متصل. وهو المخرِج من متعدد بإلا وأخواتها. مثل: قام القوم إلا زيدا. ومنقطع. وهو المذكور بعد إلا وأخواتها، غير مخرِج. مثل: قام القوم إلا حمارا. وتسميته مستثنى مجاز عند الأكثر، إذ لا يتبادر من لفظ المستثنى إلا المتصل.
واعلم أنه قد اختُلِف في تقرير الدلالة في الإستثناء في مثل قول القائل: عليَّ له عشرة إلا ثلاثة. لأنه يسبق إلى الذهن عند التلفظ به المناقضة، لأن قولك: عندي له عشرة إلا ثلاثة، إثبات للثلاثة في ضمن العشرة، ونفي لها صريحا. فتكون مثبتة منفية، وهو محال. وقد ورد في كلام الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، فاحتيج إلى ذلك.
فقيل المراد بقوله: عشرة إلا ثلاثة، سبعة. ولفظ إلا قرينة تدل على ذلك، كالتخصيص بغير الإستثناء. فيكون غير داخل في المستثنى منه. وهذا غير مستقيم، للقطع بأن من قال: اشتريت الجارية إلا نصفها. لم يرد استثناء نصفها من نصفها. ولأنه كان يلزم أن يعود الضمير إلى نصف الجارية، في قوله: إلا نصفها. لأن المراد بالجارية ذلك. والمعلوم أنه للجاريةبكمالها، وإلا كان مستغرقا. وأيضا قد أجمع أهل اللغة على أن الإستثناء: إخراج، ولا إخراج إلا مع الدخول .
وقيل: بل قولنا: عشرة إلا ثلاثة بكمالها موضوع للسبعة. وكأن للسبعة اسمين، أحدهما سبعة، والآخر عشرة إلا ثلاثة. فلا دخول ولا إخراج حينئذ. وهذا القول ضعيف أيضا، لأن الإستثناء إخراج بالاتفاق. ولأنه خارج عن قانون اللغة. إذ لا اسم مركب من ثلاثة ألفاظ. ولا مُرَكَّب يعرب أوله، وهو غير مضاف. ولامتناع إعادة الضمير إلى بعض الاسم، في إلا نصفها .(1/156)


وقيل: _ وهو الصحيح المندفع عنه ما على هذين القولين من الإشكال _ أن المراد بعشرة: عشرة باعتبار الأفراد. ثم أخرجت ثلاثة. والإسناد إنما حصل بعد الإخراج، فلم يسند إلا إلى سبعة. والله أعلم. فكأنه قال: العشرة المخرَج منها ثلاثة له عليَّ. فلا تناقض. فحصل من هذا أن الإستثناء على القول الأول: تخصيص. وعلى القول الثاني: ليس بتخصيص. وعلى القول الثالث: يحتمل.والأَول:ى أنه تخصيص. إذ لا يحتمل سواه .
(( و )) الثاني من المخصِّصات المتصلة (( الشرط )).وهو في اللغة: العلامة. ومنه اشراط الساعة. أي: علاماتها. وفي الشرع: ما يتوقف عليه تأثير المؤثر، لا وجوده .
قولنا: ما يتوقف عليه تأثير المؤثر. يدخل فيه علته، وجزء علته، وشرط علته .
وقولنا: لا وجوده. تخرج هذه. فإن التأثير والوجود كلاهما متوقفان عليها، بخلاف الشرط. فإن وجود المؤثر لا يتوقف عليه. بل إنما يتوقف عليه تأثيره فقط. كالإحصان فإنه شرط في الرجم، لتوقف تأثير الزنا فيه عليه. وأما وجود الزنا فلا يتوقف عليه، لأن البكر قد تزني.
واعلم: أن الشرط ثلاثة أقسام:
1_ شرعي. كما مثلنا.
2_ وعقلي. كما يقال: الحياة شرط في العلم.
3_ ولغوي. نحو:ا كرم الناس إن كانوا علماء. فقصر الشرط الإكرام على العلماء دون غيرهم. وهذا هو المراد هنا، وهو كالإستثناء فيما سيأتي من وجوب الإتصال. ومن أنه يأتي بعد الجُمَل المتعاقبة. ويعود إلى جميعها، إلا لقرينة. على الصحيح. كما يأتي.
(( و )) القسم الثالث من المخصِّصات المتصلة (( الصفة )). نحو: أكرم الرجال العلماء. فإن التقييد بالعلماء مخرِج لغيرهم. ويشترط فيها أيضا وجوب الإتصال. وإذا كانت بعد المتعدد عادت إلى جميعها. إلا لقرينة .
(( و )) القسم الرابع من المخصِّصات المتصلة (( الغاية )). وغاية الشيء: طرفه ومنتهاه. ولها الفظان:
أحدهما: إلى. مثل: {وأتموا الصيام إلى الليل }.(1/157)


والثاني: حتى. نحو: {لا تقربوهن حتى يطهرن }. وما بعد الغاية مخالف لما قبلها في الحكم. لأن ما بعدها محكوم عليه بنقيض ما قبلها. لأنهما لو اتحدا في الحكم لم يكن الحكم منتهيا، ولا منقطعا. فلا تكون الغاية غاية. والله أعلم .
وأما إدخال جزء من الليل في الصوم، ووجوب غسل المرفق مع الساعد، فللإحتياط. فهي مخرِج لما بعدها من الحكم، ومخصصة له. وهي كالذي تقدم في وجوب الإتصال والعود إلى الجُمَل المتقدمة.
(( و )) القسم الخامس من المخصِّصات المتصلة (( بدل البعض )). كقولك: أكرم الناس قريشا. فإن ذكر قريش يقتضي تخصيص الناس بهم.
واعلم: أن المشهور من المخصِّصات المتصلة هي الأربعة الأُول.
وأما هذا فزاده المصنف تبعًا لابن الحاجب. فهذه أقسام المخصَّص المتصل. وأنت تعلم أن بعضها مخرِج للمذكور. كالإستثناء، والغاية. فإن في قولك: أكرم الناس إلا زيدا. {وأتموا الصيام إلى الليل} أخرجت زيدا، والليل من الحكم. وبعضها مخرِج لغير المذكور، كالثلاثة الباقية. فإن في قولك: أكرم الناس إن دخلوا الدار. وأكرم الناس العلماء. وأكرم الناس قريشا. أخرجت مَن لم يدخل في الدار، وغير العلماء، وغير قريش من الحكم. فتأمل!
(( والمختار )) عند أكثر العلماء (( أنه )) أي: الشأن (( لا يصح تراخي الإستثناء )) عن المستثني منه. بل لا بد من الإتصال لفظا.
(( إلا )) أن ينفصل عنه، ويتراخى (( قَدرَ تَنَفُّسٍ، أو بَلعِ ريقٍ ))، أو نحوهما، من سعال، أو تَفَكُّرٍ فيما يستثني، مما لا يعد معه منفصلا في العرف.
وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: جواز التراخي.
قيل إلى شهر.
وقيل : إلى سنة.
وقيل: أبدا .
وعن بعضهم: يجوز إلى أربعة أشهر .
وعن آخرين: في المجلس فقط.(1/158)


والصحيح هو الأول. بدليل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ( من حلف على شيء فرأى غيره خيرا منه، فليأت الذي هو خير، ثم ليكفر عن يمينه ). معيَّنا، ولو كان يجوز تراخي الإستثناء لخُيِّر بينهما. لأن الإستثناء أسهل. فإذا لم يُعَيِّنه فلا أقل من أن يُخَيِّر بينهما. وأيضا لو جاز لم يقطع بمضمون جملة، من طلاق، وعتاق، وغيرهما. لجواز أن يرد عليها استثناء آت تصرفها عن ظاهرها. فتصيرها صادقة وإن كان ظاهرها الكذب. والعكس.وأيضا فإنا نعلم أن قائلا لو قال: عليَّ مائة. ثم قال بعد شهر: إلا عشرة. قطع بكذبه، وعُدَّ كلامه لغوا. والله أعلم.
واعلم: أنه لا خلاف في امتناع الإستثناء المستغرق، وأنه باطل. سواء كان مثل المستثنى منه، أو أكثر. ولا خلاف أيضا في جواز استثناء الأقل. أي: دون النصف، ويبقى فوق النصف.
واختلف في استثناء الأكثر حتى يبقى دون النصف؟ وفي استثناء المساوي حتى يبقى نصف المستثنى منه؟
(( و )) المختار عند الأكثر (( أنه يصح استثناء الأكثر )) حتى يبقى نصف المستثنى منه.وكذا المساوي.
ومنهم: من منع منهما.
لنا: وقوع ذلك. وأنه دليل الجواز.وذلك في قوله تعالى: { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين}. وهم أكثر من غيرهم. بدليل{وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين}. فدلت على أن الأكثر ليس بمؤمن، وكل من ليس بمؤمن غاوٍ. فالأكثر غاوٍ.(1/159)


وفي قوله تعالى: { ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومها إلا من حملت ظهورها}. يريد شحم الظهر والجنب، {أو الحوا يا}. يريد ما احتوت عليه من الشحم، وهي المباعر من الأمعاء، {أو ما اختلط بعظم}. وهو: شحم الإلية. فهذه جميعها مستثناة من الشحوم في أنها حلال لهم. وهي أكثر الشحوم كما ترى. وأيضا فإن العلماء قد أجمعوا على أن القائل لو قال: علي له عشرة إلا تسعة. لصح هذا الإستثناء، ولزم المقر درهم فحسب. وذلك دليل على جوازه لغة. وإلا لم يقع الإتفاق عليه عادة. ولذهب جماعة ولو قليلا إلى لزوم العشرة، لكون الإستثناء لغوا. كما في المستغرِق. وإذا جاز استثناء الأكثر فالمساوي بالأَولى .
(( و )) المختار أيضا (( أنه )) أي: الإستثناء (( من النفي إثبات )) لما استثني. نحو: ما عندي عشرة دراهم إلا درهما. فهو إثبات للدرهم. عند الأكثر، خلافا للحنفية. فإنه عندهم مخرَج مما قبله، غير محكوم عليه بالثبوت، لا لفظا ولا معنى .
أما اللفظ فلعدم ما يدل عليه على هذا التقدير.
وأما المعنى فلأن الأصل عدمه.
والدليل على ما ذهبنا إليه أن المعتمد في دلالة الألفاظ هو النقل عن أهل العربية، والمنقول عنهم أنه كذلك. وأيضا فلو لم يكن إثباتا لما كان قول القائل: لا إله إلا الله توحيدا. لأن معنى التوحيد: هو نفي الإلهية عما عدى الله تعالى، وإثباتها له. فإذا لم يدل هذا اللفظ على إثبات الإلهية لله تعالى، بل كان مسكوتا عنه، فات أحد شطري التوحيد.والمعلوم أنه توحيد. فثبت ما قلناه.
(( و )) كذا (( العكس )). وهو: أنه من الإثبات نفي.
قيل: وهو: اتفاق. لأنه عند الحنفية موافق لحكم الأصل. وهو براءة الذمة. والظاهر أنه ينتفي عندهم لهذا، لا للإستثناء. وعندنا للإستثناء. لنقل ذلك عن أهل العربية أيضا.
(( و )) المختار (( أنه )) أي: الإستثناء (( بعد الجُمَل المتعاطفة )) أي: المعطوف بعضها على بعض.
قيل: بالواو فقط.
وقيل: مطلقا. أي: الواو وغيره.(1/160)

32 / 49
ع
En
A+
A-