10_ وأُبَيُّ بن خلف البراز.
وقيل: بل القرآءآت كلها آحادية. والصحيح هو الأول لما تقرر من أن شرط القرآن التواتر وهي الطريق إليه.
(( و )) الشاذة: مثل قراءة ابن مسعود {فصيام ثلاثة أيام متتابعات}
(( هي كأخبار الآحاد في وجوب العمل بها )). فيجب التتابع لذلك. لأن عدالة الراوي توجب قبول ما رواه. فيتعين كونها قرآنا أو خبرا آحادا، وقد بطل باشتراط التواتر كونها قرآنا، فتعين كونها خبرا آحاديا. فتقبل كما يقبل الخبر الآحاد، إذا تكاملت شروطه. فيجب العمل بها ولا يجب العلم بكونها قرآنا.
(( والبسملة )) بعض أي: ة في سورة النمل باتفاق و(( آية )) كاملة
(( من أول كل سورة )) من القرآن، من الفاتحة وغيرها(( على الصحيح )).
لأن منهم من ذهب إلى: أنها أي: ة من سورة الفاتحة فقط. وأُثبتت في غيرها للتبرك.
ومنهم من قال: بل هي للتبرك في جميع القرآن، وليست منه. والصحيح: هو الأول. لما ثبت من أنها مكتوبة بخط المصحف، مع المبالغة منهم بتجريد القرآن من غيره، حتى لم يثبتوا آمين. ومنع قوم العَجْمَ. وهذا دليل قطعي. لأن العادة تقضي في مثله بعدم الاتفاق. فكان لا يكتبها بعض، أو يُنكر على كاتبها.
وأيضا قال ابن عباس رضي الله عنه: من تركها فقد ترك مائة وثلاث عشرة آية من كتاب الله تعالى.
وقال أيضا: سرق الشيطان من الناس آية. لما ترك بعضهم البسملة.
واعلم أن في القرآن محكما ومتشابها، قال الله تعالى: {منه آيات محكمات هنَّ أم الكتاب وأخر متشابهات}. قوله: هن أم الكتاب. أي: المحكمات. أصل الكتاب بمعنى: أن المتشابه يُرَدُّ إليها.
(( والمحكم )) في اللغة: المتقن. لأن الإحكام الإتقان، فالقرآن بهذا المعنى كله محكم. لإتقانه في حسن نظمه وترتيبه، وفي البلاغة والفصاحة.
وفي الاصطلاح: (( ما اتضح معناه )) فلم يخف.(1/16)
(( والمتشابه )) في اللغة: ما يشبه بعضه بعضا. وبهذا المعنى يكون القرآن كله متشابها. لأنه يشبه بعضه بعضا في الفصاحة والبلاغة والإتقان، وفي تصديق بعضه بعضا. ويدل عليه قوله تعالى: { نزل أحسن الحديث كتابا متشابها}.أي: يشبه بعضه بعضا.
وفي الاصطلاح: (( مقابله )). أي: مقابل المحكم. وهو ما خفي معناه فلم يتضح. بل احتمل وجوهًا.
وظاهر هذا أن القرآن منحصر في النوعين. وأن المجمل داخل في المتشابه.
وقد قيل: إن المجمل غير داخل فيهما. إذ لا يُعرف ما المراد به حتى يُعلم مطابقته لمقتضى العقل أولا.
فتكون حقيقة المحكم حينئذ ما لم يُرَد به خلاف ظاهره. والمتشابه مقابله. فيكون المجمل قسما ثالثا.
قيل: والظاهر الانحصار في القسمين. والله أعلم.
وسمي المتشابه: متشابها. لأن ظاهره يشبه الحق _ لصدوره من عدل حكيم _ والباطلَ لمخالفته مقتضى العقل.
مثال المحكم: {لا تدركه الأبصار}{ وليس كمثله شيء} فهذا معناه: متضح.
ومثال المتشابه: {إلى ربها ناظرة}، {الرحمن على العرش استوى} فهذا معناه: غير مُتَّضِح. فيحتاج إلى أن يُرجع إلى غيره، وهو المحكم، ليعرف معناه. قال ابن الحاجب: ويعلم الراسخون تأويله. والراسخ هو: المجتهد العدل الثابت العقيدة.
(( وليس في القرآن ما لا معنى له)). بل معانيه واضحة مستقيمة بَيِّنة لا تخفى.
إما حقيقية، أو مجازية، لغوية، أو شرعية، أو عرفية.
ويصح معرفة جميعها لكل واحد من المكلفين. وإلا انتقض الغرض بالخطاب – أعني _ فهمَ المعنى. وصار كخطاب العربي بالعجمية، وبالعكس، وذلك لا يليق بالحكيم تعالى.
(( خلافا للحشية ))فإنهم قالوا في أوائل السور التي من الحروف المقطعة مثل: {حم} {طس} {آلم}: لا معنى لها.بل هي مثل: حادث، ونحوه من المهملات.(1/17)
وعندهم أن القرآن إنما نزل ليتلى فقط، من غير دلالة على معنى. وبطلانه ظاهر لا يخفى. إذ القرآن خطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولسائر المكلفين قطعا. والخطاب بما لا معنى له لا يصح، إذ لا يفيد .
وأما أوائل السور ففي معانيها: خلاف بين المفسرين مذكور في موضعه.
(( ولا ما المراد به )) معنًى باطنا (( خلاف ظاهره من دون دليل )) فأما مع الدليل فذلك كثير، كالمتشابه نحو: {إلى ربها ناظرة} فإن المراد به خلاف ظاهره، بدليل: {لا تدركه الأبصار}، ونحو ذلك.
(( خلافا للمرجئة )) فإنهم يقولون في أي: الوعيد: أن المراد بها خلاف ظاهرها، من دون دليل.
وخلافا للباطنية أيضا فإنهم يقولون: إن له معنى باطنا غير المعنى الظاهر، من دون دليل.كما يقولون: إن المراد بالبقرة في قوله تعالى: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} عائشة. ويقولون: المراد بـ {أجبت والطاغوت} أبو بكر و عمر. إلى غير ذلك من الأباطيل الظاهرة.وبطلان ذلك ظاهر. إذ يخرج بذلك عن كونه عربيا.وقد قال تعالى{قرآنا عربيا غير ذي عوج }.وذلك لأن الكلام العربي هو: ما استعمل في الأوضاع العربية، حقيقة، أو مجازا مع قرينة مرشدة.وما هو خلاف الظاهر ليس بحقيقة ولا مجاز والله أعلم.
فائدة [في القرآن]
القرآن الشريف محفوظ من الزيادة والنقصان والتحريف _ أعني _ تبديل لفظ بلفظ آخر، ولا يجوز فيه شيء من ذلك. إذ في تحويره هدم للدين، إذ يلزم أنا لا نثق بشيء منه، لجواز التبديل والزيادة، ونقصان
الناسخ وبقاء المنسوخ، وأيضا قال تعالى: {آنا نحن نزلنا الذكر وآنا له
أتحافظون}. فتولى تعالى حفظه، وما تولى تعالى حفظه حقيقي بأن لا يغير. ووجه الاستدلال بالآية: أن المراد إما حفظه عن النسيان، أو حفظه عن الزيادة والنقص والتبديل.
والأول: باطل. إذ المعلوم أنه قد ينساه بعض من حفظه، فيتعين الثاني. إذ لو جوزنا شيئا من تلك الأمور لكان غير محفوظ، وهو خلاف صريح الآية فتأمل .(1/18)
( فصل )والدليل الثاني: السنة.
وهي في اللغة: العادة والطريقة. قال تعالى: {قد خلت من قبلكم سنن }.أي: طُرق.
وفي الاصطلاح: تطلق على ما يقابل الفرض من العبادات، وعلى ما صدر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الأفعال، والتقريرات، والأقوال، التي ليست للأعجاز.وهذا هو المراد هنا. ولهذا قال المصنف: (( السنة: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفعله، وتقريره )).
(( فالقول ظاهر )) وهو: اللفظ المفيد. ومباحث: الأمر والنهي، والعام والخاص، وغيرها. والكلام عليها سيأتي في أبوابها مفصلا، إن شاء الله تعالى .
(( وهو )) أي: القول (( أقواها )) أي: أقوى أقسام السنة. فيرجع إليه عند التعارض بينهما. وإنما كان أقواها لأنه وُضِع لإفادة المخاطب، بخلافهما .ولأن الفعل يختص بالمحسوس فقط، والقول يفيد في المحسوس والمعقول .ولأنه متفق على الاستدلال به، بخلافهما، إلى غير ذلك، والله أعلم.
ثم بعده الفعل، ثم بعده التقرير.
(( وأما الفعل )) فالمراد به: فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وحكم اتباعه فيه، والتأسي به. وذلك مبني على مقدمة، وهي الكلام في عصمة الأنبياء عليهم السلام.
فنقول: اعلم أن الأكثر من أهل العدل على أن الأنبياء عليهم السلام يمتنع عليهم الكبائر من وقت التكليف، لأن في ذلك هزما واحتقارا لهم، فتنفر الطبائع عن اتباعهم، فيُخِل بالحكمة من بعثهم، وذلك قبيح عقلا.
وقيل: لا يمتنع منهم قبل الرسالة لا كفر ولا غيره، وأما بعد الرسالة فالإجماع على عصمتهم. فما كان طريقه البلاغ، فلا يجوز عليهم الكذب لا سهوا ولا عمدا، وأما غير الكذب من الذنوب فإن كانت من الكبائر أو من الصغائر الخسة كسرقة لقمة والتطفيف بحبة من تمر، فالإجماع على عصمتهم منها. وإن كانت من غيرها فالأكثر على جوازه. فهذه جملة ما يحتاج إليه هنا، موضوعه علم الكلام.(1/19)
فإذا تقرر ذلك (( فالمختار وجوب التأسي به ))صلى الله عليه وآله وسلم. لقوله تعالى {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الأخر}.ووجه الاستدلال بها أن معناها: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فله في رسول الله أسوة حسنة.فدلت الآية على لزوم التأسي به للإيمان، ويلزمه بحكم عكس النقيض لزوم عدم الإيمان لعدم التأسي. وعدم الإيمان حرام.فهكذا ملزوم الذي هو عدم التأسي. والإيمان واجب، فكذا لازمه الذي هو التأسي. وإلا ارتفع اللزوم.
وقيل: لا يجب التأسي به إلا فيما دل دليل خاص على أن حكمنا حكمه في الفعل والترك. كقوله: ( صلوا كما رأي: تموني أصلي ) فيُتَأسى به في الصلاة لذلك، لا فيما ليس كذلك لعدم الدليل.
قلنا: قوله تعالى {لقد كان لكم في رسول الله… }الآية. دليل واضح على وجوب التأسي به كما بينا.
(( في جميع أفعاله )) وتروقه. ولكن حيث علمنا الوجه الذي وقعت عليه. (( إلا ما وضح فيه أمر الجِبِلَّة ))كالأفعال التي[هي] من ضروريات البشر، كالقيام والقعود، والأكل والشرب.فإنه لا يجب التأسي به فيها. إذ لا خلاف في أن ذلك مباح له ولأمته.
(( أو عُلم أنه من خصائصه )) فإنه لا يجب التأسي به فيه أيضا. وذلك: (( كالتهجد، والأضحية ))، والضحى، والوتر، والمشارة، وتخيير نسائه فيه. لأن تعريفه لنا بأنه مختص بذلك أسقط عنا وجوب التأسي. ولا خلاف في هذا.
(( و )) حقيقة (( التأسي هو: إيقاع الفعل بصورة فعل الغير ووجهه اتباعا له )) أي: لذلك الغير. (( أو تركه، لذلك )) أي: لأجل اتبع الغير (( كذلك )) أي: بصورة فعل الغير ووجهه، والمراد بالوجه في قوله: ووجهه .كونه فرضا، أو نفلا، أو سنة، أو مباحا، أو نحو ذلك. (( ويعرف الوجه )):
إما: بالتنصيص. نحو أن يقول: هذا الفعل واجب، أو مندوب، أو مباح.
وإما: بالتسوية. نحو: أن يفعل فعلا، ثم يقول: هذا الفعل مثل الفعل الفلان. وذلك الفعل قد عُلمت جهته.(1/20)