النفي.نحو: ما من رجل. ولا رجل. فإنها في سياق النفي تفيد العموم.
(( و )) منها: (( الجمع المضاف )). نحو عبيدي، وعبيد زيد،
في قولك: أكرم عبيدي، أو عبيد زيد. بخلاف غير المضاف إذا لم يُعَرَّف. نحو: أكرم عبيدا. فإنه ليس بعآمٍّ، لأنه كرجل. فكما أن رجلا لا يعم إلا عموم البدل، في قولك: اضرب رجلا. كذلك رجل، وعبيد، لا يعم إلا عموم البدل .
(( و )) منها: (( الموصول الجنسي )).أي: الذي يراد به
الجنس. نحو: الذي يأتيني فله درهم. لا الذي يراد به العهد بأقسامه. لأن حكم الموصول، حكم المعَرَّف باللام في أقسامه .
(( و )) منها: (( المُعَرَّف بلام الجنس )) الذي يراد به
الإستغراق. (( مفردا )) كان ذلك المعرَّف، مثل: { إن الإنسان لفي خسر } . { والسارق والسارقة } فهذه تعم المفردات.
(( أو جمعا )). نحو: العبيد، والرجال، والأفراس، والناس. وهذه تعم الجموع، لأن اللام تفيد العموم فيما دخلت عليه. فإن دخلت على مفرد أفادت العموم في الأفراد. وإن دخلت على جمع أفادته في الجموع. وفائدة هذا أنه يتعذر الإستدلال به في حال النفي والنهي، على ثبوت حكمه لفرد. لأنه إنما حصل النفي والنهي عن أفراد الجموع، والواحد ليس بجمع. وهذا معنى قولهم: لا يلزم من نفي المجموع نفي كل فرد. ولا من النهي عنه النهي عن كل فرد.
(( والمختار )) عند الأكثر من العلماء (( أن المتكلم )) إذا خاطب المكلفين بخطاب هو داخل في عموم متعلق خطابه، وهو الحكم الذي ورد فيه الكلام.فإنه حينئذ (( يدخل في عموم )) متعلق (( خطابه )). لتناول صيغة الخطاب له بحسب اللغة، سواء كان الخطاب أمرا، مثل: من أحسن إليك فأكرمه. فالمتكلم داخل في عموم الإكرام. أو نهيا، مثل: من أحسن إليك فلا تهنه. أو خبرا، مثل: {والله بكل شيء عليم}. ونحو ذلك. فوجب أن يتناوله في التركيب.(1/151)


ومنهم من قال: لا يدخل. بقرينة كونه متكلما. وأيضا يلزم في قوله تعالى: {خالق كل شيء}. والصحيح الأول لما ذكرنا من أن اللفظ يتناوله، ولا يمنع من ذلك كونه متكلما .
وأما قوله تعالى : {خالق كل شيء }فمخصَّصٌ بالعقل .
قلت: ومما يدل على أن المتكلم يدخل في عموم كلامه، قوله تعالى:
{ كل شيء هالك إلا وجهه }.إذ لو لم يدخل لما صح الإستثناء. ولا يستقيم جعل إلا بمعنى: غير. في ذلك. ولا جعل الإستثناء منقطعا. وذلك ظاهر. فتأمل! والله أعلم .
(( و )) المختار (( أن مجيء العام للمدح، أو الذم لا يبطل عمومه )). بل يبقى كذلك، فيثبت الحكم في جميع متناولاته. مثاله قوله تعالى: {إن الأبرار لفي نعيم، وإن الفجار لفي جحيم}. {والذين يكنزون الذهب والفضة ...}الآية. فيعم ذلك كل ذهب وفضة، في وجوب الزكاة. ونقل عن الشافعي: خلاف ذلك. حتى قال بعض أصحابه: إن الذهب والفضة ليس عاما، فلا يدخل فيه الحلي حتى تجب الزكاة. بناء على أن سَوقَ الكلام في قوله تعالى: {الذين يكنزون ...}الآية، للذم. لا لإيجاب الزكاة في كل ذهب وفضة .
قلنا: هو عامٌ بصيغته وضعا، ولا منافاة بين المدح والذم، وبين التعميم. فوجب التعميم .
(( و )) المختار أيضا (( أن نحو )) قول القائل: والله (( لا أكلتُ ))، ومثله: إن أكلت. (( عامٌ في )) مفعولاته، التي هي (( المأكولات ))، وغيرها. لأنه نكرة في سياق النفي، أو الشرط. فيكون عاما لكل مأكول. ولا يختص بنوع دون نوع. وإذا كان كذلك كان كألفاظ العموم. (( فيصح تخصيصه )) بأن ينوي شيئا معينا لو زمانا، أو مكانا معينا، أو يستثني ذلك. فإذا قال: أردت أني لا أكلت التمر، أو في زمان كذا، أو في مكان كذا، أو إلا التمر. لم يَحنَث .
وقيل: لا يصح تخصيصه بما ذكر. إذ هو لحقيقة الفعل من غير نسبة إلى شيء. والحقيقة الذهنية لا يدخلها زيادة ولا نقصان. فلا يصح تخصيصها .(1/152)


قلنا: نعم. ولكن نفي الحقيقة إنما يتحقق بالنسبة إلى كل مأكول. ولذا يحنث بأي أكل اتفاقا. وهذا معنى العموم. فوجب قبوله التخصيصَ كسائر العموميات. والله أعلم.
واعلم أن منشأ الخلاف: أن يكون فعلا متعديا لم يُقَيَّد بشيء، واقعا بعد النفي، أو الشرط. كما صُوِّر في الكتاب.
(( و ))المختار أيضا (( أنه يحرم العمل بالعام، قبل البحث عن مخصصه )). لأن المخصِّص في الشرع كثير. فيضعف ظن بقاء العموم على ظاهره . فقد قيل: ما من عموم إلا وقد دخله التخصيص. إلا قوله تعالى: { والله بكل شيء عليم }.وإذا كان كذلك، لم يحصل ظنٌ ببقاء العموم على ظاهره إلا بعد البحث، وإذا لم يحصل ظن لم يجز العمل به مع الشك. فيجب حينئذ على المطلع على العموم الوقف عن العمل به حتى يحصل البحث.
وقد قيل: إن هذا إجماع. ومنهم من نقل عن الصيرفي جوازَ العمل عند الإطلاع عليه حتى يوجد المخصص. وذكر بعض المحققين: أن خلاف الصيرفي إنما هو في اعتقاد عمومه. ثم إن ظهر له مخصص بعد، وجب تغيير ذلك الإعتقاد. والله أعلم.
نعم. وإذا وجب البحث عن المخصِّص كفى الباحث عنه إذا لم يجده ظن فقده، إذا كان ذلك بعد الإطلاع على ما يصح التخصيص به. فلا يجب التَّيَقُّن. إذ العلم بالعدم لا يُتصور. والله أعلم.
(( و )) كذلك المختار: (( أن )) ما وضع لخطاب المشافهة (( مثل: يا أيها الناس )). { يا أيها الذين آمنوا } .فهو خطاب للموجودين فقط. (( لا يدخل فيه من سيوجد )) بعدهم. (( إلا بدليل آخر ))، غير الخطاب. من إجماع، أو نص، أو قياس .
وأما بمجرد الصيغة فلا يدخل. وذهبت الحنابلة: إلى دخولهم في الخطاب مع الموجودين.
قلنا: المعلوم قطعا أنه لا يقال للمعدومين { يا أيها الناس } ونحوه. وإنكاره مكابرة. وأيضا فإنه لا يتناول الصبي والمجنون، إذ لا يخاطبون بمثل ذلك، لقصورهم عن الخطاب. وإذا لم يتناولهم مع وجودهم فالمعدومون أولى بأن لا يتناولهم. إذ تناوله لهم أبعد. والله أعلم.(1/153)


(( و )) المختار: (( أن )) خطاب الذكور الذي يمتاز عن خطاب الإناث بعلامات كالمسلمين، وفعلوا، لا يدخل فيه الإناث. لإجماع أهل العربية على أن مثل ذلك جمع مذكر. إذ هو جمع مسلم، وفعل. ولا نزاع في أن مسلما، وفعل، وفاعلا، للمذكر خآصة. فكذلك جمعه .
وأما (( دخول النساء في عموم )) ذلك وما أشبهه، مثل: يا أيها (( الذين آمنوا. ونحوه )) فذلك إنما هو (( بنقل الشرع )) لدخولهن. لحمل الصحابة والتابعين من كان كذلك على الجنسين. وذلك دليل خارجي، ولا مانع من دخولهن به. ولذا لم يدخلن في الجهاد، والجمعة، في قوله تعالى: {وجاهدوا }.{فاسعوا}. لعدم الدليل الخارجي.
واعلم: أن الصيغة التي يصح إطلاقها على الذكور، قد توضع بحسب المآدة للذكور خآصة مثل الرجل. ولا نزاع في أنها لا تتناول النساء. وقد يوضع لما هو أعم مثل: الناس، ومَن، وما. ولا نزاع أيضا في أنها تتناولهن. وقد تكون بحسب المآدة موضوعة لهما، وبحسب الصيغة للمذكر، نحو مسلمين، وفعلوا. وهذا المتنازع فيه. ذكر معنى ذلك بعض المحققين.
(( أو بالتغليب )) عطف على قوله: بنقل الشرع. أي: دخول النساء في ذلك إما بنقل الشرع كما بيَّنا. أو بالتغليب للذكور على الإناث. لاشتراكهم في صفة الإيمان.
(( و )) كذا المختار: (( أن ذكر حكم لجملة لا يخصصه ذكره )) أي: ذكر الحكم مرة ثانية (( لبعضها )).يعني: إذا ورد بعد العام حكم لا يتأتى إلا في بعض أفراده، لم يكن تخصيصا لذلك العام. مثاله قوله تعالى: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن }.ثم قال: {لا تدري لعل لله يحدث بعد ذلك أمرا}.يعني المراجعة. وهي لا تتأتى في البائن. فعُلم أن المراد الرجعي. والأول عام للرجعي، والبائن. فيبقى على عمومه، ولا يخصصه ذلك البعض. كذا ذكره بعض المحققين، في بيان هذه المسألة.(1/154)


(( وكذا عود الضمير إلى بعض )) أفراد (( العام ))، لا يقتضي التخصيص. بمعنى: أنه إذا ورد عام وبعده ضمير يرجع إلى بعض ما تناوله العام، فإن عود الضمير إلى ذلك البعض لا يقتضي تخصيص العام. بل يبقى على عمومه. مثال ذلك: قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء}. فهذا عام للرجعيات والبوآئن. ثم قال: { وبعولتهم أحق بردهن }.والضمير لا يعود إلا إلى الرجعيات فقط. لا إلى البوآئن، إذ الزوج لا يملك رجعتهن. فيبقى الأول على عمومه، ولا يخصصه عود الضمير إلى البعض. (( إذ لا تنافي بين ذلك )). أي: بين أن يُذكر بعد العام حكمٌ لا يأتي إلا في بعض أفراده، وبين بقاء العام على عمومه، ولا بين عود الضمير إلى بعض أفراد العام، وبين العام. فحينئذ يبقى العام على عمومه، (( في )) هاتين (( الصورتين )) جميعا. إذ يجوز أن يختص بعض مدلول العموم بحكم دون البعض الآخر. ولا تنافي في ذلك. والموجِب للتخصيص هو التنافي، أو ما يجري مجراه. فلا يُحمل على التخصيص إلا حيث يحصل ذلك. إذ يمتنع العمل بهما من كل وجه، فيصار إلى العلم بهما من وجه.
فمثال التنافي: اقتلوا المشركين، لا تقتلوا أهل الذمة.
ومثال ما يجري مجراه نحو: اقتلوا المشركين، اكرموا أهل الذمة. فتأمل! والله أعلم.
(( والمخصَّص )) _ بكسر الصاد _ للعام قد تقدم أن المخصص في الحقيقة هو إرادة المتكلم. وأنه يطلق _ مجازا _ على الدآل على الإرادة. وهو المراد هنا. فالمخصِّص بهذا المعنى قسمان:
(( متصل، ومنفصل )). لأنه إما أن يستقل بنفسه؟ أولا يستقل؟
إن استقل فهو المنفصل. وإن لم يستقل فهو المتصل. (( فا)) لمخصص (( المتصل )) خمسة أقسام (( هي )):
الأول: (( الإستثناء )). وهو قسمان:(1/155)

31 / 49
ع
En
A+
A-