الأول: (( بكونه ألفاظه )) أي: ألفاظ أحد الحدين المتعارضَين (( أصرح )) من ألفاظ الآخر. بأن يكون ألفاظ أحدهما نآصة على الغرض المطلوب، دآلة عليه بالمطابقة، والتضمن. وألفاظ الآخر غير صريحة. بأن يكون فيها تَجَوُّزٌ، أو استعارة، أو اشتراك، أو غرابة، أو اضطراب، أو دآلة على الغرض بالإلتزام. فإن ما ألفاظه أصرح، أرجح من الآخر. ولكونه أقرب إلى الفهم، وأبعد من الخلل، والاضطراب. مثال ذلك: ما يقال في الجنابة: حدوث صفة شرعية في الإنسان عند خروج المني، أو عند سببه، تمنع من القراءة، لا الصوم. مع قول الآخر: الجنابة: خروج المني على وجه الشهوة. فإن الأول أرجح من الثاني. لأن في الثاني تجوُّزٌ .إذ يسبق إلى الفهم منه أن خروج المني الجنابة. وإنما الجنب صاحب المني. والأول يدل على ذلك بالنص. كما ترى. ووجه التعارض فيهما: أن الأول يقتضي أن الجنابة غير خروج المني. كما أَوضَحه بقوله: حدوث صفة عند خروج المني. والثاني: يقتضي أن الجنابة نفس خروج المني. والله أعلم.
الثاني: قوله (( أو المعرَّف فيه أعرف )) أي: يرجح أحد الحدين المتعارضَين، بكون المعرَّف فيه أعرف وأشهر من المعرَّف في الآخر. فيكون إلى التعريف أقرب.
كما إذا كان في أحدهما حسيا، وفي الآخر عقليا، أو شرعيا. فالحسي أولى من غيره.
أو كان في أحدهما عقليا، وفي الآخر عرفيا، أو شرعيا. فإن العقلي أولى من غيره.
أو كان في أحدهما عرفيا، وفي الآخر شرعيا. فإن العرفي أولى. مثاله:الحوالة:نقل الدين من ذمة إلى ذمة.مع قول تلآخر:ضم ذمة إلى ذمة. فالأول أشهر.(1/241)


الثالث: قوله: (( وبعمومه )). أي: يرجح أحد الحدين المتعارضَين، بكون مدلوله أعم من مدلول الآخر. بأن يكون باعتبار جنسه متناولا لمحدود آخر. فإنه يرجح بذلك. لفائدته. إذ الأعم يتناول ذلك وغيره. فتكثر جزئيات المحدود فيه. مثاله: ما يقال في الخمر: هو ما أسكر. مع قول الآخر: هي التي من ماء العنب إذا أسكر. فإن الحدين متعارضان. والأول أرجح. لتناوله غير الخمر من سائر المسكرات. ووجه التعارض: أن الأول يقتضي أن كل مسكر يسمى خمرا. بخلاف الثاني. والله أعلم.
والرابع: قوله: (( وبموافقته النقل السمعي، أو اللغوي )). أي: يرجح أحد الحدين المتعارضين بموافقته النقل السمعي، أو النقل اللغوي. وتقريره: لوضعهما على ما لم يوافقهما. لبعد الخلل عن الموافق لهما. ولكونه أغلب على الظن. كما مر في الخمر. فإن الأول موافق للنقل السمعي. لقول الشارع: كل مسكر خمر. واللغوي أيضا. لأن معناه عند أهل اللغة: ما يخامر العقل. وهو معنى الإسكار.
والثاني: لا يوافق أيهما. فتأمل!
والخامس: قوله: (( وبعمل أهل المدينة، أو الخلفاء الأربعة ))، الذين هم: علي كرم الله وجهه، وأبو بكر، وعمر، وعثمان.
(( أو بعمل العلماء، أو بعمل بعضهم )). يعني: إذا عمل بأحد الحدين المتعارضين أهل مدينة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو الخلفاء الأربعة، أو العلماء أو بعضهم، من المشهورين بالإجتهاد، والعدالة، دون الآخر، فإنه يرجح منهما ما عمل به أيُّ هؤلاء، على ما لم يعمل به. إذ هو أقرب إلى الإنقياد، وأغلب على الظن. كما إذا نقل عن أيِّ هؤلاء: أنه يقول في الخمر: هو ما أسكر. ويعمل بمقتضاه. وعن غيرهم هي: التي من العنب، إذا أسكر.(1/242)


والسادس: قوله: (( وبتقرير الحكم الحظر، أو حكم النفي )). يعني: إذا كان أحد الحدين المتعارضَين يقرر حكم الحظر، والآخر يقرر حكم الإباحة، كان ما يقرر حكم الحظر أرجح. أو كان أحدهما يقرر حكم الحظر، والآخر يقرر حكم الإثبات أي: يلزم من العمل بأحدهما تقرير حكم النفي، والآخر تقرير حكم الإثبات، فإن ما يقرر حكم النفي أرجح.
مثال الأول: ما مر في الخمر. فإن قولنا: هو ما أسكر. يقرر حكم الحظر في كل مسكر. بخلاف الآخر.
ومثال الثاني: ما يقال في الحدث: هو انتقاض الشرعية، بخروج شيء من السبيلين، أو بسبب خروجه. مع قول الآخر: إنه انتقاض الطهارة بخروج ما يخرج من باطن الآدمي، أو بسببه الأكثري، أو القهقهة في صلاة البالغ، فإن الأول يقرر حكم النفي الأصلي في الرعاف، والقيء، والقهقهة، _ أعني أنها غير ناقضة _ بخلاف الثاني. فيكون الأول أرجح. ووجه التعارض بينهما واضح.
والسابع: قوله: (( وبدرء الحد )). يعني: إذا كان يلزم من العمل بأحد الحدين المتعارضين درء الحد والعقوبة، ومن العمل بالآخر إثباته، فإن ما يلزم منه الدرء أرجح. مثال ذلك: ما يقال في الزنا الموجب للحد: إتيان المرأة في قبلها من غير ملك النكاح، أو شبهة. مع قول الآخر: إيلاج فرج في فرج محرم قطعا، مشتهى طبعا. فإن الأول موافق لدرء الحد في إتيان المرأة في دبرها، فيكون أرجح. بخلاف الثاني. ووجه التعارض: أن الأول يقتضي أن إتيان المرأة في دبرها، وإتيان غيرها لا يسمى زنا. بخلاف الثاني. والله أعلم.
(( إلى غير ذلك )) المذكور من مرجحات الحدود السمعية. (( مما لا يعزب )) اعتباره (( عمن له طبع سليم ))، وفهم غير سقيم
(( وتوفيق )) وهداية، (( من الفتاح العليم، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم )). ولا حول ولا قوة، إلا بالله العلي العظيم .
وعلى النبي وآله أفضل الصلاة والتسليم.(1/243)


49 / 49
ع
En
A+
A-