهر(4).
وقال ابن المديني، وابن جرير الطبري، ويعقوب بن سفيان، ويعقوب بن شيبة، والدار قطني، والحاكم: لم يسمع من أبيه ولم يدركه(5).
وقال ابن الأثير: مات أبوه وأمه حامل به، فكل ما يرويه عن أبيه فهو منقطع(6).
وقال السمعاني: من زعم أنه سمع أباه فقد وهم؛ لأن وائل بن حجر مات وأمه حامل به، ووضعته بعد ستة أشهر(7).
وقال ابن منجويه: ولد بعد موت أبيه بستة أشهر(8).
وقال ابن حجر: ثقة لكنه أرسل عن أبيه(9).
وقال ابن سعد: يتكلمون في روايته عن أبيه ويقولون:لم يلقه(10).
وقال القرطبي: لم يسمع عبد الجبار من أبيه(11).
أما المزِّي(12) فقد أنكر ذلك، وقال: قد صح أنه قال: كنت غلاماً لا أعقل صلاة أبي، ولو مات أبوه وهو حمل لم يقل هذا القول.
قال ابن حجر مجيباً عليه: نص أبو بكر البزار على أن القائل كنت غلاماً لا أعقل صلاة أبي هو علقمة بن وائل لا أخوه عبد الجبار.
وقال الترمذي: سمعت محمداً ـ يعني البخاري ـ يقول: عبد الجبار لم يسمع من أبيه ولا أدركه(13).
* وأما كليب بن شهاب المجنون، فقال النسائي: لا نعلم أحداً روى عنه إلاَّ ولده عاصم وإبراهيم بن المهاجر، وإبراهيم ليس بالقوي في الحديث.
__________
(1) تهذيب الكمال 16/394.
(2) التاريخ الكبير 6/106.
(3) الجرح والتعديل 6/30.
(4) الثقات 7/135.
(5) وحاشية سير أعلام النبلاء 2/573.
(6) الكامل في التاريخ 4/214.
(7) الأنساب 5/105.
(8) رجال صحيح مسلم 2/446 (1001).
(9) تقريب التهذيب 1/466.
(10) طبقات ابن سعد 6/312.
(11) الاستيعاب 3/606 المطبوع مع الإصابة.
(12) تهذيب الكمال 16/395.
(13) تهذيب التهذيب 6/95.(1/60)