*ومنها: آية السرقة. وهي نزلت في سرقة المجن، أو رداء صفوان. على الخلاف. واحتمال كون تعدية الحكم في مثل هذه العموميات للعلم بذلك من ضرورة الدين لا للخطاب احتمال بعيد. لا يدفع الظهور. لاحتجاجهم بنفس الخطاب. والله أعلم.
وهذا الخلاف إذا كان العام مع قطع النظر عن السؤآل وافيا بالمقصود، ومستقلا بنفسه .
وأما إذا كان غير مستقل بدون السؤآل، فإنه تابع للسؤآل في عمومه وخصوصه اتفاقا. فإذا قال: هل يجوز الوضوء بماء البحر؟
فقال: نعم. كان عاما.
وإذا قال: هل يجوز لي الوضوء بماء البحر؟
فقال: نعم. كان خاصا . والله أعلم.
*ومنها: مذهب الراوي للعموم.
(( و )) المختار (( أنه لا يُخصَّص العام بمذهب راويه )). يعني : أن الصحابي إذا روى حديثا عاما وعمل بخلافه، فإن مذهبه لا يخصِّص. مثال: ما روي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( من بدَّل دينه فاقتلوه ). وكان يرى أن ذلك في حق الرجال دون النساء.
فهذا لا يخصص العموم عند الأكثر، بل يبقى على عمومه، فتقتل المرأة لدخولها في العموم.
وكذا إذا كان مذهبه ولم يكن الراوي.
*ومنهم من قال: بل يُخصَّص بمذهبه.
فبعضهم مطلقا. وبعضهم إذا كان هو الراوي للعموم.
والصحيح انه لا يخصص بمذهب الصحابي مطلقا. لأن العآم حجة. ومذهب الصحابي ليس بحجة. فلا يجوز تخصيصه به. وإلا لترك الدليل لغير دليل. وذلك لا يجوز. وكون مخالفته للعام يستدعي دليلا يُخَصَّص به، إنما هو في ظنه. وما ظنه المجتهد دليلا، لا يكون دليلا عند غيره. ما لم يعلمه بعينه، ويعلم وجه دلالته.
*ومنها: العادة.(1/166)


(( و ))المختار عند الجمهور انه (( لا )) يخصص العام (( بالعادة )). يعني إذا ورد عام يتناول أنواعا من المتناولات، والمخاطبون إنما يعتادون نوعا واحدا مما يتناوله العام يأكلونه. فإنه لا ُيخصَّص ذلك العام بالعادة. بأن يكون المراد به ذلك النوع خآصة. مثل أن يقول: حرمت الربا في الطعام. فهذا عام يتناول البُرَّ، وغيره. والمفروض أن عادة المخاطبين يتناول البر فقط. فعند الجمهور أن حرمة الربا تعم كل مطعوم. لأن المعتبر تناول اللفظ.
وعند بعضهم: أن المعتبر تناول العادة. فيختص بالبر. والمختار هو الأول. لأن اللفظ عام لغة وعرفا.
أما في اللغة: فذلك ظاهر.
وأما في العرف: فلأن لفظ الطعام لم يطرأ عليه عرف ينقله. إذ المفروض أكلهم البر فقط.
ولفظ الطعام باقٍ على عمومه. فيجب العمل به حتى يدل دليل على تخصيصه. والأصل عدمه.
وأما إذا فرض أنه قد صار لفظ الطعام حقيقة عرفية في البر، كالدآبة لذات الأربع. فلا عموم فيه حينئذ.
*ومنها: إذا كان الخطاب مركبا من جملتين، إحداهما معطوفة على الأخرى، هل يجب إذا ظهر في الأولى شيء أن يضمر في الثانية إذا لم يظهر؟ أولا ؟ ثم إذا وجب ذلك وكان هذا المضمر في الجملة الثانية مخصَّصا بشيء، فهل يجب أن يكون المظهر في الجملة الأولى مخصصا بذلك الشيء ؟ أولا ؟
الذي عليه الجمهور: أن هذا ليس من المخصِّصات.
(( و )) أنه (( لا )) تخصيص لعموم ما أظهر في الجملة الأولى المعطوف عليها، (( بتقدير )) الذي خصص به (( ما أضمر في المعطوف )). وهو: ما أظهر (( مع العام المعطوف عليه )).(1/167)


ومنهم: من يوجب التخصيص بذلك. مثال قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ( ألا لا يُقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده ) . فالتقدير عند من أوجب التخصيص هنا: ولا ذو عهد في عهده بكافر. وإنما قدرنا هنا بكافر لتزدوج الجملتان في الحكم. لأن حرف العطف يقتضي ذلك. ولما كان الكافر المعاهَد يُقتل بمثله، علمنا أن الكافر المنهي عن قتل المعاهد به في قولنا: ولا ذو عهد في عهده بكافر. هو الحربي. فيخصَّص بذلك. فيكون التقدير فيه: بكافر حربي. وإذا كان كذلك وجب أن يُقدَّر في المعطوف عليه: حربي أيضا. كما قُدِّر في المعطوف. فيخصَّص الكافر الأول به. لأن الثاني كذلك. فحينئذ يقتل المسلم بالذمي، لعموم قوله تعالى: { النفس بالنفس}. والمختار أن هذا لا يقتضي التخصيص. لأن الموجِب للعموم في المذكور، والمقدَّر متحقق. لوقوع النكرة في سياق النفي. والمخصِّص موجود في الثاني، وهو النص، والإجماع. دون الأول. فوجب القول بخصوص الثاني، لوجود مخصصه، دون الأول. لعدمه. فتأمل! والله أعلم.
(( و )) المختار عند المصنف (( أن العام بعد تخصيصه )) بأي المخصِّصات المتقدمة (( لا يصير مجازا فيما بقي )). داخلا في صيغة العموم بعد التخصيص. (( بل حقيقة )) فيه. وذلك لأن تناوله للباقي قبل التخصيص كان حقيقة. وذلك التناول باقٍ بعده، فكان حقيقة. والذي عليه أكثر العلماء أنه يصير مجازا في الباقي مطلقا. لأن الصيغة حقيقة في الإستغراق. فلو كانت حقيقة في البعض أيضا، لزم الإشتراك. وقد تقدم أنه إذا دار اللفظ بين المجاز والإشتراك حُمِل على المجاز. وأيضا فإنه لا يحمل على البعض إلا لقرينة، وهو علامة المجاز.
وأما ما ذكروه، فالجواب عنه: أنه إنما كان تناوله للباقي قبل التخصيص حقيقة، لدلالته عليه. وعلى سائر الأفراد لا عليه وحده. فتأمل!
وعند بعضهم: أنه إذا خُصِّص بمتصل، كالشرط والإستثناء، ونحوهما، فحقيقة. وإن خُصِّص بمنفصل كالكتاب والسنة، ونحوهما فمجاز.(1/168)


(( و )) المختار عند المحققين: (( أنه يصح تخصيص الخبر )) كما يصح تخصيص الأمر والنهي.
ومنهم من منعه. لأنه يلزم منه الكذب. فلا يصح إلا في الإنشاءآت، كالأمر، والنهي. إذ لا تحتمل صدقا ولا كذبا. بخلاف الخبر، فهو يحتملهما. فإطلاق العموم فيه يقتضي الإخبار عن كل ما تناوله اللفظ. والتخصيص يُكَذِّب ذلك. فيلزم كذب أحدهما.
وأيضا فإنه ينفي فيصدق النفي، فلا يصدق هو. وإلا صدق النفي والإثبات معا. وهو محال. وإذا ثبت أنه كذب فلا يقع. لأن كلام الحكيم منزه عنه. والصحيح هو الأول. بدليل وقوعه كثيرا. نحو: {الله خالق كل شيء}. فإنه مخصَّص بالعقل. كما تقدم. ومثل: {وأوتيت من كل شيء }. وهو كذلك. لأنها لم تؤت من كثير الأشياء، أو أكثرها .
والجواب عما قالوا: المنع من ذلك. لأن الحكم إنما ثبت بعد التخصيص. كما تقدم في الإستثناء من أن الإسناد إنما يكون بعد الإخراج.
وأما الثاني: فلأن النفي إنما هو بقيد العموم، لا مطلقا. فمعنى قولك: لم تؤت من كل شيء ! أي: على جهة العموم.
وقولك: أوتيت من كل شيء. على جهة التخصيص. فلم يتوارد النفي والإثبات على محل واحد. فلا تناقض.
ومنهم من منع من تخصيص الأمر والنهي أيضا. قالوا: لأنه بداء.
والجواب: أنه إنما يلزم البداء لو أُِريد العموم من أول الأمر.
وأما إذا لم يُرد فلا. فالمخصص قرينة على أنه لم يرد العموم. فتأمل! والله أعلم.
(( و )) اعلم: أنه (( لا يصح تعارض عمومين في )) حكم (( قطعي)) عند جميع العقلاء. وذلك كمسائل أصول الدين التي يستدل عليها بالسمع. كالوعد والوعيد، ومسألة الشفاعة. ونحو ذلك من القطعيات. لأنهما لو تعارضا لزم حَقِّية مقتضاهما. فيلزم وقوع المتنافيين. وهو محال. ولا يمكن الرجوع إلى الترجيح. لأنه فرع التفاوت في احتمال النقيضين. وذلك لا يُتصور في القطعي.(1/169)


(( ويصح )) التعارض (( في العام والخاص )). (( والمعمول به )) حينئذ _ على المختار _ (( المتأخر منهما )). إذا علم تأخره. لكن إذا كان المعلوم تأخره هو العام كان ناسخا للخآص. وحينئذ يجب أن يتراخى وقتا يتسع للعمل بالخآص، ويتمكن منه. لأنه شرط النسخ. كما سيأتي. وإن كان الخاص فإن تراخى الناسخ، كان ناسخا لبعض ما تناوله العام.
وإن لم يتراخى كان مخصصا. أي: مُبَيِّنا للمراد بالعام.
(( وإن جُهِل التاريخ )) فلم يعلم المتأخر منهما (( اطُّرِحا )) معا. وأخذ في الحادثة بغيرها. لكن لا يخفى أنه إنما يُطَّرح من العام ما يقابل الخاص فقط. دون ما عداه. إذ لا موجب لسقوطه. وهذا هو الذي عليه الجمهور.
(( وقال الشافعي )) وأصحابه: بل يبنى العام على الخاص. ومعنى بنائه عليه أنه (( يُعمل بالخاص فيما تناوله، وبالعام فيما عداه، تقدم الخاص أم تأخر، أم جُهِل التاريخ )). وإنما وجب ذلك عندهم
(( لتحصيل العمل بهما )) جميعا. فإنه أولى من اطِّراحهما، ومن اطِّراح أحدهما. وظاهر كلامهم: أن ذلك من قبيل التخصيص. حيث تقدم الخاص. ولو كان ورود العام متراخيا عنه.
ويقولون: تقدم الخاص قرينة مشعرة بأنه ما أريد العموم. بل المراد ما عداه. وكذا حيث جهل التاريخ.
وأما حيث تأخر الخآص متصلا بالعام، فلا إشكال في كونه تخصيصا. فهذا تحقيق مذهب الشافعي.
وكأن المصنف يقوي هذا، لما قالوا: من أن العمل بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم واجب. مهما أمكن. فلا يجوز إلغاؤهما. فلذلك ذكره المصنف على خلاف قاعدته. والله أعلم.
وهذا: (( فصل ))
في المطلق والمقيد. وهما قريبان من العام والخاص. فلذا يذكران في بابهما.(1/170)

34 / 49
ع
En
A+
A-