الإعتراض (( التاسع عشر(1) ))
المعارضة في الفرع. وهي التي تعرف بالمعارضة عند الإطلاق في باب القياس، بخلاف المعارضة في الأصل، فإنها تُقَيَّد بذلك. وهي – أعنى _ المعارضة في الفرع، أن يأتي المعترض بوصف يقتضي نقيض الحكم فيه. بأن يقول: ما ذكرتَه من الوصف، وإن اقتضى ثبوت الحكم في الفرع، فعندي وصف آخر يقتضي نفيه، فيتوقف دليلك. ولا بد فيها من بناء المعترض على أصل، بمسلك يثبت به عليته، على نحو ما يثبت المستدل علية وصفه. إلا أنه لا يجب أن يثبت عليته بالمسلك الذي أثبت به المستدل علية وصفه .إذا تقرر ذلك، فقد اختلف في قبولها؟ والصحيح: قبولها. لئلا تختل فائدة المناظرة، وهي ثبوت الحكم.إذ لا يتحقق– أعني – ثبوت الحكم بمجرد الدليل، ما لم يعلم عدم المعارض. وقصد المعارض بها هدم دليل المستدل، وقصوره عن إفادة مدلوله . فكأنه يقول: دليلك لا يفيد ما ادعيت، لقيام المعارض، وهو دليلي. فعليك بإبطال دليلي ليسلم دليلك ويفيد. وليس مقصوده بها إثبات ما يقتضيه دليله . فلا يصير استدلالا من معترض، فلا يكون فيه قلب المناظرة كما قيل .
__________
(1) _ نص الكافل هكذا: ( التاسع عشر: اختلاف الضابط في الأصل والفرع. وهو الوصف المشتمل على الحكمة المقصودة. مثاله: أن يقول المستدل في شهود الزور على القتل إذا قتل بشهادتهم: تسببوا للقتل فيجب القصاص كالمكرِه. فيقول المعترض: الضابط مختلف، فإنه في الأصل الإكراه، وفي الفرع الشهادة، ولم يعتبر تساويهما في المصلحة فقد يعتبر الشارع أحدهما دون الآخر. وجوابه: بأن الضابط هو القدر المشترك، وهو التسبيب، أو بأن إفضاءه في الفرع مثل إفضائه في الأصل، أو أرجح. ونحو ذلك ).(1/106)


وجواب المعارضة: بما يعترض به على المستدل من جميع ما مر من الإعتراضات . مثاله أن يقول المستدل على أن العبد إذا جني عليه: إنه يُضمن بقيمته بالغة ما بلغت، قياسا على غيره من المملوكات: مملوك فتجب فيه قيمته بالغة ما بلغت، كغيره من المملوكات . فيقول المعترض: عندي وصف آخر يقتضي نقيض هذا. وهو أن يقال: آدمي فلا يتعدى به دية ا لحر . فعارض علة المستدل وهي كونه مملوكا بما يقتضي نقيض الحكم، وهو كونه آدمي .والمختار: قبول الترجيح، فيتعين الأرجح وهو المقصود.
الإعتراض (( العشرون(1))
الفرق. وهو أن يستخرج المعترض من العلة التي علل بها المستدل علة أخرى غير التي علل بها، ليبطل القياس . ويحصل الفرق بين الأصل المقيس عليه، والفرع المقيس .مثاله: قول الحنفي في الإستدلال على أن مسح الرأس لا يُسن فيه التكرار، بالقياس على مسح الخف: مسحٌ فلا يُسن فيه التكرار، كالمسح على الخف. فيقول المعترض: إن العلة في سقوط التكرار في المسح على الخف كونه بدلا عن تغليظ، وهو غسل القدمين بتخفيف. والتغشي ليس كذلك. فاستخرج علة للأصل، تعليق الحكم عليها أولى . لأنه إبداء خصوصية في الأصل هي شرط . فكأنه يدعي علية الوصف في الأصل مع خصوصية لا توجد في الفرع. والمستدل يدعي علية الوصف من دون خصوصية . فيعود حينئذ إلى المعارضة في الأصل .وإن أبدى خصوصية في الفرع لا توجد في الأصل، كانت معارضة في الفرع . وحينئذ جواب الفرق، هو جوابها. فتأمل! والله أعلم.
__________
(1) _ نص الكافل هكذا: ( العشرون: بيان اختلاف جنس المصلحة في الأصل والفرع. مثاله: أن يقول المستدل: يحد باللواط كما يحد بالزنا، لأنه إيلاج فرج في فرج مشتهى طبعا، محرم شرعا. فيقول المعترض: اختلفت المصلحة في تحريمهما ففي الزنا منع اختلاط النسب، وفي اللواط دفع رذيلته، وقد يتفاوتان في نظر الشارع. وجوابه: ببيان استقلال الوصف بالعلية من دون تفاوت ).(1/107)


الإعتراض (( الحادي والعشرون(1))
اختلاف الضابط في الأصل والفرع. وهو الوصف المشتمل على الحكمة المقصودة .مثاله: أن يقول المستدل في الإستدلال على وجوب القصاص على شهود الزور بالقتل، إذا قُتل المشهودُ عليه بسبب شهادتهم، بالقياس على المكرِه: تسببوا للقتل بالشهادة عليه، فيجب عليهم القصاص كالمكرِه . فيقول المعترض: إن الضابط في الأصل والفرع مختلف، إذ هو في الأصل الإكراه، وفي الفرع الشهادة. فلا يتحقق التساوي ؟
وجوابه: بوجهين:
أحدهما: أن الضابط ليس هو الشهادة والإكراه . بل هو القدر المشترك، وهو التسبيب. فإنه أمر منضبط عرفا، فيصلح مظنة .
__________
(1) _ نص الكافل هكذا: ( الحادي والعشرون: دعوى المخالفة بين حكم الأصل وحكم الفرع. مثاله: أن يقاس النكاح على البيع، والبيع على النكاح بجامع في صورة. فيقول المعترض: الحكم مختلف، فإن معنى عدم الصحة في البيع حرمة الإنتفاع بالمبيع، وفي النكاح حرمة المباشرة، وهما مختلفان. والجواب: أن البطلان شيء واحد وهو عدم ترتب المقصود من العقد عليه ).(1/108)


وثانيهما: بيان أن إفضاءه إلى الحكم في الفرع مثل إفضائه في الأصل، أو أرجح منه، فتثبت التعدية. كما لو جعل الأصل المقيسَ _ عليه قتلُ الشهودِ _ المغريَ للحيوان. بأن يقول المستدل: تسببوا للقتل فيجب القصاص، كالمغري للحيوان على القتل. فيقول المعترض الضابط في الأصل إغراء الحيوان، وفي الفرع الشهادة. فيجيب المستدل: بأن إفضاء التسبيب بالشهادة إلى القتل أقوى من إفضاء التسبيب بالإغراء . فإن انبعاث أولياء المقتول على قتل من شهدوا عليه بأنه قُتل طلبا للتشفي بالإنتقام أغلب من انبعاث الحيوان على قتل من يغرى هو عليه. وذلك بسب نفرة الحيوان المغرى عن الآدمي، وعدم علمه بالإغراء . فإذا اقتضى الإغراءُ الاقتصاصَ من المغري، فأولى وأحرى أن تقتضي الشهادةُ الاقتصاصَ من الشهود لما ذكرنا، ولا يضر اختلاف أصلي التسبب، وهو كونه شهادة وإغراء. فإنه اختلاف فرع وأصل.، وذلك كما يقاس إرث المرأة التي يطلقها زوجها في مرض موته، على القاتل عمدا في منع الإرث . فيتوهم أن الحكم في الفرع هو الإرث، وفي الأصل عدمه، فيمنع صحته، وليس كذلك. لأن الحكم هو وجوب إرث المرأة، ووجوب عدم إرث القاتل. فالإختلاف في محل الحكم لا فيه. فتأمل!
الإعتراض (( الثاني والعشرون(1))
اختلاف جنس المصلحة في الأصل والفرع .
مثاله: أن يقول المستدل في الإستدلال على وجوب الحد على اللائط، بالقياس على الزاني . إيلاج فرج في فرج محرم شرعا، مشتهًى طبعا، فيحد كالزاني. فيقول المعترض: المصلحة المقصودة من تحريمهما مختلفة،
__________
(1) _ نص الكافل هكذا: ( الثاني والعشرون: القلب. وحاصله دعوى المعترض أن وجود الجامع في الفرع مستلزم حكما مخالفا لحكمه الذي يثبته المستدل. نحو أن يقول الحنفي: الإعتكاف يشترط فيه الصوم، لأنه لبث فلا يكون بمجرده قربة، كالوقوف بعرفة. فيقول الشافعي: فلا يشترط فيه الصوم كالوقوف بعرفة. وهو أقسام وكلها ترجع إلى المعارضة ).(1/109)


إذ هي في الأصل دفع محذور اختلاط الأنساب، المفضي إلى عدم تعهد الأولاد، وفي اللواط دفع رذيلة اللواط. وقد يتفاوتان في نظر الشارع. وهذا الإعتراض راجع إلى المعارضة في الأصل، بإبداء خصوصية مع علة المستدل، كأنه قال: ليس العلة في الأصل ما ذكرت من الإيلاج المذكور، بل مع كونه موجبا لاختلاط النسب ؟
وجوابه: بإلغاء تلك الخصوصية، وبيان استقلال الوصف بشيء من مسالك العلة، بأن يقول: لو كانت العلة هي الوصف مع الخصوصية، للزم جواز الزنا بالصغيرة، والآيسة، ونحو ذلك
الإعتراض (( الثالث والعشرون(1))
مخالفة حكم الفرع لحكم الأصل. مثاله أن يقول المستدل في الإستدلال على عدم صحة النكاح من غير إيجاب وقبول، بالقياس على البيع: عقدٌ يملك به البضع، فلا يصح من دون إيجاب وقبول، كالبيع . فيقول المعترض: علة الأصل وإن وُجدت في الفرع، فالحكم فيهما مختلف، إذ معنى عدم الصحة في الأصل: حرمة الإنتفاع في المبيع، وفي الفرع حرمة المباشرة، وهما مختلفان حقيقة، وإن تساويا بالدليل صورة . وإنما المطلوب المماثلة، لما تقرر أن معنى القياس: إثبات مثل حكم الأصل في الفرع .
وجوابه: أن البطلان الثابت بالدليل فيهما شيء واحد، وهو عدم ترتب المقصود من العقد عليه . وإنما اختلف فيهما محل الحكم، واختلاف المحل لا يوجب اختلاف الحال، بل اختلاف المحل شرط في صحة القياس. فكيف يجعل ما هو شرط فيه مانعا عنه ؟ إذ يلزم من ذلك امتناعه ابدا، فتأمل! والله أعلم .
__________
(1) _ نص الكافل هكذا: ( الثالث والعشرون: القول بالموجب. وحاصله: تسليم مدلول الدليل مع بقاء النزاع. ومن أمثلته: أن يقول الشافعي في القتل بالمثقل: قتلٌ بما يقتل غالبا فلا ينافي القصاص، كالقتل بالخارق، فيرد القول بالموجب. فيقول المعترض سلمنا عدم المنافاة بين القتل بالمثقل وبين القصاص، لاكنه ليس محل للنزاع، لأن محل النزاع هو وجوب القصاص لا عدم المنافاة للقصاص. ونحو ذلك ).(1/110)

22 / 49
ع
En
A+
A-