(( اعتبار جنسه )) أي: الوصف، حيث يكون جنسا تحته نوعان (( في جنس الحكم )) المراد إثباته بالقياس، حيث يكون جنسا تحته نوعان أيضا (( كإثبات القصاص بالمُثَقَّل قياسا على المحدد، بجامع كونهما جناية عمد عدوان )) . بأن يقال مثلا: يجب القصاص بالقتل بالمثقل قياسا على القتل بالمحدد، بجامع كونهما جناية عمد عدوان . فالحكم وهو مطلق وجوب القصاص جنس يجمع القصاص في النفس، وغيرها مما يجب فيه القصاص، كاليدين والرجلين والعينين والأنف والأذن . والوصف المناسب وهو جناية العمد العدوان جنس أيضا يجمع الجناية في النفس، وفي الأطراف وفي المال .(( فقد اعتبر جنس الجناية في جنس القصاص الثابت )) بالنص .وهو قوله تعالى: {النفس بالنفس… }إلى
قوله: { والجروح قصاص }.وبالإجماع أيضا وذلك ظاهر .
(( و )) القسم الثالث وهو المناسب (( الغريب ما قد ثبت اعتباره بمجرد ترتب الحكم على وَفْقِه، ولم يثبت بنص، ولا إجماع اعتبار عينة ولا جنسه في عين الحكم ولا جنسه )) وذلك: (( كتعليل تحريم النبيذ بالإسكار قياسا على الخمر )) فتثبت فيه الحرمة كما تثبت في الخمر، لاشتراكهما في علة التحريم وهي الإسكار، (( على تقدير عدم )) ورود (( النص بأنه )) أي: الإسكار (( علة في تحريم )) الأصل المقيس عليه وهو (( الخمر )) .فإنه على هذه التقدير لم يوجد الإسكار علة في تحريم شيء، بل ثبت بمجرد المناسبة اعتبار الإسكار في التحريم، حفظا للعقل بمجرد ترتب الحكم على وفقه، فلا يكون مرسلا، لكنه غريب من جهة عدم النص، أو الإجماع على اعتبار عينه أي: الإسكار، أو جنسه في عين التحريم، أو في جنسه .
(( و )) القسم الرابع وهو المناسب (( المرسل )) هو (( ما لم يثبت )) في الشرع (( اعتباره بشيء مما سبق )) . يعني: أن المرسل ما لم يثبت في الشرع اعتبار عينه في عين الحكم أصلا، بنص ولا إجماع ولا بمجرد ترتب الحكم على وفقه .(1/81)


(( وهو )) أي: المناسب المرسل (( ثلاثة أقسام :
(( ملائم )) .
(( وغريب )) .
(( وملغي ))
(( فـ )) لقسم الأول (( الملائم المرسل )) وهو (( ما لم يشهد له أصل معين بالإعتبار )) .يعني: أنه لم يثبت اعتبار عينه في عين الحكم أصلا . (( لكنه مطابق لبعض مقاصد الشرع الجُمليَّة )) وذلك
(( كقتل المسلمين المُترَّس بهم عند الضرورة )) . يعني إذا تَرَّس الكفار بهم وقصدونا، فإن في قتلهم مصلحة راجحة، وهي حفظ بيضة الإسلام . وقد دعت إليه الضرورة، وهي المحافظة على الإسلام، فحينئذ يجوز قتلهم . ولا دليل على الجواز إلا القياس المرسل، ورعاية الأ صلح لجملة الإسلام . ولا أصل له معين يرد إليه ويشهد له بالإعتبار، مما ورد فيه نص، أو إجماع .وإنما يرد إلى جُملِي وهو رعاية مصالح الإسلام، فقد طابق بعض مقاصد الشرع الجملية، وهي رعاية المصالح فيقاس عليها .
(( وكقتل الزنديق )) إذا ظفرنا به، وهو من ينكر القول بحدوث العالم ويقول بقدمه، فإنه يقتل (( وإن اظهر التوبة )) . فإن توبته لا تقبل، ولا يصير بذلك محقون الدم، بل يسفك ويقتل . وذلك لأن مذهبه التَّقِيَّة بأن يظهر خلاف ما يدين به، فلو قبلناها لم يمكن زجر زنديق أصلا، والزجر مقصود في الشرع . فلم يُرجع بذلك إلى أصل معين يشهد له بالإعتبار، بل يُرجع فيه إلى مصلحة جُملية اعتبرها الشرع فَقِسناه عليها، وهي الزجر على سبيل الجملة .
(( وكقولنا يحرم النكاح على العاجز عن الوطء من تعصي لتركه )). فإن من قال بذلك لا حجة له إلا القياس المرسل، وهو أنه يعرضها لفعل القبيح، والشرع يمنع من تعريض الغير لفعل القبيح في بعض الصور، نحو المنع من الخلوة بغير المحرم من النساء، للإحتراز من المعصية، فلا أصل له معين يشهد له بالإعتبار، بل مرجعه إلى مصلحة جملية اعتبرها الشرع، وهي منعه من تعريض الغير لفعل القبيح .(1/82)


(( وأشباه ذلك )) كثير .مما مستنده القياس المرسل . كما هو موضوع في بسائط هذا الفن .
(( وهذا النوع )) من القياس المرسل (( هو المعروف )) عند الأصوليين (( بالمصالح المرسلة )) . أي: التي لا يشهد لها معين بالإعتبار، ولا بالإلغاء، لا بالنص ولا بالإجماع ولا بالقياس . وإنما سميت مصالح لأن الظن قد غلب بأن الحكم بها يطابق مقصودات الشرع . ومصلحة المكلفين مرسلة من حيث أن نصوص الشرع لم تتناولها ولا رُدَّت إلى أصل معين يستفاد حكمها من الرد إليه . (( والمذهب اعتباره ))، وأنه من الجهات التي يتوصل بها إلى الأحكام الشرعية .
(( و )) القسم الثاني من المناسب المرسل (( المرسل الغريب )) وهو (( مالا نظير له في الشرع )) معتبرٌ لا جملة ولا تفصيلا . (( لكن العقل يستحسن الحكم لأجله، كأن يقال في قياس البآتِّ لزوجته في مرضه المخوف لئلا ترث: يعارض بنقيض قصده فتورث، قياسا على القتل عمدا، حيث عورض بنقيض قصده فلم يورث القاتل عمدا ))، بجامع كونهما فَعَلا محرما لغرض فاسد . فإنه لم يثبت في الشرع أن ذلك هو العلة في القاتل ولا غيره، فالأصل المقيس عليه القاتل عمدا، والفرع البآت لزوجته في مرضه، والحكم في الأصل عدم الإرث، والعلة المعارضة بنقيض قصده، لأنه قصد بالقتل الإرث، والحكم في الفرع ثبوت الإرث إذا قصد أنها لا ترث، والوصف المعارضة بنقيض القصد أيضا، فالمعارضة بنقيض القصد لا نظر لها في الشرع، ولكن العقل يستحسن الحكم لأجله .(1/83)


(( و )) القسم الثالث هو (( المرسل الملغي )) وهو (( ما صادم النص وإن كان لجنسه نظير في الشرع )) وذلك (( كإيجاب الصوم )) يعني شهرين متتابعين (( ابتداء )) . يعني قبل العجز عن الإعتاق (( على المُظَاهِر )) من زوجته . (( ونحوه )) وهو المجامع في شهر رمضان على القول بالوجوب، والقاتل خطأ في الكفارة .(( حيث هو )) أي: الفاعل لأي هذه الأسباب (( ممن يسهل عليه العتق ))، ليكون ذلك (( زيادة في زجره )) لأجل صعوبة الصوم . (( فإن جنس الزجر مقصود في الشرع لكن النص )) وهو قوله تعالى : {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين }.وكذلك الإجماع على تأخير الصوم أيضا (( منع من اعتباره )) أي: ما هو أوقع في الزجر وهو الصوم (( هنا )) .أي: في هذا الحكم .حيث هو يتمكن من العتق . لأن النص والإجماع صرحا بأن الصوم إنما يجزي من لم يجد رقبة يعتقها، كما هو ظاهر في الآية . (( فَأُلغي )) هذا المناسب حينئذ .
(( وهذان )) القسمان الأخيران من المناسب المرسل _ أعني _ الغريب، والملغي (( مُطَّرحان )) لا يعمل بهما اتفاقا عند العلماء .
أما الأول: فقد تقدم من أنه لا نظير له في الشرع .
وأما الثاني: فلمصادمته النص . والله أعلم .(1/84)


(( قيل: ومن طرق العلة )) طريق خامسة وهي (( الشَّبَه )) . وله معنيان: أعم وأخص، أما الأعم فهو : ما يرتبط الحكم به على وجه يمكن القياس عليه، وهذا يعم العلل جميعها . وأما الأخص وهو المراد هنا فقد بينه المصنف بقوله: (( وهو أن يوهم الوصفُ المناسبةَ )) بينه وبين الحكم وذلك (( بأن يدور معه )) أي: مع الوصف (( الحكم وجودا وعدما ))، بأن يوجد الحكم متى وجد الوصف، ويعدم متى عدم، (( مع التفات الشارع إليه )) .بأن يكون مما قد اعتبره في بعض الأحكام . وبيان كونه من طرق العلة، أن الوصف كما أنه قد يكون مناسبا، فيُظن بذلك كونه علة، كذلك قد يكون شبيها فيفيد ظنا ما بالعلية، وذلك: (( كالكيل في تحريم التفاضل على رأي )) . أي: عند من جعله هو العلة في التحريم، فإن التعليل به لم يثبت بنص ولا تنبيه نص ولا إجماع ولا حجة إجماع، وإنما ثبت بكون الحكم يثبت بثبوته وينتفي بانتفائه .
(( و )) له مثال آخر وهو أن يقال في قياس (( تطهير النجس )) على الحدث في تعيين الماء لأزالته (( يتعين له )) أي: تطهير النجس
(( الماء كطهارة الحدث ))حيث تعين له الماء (( بجامع كون كل منهما ))أي: من تطهير النجس، وتطهير الحدث: (( طهارة تراد للصلاة فيتعين لها )) أي: لطهارة النجس (( الماء كطهارة الحدث )).(1/85)

17 / 49
ع
En
A+
A-