وجوابه: بترجيح المصلحة على تلك المفسدة إما:
إجمالا: كما مر في انخرام المناسبة بمفسدة .
أو تفصيلا بحسب خصوص المسألة .كأن يقول هذه المصلحة ضرورية، وتلك المفسدة حاجة، والضروري أولى من الحاجي، وأرجح .
(( مثاله )) أن يقول المستدل على أن الكافرة لا حضانة لها على ولدها الصغير، بالقياس على العاقل: صبي مسلم فلا يجوز أن تحضنه أمه الكافرة، رعاية لمصلحة الدين كما لو كان عاقلا . فيقول المعترض: إنه يلزم من هذه المصلحة مفسدة، وهو ترك حضانة الأم للصبي مع حاجته إليها . فيجيب المستدل بأن المصلحة دينية، والمفسدة حاجية، والدينية أرجح، لأن حفظ الدين أرجح .
أو يقول المستدل: هذه ضرورية نفسية، أي: تعود إلى النفس، وتلك المفسدة حاجية . مثال ذلك: أن يقول المستدل على جواز بيع الحاكم طعام المحتكر، بالقياس على الشفعة: أخذُ مالٍ كرهًا لدفع ضرر عام، فيجوز، كالإكراه في الشفعة . فيقول المعترض: إنه يعارض هذه المصلحة _ أعني _ دفع الضرر العام، وجود مفسدة، وهي أخذ طعام الغير مع حاجته إليه . فيجيب المستدل: بأن المصلحة تعود إلى حفظ النفس، وهذه المفسدة حاجية، وضرورة النفس أرجح من الحاجية . ونحو ذلك مما ترجح به المصلحة على المفسدة بحسب خصوص المسائل كثير.
الإعتراض (( الحادي عشر (1))
كون الوصف المعلَّل به خفيا غير ظاهر .
__________
(1) _ نص الكافل هكذا (الحادي عشر: عدم ظهور الوصف المدعى، كالرضى في العقود، والقصد في الأفعال . والجواب: ظبطه بصفة ظاهرة تدل عليه عادة، كصيغ العقود على الرضى، واستعمال الجارح في المقتل على العمد .(1/96)


وجوابه: أن يأتي المستدل بصفة ظاهرة تدل عليه عادة. مثاله: أن يقول المستدل على وجوب القصاص في القتل: قتلٌ عمدٌ عدوان، فيجب القصاص . فيقول المعترض: وصف العمدية خفي، لأن القصد وعدمه أمر نفسي لا يدرك شيء منه، ولا شك أن الخفي لا يعرف في نفسه، فكيف يعرف به غيره . فيأتي المستدل بما يلائم ذلك ويدل عليه، من أفعال مخصوصة يقضي العرف عليها بكونها عمدا، كاستعمال الجارح في المقتل. فيقول: استعمال الجارح في المقتل يدل على العمد . وكأن يقول المستدل على صحة البيع: عقدُ بيعٍ وقع من راضٍ فيصح . فيقول المعترض: الرضى في العقود أمر خفي، إذ هو أمر نفسي لا يدرك منه شيء . فيأتي المستدل بما يلائم ذلك ويدل عليه، فيقول: صيغة العقد تدل على الرضى.
الإعتراض (( الثاني عشر (1))
كون الوصف غير منضبط . كأن يعلل المستدل حكما بحكمة، أو مصلحة . مثاله: أن يقول في الإستدلال على الترخيص في الفطر في السفر، والقصر فيه: السفر مظنة الحرج والمشقة، فيجوز فيه الإفطار والقصر . إذ في ذلك حكمة ومصلحة . فيقول المعترض: المشقة غير منضبطة، لأنها تختلف باختلاف الأشخاص، والأزمان .ولا يمكن أن يعلق الترخيص بالكل، ولا يمتاز البعض بنفسه . فيجيب المستدل : إما بأنه منضبط بنفسه، كأن يقول: المشقة منضبطة عرفا . أو يأتي بوصف منضبط يلازم المشقة مثلا، كضبطها بالسفر، ونحو ذلك .
__________
(1) _ نص الكافل هكذا: (الثاني عشر: عدم انضباط الوصف .كالتعليل بالحِكَم والمصالح . مثل المشقة في جواز الإفطار والقصر، وكالزجر في شرع الكفارات والحدود .وجوابه: بانضباطه بنفسه، أو بمظنته كالسفر ).(1/97)


الإعتراض (( الثالث عشر (1))
النقض وهو عبارة عن ثبوت الوصف المدعى علة في بعض الصور مع تخلف الحكم عنه .
وجوابه: إما بأن يمنع المستدل من وجود الوصف المدعى علة في صورة النقض . أو بأن يمنع من عدم الحكم فيها، بأن يقول: الحكم الذي يقتضيه الوصف موجود في هذه الصورة، فلا يتحقق النقص . وهذا إذا كان المستدل لا يرى جواز تخصيص العلة، فإن كان يرى ذلك فجوابه: أن يبين ما خصصها في ذلك الموضع من دليل اقتضى نقيض الحكم في صورة النقض لمصلحة أولى، أو دليل اقتضى خلافه . أو يبين تخصيصها لدفع مفسدة آكد . مثال الأول: أن يقول المستدل على تحريم التفاضل والنسأ، في بيع التمر بالرطب، بالقياس على سائر الربويات: مثليٌ استوى في الجنس والتقدير، فيحرم فيه التفاضل والنسأ، كسائر الربويات . فيقول المعترض: هذا منقوض بمسألة العرايا، وهي بيع الرُّطب في رأس النخل بخرصه تمرا مؤجلا، فإنه وجد الوصف المدعى علة، وهي كونه مثليًا استوى في الجنس والتقدير، ولم يوجد الحكم وهو عدم جواز النسأ، بل وجد نقيضه وهو جواز النساء، فيقول المستدل: إنه وُجِد في هذه الصورة دليل اقتضاء نقيض الحكم، فخصص العلة . وهو ترخيصه صلى الله عليه وآله وسلم لحاجة الفقراء إلى الرطب، وقد لا يكون عندهم ثمن آخر.
__________
(1) _ نص الكافل هكذا: ( الثالث عشر: النقض. وهو عبارة عن ثبوت الوصف في صورة مع عدم الحكم فيها. وجوابه: بمنع وجود الوصف في صورة النقض، أو بمنع عدم الحكم فيها. وذلك يكون بإبداء مانع في محل النقض، اقتضى نقيض الحكم، كما في العرايا إذا أوردت على الربويات لعموم الحاجة إلى الرطب، وقد لا يكون عندهم ثمن غير التمر، فالمصلحة في جوازها أرجح. ونحو ذلك. وكتحريم أكل الميتة إذا أورد عليه المضطر، إذ مفسدة هلاك النفس أعظم من مفسدة أكل المستقذر.(1/98)


ومثال الثاني: أن يقول المستدل على وجوب ضمان البُر مثلا، إذا تلف بمثله: مثليٌ فيضمن بمثله كسائر المثليات . فيقول المعترض: هذا منقوض بلبن المصرآة، فإنه وجد فيه العلة، وهي كونه مثليا، ولم يوجد الحكم، وهو ضمانه بمثله، بل وجد خلافه، وهو أن يُضمن بالقيمة . فيقول المستدل: إنه وجد في هذه الصورة دليل اقتضى خلاف الحكم، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم فليردها وصاعا من تمر، فخصص تلك العلة .
ومثال الثالث: أن يقول المستدل على تحريم أكل الميتة: مستقذر فلا يحل أكله، كسائر المستقذرات . فيقول المعترض: هذا منقوض بالمضطر، فإنه يجوز له أكلها . فقد وجدت العلة وهي الإستقذار، وتخلف الحكم وهو التحريم . فيقول المستدل: إنما جاز ذلك في المضطر لدفع مفسدة هلاك النفس، وهي آكد من أكل المستقذر .والله أعلم.
الإعتراض (( الرابع عشر(1) ))
الكسر وهو أن يظن المستدل أن لبعض الأوصاف تأثيرا في الحكم، فيجعله جزءاً من العلة، ويظن المعترض أنه لا تأثير له، فيسقطه ويكسر الباقي من الأوصاف .
__________
(1) _ نص الكافل هكذا: ( الرابع عشر: الكسر. وحاصله وجود الحكمة المقصودة من الوصف في صورة مع عدم الحكم فيها، كما لو قيل: الترخيص في الإفطار في السفر لحكمة المشقة. فيكسر بصنعة شاقة في الحضر. وجوابه: بمنع وجود قدر الحكمة لعسر ضبط المشقة، فالكسر كالنقض في جوابه بمنع وجود الحكمة، أو منع عدم الحكمة، أو لشرعية حكمة أرجح، كعدم قطع القاتل لثبوت القتل.(1/99)


وجوابه: أن يبين المستدل أن للوصف الذي أسقطه المعترض تأثيرا في الحكم . مثاله: أن يقول المستدل على وجوب أداء صلاة الخوف، قياسا على صلاة الأمن: صلاة يجب قضاؤها، فيجب أداؤها، كصلاة الأمن . ويجعل كونها صلاة جزءا من العلة . فيسقطه المعترض ويقول: إنا نريك عبادة وجب قضاؤها ولم يجب أداؤها، وهي صوم الحائض في رمضان . ويقول المستدل: إن للوصف الذي أسقطت – أعني _ كونها صلاة تأثيرا في الحكم، وهو وجوب الأداء، وإن الصلاة تخالف الصوم في ذلك .
الإعتراض (( الخامس عشر(1) ))
المعارضة في الأصل .وهي إتيان المعترض بعلة أخرى للأصل المقيس عليه، غير التي علل بها المستدل . إما صالحة للإستقلال بالعلية، أو غير صالحة له . والأولى تحتمل أن تكون علة مستقلة، وأن تكون جزء علة، بأن تكون العلة هي الوصف الذي علل به المستدل، والذي أتى به المعترض . والثانية لا تحتمل أن تكون علة مستقلة، بل غايتها أن تكون جزء علة، فحينئذ لا يحصل الحكم بالوصف الذي جاء به المستدل .
مثال الأول: أن يعلل المستدل حرمة الربا في الربويات بالطعم، فيعارضه المعترض بالكيل أو القوت .فهذا يحتمل أن تكون المعارضة فيه باعتبار أن العلة الكيل أو القوت وحده . ويحتمل أن تكون باعتبار أن العلة مجموع الطعم والقوت .
__________
(1) _ نص الكافل هكذا: ( الخامس عشر: المعارضة في الأصل. كما إذا علل المستدل حرمة الربا في الطعم. فعارضه المعترض بالكيل. فيقول المستدل: لا نسلم أنه مكيل، لأن العبرة بعادة زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يكن مكيلا يومئذ، أو يقول: ولم قلت إن الكيل مؤثر؟ وهذا الجواب هو المطالبة. وإنما يسمع حيث كان ثبوت العلية بالمناسبة، لا بالسبر فلا يسمع. وللمعارضة جوابات أخر).(1/100)

20 / 49
ع
En
A+
A-