(( وكذا )) إذا تكرر الأمر (( بغير )) حرف (( عطف )). نحو: صل ركعتين صل ركعتين. فإنه(1) يقتضي تكرار المأمور به. (( على )) القول (( المختار )). لأن فائدة التأسيس _ وهي أن يقتضي التكرار إيجابا آخر _ أظهر من فائدة التأكيد للأول. وهي نفي توهم التجوز. ولذا يقال: الإفادة خير من الإعادة. ولأنه إذا انفرد كل واحد منهما اقتضى مطلوبا، فكذا إذا اجتمعا. لأن ذلك مقتضى أصل الأمر. والله أعلم.
(( إلا لقرينة )) تمنع من ذلك، (( من تعريف )) الثاني. نحو: صل ركعتين صل الركعتي.ن فإن التعريف حينئذ للعهد الخارجي. فيكون عبارة عن الأول. لأن إعادة المُنَكَّر معرفةً تقتضي الإتحاد. فهو من باب وضع الظاهر موضع المضمر. فكأنه قيل: صلهما.
(( أو غيره )) من القرائن المقتضية أن الثاني عبارة عن الأول:
كعادة، نحو: اسقني ماء اسقني ماء. فإن العادة قاضية بأن مراده يسقيه ماء يزيل به العطش. وذلك يحصل بمرة.
أو إشارة، نحو: صم هذا اليوم صم هذا اليوم. فإن ذلك كله يقتضي أن الثاني تأكيد للأول. فلا يقتضي الأمر التكرار حينئذ. والله أعلم.
(( وإذا ورد الأمر )) بشيء (( مطلقا، أي: غير مشروط )) بما لا يتم إلا به. (( وجب تحصيل المأمور به )). (( و )) ويجب أيضا تحصيل (( ما لا يتم إلا به )). (( حيث كان )) ما لا يتم المأمور به إلا به، (( مقدورا للمأمور )).
قوله: مطلقا. أي: غير مشروط. يحترز من أن يرد الأمر مشروطا بما لا يتم إلا به، نحو قوله: اصعد السطح إن كان السلم منصوبا. فإنه لا يجب عليه الصعود إلا حيث وجده منصوبا. ولا يجب عليه تحصيل ما لا يتم الصعود إلا به _ أعني _ نصب السلم. لأن الآمر لم يوجب عليه الصعود إلا حيث وجده منصوبا لا غير.
__________
(1) -في نسخة:في أنه.(1/146)


وقوله: وكان مقدورا للمأمور. احتراز مما لا يدخل تحت قدرة المكلف. نحو: تحصيل القَدَم للقيام. وكذلك القدرة. فإن الواجب وإن لم يتم إلا بها فليس يجب تحصيلها، إذ ليست داخلة في مقدور المكلف. وكذلك أساب الوجوب، كالوقت للصلاة، وشروطه كالتكليف، فإنه لا يجب تحصيلها، وإن كان الواجب لا يتم إلا بها. فإذا حصلت هذه الشروط، وجب حينئذ تحصيل ما لا يتم الواجب إلا به. سواء جعله الشارع شرطا للفعل _ وإن كان يُتصور وجوده بدونه كالطهارة للصلاة _ أو لم يجعله شرطا. لكنه يلزم فعله عقلا، كترك الأضداد في الواجب، وفعل ضد في المحرم.
أو عادة: كإدخال جزء من الرأس في غسل كل الوجه، وجزء من الساق في ستر كل الركبة، وجزء من الليل في الصيام. وإنما وجب ذلك لأنه يجب تحصيل ما أمر به الحكيم على أكمل حال. وهذا يقتضي وجوب تحصيل ما لا يتم إلا به. لأنا نعلم قطعا أنا لا نتمكن من الخروج عن عهدة الأمر إلا بذلك الذي يتوقف عليه. وهذا يقتضي وجوبه قطعا، إذ لو لم يجب لكان الآمر كأنه قال: افعل كذا حتما. وأنت مخير في فعل ما لا يتم إلا به. وهذا يستلزم تكليف ما لا يطاق، أو نقض الحتم. وهو لا يصدر من حكيم. فاستلزم ذلك أن الأمر بالشيء أمر بما لا يتم إلا به. فهذا هو المختار عند الأكثر.
وقيل: إن الأمر بالشيء لا يقتضي وجوب ما لا يتم به مطلقا. أي: سواء كان شرطا، أو غير شرط .
وقيل: يجب بالأمر مطلقا.قيل(1) ولا خفاء في أن وجوب الشرط الشرعي للواجب معلوم قطعا. إذ لا معنى لشرطيته سوى حكم الشارع أنه يجب الإتيان به عند الإتيان بذلك الواجب. فلا نزاع في ذلك، وإنما النزاع في أن الأمر بالشيء هل يكون أمرا بما لا يتم به وإيجابا له أم لا ؟ والله أعلم.
__________
(1) _ كلمة (قيل) محذوفة في نسخة.(1/147)


(( والصحيح )) عند الأكثر (( أن الأمر بالشيء ليس نهيا عن ضده )). لا في المعنى _ لتغاير المفهومين، فإن مفهوم الأمر مضاف إلى شئ والنهي إلى ضده _ ولا في اللفظ. لأن صيغة الأمر: افعل، وصيغة النهي: لا تفعل.
ومنهم من قال: الشيء المعين إذا أمر به كان ذلك الأمر نفس النهي عن ضده. مثلا إذا قال: تحرك فإن ذلك بعينه نهي عن السكون. لأن فعل الحركة، هو عين ترك السكون.
قيل: وهذا الخلاف يعود إلى الفعل المأمور به، هل يسمى تركا لضده؟ أو يسمى طلبه نهيا عن ضده؟ فحينئذ يكون لفظيا والله أعلم.
(( ولا العكس )). وهو: أن النهي عن الشيء ليس أمرا بضده. والخلاف فيه كالأول.
(( فصل )) (( والنهي قول القائل لغيره: لا تفعل ))
أو نحوه (( على جهة الإستعلاء كارها )) ذلك القائل (( لما تناوله النهي )). وهذه القيود كلها قد عرفت في حد الأمر، فلا حاجة إلى إعادتها. ونحو: لا تفعل. حرمت عليك. ونهيتك. ونحو ذلك .
(( و )) النهي (( يقتضي مطلقه الدوام )) على ترك المنهي عنه. وذلك لأن المطلوب بالنهي مع الإطلاق، أن لا يكون للمنهي عنه حالة وجود في جميع الأحوال. لأن لا تفعل كذا بمثابة كف عن هذا الفعل. ولا معنى للكف عنه إلا أنه لا يوجده، فإذا أوجده في حال فقد خالف ولم يمتثل للنهي. بخلاف الأمر، فإن المطلوب به ثبوت المأمور به وإيجاده. فمتى وجد فقد امتثل. فتأمل! والله أعلم .
(( لا مقيدة )) بشرط أو وقت، أو نحوهما نحو: لا تفتح بابك إن لم يكن عندك أحد، أو ليلا. فإن هذا لا يدل على دوام ترك المنهي عنه. بل لا يدل إلا على مرة واحدة. فيمتثل بالترك مرة عند حصول القيد. وهذه المرة تتعين في أول أحوال وجود القيد .
وقيل: بل المقيد أيضا يقتضي الدوام كالمطلق، وهذا هو الأقرب.لأنه قد ثبت اقتضاؤه للتكرار مع الإطلاق، ومع التقييد أظهر.
ألا ترى أنه قال بالتكرار في الأمر المقيد بمثل ذلك، مَن لم يقل به في الأمر. كما تقدم.(1/148)


(( و يدل )) النهي (( على قبح المنهي عنه )). فيكون حينئذ حقيقة في الحظر دون الكراهية. (( لإفساده )). أي: المنهي عنه. لأن معنى الفساد في الشيء: عدم ترتب ثمراته وآثاره عليه. والمعلوم أن المنهي عنه قد تترتب ثمراته وآثاره عليه. وذلك: كطلاق البدعة، فإنه منهي عنه، وثمرته وهي انفساخ النكاح واقعة. ولو كان يقتضي الفساد لما وقعت. وكذا البيع وقت النداء للجمعة فإنه منهي عنه، وثمرته هي
اقتضاء الملك حاصلة. (( على المختار فيهما )). أي: في الطرفين جميعا، وهما كون مطلقه يقتضي الدوام، لا مقيده. وكونه يدل على قبح المنهي عنه لإفساده. والله أعلم.
(( الباب السادس )) من أبواب الكتاب (( في العموم والخصوص والإ طلاق والتقييد ))
العموم: مصدر عَمَّ يَعُمُّ عموما. أي: شمل.
والخصوص: مصدر خص يخص. وهو خلاف العموم. واسم الفاعل منهما: عام، وخاص.
(( العام هو: اللفظ المستغرِق لما يصلح له من دون تعيين مدلوله ولا عدده)). قوله: اللفظ. جنس الحد. قيل: ولو قال: الكلمة. لكان أولى. لأن اللفظ جنس بعيد للمحدود. لأنه لا يطلق على المهمل والمستعمل، والمفرد، والمركب. بخلاف الكلمة. وقوله: المستغرق. خرج به ما لم يستغرق، كالنكرة في سياق الإثبات كرجل، ورجلين، ورجال. فإنها لا تستغرق جميع ما يصلح له .
إما في الخبر. نحو: جاءني رجل. فلا يعم .
وإما في الأمر. نحو: اضرب رجلا. فإنها تعم عموم البدل. أي: تصدق على كل واحد بدلا عن الآخر. وكذا إذا كانت النكرة عددا كعشرة، فإنها لا تستغرق جميع العشرات.
وقوله: لما يصلح له. احتراز عما لا يصلح له. فإن عدم استغراق اللفظ له، لم يمنع من كونه عاما. وذلك كَمَن. فإنها لا تستغرق إلا العقلاء. وعدم استغراقها لغير العقلاء لا يمنع من عمومها. والمراد بالصلاحية: أن يصدق عليه في اللغة .(1/149)


وقوله: من دون تعيين مدلوله ولا عدده. ليخرج نحو: الرجال المعهودين، ونحو: عشرة. فإنهما وإن استغرقا ما يصلحان له، ولكن مع تعيين المدلول والعدد فليسا بعامين. ومنهم من زاد في الحد: بوضع واحد. وذلك ليدخل في المشترك إذا استغرق جميع أفراد معنى واحد، كالعين إذا أريد بها المبصرة، في قولك: رأيت العيون. فإنها تستغرق جميع ما يصلح له من هذا المعنى. وإن لم يستغرق غيره. لأن صلاحيتها له بوضع ثان، غير هذا الوضع. ويخرج به أيضا: المشترك. إذا استعمل في جميع حقائقه. فإنه يصدق أنه مستغرق لما يصلح له. وليس بعامٍّ. لتعدد الواضع. فتأمل! والله أعلم.
فهذا القيد يُدخل المشترك باعتبار، ويُخرجه باعتبار، كما ترى .
(( والخاص بخلافه )). وهو: اللفظ الذي لا يستغرق ما يصلح له.
(( والتخصيص: إخراج بعض ما تناوله العام )). أي: إخراجه عما يقتضيه ظاهر اللفظ من الإرادة والحكم، لا عن الحكم نفسه ولا عن الإرادة نفسها. فإن ذلك الفرد لم يدخل فيهما حتى يخرج، ولا عن الدلالة، فإن الدلالة هي كون اللفظ بحيث إذا أطلق فهم منه المعنى. وهذا حاصل مع التخصيص. هكذا ذكره بعض المحققين.
والمخصَّص _ بفتح الصاد _ هوالعام الذي أخرج عنه البعض. والمخصِّص _ بكسرها _ هو المخرِج _ بكسر الراء .
والمخرِج _ حقيقة _ هو إرادة المتكلم. وقد يطلق مجازا على الدآل على التخصيص، تسمية للدآل باسم المدلول .
(( وألفاظ العموم )) الموضوعة له، التي لا يُفهم منها عند الإطلاق سواه كثيرة منها:
(( كل، وجميع )). وهما يستعملان في كل شئ سواء كان من أولي العلم، أو من غيرهم .
(( و )) منها: (( أسماء الإستفهام، والشرط )).
نحو: مَن. للعقلاء.
وما. لغيرهم في الأغلب.
وأي. لهما.
وأين، وأنَّى. للمكان.
ومتى، وأيان. في الزمان.
وهذه تستعمل في الإستفهام، والشرط جميعا .
(( و )) منها: (( النكرة المنفية )) بما، ونحوها من حروف(1/150)

30 / 49
ع
En
A+
A-