(( والمباح )) في اللغة: الموسَّع فيه.
وفي الاصطلاح: (( مالا ثواب ولا عقاب في فعله ولا تركه )). تخرج الأربعة المتقدمة، لأن الواجب والمندوب في فعلهما ثواب، والمكروه والحرام في تركهما ثواب، وقد يسمى حلالا.
(( والفرض والواجب مترادفان )) على المختار. بمعنى: أن كل واحد منهما يطلق على ما يطلق عليه الآخر.
(( خلافا )) للناصر عليه السلام و(( للحنفية )). فليسا مترادفين عندهم، بل الفرض: ما دليل وجوبه قطعي، مثل الكتاب والسنة المتواترة، وذلك كالصلوات الخمس، فما كان كذلك، فإنه يسمى فرضا، ويفسق تاركه، ويكفر مستحله، ويقضى.
والواجب: ما دليله ظني. كخبر الواحد، والقياس الظني، وذلك كالوَتر عندهم، وما كان كذلك فلا يثبت فيه ما تقدم.
قلنا: إن ادعوا أن التفرقة لغوية أو شرعية، فليس في اللغة ولا في الشرع ما يقتضيها. وإن كانت اصطلاحية، فلا مَشآحَّة في الاصطلاح.
قيل: والخلاف لفظي.
[ أقسام الواجب ]
(( وينقسم الواجب )) إلى أقسام:
(أ)_ 1_ منها: بحسب فاعله (( إلى فرض عين )). وهو: ما وجوبه على جميع المكلفين، ولا يسقط بفعل البعض، كالصلوات الخمس.
2_ (( وفرض كفاية )). وهو: ما وجب على الجميع، ويسقط بفعل البعض، كصلاة الجنازة والجهاد.
(ب)_1_ (( و ))منها بحسب نفسه: (( إلى معين )). وهو: مالا يقوم غيره مقامه كالصلوات أيضا.
2_ (( ومخير )). وهو: ما يقوم غيره مقامه كخصال الكفارة .
(ج)_ (( و ))منها: بحسب نفسه أيضا:
1_ (( إلى مطلق )). وهو: مالا وقت له معين، وإنما وقته حال حصوله، كالزكاة للخضراوات مثلا، فإنه لا وقت لها معين، وإنما تجب حال الحصاد والله أعلم.
2_ (( ومؤقت )). وهو: ماله وقت معين، كالصوم، والصلاة، والحج، ونحوها.
(د)_ (( والمؤقت )) ينقسم بحسب وقته:
1_ (( إلى مضيق )). أي: إلى ما وقته مضيق، وهو الذي لا يتسع إلا للفعل فقط، كوقت الصوم، ويسمى هذا الواجب المضيق.(1/6)
2_ (( وموسع )) أي: إلى ما وقته موسع، وهو ما يتسع لفعل الواجب وزيادة، كأوقات الصلاة، وهذا هو الواجب الموسع ، وقد يكون وقته العمر، كالحج مثلا.
(( والمندوب والمستحب مترادفان )) ويراد فهما أيضا التطوع، والمرغب فيه.
(( والمسنون أخص منهما )). لأن المسنون ما أمر به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم _ ندبا _ وناضب عليه، كالرواتب للفرائض. والمندوب ونحوه: بخلافه. وهو: ما أمر به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم _ ندبا _ ولم يوضب عليه.
فكل مسنون مندوب، ولا عكس. فالمندوب أعم لوجوده بدون المسنون.
هذا واعلم: أن المسنون والمندوب ونحوه لا يأثم معتاد تركهما لغير استهانة، ولا يفسق على الأصح، ويندب قضاؤهما.
فهذه هي: الأحكام الخمسة.
وأما توابعها فقد أوضحها بقوله:
(( والصحيح )) هو (( ما وافق أمر الشارع )).
اعلم: أن لفظ الصحة والبطلان تستعمل تارة في العبادة، وتارة في المعاملة.
أما في العبادة فالصحة: موافقة أمر الشارع.
والصحيح هو: ما وافق أمر الشارع. أي: ما كملت فيه الشروط التي اعتبرها الشارع، كالصلاة بالطهارة.
وأما في المعاملات فهي: ترتب الأثر المطلوب منها عليها، كحصول المِلك، وحلِّ الانتفاع في البيع، ومنفعة البضع في النكاح.
(( والباطل نقيضه )). أي: نقيض الصحيح في العبادات والمعاملات. فالبطلان في العبادة: عدم موافقة أمر الشارع.
والباطل: ما لم يوافق أمر الشارع، كصلاة من دون طهارة.
وفي المعاملة: عدم ترتب الأثر المطلوب منها عليها، كبيع الملاقي _ وهي ما في بطون الأمهات _ فإنه باطل لعدم ذكر البيع.
وتفسير الباطل في العبادة: يصلح تفسيرا له في المعاملة، والعكس والله أعلم.
(( والفاسد )) من العبادات والمعاملات (( المشروع بأصله، الممنوع وصفه )) .
أما في العبادات فكصوم الأيام المنهي عن صومها، فإن الأصل وهو الصوم مشروع، ولكن الوصف وهو كونه في تلك الأيام منعه.(1/7)
وأما في المعاملات فكبيع الدرهم بالدرهمين، فإن أصله وهو البيع مشروع، بدليل {وأحل الله البيع}.
ولكن الوصف وهو اشتمال أحد الجانبين على الزيادة فيما لا بد فيه من علم التساوي منعه.
(( وقيل )) _ والقائل الشافعي ومالك وغيرهما _ بل الفاسد:
(( مرادف الباطل )). فيُفسَّر بما يفسر به الباطل.
فإن قلت: ما أثر الفرق بين الفاسد والباطل عند من لم يجعلهما مترادفين؟!
قلت: أما المعاملات كالبيع والنكاح، فأثره أن الفاسد يجوز الدخول فيه، وحكمه حكم الصحيح، إلا في أمور مذكورة في مواضعها، بخلاف الباطل.
وأما في العبادات ففي الصلاة والصوم لا يظهر له أثر، وأما الحج فيظهر، فالفاسد: ما فسد بالوطء قبل التحليل بالرمي وقبل مضي وقته. فيلزم فيه الإتمام والقضاء، بخلاف الباطل.
قيل: ومن قال بالترادف إنما يقول به في الصلاة والبيع دون سائر العبادات والمعاملات.
(( والجائز يطلق على ))أربعة معان:
أحدها: (( المباح )) .وقد مر حده. وذلك كما يقال التزين بثياب الزينة جائز أي: مباح.
(( و )) ثانيها: أنه يطلق (( على: الممكن ))أي: مالا مانع عنه – عقلا _نحو أن يقال: كون جبريل في الأرض جائز، أي: لا مانع منه في العقل. أو _ شرعا _ نحو أن يقال: الأكل بالشمال جائز، أي: لا يمتنع شرعا.
(( و )) ثالثهما: أنه يطلق (( على: ما استوى فعله وتركه – عقلا _)). كفعل الصبي.
وكذلك _ شرعا – كالمباح. وهذا القسم أعم من المباح، فلا يقال: أنه هو!!
(( و )) رابعها أن يطلق على: (( المشكوك فيه )). وهو: الذي تعارضت فيه أمارها الثبوت والانتفاء، أمارة تقتضي ثبوته، وأخرى تقتضي نفيه، في العقل والشرع .
مثاله في العقل: ما يقول المتوقفون في أصل الأشياء: هل على الخطر أم على الإباحة؟!
فإن المتوقف في ذلك يصفه بأنه جائز الأمرين. أي: الحظر وعدمه، لاستوائهما عند تعارض دليلهما.(1/8)
ومثاله في الشرع: ما يقوله المتوقف في حكم لحم الأرنب، ووجوب صلاة العيد، لتعارض إمارتي الأمرين جميعا.
فذلك كله صحيح بالاعتبارين: اعتبار الامتناع، والجواز، لتعارض دليلي الصحة، والامتناع. وباعتبار: الوقوع وعدمه. لتعارض إمارتيهما. فيوصف بأنها جائز لهذين الاعتبارين.
فهذه هي المعاني التي تُعبِّر بلفظ الجائز عنها في لسان العلماء.
(( والأداء ما فعل _ أولا _ في وقته المقدر شرعا )).
قوله: (( ما فعل )) جنس الحد، يدخل: الأداء وغيره، كالقضاء والإعادة.
وقوله: (( أولا )) تخرج: الإعادة لأنه فُعِلَ ثانيا لا أولا.
وقوله: (( في وقته المقدر له )) يخرج: القضاء لأنه فُعِلَ بعد الوقت، ويخرج أيضا: ما لم يقدر له وقت كالنوافل المطلقة.
وقوله: (( شرعا )) يخرج: ما فُعِل أولا في وقته المقدر له، لكن عقلا لا شرعا، كقضاء الدين عند المطالبة، فإنه فُعِلَ في وقته المقدر له، وهو ما يتسع له بعد المطالبة، لكن ذلك التقدير ليس بالشرع، بل بالعقل. فأن قلت: إذا فعل ركعة من الفرض في الوقت وأتم بعد خروجه، هل ذلك أداء أم قضاء؟!
قلت: بل أداء . لأن الوقت المقدر للفرض هو: إلى بقية تسع ركعة كاملة . فما فعله في ذلك الوقت فهو أداء، فقد دخل ذلك في قوله: المقدر له. فتأمل!
(( والقضاء ما فُعِل بعد وقت الأداء )). وهو المقدر له أولا شرعا. يخرج الأداء والإعادة، (( استدراكا لما سبق له وجوب مطلقا )). قوله: استدراكا. يخرج ما ليس كذلك، كالصلاة مثلا إذا أداها في وقتها، ثم أعادها في الوقت لإقامة الجماعة، أو أداها خارج الوقت قضاءً، ثم أعادها لجماعة، فإنه لا يكون فعله الثاني قضاء، لأنه ليس باستدراك، كما لا يكون أداء أو إعادة، لأنه ليس في الوقت.
وقوله: لما سبق له وجوب. تخرج النوافل إذا فعلت بعد وقتها، فإن فعلها لا يسمى قضاء إلا تجوزا، إذ لم يسبق لها وجوب.(1/9)
وقوله: مطلقا. قيد للوجوب، أي: سواء كان على القاضي أم على غيره، فيدخل في ذلك قضاء الحائض للصوم، لأنه وأن لم يسبق له وجوب عليها، فقد وجب على غيرها .
وقيل: بل على القاضي فقط. فيخرج قضاء الحائض للصوم إذ لم يسبق له وجوب عليها.
ثم لا فرق بين تأخيره عن وقت الأداء سهوا أو عمدا، مع التمكن من فعله أولا، ومع عدم التمكن لمانع من الوجوب شرعا كالحيض، أو عقلا كالنوم.
فإن قلت: إذا مات الميت فحَجَّج عنه وصيه هل يكون أداء أو قضاء؟! قلت: ذكر بعضهم أن ذلك قضاء، لأنه فعل بعد الوقت المقدر له، لأن وقته المقدر له هو عمر المكلف، فوقوعه من الوصي هو بعد وقته الموسع. فتأمل والله أعلم.
(( والإعادة ما فُعِل ثانيا في وقت الأداء لخلل في الأول )).
قوله: ثانيا. يخرج الأداء. وقوله: في وقت الأداء. يخرج القضاء. وقوله: لخلل في الأول. يخرج ما ليس كذلك، كالمنفرد إذا صلى ثانية مع الجماعة.
وقيل: لعذر. فيدخل المنفرد إذا صلى ثانيا فيه مع الجماعة، لأن طلب الفضيلة عذر.
(( والرخصة ))من الفعل والترك (( ما شُرِع )) للمكلف فعله أو تركه، (( لعذر )) وهو ما يطرأ على المكلف، فيمنع حرمة الفعل أو الترك الذي حرمه الدليل. (( مع بقاء مقتضى التحريم )). وهو دليل الحرمة لو لا ذلك العذر. فالفعل: نحو أكل الميتة للمضطر، والترك: كالفطر في السفر، والقصر فيه عند بعضهم.
(( والعزيمة بخلافها )) وهو ما شرع من الأحكام لا لعذر مع قيام المحرِّم لو لا العذر.
واعلم أنه لا ينحصر الحكم في العزيمة والرخصة، إذ لا يدخل المندوب والمباح والمكروه في العزيمة، إذ لا رخصة فيها.
ولا يوصف الفعل: بالعزيمة ما لم تقع في مقابله الرخصة. فتأمل!
((الباب الثاني [في الأدلة] ))
من أبواب الكتاب (( في الأدلة )) والأماران، وشروطها وكيفية الأخذ بها.
(( الدليل )) له معنيان، لغوي واصطلاحي.(1/10)