الأول ممنوع . والثاني: إما إن يسلمه أو يسكت عنه . وأما إذا كان المنع لما لا يلزم المستدلَ بيانُه فإنه لا يقبل . وذلك بأن يكون المنع راجعا إلى عدم التأثير . مثال ذلك أن يقول المستدل في مسألة الملتجئ إلى الحرم: القتل العمد العدوان سبب للقصاص . فيقول المعترض متى هو سبب مع مانع الإلتجاء أم بدونه ؟ الأول: ممنوع . فهذا لا يقبل، لأن حاصله أن الإلتجاء مانع من القصاص . فهو يطالِب ببيان عدم كونه مانعا ؟ والمستدل لا يلزمه ذلك . لأن الدليل مالو جُرِّد النظر إليه أفاد الظن . والله أعلم .
وهذا الإعتراض راجع أيضا إلى دعوى اختلال شرط.
الإعتراض (( السادس منع وجود المدعى علة في الأصل(1) ))
وهو أن يمنع المعترض من وجود ما ادعاه المستدل علة في الأصل،
فضلا عن أن يكون هو العلة . مثلا أن يقول المستدل في المنع من تطهير الدباغ لجلد الكلب بالقياس على الخنزير: حيوان يغسل الإناء من ولوغه سبعا، فلا يطهر بالدباغ كالخنزير . فيمنع المعترض من ذلك بأن يقول: لا نسلم بأن الخنزير يغسل الإناء من ولوغه سبعا ؟
__________
(1) _ نص الكافل هكذا: (السادس منع وجد المدعى علة في الأصل .مثاله : أن يقال في الكلب: حيوان يغسل من ولوغه سبعا، فلا يقبل جلده الدباغ كالخنزير . فيقول المعترض: لانسلم أن الخنزير يغسل من ولوغه سبعا ؟! وجوابه : بإثبات ذلك في الخنزير ) .(1/91)


وجوابه: إثبات وجود الوصف المدعى علة في الأصل بما هو طريق ثبوت مثله، فإذا كان الوصف حسيا فبالحس، أو عقليا فبالعقل، أو شرعيا فبالشرع . مثلا إذا قال في قياس وجوب القصاص في القتل بالمثقل على القتل بالمحدد: قتل عمد عدوان، فيقتص منه كالقتل بالمحدد . فهذه أوصاف حسي وعقلي وشرعي . فإذا منع المعترض من كون القتل بالمحدد قتلا ! قال المستدل: معلوم حسا . وأن منع من كونه عمدا ! قال: معلوم عقلا بأماراته . ولو منع من كونه عدوانا ! قال: لأن الشرع حرمه . ويثبت الوصف المدعى في المثال الأول بالشرع، إذ هو شرعي . والله أعلم .
وهذا الإعتراض أيضا يعود إلى دعوى اختلال شرط.
الإعتراض (( السابع ))
(( منع كون الوصف ))المدعى أنه العلة في الأصل (( علة )) . وإن كان موجودا فيه، وهو من أعظم الأسئلة لعموم وتَشَعُّب مسالك العلل . أي: كثرتها . وهو مقبول على المختار . إذ لو لم يُقبل لأدى إلى التمسك بكل وصف طردي . أي: لا تأثير له في الحكم . فيؤدي إلى اللعب، فيضيع القياس . إذ لا بد في العلة الجامعة بين الأصل والفرع من أن يغلب في الظن صحتها، وإلا لم يصح القياس . وهذا القيد لا بد منه في حد القياس، وإن لم يذكر . مثله أن يقال في المثل السابق في الإعتراض السادس لا نسلم أن العلة في كون جلد الخنزير لا يقبل الدباغ، هي كونه يغسل الإناء من ولوغه سبعا ؟
وجوابه: أن يثبت المستدل عليه الوصف بأحد طرقها المتقدمة، وهذا الإعتراض راجع إلى ما رجع إليه ما قبله .
الإعتراض (( الثامن: عدم التأثير(1) ))
__________
(1) _ نص الكافل هكذا: ( الثامن عدم التأثير. وهو: أن يبدي المعترض في قياس المستدل وصفا لا تأثير له في إثبات الحكم. ومن أمثلته: قول الحنفية في المرتدين إذا أتلفوا أموالنا في دار الحرب: مشركون أتلفوا أموالا في دار الحرب فلا ضمان عليهم كسائر المشركين.فيقول المعترض: دار الحرب لا تأثير لها في عدم الضمان عندكم.(1/92)


(( وهو عبارة عن إبداء المعترض في قياس المستدل وصفا لا تأثير له في إثبات الحكم )).
فإن أظهر عدم تأثيره مطلقا فهو عدم التأثير في الوصف.
أو عدم تأثيره في ذلك الأصل المقيس عليه، فهو عدم التأثير في الأصل. أو عدم تأثير قيد منه، فهو عدم التأثير في الحكم .
أو يظهر عدم تأثيره بعد اطراده في محل النزاع، وإن كان مناسبا، ويسمى عدم التأثير في الفرع . فهذه أربعة أقسام :
مثال الأول: أن يقول المستدل على أن صلاة الفجر لا يصح تقديمها قبل طلوعه، بالقياس على المغرب: صلاة لا تقصر فلا يقدم آذانه كالمغرب . فيقول المعترض: عدم القصر لا تأثير له في عدم التقديم، إذ لا مناسبة بينهما فهو وصف طردي . ولا تأثير له إتفاقا . بدليل أنه يستوي المغرب وغيره، مما يقصر في ذلك . ومرجع هذا المطالبة بكون العلة علة . وقد تقدم . فجوابه جوابها .
ومثال الثاني: أن يقول المستدل على أن بيع الشيء الغائب لا يصح، بالقياس على بيع الطير في الهواء: مبيع غير مرئي، فلا يصح بيعه، كالطير في الهواء . فيقول المعترض: كونه غير مرئي لا تأثير له في الأصل _ أعني _ مسألة الطير . إذ التأثير للعجز عن التسليم .فهو كاف في عدم الصحة . بدليل أن المرئي وغيره سواء في ذلك . ومرجع هذا إلى المعارضة في الأصل .وستأتي إن شاء الله تعالى .فجوابه جوابها. ومثال الثالث: أن يقول الحنفي في الإستدلال على أن المرتدين إذا أتلفوا أموال المسلمين لا يضمنونها، بالقياس على الحربيين: مشركون أتلفوا أموالا في دار الحرب فلا ضمان عليهم، كالحربيين . فيقول المعترض: دار الحرب لا تأثير لها عندكم في عدم وجوب الضمان، لاستواء الإتلاف من المشركين في دار الحرب وغيرها، في عدم إيجاب الضمان عندكم . ومرجع هذا إلى المطالبة بكون العلة علة . فهو كالقسم الأول . إلا أن هذا في جزء العلة وهذاك في جميعها .(1/93)


ومثال الرابع: أن يقول المستدل على أنه لا يصح إنكاح المرأة نفسها بغير أذن وليها، بالقياس على التزويج من غير الكفء: امرأة زوجت نفسها بغير أذن وليها فلا يصح، كما لو زُوجت من غير كفء . فيقول المعترض: لا تأثير لعدم الكفاءة في فساد تزويجها نفسها، وإنما المؤثر عدم الولي، إذ الكفء وغيره سواء في ذلك . بدليل أنها لو زوجت نفسها من كفء لم يصح . ومرجع هذا إلى المعارضة في الأصل، فهو كالقسم الثاني، إلا أن المؤثر في هذا هو نفس التزويج بغير أذن الولي، وهو مذكور في القياس . وفي الثاني المؤثر العجز عن التسليم، وهو غير مذكور . فتبين أن هذا الإعتراض ليس سؤالابرأسه.
إذ الأول منه، والثالث يرجعان إلى منع كون الوصف المدعى علة. وهو الإعتراض السابع، وقد تقدم . والثاني منه، والرابع يرجعان إلى المعارضة في الأصل، وستأتي . وعدم التأثير راجع إلى المنازعة في كمال شروط العلة .
الإعتراض (( التاسع (1))
القدح في إفضاء الحكم إلى المقصود، أي:
__________
(1) _نص الكافل هكذا: (التاسع : القدح في إفضاء المناسبة إلى المصلحة المقصودة.مثاله: أن يقالفي علة تحريم مصاهرة المحارم على التأبيد أنها الحاجة إلى ارتفاع الحجاب.ووجه المناسبة أن التحريم المؤبد يقطع الطمع في الفجور . فيقول المعترض: لانسلم ذلك، بل قد يكون أفضى إلى الفجور لسد باب الزواج .وجوابه: بأن رفع الحجاب على الدوام مع اعتقاد التحرم لايبقى معه المحل مشتهى طبعا كالأمهات ) .(1/94)


القدح في إفضاء المناسبة إلى المصلحة المقصودة من شرع الحكم له، مثاله: أن يقول المعلل في تحريم نكاح المحارم بالصهارة على التأييد: العلة في ذلك الحاجة إلى ارتفاع الحجاب . ويقول: وجه المناسبة بين تحريم المحارم بالصهارة على التأييد كأم الزوجة، وبين الحاجة إلى ارتفاع الحجاب، أن التحريم يفضي إلى رفع الفجور، لأن التحريم على التأييد يرفع الطمع المفضي إلى مقدمات الهم بها والنظر إليها، المفضية إلى الفجور . فهذه المناسبة بين التحريم وبين الحاجة إلى ارتفاع الحجاب، مفضية إلى المصلحة المقصودة من شرع الحكم – أعني _ التحريم . وهي سد باب الفجور ورفعه . فيقول المعترض: التحريم على التأييد، وسد باب النكاح لا يفضي إلى رفع الفجور . بل هو يفضي إلى الفجور أشد إفضاء منه إلى رفع الفجور. لأن النفس مائلة إلى ما منعت منه بالطبع . ولذا قال صلى الله عليه وآله وسلم: ( لو منع الناس من فت البعرة لفتوها ) .
وقال الشاعر :
مُنعت شيئا فأكثرت الولوع به أحب شيء إلى الإنسان ما منعا وجوابه: ببيان الإفضاء إليه بأن يقول: التأييد يمنع عادة مما ذكرنا من الهم والنظر، فبدوامه يصير كالأمر الطبيعي، كما في الأمهات، فحينئذ يمتنع الميل إلى الفجور، فلا يبقى المحل مشتهى .
الإعتراض(( العاشر القدح في المناسبة(1) ))
بأن يوجد معارض لتلك المصلحة، من مفسدة راجحة على تلك المصلحة، أو مساوية لها . لما مر من أن المناسبة تنخرم بمفسدة تلزم راجحة، أو مساوية .
__________
(1) _ نص الكافل هكذا: (العاشر : القدح في المناسبة وهو إبداء مصلحة راجحة أو مساوية .وجوابه بترجيح المصلحة على المفسدة .ومن أمثلته: أن يقال: التخلي للعبادة أفضل لما فيه من تزكية النفس .فيقول المعترض: لكنه يفوتأضعف تلك المصلحة، كإيجاد الولد، وكف النظر، وكسر الشهوة.وجوابه : أ، مصلحة العبادة أرجح، إذ هي لحفظ الدين، وما ذكرت لحفظ النسل ) .(1/95)

19 / 49
ع
En
A+
A-